العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-03-2018, 08:37 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
مهتدي مصطفى غالب
عضو اكاديميّة الفينيق
رابطة الفينيق / آرام
يحمل وسام الفينيق للإبداع
سوريا

الصورة الرمزية مهتدي مصطفى غالب

إحصائية العضو







آخر مواضيعي


مهتدي مصطفى غالب غير متواجد حالياً


افتراضي ( وقفة على سفوح البلعاس : الشاعرخضر عكاري) بقلم الشاعر: مهتدي مصطفى غالب

وقفة على سفوح البلعاس: الشاعر خضر عكاري
دراسة الشاعر :مهتدي مصطفى غالب


* استطاع الشاعر خضر عكاري خلال رحلته الشعرية التي بدأت منذ أواسط الستينات و لا زالت مستمرة ، أن يجد لنفسه ركناً في عالم صع، فنصب بيتاً من الشعر و جلس في صدره واضعاً أمامه منقلاً يحرق فيه حطب أيامه الخوالي ، و ذكريات حياته الماضية و الآتية ، و معاناته اليومية ، فتفوح رائحة الدخان و القهوة المرة من دلاله المرصوفة حول الجمر ، تتسكع على أطرافه تتدفأ بظلاله ، و تطأ الرماد ، و على الايقاع نجد خضر عكاري حاملاً ربابته يسافر معها و قصائده الخاصة بمفرداتها النابعة من بيئة ريفية متزواجة مع بادية تطفر من سفوح البلعاس إلى دمه المتجذر في سلمية المملوءة بالغبار و الغربان و الشعر .. ليقف حاملاً مرايا حزنه الملونة ، يرصد وجه الزمن الآتي لعله يشق درباً للضوء لسنونوات قلبه الذاهبة صوب الموت : ( منفي في آخر بادية الشام
و خلفي تركض أمي
و حبيبتي المرهونة
تترجى الصمت
تصلي القمر المخسوف
تجفل منها النخلات العطشانة
تركض من صلبتني في الحب مزاراً
تقرأ أشعاري
الماتت من زمن الغيبة )
*أتى الشاعر خضر عكاري إلى القصيدة من مدينته – سلمية – عباءته و مولاته و سيدة عشقه ، سلمية .. هموم العصافير التي تطاردها البواشق ، سلمية .. قلبه الخفاق بين البحر و اليابسة ، ، سلمية .. دمعة ديك الجن على ورد ، سلمية .. الطفلة التي تتناوق فيها الفصول الأربعة إذ يتباهى النشيد ، و ترفرف بادية الشام بغدائرها حالمة بالحنطة و الشعر ، أتى الشاعر و في شرايينه تبكي القصيدة صداها الملول ، و تتراكض لهافة كرياتها البيضاء و الحمراء و السوداء و الخضراء ... الخ ..
أتانا كما يأتي العاشق حبيبته .. إنساناً بكامل غرائزه و دوافعه ، بخيره و شره ، ضمن عالم مملوء بالخراب ، و واقع شرس كالذئب الجريح .. أتانا حلماً يروي سيرة البلعاس في القرون الوسطى حاملاً كل تناقضات حضوره و شعره ، التناقض الذي يغريك بقراءة القصيدة مرات و مرات لتكتشف أنها جزء منك يتأجج في ذاكرتك عبيراً سرمدياً : (- موسيقا و نبيذ و لهاث
و لحاف يتكوم في العتبة
أتذكرها ليلة وعدي
كأنين عاشق في قصبة
موسيقا و سكارى ،
أرصفة
حانات
كلاب
و حفيف خريف في عتبة )
* خضر عكاري يخرج إلينا من ضباب يغطي سفوح البلعاس بأشعاره التي تفتق صدر الظلام لتضيء آفاقنا العطشى لوقفة شعرية صادقة حاملاً أوجاع أمته و منغصات أيامنا ليوقظنا من أحلامنا البهية و يفجعنا بأنين قصائده الذي يخمش الروح في هذا البرزخ .
* خضر عكاري حاد المزاج كالخنجر اليماني .. لاسع المفردات كالعقرب إلا أنه مبدع و خلاق كالغيم يغالط الكون و لغاته كي يقول ما يريد ، يمتلىءحباً بالأرض و الانسان ، إنه مقهور بالشعر في زمن نواسي لا يتوقف عن الاهتزاز ، زمن الداء المتألق ، و الموت الحقيقي ، و القبلة اليابسة ، و يبقة مؤمناً أن الشعر هو الخلاص ..بل هو خاتم سليمان ..، الشعر الظالم الذي لا يظلم إلا شاعره و يحرر كلَّ المظلومين : ( - نامي
أيتها الرصاصة في جسد القبرة
و تشظي بين الأطفال هدايا
عمقي في القلب غصة
وعي صباحاً .. يا جارة البحر الأسود
المصفر
و عطري ثوبك النديان بالدم
حان آوان الزفّ
أسمع وهزّ – الدفّ –
و الكفُّ تنام على الكفّْ )
* لخضر عكاري .. قاموسه الحياتي و اللفظي الخاص ، حيث يتميز بألفاظ شعرية شرسة نابعة من علاقته التواشجية مع بيئته الحياتية و الشعرية التي يتعايش معها بظروفها المكانية و الاجتماعية و الزمانية ، ففي كل قصيدة كتبها تتوارد الكلمات كالقطيع على ماء القصيدة ألفاظاً حادة و شرسة تتقاتل كي تنال خصوصيته الشعرية ، فقصيدته تحتاج علاقة حميمية بين الشاعر و الآخر و هذا الأخر هو الوجود بكل ما يحتويه من أشياء مادية و معنوية ، فيبدو لنا من خلال قصائده كالذئب عندما تُجرح أنثاه و يقتل ولده ، و أيّ شاعر لم تجرح أنثاه ، و لم يقتل و لده : ( - أعبر ممرات النوق الأزرق
أسرق بلواي و أهرب صوب مجرات
الوله الصافي
ألجم رعبك يا بلعاس و أصطاد عزائي
قاتلتي مرت فوق رصيف أخر
أدري أن بعينيها – رغرغ – دمع عزائي
و انفلتت صيحة سكير داعب خصلتها
المرهونة للريح الشرقية
و الأغنية الغجرية
تصرخ في قاعات التاريخ المنحرفة )
* تتعب عند اقترابك من أشعار خضر عكاري فهي تدميك و لا تعزيك ، تحزنك و لا تسرك ، تدفنك في مقبرة مليئة بجثث الأشياء و لا تبعثك من جديد ، كلماته قاسية بشراسى تخمش كل من حوله ، حتى الحبيبة تبدو لنا في شعره شوكة أو سكين أو مخلب قط ، أشعاره كالبادية بشوكها و غبارها و هوامها و بواحاتها و نسيمها المسائي الرائع ، إنه لا يمتع القارئ بل يخزه بسادية قاسية و مغرقة في تعذيب النفس من خلال الأشياء المحيطة بها ، كلّ الأشياء التي حوله يحاول أن يدمرها أو يظهرها لنا عرجاء أو جلفة أو منكسرة أو مصابة بلوثة عصبية ، لا شيء إلا الحطام و الركام .. و البقايا .. لا إنسان في شعر خضر عكاري بل جثث عفنة و خربة إنما رائحتها ذكية كدماء الشهداء ..
إنه شعر الكآبة و الخيبة و البكائية و اللوعة الدائمة و التوق لرحيل مستمر خلف العذاب و الانكسار .. عالم الشاعر مدحور مرفوض و عبثي .. و لا قصيدة تخلو من هذه الانكسارات المباغتة ، و هذه الشراسة في تحطيم الأشياء و على رأسها الانسان ، و من ثم البكاء عليها كطفل يحطم دميته و يبكيها .. شعره يعطي صورة للحياة الجافة الخالية من الانسانية ، لا إنسان حقيقي في شعره ، إنما هناك أشياء تلتهم هذا الانسان الذي لا نعرفه إلا من عذابه و قهره و تحطيمه لكل الأشياء الجميلة التي حوله ، إنه يتعامل مع الانسان بالشراسة و اللعنة كي يثبت أن هذا الانسان هو الأكثر فتكاً بهذا الوجود من هذه الطبيعة رغم قساوتها فهي أكثر رحمة : ( - من حطب القلب أجمّرُ
برد شتائك
أستل بالوهج صقيعي )
* إن الشعر عند خضر عكاري نتاج علاقة حميمية بين خضر الانسان و البلعاس كجغرافية كونية تنهض لتمشي في خلاياه : ( - انظر – شهقة ليلي
في رعشة آهي
أفلت روعي
يلهث في عظمي السوسُ
و ينهد على صدرك حيلي )
لقصيدته نكهة البلعاس في ربيعه و خريفه و اخضراره و جفافه ، زراعته و قلع أشجاره أوردته الأبدية ، فتضج في عب قصيدته روائح الشيح و القيصوم و البطم و القتاد الشوكي .. و تتباهى براعم الجوري على ثدييها الطافحين بالحياة ، و بين طياتها تنمو شقائق النعمان ، و تطلع من حواكيرها هبات الحبق و البيلسان ، و تتماوج بين سهولها و وديانها غزلان البادية المنقرضة .. فالبلعاس روح و ريحان أشعاره و شاعريته ، و علاقته به علاقة المطر مع الغيم ، و الأرض مع الماء و الشهيد مع دمه .
( مطر الوقت صحا
يشرب فنجان الشاي
قبرتي
في عينيها
يتثاءب مجد النوم )
هي إشارات إلى الشاعر خضر عكاري و قصيدته المنسابة عبر مجموعاته الشعرية التي نشرها ، قد لا تغطي المساحة الشعرية التي احتلها الشاعر من خلال تجربته الشعرية في وسطنا الأدبي ( أنالت إعجابنا أم لا .. تبقى هي تجربة تستحق الدراسة و الوقوف أمامها كورقة من كلمات و زمان و مكان و إنسان ).. لكنها أشارت إلى القصيدة و شاعرها المعتق في دنانها الأبدية .










  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:06 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط