03-07-2011, 11:10 PM
|
رقم المشاركة : 1
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
آخر
مواضيعي |
|
|
حيفا .. أنثى العندليب !
حيفا .. أنثى العندليب !
د. نديم حسين
أنثى العندليبِ خفيفةُ الجناحين . تشتهيها الريحُ ويكتفي رحيلُها بنصفِ شتاءٍ . يوقظُهُ الرعدُ ليقولَ مطرًا يُبلـِّلُ صوتَ العنادل . ينزلُ الضبابُ من الجبالِ إلى العيون . يرى الضبابُ طريقَهُ إذا أسعفتهُ شمعةٌ عنيدةٌ .
حبيبتي أنثى عندليبٍ . أقبِّلُها بأُمِّ شفتَـيَّ لكي أزدادَ شَوقًا إليها ! وهي خطوةٌ بين الندى ورَمادي . تُصابُ بالثَّلجِ بين كل ولادتين . يذوبُ الثَّلجُ واسمُهُ يذوبُ . لتغسِلَ حيفا جسدّها الكَرمليَّ من نظراتِ الزُّناة ! تُنزِلُ حُزنَ الماءِ عن دمعةٍ لا يراها سواي . تغسِلُ روحَها : جبلُ الكرملِ قطعةُ صابونٍ فاخرٍ . يُترجمُها الماءُ إلى رغوةٍ . وأشجارُهُ إسفنجةٌ وشمسُهُ منشَفَةٌ .
إذًا ، تعودُ حيفا نظيفةً ... تعودُ إليَّ !
حيفا أنثى عندليبٍ يَزني بها الموتُ . تُصادِقُ مَوتَها لترتاحَ منكم قليلا . لروحِها الميِّتةِ مائةُ جثَّةٍ . لعودتها مليونُ جسد . قبرُها صغيرٌ لأنها صغيرةٌ . قبرُها فَمـُكُم !! متى تُغلقونَهُ لتقرؤوا الفاتحةَ بصَمتٍ جَهوريٍّ ؟ متى !؟ متى تُطفئونَ قمرَ ليلكم لتتوهَ قليلا .. تموتَ قليلا .. ترتاحَ قليلا ؟ متى تُطفئونَ أفواهَكم لتسمعَ صهيلَ خيولكم ؟
وردةٌ واحدةٌ تكفي غطاءً لحُلمِ الحليبِ وأقاليم الضفيرةِ . متى تأكلون حدائقَكم ؟ متى تفطمونَ كلماتِكم لتَجوعَ ، فتأكلَ لحمَ الطيور الغريبةِ ؟ متى يلبسُ فارسُكم بَدَنَ الزندِ ؟
يُطفئُ الصباحُ قمرًا ويمضي خفيفًا كالبَياضِ إلى أعمالِهِ . يُعـِدُّ كعكةً مقاديرُها : نِصفُ شَمالٍ ، رُبعُ شمسٍ جنوبيَّةٍ ، ثُلثُ ريحٍ شَرقيَّةٍ ، وقليلٌ من ملحِ البَحرِ . وكثيرٌ من سُكـَّرِ الكلام . يُعِدُّ صباحُها كعكةً نظريـَّةً . لتَشبَعَ الجغرافيا ويتجشَّاَ التاريخُ . هذا الصَّباحُ طاهٍ ردئٌ . عينُهُ ضَحلةٌ . ينظُرُ في أمرِ حيفا ولا يراها تمامًا . صَقرٌ متقاعدٌ مُتعَبٌ يسكنُ في عينيهِ المُطفأَتَين .
وحيفايَ أنثى العندليبِ .. يتدَلَّى من أُذُنيها قِرطان من غيمٍ . تلهثُ الروحُ خَلفَها ويغسِلُ " المُقَطَّعُ " يديهِ من دَمهِ ومن دَمِها ! يسيرُ ماؤُهُ من مَكمَنِ سِرِّها إلى الأبيضِ المتوسِّطِ . يسيرُ كالطيورِ المهاجرةِ . وتُحافظُ حبيبتي العَطشى على وَقارِها .. وتكونُ هادئةً كمَوتِ أهلِها !!
ذَهبَ الذَّاهبونَ الذين لا يرجِعونَ . صارَ ذهابُهُم عقيدةً ، فهل تراهُم يكفُرونَ بوجهِ حيفا !؟ هل تُراهم يعودون ؟
نفذَ صَبري وقلبي . أستأذنُكُم لأنامَ قليلاً !!
|
|
|