لِنَعْكِسَ بّياضَنا | |
« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر » |
|
☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
18-02-2023, 09:54 AM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
ملك التين
ملك التين خُدعتُ بنقصي عندما أدركتُ عماي، فأنا لم أدري حقا ما هو العمى وكيف أدركُ وأنا ولدتُ هكذا بلا بصر! لم أكن ناقصا ولكنني ولدتُ مختلفاً ولي لغة أخرى لها قاموس مختلف، الألوان فيه ليست وسيلة لأدراك المُسميات، حين يتحدثون عن الأحمر كنت أشعر بالنار، وأشعرُ بالريح حين يتحدثون عن الأصفر، والتراب وبناته النباتات خُضر، والماء أزرق، هل يشعر المبصرون حقا بالألوان مثلنا أم أن تكاثرها أعماهم! مساكين أشعرُ بالشفقة حقا لحالهم من هذا البهرج المُخادع!ولكن يجب أن لا نشمت بالمختلفين، فالله هو من ابتلاهم بعمى الألوان . لم أدرك حقا لماذا يجب علي أن أتعلم الترجمة بين اللغتين؛ لغتنا نحن أصحاب العصي ولغتهم هم أصحاب الأبصار المتمددة الكأس عندنا مثلا وعاء أملس لاغتراف الأشياء السائلة وكل ما صار خفيفا أكثر، مصقولا أكثر، أسهل للاستعمال أكثر، صار الكأس أفضل، أما في لغتهم هم فيضاف إلى كل ذلك، كأس أحمر وأخضر وأصفر إلى ما لا نهاية من الألوان وحين استنفذوا كل الألوان ليتميزوا راحوا يُشكلون الأكواب بأشكال غريبة، مساكين كل أولئك المُصابين بعمى الألوان، الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم وفضلنا على كثير مما خلق تفضيلا، لم يتغير معنى الكأس في لغتنا وبقي كما هو وعاء لاغتراف السوائل لا أكثر ولا أقل . المرأة عندنا حب وحرارة وحضن واحتواء وحنان وحائط وحياء وحياة ، المرأة عندنا حب والحب مُتعلق بحرف الحاء، حاء حواء الأولى، أما في لغتهم المُزخرفة فهناك امرأة شقراء وأخرى سمراء، وبيضاء وذات عيون خضر وأخرى زرقاء، طويلة وقصيرة، أنفها أعوج أو مستقيم، لا ليس عوجا ظاهرا تُدركه إن تلمسته بيديك، هو فقط أعوج كما يراه أهل عمى الألوان المرأة عندهم كما الأكواب لا حصر لها .. مساكين ، فعلا مساكين فحين نُريد أن نتزوج نحن لا نقع مثلهم في تلك الدوامة من الألوان ، يقف أحدنا أمام المرأة فإن شعر بحرارة تسري في أوصاله واحتواء يلملمه وحائط متين يُسند عليه ظهره وحضن كحضن أمه يود لو يتفلت ليلقي نفسه فيه كطفل، حين نشعر بذلك ـ نحن الذين يسموننا عميان ـ نُدرك أننا في حضرة الحب وندرك أننا أمام حوائنا الخاصة . نحن أهل المشاعر وهم أهل المظاهر، فهل نفعتهم الرؤية ؟ هل نفعتهم حقا ام تراها خدعتهم زرقاء العيون وحمراء الشعر ؟ هم أصحاب الحب الموهوم من النظرة الأولى ونحن أصحاب الحب الحقيقي مِن الشهقة الأولى الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم ! لم أكن لأدرك كل هذا لولا سيدي الأطلسي دستور من خاطره ، فأنا لم أكن أعمى حقيقة ولكن"هم" أعموني عندما وصفوا اختلافي بالعمى وأقنعوني أن الزيادة التي وهبتها هي نقص لا بد أن أندفع لأكمله، لكي أكون كاملا مثلهم، فإن لم أستطع أن أكون مبصرا فيجب علي أن ألوم الخالق على هذا النقص الذي تعمده فيّ! ويجب أن أقضي بقية حياتي متسولا أمام أبواب المبصرين، قالوا عني أعمى فعُميت، انتقصوا مني فنقصت . ومن طبيب إلى طبيب كانت بداية رحلة ارتكبتها، حتى نفض الأطباء أيديهم مني، ولم يرد لي بصري الاستغفار ولا كثرة الصلاة على النبي لماذا لا يفعل الله لنا ما نريد! أليس هو القادر الذي لا ينقص في ملكه شيء مهما أعطانا! أليس هو الكريم المُغني ؟ فلماذا كثر قرعي لبابه وهو لا يُغنيني؟ شيئا فشيئا وفشلا بعد فشل ازداد عماي حلكة حتى أطبق على صدري ، ياه ما الذي يفعله بنا المبصرون ! ومن شيخ دجال إلى أخر مشعوذ بقيت أجوب القرى والمدن باحثا عمن يرد إلي بصري، عن ولي يشفع لي عند خالقي بهذا النقص لعله بشفاعته يُكملني، البحث عن ولي كالبحث عن إبرة في بيدر كامل من القش، ستجد في بحثك آلاف مؤلفة لا حصر لها ممن يدعون أو يعتقدون أنهم يمتلكون تلك الولاية، أنهم هم الكُمل الأمثل، وأنهم أبواب الله التي لا يُرد عندها سائل، حين يرفع العقل بقلمه وعلومه وحساباته ، حين يرفع يده عن حالتك تُصبح مجذوبا إلى تلك الأشياء الخارقة اللامنطقية، وهناك ينتظر أمثالك ملايين من المُترصدين، شيوخ من شتى الأصناف والملل والديانات، منهم من يدعي التصوف ويطير حتى في الهواء، وحين أطبق علي اليأس تماما من كل ذلك الهراء، وصلتُ إلى المنارة، وصلتُ إلى سيدي الأطلسي دستور من خاطره . *مشهد من الجزء الثاني لرواية " الأطلسي ، دستور من خاطره " لشاكر المكحل . |
|||
18-02-2023, 04:22 PM | رقم المشاركة : 2 | ||||
|
رد: الأطلسي
*مشهد من الجزء الثاني لرواية " الأطلسي ، دستور من خاطره " لشاكر المكحل .
سرد روائي مشوق خال من البهرجة اللغوية ببصمة كاتب متجرد يروي الحقيقة كما هي .. مشهد يجذب القاريء ويدفعه للتساؤل أين البقية ؟ بانتظارها أيها الاديب المبدع شاكر المكحل عودا حميدا والحمدلله على السلامة
|
||||
18-02-2023, 05:57 PM | رقم المشاركة : 3 | ||||
|
رد: الأطلسي
اقتباس:
جاء ردك في الوقت المناسب عن البهرجة وفي نفس الوقت الذي تذكرت فيه قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " هلك المتنطعون " منذ ثلاث ايام عدت للفنيق صدفة ومن الاشارات الغريبة التي دفعتني للبقاء ، أني كنت لا أحفظ الرقم السري لحسابي بعد مرور سنوات عديدة عن غيابي ، فجربت رقما جزافا ، وقلت في نفسي ،إن نجح الرقم فهي إشارة ، وفعلا دخلت من المحاولة الأولى وخلال الأيام الماضية رحت أطوف أحيانا في الأرجاء ولم أنتبه لنفسي ومدى تأثري بهذا الهواء الغريب وأنا إنسان شديد التأثر بمحيطي .. وجدت أن لساني أصابه ذلك التنطنع المعوج كي أتقن لغة القوم ! وحين حاولت اليوم أن أكتب مشهدا من روايتي وجدت فيه لسانا لا يُشبهني بشيء سأحاول أن احتفظ بلساني ولو أغلقت عليه اسناني ليس مهما جدا كيف نكتب ، بل الأهم ماذا نكتب . |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|