۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-09-2020, 01:09 AM رقم المشاركة : 56
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : حلف
النّاص : عبد الرشيد غربال
القراءة : جهاد بدران
........................


النّص :

دعوا اليمامة تبكي غيبة الإلفِ

قد مر من حلبٍ في ذروة القصفِ

الغرب والكرد والأتراك قاطبةً

كالروس والفرس :مصطفون في حلفِ




القراءة :

يا لروعة هذه الحروف التي بعددها تعدّ وتُحصى ..
وفي بلاغتها ومعناها لم تصل بعد لميزان الإحصاء من تعدد ما فيها من دلالات وتأويلات حلّق معها الخيال في شجون وألم...
ابتدأت الومضة تلخيصها من خلال العنوان الذي فتح ممرات الذهن للعبور في دنيا هذه الأمة المكلومة التي لم تتناول بعد جرعات الشفاء...
حلف...عنوان واسع القرااة ينفذ من خلال مساماته على طريق واحد وهو وأد هذه الأمة العربية والإسلامية ..وأن لا تقوم لها قيامة ولا قائمة..
لكن كل من تمرغت يداه بالحلف الذي يقوم على أساس الأهواء والمطامع والمصالح وعلى أساس واحد وهو قلع جذور أمتنا عن بكرة أبيها...لم يعيروا انتباهاً لوجود من هو أعظم من حياكتهم للظلم ونسجهم لأخطبوط الفساد..نسوا بأن قوة الله العادلة هي النافذة يوماً ماً...لقوله تعالى:" يريدوا ليطفئوا نور الله بأفواههم..."
لن تنفذ مؤامراتهم وحلفهم البغيض..حتى يريهم الله من صرخة الأبرياء وبكاء الأرض من الدماء...ما يكون عبرة لهم ولمن والاهم..ولكن يمهل ولا يهمل...فإن كان الشعب أعزل عن الدفاع عن نفسه وأرضه وعرضه فهناك من يحفظها بعينه التي لا تنام...
يبدأ الشاعر ومضته النفيسة التي كان فيها ربط متين مع عنوانها ( الحلف)..وكانت حياكتها تتلاءم وموضوع ومغزى الومضة..فالحلف هل يترتب عليه الأمن والعدل والسلام والحرية للشعوب المنكوبة المكلومة أم أنه يتغذى على قضم جذورها وتوسيع نفوذها وسيطرتها على المنطقة...؟!!!
لذا يبدأ الشاعر بطرح قيمة الومضة وفحواها من خلال أول الكلام بقوله:
( دعوا اليمامة تبكي غيبة الإلف ِ)
بما أن الومضة تتحدث عن حلف ما.. لذا يتضح في النهاية قادته والمتآمرين فيه...والحلف إنما هو يجمع أذناباً معينة أي مجموعة كبيرة متحدة على نفي وظلم لا تمس جلساتها بالعدل ..لأنها لا تقوم على أساس العدل والأمن..
لذا كان من لهجة الشاعر الإستنكار لهذا الحلف الذي لم يقم على أساس السلام ...
فقال بصيغة الأمر ( دعوا) أتركوا ..
هذه الصيغة لم تكن عبثاً لأنها وليدة محطات لهم سابقة مكشوفة قد ملّتها الشعوب من مؤامرات وتخطيطات بعيدةً عن معاني الأمن والسلام...
لذلك كانت الغيرة تسكن الشاعر الفذ وهو يرسم حدود حرفه بما يتوافق مع حشو هذا الحلف وما يفيض منه من سموم...
بقوله: ( دعوا اليمامة تبكي غيبة الإلف ِ)
اليمامة هنا ما هي إلا رمز لكل معاني السلام والأمن والإستقرار..لكن هيهات يكون فيضه من هكذا حلف...
يطلب الشاعر منهم أن يتركوا اليمامة البيضاء..لتمارس طقوس البكاء على غياب روافدها وينابيعها وغياب الإلفة والسلامة لشعب داسوه بكل أنواع السلاح وتفنّنوا بجميع طرق الحرب والقتل والتعذيب..
يأمرهم الشاعر بفعل الأمر( دعوا) لأنه لم تعد تفيد كل طرق التفاهم والعلاج الأمني والسلمي
وحق عليهم فعل الأمر الذي يؤكد تلك القوة التي تكمن فيه..هذا الفعل حمل معه قوة التصدي والتحمل بإرادة من حديد..وهذ شأن الأبطال الغير متخاذلين وهم يقفون بأضعف السلاح بما يتماشى وقدراتهم المختلفة...
جعل الشاعر من اليمامة أن تمارس سرّ من أسرار البكاء الذي يتولّد منه حالات الوجع والقهر..فحين تبكي اليمامة يعني العويل والبكاء على حالات السلام المختلفة الخاصة والعامة...وبمعنى أنها في مرحلة عزل عن تحقيق البشر لها ذلك الإلف وتحويل قبلته نحو السماء البيضاء المعاني...
فلماذا بدأ الشاعر ومضته مع اليمامة وبكاءها...؟!
ليستطيع استدراج المتلقي لواقعة أعظم من ذلك وأثرها أبلغ ..حين يعصف بحروفه المتينة التراكيب البليغة الوصف التي تحمل أوصافاً تنحت الفكر والخيال وجعاً..وذلك بقوله:
( قد مر من حلبٍ في ذروة القصفِ)...
هذه الصورة التي بلمحة البرق جعلتنا نجسّد الحرب والقصف وما في حلب من دمار ودماء...
الحديث هنا عن المؤامرات التي حيكت في ظلام دامس على أرض سوريا وحلب بالذات التي عجّبوا بتدميرها ببصمة قادتها وولاتها..
كان وصف الشاعر بليغ جداً يدل على عبقرية وحرفية لا متناهية وهو يعقد حروفه على أرض تصرخ وتناجينا...
الشاعر هنا استعمل حرف (قد).. وهو يفيد التحقيق إذا جاء مع الفعل الماضي.
والتحقيق عكس التشكيك..بمعنى حصول الفعل بشكل فعلي بعيدا عن التشكيك فيما حصل...
ثمّ إن استعمال الحرف الماضي( مرّ) يعني.. بمعنى العبور الفعلي..لكن بدون المكوث ..وهذا هو عظمة التوظيف للحرف حين يستقي الكلمات من جمال السبك والنظم..
وهو مرور للحلف الذي ذكرهم الشاعر بقوله:
( الغرب والكرد والأتراك قاطبةً
كالروس والفرس :مصطفون في حلفِ)
مرورهم ليس بهدف المصلحة لأهل حلب وسوريا إنما مرور على مرآى سياسي بحت ومنفعي لا غير...ولو كان لهم مكوث فيها لكانت المعادلة تغيرت ولو بجزء بسيط لصالح تلك الأرض الطاهرة...
وهنا في هذا التوظيف المتقن التراكيب البديع ..يدل على قدرة الشاعر ومهارته في اقتناص كل حرف بما يتماشى بدقة مع أهدافه ومراميه العميقة التي وظفها لتكون نصلاً في وجوه كل طاغية وظالم...

(الغرب والكرد والأتراك قاطبةً

كالروس والفرس :مصطفون في حلفِ)
فما أشبه التحالف الذي جمع الماضي واليوم بفئتين ظالمتين إرهابيتين..تثير الفساد لا تنزع جذوره بل تقلع الأمن والطمأنينة من هذه الأمة..
قوتان عظيمتان بالعنف والفساد..
الغرب والكرد والأوغاد الكثر
وبين مقارنته للماضي مع الروس والفرس
ويجمعهما حلف واحد الأهداف والغايات..
وللأسف قاداتنا وحكامنا وولاة أمرنا ما زالوا يمارسون طقوس التبعية وبصمة المصالح يوقعونها على جبين هذه الأمة...
...
الشاعر الكبير وأستاذنا الفذ المبدع القدير الفنان في رسم واجهة حرفه
أ.عبد الرشيد غربال
طوبى لحرفكم الذهبي وما يتناسل منه ما يفي جمالية التألق والإبداع..
فنان ماهر ومحترف قدير في تطويع الحرف
ليتوج الأدب بدرر حروفه النفيسة..
وفقكم الله ورعاكم لما يحبه ويرضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/