الموضوع: مجالس الأنس..
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-07-2020, 11:40 PM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
محمد تمار
عضو مجلس إدارة
شاعر الجنوب
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
يحمل أوسمة الأكاديميةللإبداع والعطاء
الجزائر
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


محمد تمار غير متواجد حالياً


افتراضي رد: مجالس الأنس..

المجلس الأول

3

قلتُ : فاستبقني ولا تتعجّلْ في أمركَ ، عسى أنْ أنفعكَ فإنَّ في العجلةِ النّدامةَ
وفي التأنّي السلامةَ .
وقد قال الحكماءُ : العجلُ بريدُ الزّللِ .

وقديماً قال الشاعرُ :
قد يُدركُ المتأنّي بعضَ حاجتهِ
وقد يكونُ مع المستعجلِ الزّللُ


قال : كلُّ هذا لا ينفعُكَ ، فإنّي قد علمتُ أنَّ من ظفرَ بالسّاعةِ التي ينجحُ فيها عملهُ
ثمّ لا يُعاجلهُ بالذي ينبغي لهُ فليسَ بحكيمٍ .
ومنْ طلبَ الأمرَ الجسيمَ فأمكنهُ ذلكَ فأغفلهُ فاتهُ الأمرُ وهو خليقٌ ألاَّ تعودَ لهُ الفرصةُ ثانيةً.
ومنِ وجدَ عدوّهُ ضعيفاَ ، ولمْ يُنجزْ قتلهُ ندمَ إذا استقوى ولمْ يقدرْ عليهِ .
وقدِ اتّخذتكَ عدوّاً فعجّلْ باختيارِ الموضع وإلاَّ فقأتُ عينكَ بهذا السهمِ .

فقلتُ في نفسي : هذا ما جنيتهُ على نفسكَ يا جُويشعُ ، فقد علمتَ أنَّ منْ صحبَ الأشرارَ وهو يعلمُ حالهمْ كانَ أذاهُ من نفسهِ .
وإنَّ من الحزمِ سوءَ الظنِّ بمجهولِ السيرةِ والنّسبِ حتى يُتثبّتَ منهُ ، والكيّسُ من انتفعَ بظنّهِ قبلَ يقينهِ .
فقد قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه : ( منْ لمْ ينفعهُ ظنّهُ لمْ ينفعهُ يقينهُ ).
وقد سئلَ عمرو بنُ العاصِ رضي الله عنه عن العقلِ فقال : ( الإصابةُ بالظنِّ ومعرفةُ ما يكونُ بما قد كانَ).
وإنّهُ لا ينبغي للعاقلِ أنْ يتعجّلَ في اختيارِ الصّاحبِ فقدْ يُعجبكَ من مرءٍ
حلوُ مقالهِ ، وظاهرُ أفعالهِ ، حتى إذا سبرتَ أغوارهُ وكشفتَ أسرارهُ ، وجدتهُ خبيثَ
المخبإِ يتظاهرُ لك بالودِّ وهو منْ ألدِّ أعدائكَ .

فلاَ تغرركَ من مرءٍ وعودٌ
فعندَ الطّعنِ تُختبرُ الحرابُ


وقد تسيءُ الظنَّ بالرجلِ الضعيفِ الذي لا يؤبهُ لهُ حتى إذا ما بلوتهُ وجدتَ
فيهِ ضالّتكَ
قال الشاعرُ :
ترى الرجل النحيفَ فتزدريهِ *** وفي أثوابهِ أسدٌ هصورُ
ويُعجبكَ الطّريرُ فتبتليهِ *** فيخلفُ ظنّكَ الرجلُ الطريرُ


والعاقلُ هو الذي يحتالُ للأمرِ قبلَ تمامهِ ووقوعهِ .
فالرّجالُ ثلاثةٌ : حازمٌ وأحزمُ منهُ وعاجزٌ . فأحدُ الحازمينِ من إذا نزلَ بهِ الأمرُ لم يدهشْ لهُ ، ولم يذهبْ قلبهُ شَعاعاً ، ولم تعيَ بهِ حيلتهُ ومكيدتهُ التي يرجو بها المخرجَ منهُ .
وأحزمُ منهُ المتقدّمُ ذو العدّةِ الذي يعرفُ الابتلاءَ قبلَ وُقوعهِ ، فيُعظمهُ
إعظاماً ، ويحتالُ لهُ كأنّهُ قد لزمهُ فيَحسمُ الدّاءَ قبلَ أنْ يُبتلى بهِ ، ويدفعُ
الأمرَ قبلَ وُقوعهِ ، وأمّا العاجزُ فهو في تردّدٍ وتوانٍ حتى يهلكَ .
وأنت يا جُويشعُ تربأُ بنفسكَ أن تكونَ الثالثَ . فلمْ يبقَ لكَ أمامَ هذا الخطرِ القائمِ سوى أحدِ المخرجينِ ، القتالُ أو الاحتيالُ .
فأمّا القتالُ فقدْ علمتَ أنّهُ لا سبيلَ للمرءِ الى قتالِ منْ لا يقوى عليهِ ، وأنَّ
من لا يعرفُ قدرَ نفسهِ وقدرَ عدوّهِ فقاتلَ من لا يقوى عليهِ كانَ متهوّراً ،
وحملَ نفسهُ على حتفهَا .
فليسَ أمامكَ سوى الاحتيالِ لهذا الأحمقِ الملعونِ .
فقلتُ : قبلتُ أنْ أختارَ لكَ عضواً ، لكنْ ليسَ قبلَ أنْ أستوثقَ منْ دقّةِ رميكَ .
قال: أما زلتَ تشكُّ في مهارتي بعدَ كلِّ الذي رأيتَ؟؟!!..
قلت : الأمرُ الآنَ يتعلّقُ بروحي التي بينَ جنبيَّ يا صديقي..
قال : فأيُّ شيءٍ تريدُ أنْ أرميهُ حتى يطمئنَّ قلبكَ ؟؟
فأنا لا أخطئُ هدفي ولو كانَ مختبئًا خلفَ زُحَل ، وضربَ صدرهُ بيدهِ مزهُوًّا بنفسهِ .
فقلتُ في نفسي: وقعتَ يا شوّاظُ ، وفاتكَ أن تعلمَ أنّ زلّةَ المتفوّقِ الغرورُ ، وأنَّ الغرورَ أخُو الحماقةِ من الرّضاعِ ..
ثمّ قلتُ لهُ : الشمسُ..وكانتِ الشمسُ قد توسطتْ كبدَ السماءِ .
فكانَ كلما حاولَ أنْ يُسدّدَ سهمهُ نحوهَا دمعتْ عيناهُ ولمْ يقوَ على تركيزِ نظرهِ
فيهَا ، فاستسلمَ وقال : أمنتَ يا جُويشعُ ، غلبتِ الحيلةُ الرميَ..غلبتِ الحيلةُ الرميَ..
فتركتهُ وانصرفتُ لحالي...

المراجع :
ـ العقد الفريد
ـ كليلة ودمنة ..بتصرف






إذا لم أجد من يخالفني الرأي ، خالفت رأي نفسي ليستقيم رايي .
  رد مع اقتباس
/