۩ أكاديمية الفينيق ۩

وحيدة تتوسط القرية كمظلة، شامخة كراية كتيبة لم تسقطها معاركها مع الزمن، لا أحد من أهالي القرية يتذكر من أين جاءت و لا من نصبها كمعلمة تميز القرية عن غيرها، تجتمع النسوة تحت ظلها بعد الظهيرة يحتسين كؤوس الشاي و يتحدثن في أسرار النساء و أحوالهن و كل واحدة تشغل يديها بصنعة ما، سواء غزل الصوف أو تطريز الأثواب، في الليالي المقمرة تشهد سمر الشباب، و قد علقت في فروعها الدنيا ثلاث مراجيح للأطفال، في المناسبات الموسمية ينصب شيوخ القبيلة خيمة تحتها و يقدمون عروض التبوريدة في صورة فولكلورية زاخرة يستعرضون مهاراتهم في فن الفروسية على الأرض المحيطة بها، شامخة كأم تحتضن صغارها، بينما يدعي كل فرد عنايته بها أكثر من غيره كلما اقترب موسم جني البلوط ليبرر استحواذه على أكبر كمية ممكنة، في حين لا أحد قد قدم لها شيئا، في أحد مساءات الخريف هرع صبي مفزوع إلى بيتهم ليخبر والده أنه سمع أزيزا كأزيز النحل داخل الشجرة ضحك منه والده و سخر من قوله، في اليوم الثاني أخبر والده أنه سمع مرة أخرى الشجرة تئن، أخذ ابنه ذاك المساء لفقيه القرية ليقرأ عليه بعض الآيات، فالطفل يهدي بكلام لم يستوعبه الوالد، في الليلة التالية هبت ريح خريفية قوية و سمع دوي في منتصف الليل ايقظ كل السكان، دوي و كأن شيئا عظيما سقط من السماء رجت له أرض القرية و اهتزت الجدران للحظات ثم عم هدوء غريب تلاه عويل الكلاب بلا نباح على غير العادة، لم يجرؤ أحد على الخروج من بيته تلك الليلة، في الصباح الباكر خرج السكان ليستطلعوا سر ذاك الصوت المرعب الذي كسر هدوء ليلتهم، كانت شجرة البلوط ممددة على الأرض كجثة هامدة و كأن يدا عملاقة انتشلتها من جذورها و رمتها أرضا، اجتمع الأهالي حولها في ذهول متسائلين عن هذه العظمة التي أبت أن تموت واقفة، نظروا إليها طويلا ثم انفضوا إلى بيوتهم، لم يمضي ذلك اليوم الا و كانت الشجرة حطبا، بعضه في مخازنهم و بعضه غبار أسود يتصاعد من مداخنهم، بقي الدخان يتكاثف في سماء القرية طول فصل الخريف لم تفلح الريح في تبديده أو دفعه و لم يذخر الأهالي جهدا في حرق خشب الشجرة التي كانت هوية القرية و معلمتها، و حين حل الشتاء إستيقظ الأهالي بعد أول ليلة ماطرة ليجدوا القرية قد اصطبغت بالسواد.