قصيدة الهايكو العربي

[حواس محمود]

ظاهرة قصيدة الهايكو العربي
حواس محمود
من اللافت في المشهد الشعري العربي الراهن ظهور ما يسمى بقصيدة " الهايكو العربي " هذه القصيدة التي تحاكي قصيدة الهايكو اليابانية ، نتيجة التأثر بهذه التجربة وروادها ارتباطا بما يتطلع اليه الشباب العربي من الحرية والتوق الى مناخات جمالية هاربة من سطوة القمع المستدام في المشهد العربي الراهن باللجوء الى الطبيعة وبث المكنونات الوجدانية والفكرية في ثنايا هذه القصيدة التي تعتبر امتدادا لقصيدة النثر العربية وشكلا من اشكال القصيدة البرقية او قصيدة الومضة
ويشير الكاتب شريف الشافعي إلى أن فلسفة الهايكو " تنبني في الأساس على التخلص من الذهنية، وترك القصيدة تنساب تلقائياً وفق تدفق شعوري زاخم، مع طفولية في التعبير، وانسجام مع الطبيعة حد التماهي معها مع خصائص التلقائية وغياب الطرح الأيديولوجي. والهايكو الأصل، هو نوع من الشعر الياباني، يحاول فيه الشاعر من خلال ألفاظ بسيطة التعبير عن مشاعر جياشة وأحاسيس عميقة متفاعلة مع الطقس الخارجي أو الفصول الأربعة. وتتألف قصائد الهايكو من بيت واحد فقط، مكون من سبعة عشر مقطعاً صوتياً باللغة اليابانية، وتكتب عادة في ثلاثة أسطر"
- الهايكو العربي السوشيال ميديا تخطف القصيدة -
يعتبر ظهور شعر الهايكو في مرحلته الأولى في القرن السابع عشر الميلادي على يد الشاعر الياباني ( باشو ) المعلم الأول لهذا النوع من الفن فقد فتح الباب لكثير من الشعراء اليابانيين والفنانين على وجه الخصوص حيث نقطة البداية لهذه التجربة الشعرية والفنية في بداية زمن ظهور الحداثة العالمية خارج اليابان التي خاضها الفنانون والشعراء والكتاب متاثرين بهذه الحركة الفنية في بداية القرن الثامن عشر ومن الجدير بالذكر ان اول من خاض هذه التجربة الفنية الشاعر الفنان التشكيلي الياباني ( بوسون ) 1716 – 1783 ، ثم تلاه في خوضها عدد من الشعراء منهم على سبيل المثال ( ماسا – أوكاشيكي ) ( 1867- 1902) وقامت الحركة بنشاط ملحوظ في اليابان على ايدي عدد من الشعراء والفنانيين أمثال ( كوباياشي إسا ) ولا يزال الاحتفاء بهذا النوع شائعا في الشعر الياباني ، بل الادب والفن بكل مصادره ومقوماته من دون عدد وتخصيص ، ولعل ظهور ( الصورية ) في اوربا وأمريكا يعود إلى الـتاثر بالهايكو الياباني ، اذ انها انتشرت وراجت في أوائل القرن العشرين وامتد تاثيرها في جميع ارجاء العالم باعتبار الصورة الشعرية اللفظية سيدة الموقف في رسم الصورة الذهنية وهي وجود الصورة المحسوسة وجلاء الغموض في المعاني المراد ايصالها للمتلقي – المجلة العربية يونيو 2017– د سلطان سعد القحطاني – الهايكو شعر الواقع والزمن المتسارع ص 8 ، 9
و من السمات المهمة للهايكو وللغة اليابانية أصلا أنه يقوم على القطع التركيبي والوصل الدلالي ، وهذا القطع هو ماعرفته السينما اصطلاحياً بفن المونتاج ،ولعل من اعتقد من الباحثين أن الشعر الحديث استعار فن المونتاج من السينما كان واهما، فالقضية معكوسة؛ لأن الأدب أقدم وجودا في الفن من السينما، وأكثر رسوخا في التاريخ الإنساني وهو الحاضن الأول للشعرية ولفن التصوير ولقطاته والحوار ورسم الشخصيات وغيرها ؛ ولذلك فإن السينما قد استعارت الكثير من الأدب بأنواعه ، قصة ورواية ولغة شعرية ومونتاجا، لأن المونتاج مرافق للتصوير، ولا بد للتصوير من قطع ووصل، وخلال هذا القطع والوصل يتم حذفٌ كثيرٌ واختصار أكثر، ويحدثُ إيجاز يضمر الإيحاء لتكون الجملة الناتجة عن القطع والوصل قادرة على الانفتاح بين يدي المتلقي لمنحه الدلالة المحذوفة وأكثر، يقول سالم الياس:
فراشة بيضاء
تئن
لهب شمعة

فاللقطة الأولى هنا تركز على فراشة بيضاء في حالة أنين، بينما تلتقط كاميرا الشاعر بعدها لهب شمعة، ويأتي دور المتلقي لربط فجوة القطع بين اللقطتين كي يشكل الدلالة ذهنيا على مستويين الاول – بعد اجتياز المسافة الجمالية أو مسافة التوتر- أن أنين الفراشةالصافية ناتجٌ عن احتراقها بلهب الشمعة، والثاني ما تفتحه دلالة فعل الفراشة على التلقي من كون البراءة كثيرا ما تنخدع بمظهر جمال يضمر حتفها، مع الانتباه إلى دقة التشكيل في توظيف النكرة والنعت والفعل المضارع المستمر .فمفهوم اللقطة في التصوير يقوم على التقريب بين لغة الفن ولغة العقل، بين اللغتين التواصلية والشعرية
ان الهايكو لقطة لحظوية جمالية خارجة من سياق الزمن في قصيدة قصيرة مكثفة وموحية تقوم على تحفيز المخيلة للبحث عن دلالاتها ، وتعبر عن الحالات المألوفة بصورة غير مألوفة من خلال التقاط مشهد حسي طبيعي أو انساني ينطلق من حدس ورؤيا مفتوحة تتسع لمخاطبة الانسان في كل مكان - بشرى البستاني – رسائل الشعر العدد 3 – تموز 2013 ص 47-54
، أو بشكل موجز ان الهايكو هو حالة اندماج الطبيعة مع الانسان ، من خلال علاقة التفاعل العناقي بين جماليات الطبيعة واحساسات الوجدان الإنساني

الهايكو العربي – التجربة الشعرية :
للشعراء العرب تجربة جميلة في ميدان الهايكو وهناك عدد من التجارب الواعدة وفرسان للهايكو نعرض فيما يلي بعض نماذح الهايكو العربي و من ثم نشير الى ابرز شعراء الهايكو العرب وبعض روابطهم ونواديهم ومجلاتهم
ديهم ومجلاتهم
النافورة دمشقية ( مشهد امامي )
بتلات الورد تغتسل بالقدود
الأفراح فاكهة ( مشهد خلفي )
أي بمعنى ان رؤيتي العابرة للنافورة الدمشقية لخصت لي أشياء كثيرة عن هموم االعاصمة السورية دمشق
كما ان تجربة الشاعرة التونسية هدى حاجي من التجارب الناجحة ( كما تشير اليها بكر البساتين من الأردن في مقال لها بالمجلة العربية – ما بين التقاليد اليابانية والبصمة العربية يونيو 2017 ص 24 ) التي تقيدت بشروط الهايكو الياباني بنكهة تونسية ، تقول الشاعرة في احدى قصائدها
غيوم سوداء ( مشهد أمامي )
فراشة نائمة
برعم يحلم بالربيع ( مشهد خلفي )
فالغيوم السوداء الداكنة اوحت بالمطر الذي طرق أحلام الفراشة ليستنهض الربيع وهي لقطة تفتح مسارات الأمل والتفاؤل
الهايكو لم يعد مقتصرا على الأدب الياباني فرياح التجديد اخذته بعيدا الى فضاءات أخرى وعوالم أخرى ، منها الأجواء والفضاءات العربية التي استطاعت استيعاب هذه التجربة وتطويعها بما يتناسب مع الهموم العربية والأجواء العولمة والاتصالية السريعة وحالة الزمن المتسارع لتتناسب هذه القصيدة مع الإيقاع المتسارع للعالم المعاصر .
وهناك شعراء عرب كثيرون يكتبون قصيدة الهايكو والساحة العربية زاخرة بهم ومن ابرزهم الشاعر محمود عبد الرحيم الرجبي – الأردن – وهو يشرف على عدة مواقع في الفيس بوك اشهرها رابطة " هايكو العربي " التي صدر عنها عدة مجلات منها : ومجلة" شعر الهايكو" ومجلة " هايكست " ومجلة " روائع الهايكو " ومجلة " اتحاد الهايكو العربي " ومجلة " الهايكو دوت كوم "
وهناك نادي " هايكو سوريا " بإدارة الشاعر سامر زكريا
وهناك الشاعر الدكتور عبد الستار اليدراني الذي اصدر نحو ستة دواوين وقاسم حبابة الذي يشرف على رابطة " الهايكو الحر " والاخضر بركة الذي يدير " هايكو الجزائر " و" هايكو فلسطين " بإدارة حسن أبو دية " وهايكو المغرب " بإدارة عبد العزيز أبو الفوارس ، وسامح درويش وفتيحة بن زكري والدكتور جمال الجزيري
انها – قصيدة الهايكو – تجربة جديدة ولعبة فنية بتعبيرالكاتبة بشرى البستاني ، لعبة لم تسبق لها ان انتشرت بين الشباب العرب كما نلاحظ ، واذا كانت اللعبة تعني عدم الذهاب الى المعنى الباشر المقصود بل بصورة مغلفة ومخاتلة لاستقبال القارئ الجمالي فإن اللعب كما يؤكد هانز جورج جادامير شيئ اكبر من وعي اللاعب ، ولذا فهو اكبر من كونه فعلا ذاتيا - بشرى البستاني – الهايكو العربي بين البنية والرؤية – الحوار المتمدن 10-6-2015
وختاما يمكن القول أنه من المفترض ان تواكب هذه التجربة حركة نقدية -إبداعية – تخرج من حالة الكسل والخمول الى حالة الفعل النقدي البناء ، لأجل تغطية المشهد الإبداعي بما يساعده على التقدم الى الامام وترسيخ جذور قصيدة إبداعية مختلفة عن النمط الشعري القديم سواء التقليدي عبر القوافي والتفعيلة أو النثري بحيث ان تكون القصيدة الهايكوية العربية متناسبة مع الظرف التاريخي الذي يمر به العالم العربي ، وبحيث تستطيع هذه القصيدة التأثير إيجابيا في المتلقي العربي لتشكل بالتالي نمطا جديدا من الأنماط الشعرية المؤثرة إيجابيا في المواطن العربي
........................................................................................
ملاحظة / الهوامش موجودة ضمن متن المقال ...

حواس محمود ... كاتب وباحث مقيم بالنرويج

[محمد داود العونه]

بعد التحية الطيبة..
كل الشكر والتقدير علي هذه المعلومات الطيبة والفائدة الرائعة..
.
. دام مدادك

[أحلام المصري]

موضوع مهم، لنا فيه وقفات

شكرا لكم على هذا البحث القيم

احتراماتي