![]() |
|
![]() |
|
⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]()
دُعــاء
(الجزء الأول) كان يرفض دائما نزوح عائلته من العاصمة بغداد وتركهم للدار رغم شدة القصف الجوي الذي شمل حتى الأحياء السكنية، انقطاع الماء والكهرباء جعل الناس تعود للبدائية للبحث عنه فحفرت الابار في حدائق الدور وباحاتها، تعطلت كل سبل الحياة الطبيعية العصرية، يعتقد أنّ البقاء في البيت أهون من النزوح خارج المدينة وما ستلاقي عائلته من تبعاته، سيطر الرعب على أطفاله من شدة القصف العشوائي لبغداد، أدرك حينها أنه قد أصبح ومن الضرورة التي لا بد منها إيجاد بديل للسكن الحالي، ولا بد من الانتقال إلى سكن مؤقت خارج بغداد... في آخر اتصال له معهم شعر أنّ الوقت قد حان ليجد لهم حلًا يخفف من وطأة الرعب التي سيطرت عليهم، ذلك في عام 1991 من القرن الماضي حيث حرب الخليج الثانية، استأذن من مرؤوسيه للذهاب إلى عائلته، مضى أكثر من ثلاثين يومًا لم يزرهم بسبب بعد المسافة وظروف الحرب وعدم وجود إجازات إلا في ظروف استثنائية، وحدته العسكرية في البصرة وهي في أقصى جنوب العراق وعائلته تسكن في بغداد، وصل فجرًا إلى البيت ليجد عائلته في رعب مروع وفي حالة ذهول غريب، استقبلته ابنته الوسطى لتقص عليه كوابيسها الرهيبة ومشاهداتها المرعبة وتشرح له بعفويتها الطفولية كيف أنّ صديقتها وأمها أثناء توجههم للتسوق قد تناثرت أشلاؤهما قرب بناية الدفاع المدني المقابل لزقاقهم أثر القصف الجوي العشوائي بقنابل عنقودية محرمة دوليًا رغم أنّ هذا المقر ليس عسكريًا بل هو للإسعافات المدنية الطارئة من حرائق وكوارث طبيعية، في نشرة الأخبار ذكرت وكالات الأنباء أنه تم قصف مستودع للمواد الكيمياوية، لم يكن أمامه من حلّ إلا الذهاب للريف حيث طفولته وموطن أهله، حيث تسكن أخته وقسم من أبناء عمومته هناك، أخذ عائلته بعد حملهم ملابسهم وحاجياتهم الضرورية المؤقتة، حين وصل القرية تفاجأ بها وقد اكتظت بالنازحين من العاصمة، فمنهم أقرباء ومنهم غرباء، جميع أهل القرية في نفيرٍ إنساني، العوائل النازحة للقرية أكبر من أن تستوعبها بيوت القرية؛ هناك من افترش الأرض والتحف العراء، هناك من أستظلّ بالبساتين إضافة لما استوعبته بيوت القرية... عاتبته أخته : -كان يجب عليك أن تجيء بهم قبل هذا الوقت... لم يجد لها غير إجابة مقتضبة رماها على ظروفه الخاصة، خياره الوحيد كان بيتا مقابل بيت أخته ما زال قيد الإنشاء لولدها البكر، يفتقد كل معايير السكن، تخترقه الرياح من كل صوب، أرضه الترابية زحفت إليها الرطوبة من أثر المطر والجدول الصغير الذي يمر من أمامه، لا شبابيك ولا أبواب بالمعنى المتعارف عليه، بيت لم يمتلك من اسمه إلا طابوق مرصوص وجدران وسقوف اسمنتية، لم يكن أمامه إلا القبول به، ولم يكونوا وحدهم فيه!... فقد حشرت معهم عوائل قريبة لهم، استقر الحال بهم هناك أيضًا...كانت هناك لمحه إنسانية رائعة؛ فقد تقاسم الجميع الأفرشة والمأكل واستنفر الصغار والكبار لتغطية الشبابيك والأبواب بالأقمشة، فصل الشتاء كان في عنفوانه وشبابه، لم يكن هناك من حل للطبخ والتدفئة سوى بعض الأغصان والأخشاب اليابسة، عاد عمل الخبز وكذلك الجميع للبدائية في كل مظاهر الحياة، الدقيق بدأ ينفد وأصبح التقنين ضرورة للجميع، كانت سمة تلك المرحلة التاريخية هي التكافلية المجتمعية، لا مثيل لها في تقاسم الغذاء والتضامن الإنساني، من الطبيعي جدًا أن تكون هناك معاناة للفوارق المكانية والمجتمعية، فعائلته تربّت في العاصمة بغداد بما تحمله من إرث وحاضر حضاري مجتمعي يفتقده الريف، زوجته من عائلة بغدادية، حتى هو لم يعرف من الريف إلا ذكريات، قسم منها يشبه الأحلام كونه كان طفلًا حين انتقلت عائلته للعاصمة، زوجته كانت في شهرها الأخير، وكان ينتابه شعور ما بأنّ المخاض قد يأتيها في أية لحظة؛ فقد ولد كل أطفاله في زمن الحرب، وكانت ولادتهم تتم في اليوم الأخير لإجازته، ربما هو جزء من عامل نفسي يجتاح زوجته ويعجل بولادتهم، كان هذا الأمر يحرجه فعليه البقاء معها، ولكن سيرته وموقعه كانا يشفعان له دائمًا لتأخره عن الالتحاق بوحدته في الوقت المحدد له، حزم حقائبه فقد حان موعد قدوم السيارة العسكرية التي ستقله إلى وحدته العسكرية، ها قد وصلت السيارة في موعدها، دخل على زوجته وأولاده مودعًا، وعندما همّ بالخروج سمع صوت زوجته الخافت الهامس الموجع والذي كان يتوقعه -لا تذهب فقد جاء المخاض! لم يتفاجأ، ولم يكنْ أمامه إلا البقاء رغم علمه بأنّ الخيار العسكري لا يسمح له بذلك، لكنْ لم يكنْ له أي خيار آخر وهو يعلم أنه بمجرد الولادة سيتخلص من تعويذة تواجده، كان قلقًا لانقطاع المواصلات بسبب تدمير الجسور من قبل طيران التحالف الدولي والإقليمي وعزل مدن الجنوب عن كل مدن العراق، كان يدرك مدى صعوبة التحاقه بوحدته العسكرية، لذلك أسرع بنقل زوجته لمستشفى مركز القضاء كون القرية تخلو من مركز صحي أو مستشفى، في المستشفى لم يكن هناك إلا ممرضة مقيمة وعاملة خدمة، الظلام الدامس يلف أرجاء المستشفى إلا من فانوس خافت في صالة الطوارئ، كانت أخته قد احتاطت لذلك فجلبت معها مصباحين كلّ واحد منهما أقوى من ضوء الفانوس، كان المخاض في أوجه؛ أدخلوها لصالة الولادة والمستشفى ليس له نصيب من اسمه فصالة الولادة ليست كما في المعايير الصحية فهي صالة بالاسم فقط؛ مما اضطره لإدخال والدته وأخته إلى صالة الولادة لمساعدة الممرضة بحكم خبرتهما المتراكمة، بعد فترة انتظار قلقة خرجت إليه والدته وتبعتها أخته وهما في حالة انشراح ظاهرة على أساريرهما: - مبارك فقد حلّت بيننا عروسة أمورة. تمتم بالحمد والشكر لله على ما أعطى...، هو لا يفكر بجنس المولود بقدر سلامته وسلامة زوجته، ولم يخطر في باله ماذا يسميها، لم يستحضر أية أسماء مع زوجته في ظلّ الظروف وتسارع الأحداث، فقد كان في قلق على زوجته والطفلة فقط. دخل إليها وهمس لها : الحمد على السلامة...، فهمست له بصوت خافت متعب شعر بصعوبة خروجه: اخترت لها اسما فيه بشارة خير وبركة، إنه دعاء، دعاء لك بالعودة والسلامة ودعاء السلام للجميع..
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | ||||
|
![]()
قصة واقعية من ضمن العديد من القصص المؤلمة التي عاشها الشعب العراقي البطل الصامد
في ظل الظروف القاسية التي فرضتها الحرب عليهم انتظر تتمة القصة بشوق دام لك قلمك النابض بالوطنية تقديري واحترامي الكبيرين
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | ||||
|
![]()
أديبتنا الراقية الفاضلة الأستاذة عبير هلال
لكم شكري وامتناني لمتابعتكم نصوصنا المتواضعة الجزء الثاني سننشره حالما تنتهي الفترة القانونية للنشر وبعد مداخلات الزميلات والزملاء على هذا الجزء تحياتي وتقديري لكم
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | ||||
|
![]()
بعد التحية الطيبة...
(أجمل ما في الحروب توقفها)، وكم تترك في ذاكرة الشعوب التي بقيت على قيد الحياة من ذكريات مؤلمة... لا يختلف أحد بأن العراق وشعبه قد ظلم... وما زالت جراح البارحة تؤلمه وكل إنسان يؤمن بالعدل والحق والإنسانية حكاية موجعة من قلب الحدث المؤلم... (الاحتلال) تصف لنا معاناة الإنسان العراقي أمام وتحت بشاعة وإجرام المحتل... المحتل الذي جاء بحجة الإنسانية، العدل، الحرية وحقوق الإنسان!! . . كل التقدير والاحترام
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||||
|
![]() اقتباس:
تحياتي مع الياسمين
|
|||||
![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|