أبجدية عيناك

[سلام الفاضلي]

أرتدي عينيك صباحا كما أرتدي ملابسي..هما الشيء الوحيد الذي لا يضيق ولا يتسع على جسدي..وأحبك على الرغم مني..

أخبرتك يوما يا فلان! قد تتسع مساحات وجعي لتحيط الكرة الأرضية وتعيد حولها دورتها أكثر من مرة..وقد أحترق من نار جرحي فأكاد أشتم رائحة حريق أحشائي ويكاد بخار اشتعال قهري الأسود أن يخنقني، ولكني أكظم جرحي..

عيناك محارتان..تعزفان أنشودة البحر في أذني فألقي بكلي عليك..

عيناك يا أنت سراب يناديان فيزيدان من عطشي إليهما؛ ثم خلف كثبان رمل خوفك تختفيان..


عيناك اللتان تشتعلان عاطفة كعينا آتون علمتاني أبجدية الأنا قبل أبجدية الأنت! زرعتاني على جبين الشمس قبلة تحرقها..عيناك سماوات عرجت إليهما لأسقط فيهما..

ثم تدفعني عنك لترحل..وأكظم فيك جرحي..

وتنسى عينيك على علاقة خلف باب غرفتي
فأرتديهما كل صباح كما أرتدي ملابسي التي تتسع في بعدك..

[سلام الفاضلي]

بــين شوق الرحيل إليه، وبين شوق البقاء مسكني..
يشرأب عنق اشتياقي كجؤجؤ ليمخر عباب السماء ويسأل: أما آن الآوان؟ ويكسر خاطري الجواب..
أطوي أجنحة الرحيل وأهبط إلى الأرض أعانق التراب..
بين السماء والأرض شيدت بيتي..
تضيق روحي بجسدي كما تضيق المدن النامية بشوارعها القروية..
فأكاد أمزقني!
يضيق جسدي بروحي كما يضيق أهل القرى بعربة فارهة وسط إبلهم..وأكاد أمزقني!
عيناك وردتان زرعتهما على باب مدينتي، فعبدت أرصفتها..
عيناك نجمتان سكنتا ليل سمائي، فأشعلتا ليل قريتي..
عيناك مثلي! تسكنان بين السماء والأرض..بين جسدي وبيني..

[سلام الفاضلي]

تــحديت ذكائي فأغرقتك في قشوري وأبعدتك عني..
تحديت كبريائي فسفحت لك دمي ونأيت عنك..
قابلتني بعنجهية الذكورة ... فقدمت أنوثتي لمقصلة شرقيتك ... واحتفظت بإنسانتي..

سكنتك.. وأقمت بينك وبين مدني سد ذي القرنين..

عيناك تطالعني..تعاتبني، ... فأبعد عنهما عيني..
أأتوحد بك وأحتفظ بي؟!

حرام على مدني أن يقطنها غيري! حرام علي أن أكسيك حزنها وأعريني من عينيك وهما فرحتي!؟

[سلام الفاضلي]

ثــم ترفع يدها الشمال .. تفرد أصابعها الخمسة: هي خمس أمنيات!
تضم الخنصر والبنصر: ستتحقق ثلاثة .. تقولها شبه معتذرة، وهي تحدق في فنجاني هاربة من عيني.

أضحك في سري ثم اتأهب من شوق عينيها لابتسامتي ..
أحاول أن أعتصر ذاكرتي المتعبة بحثا عن أمنية واحدة فقط .. لا أجد .. أشفق أن أخيب أملها ..
أعاود الكرة، فاكتشف اثنتان أو أرغمني عليهما .. أحاول أن أجد الثالثة في ماضي فتقف في طريقي الخيبات وتعطل مسار إيقاظي لهذي الأماني .. اكتفي باثنتين .. ابتسم لها مطمئنة ..

عيناك قبلتان ترتسم على شفتي فألعقهما بشراهة ..
عيناك شهقتان ...
عيناك ضحكتان ...
قمران ...

عيناك أمنيتان في قاع فنجاني ...

[سلام الفاضلي]

جــمعت كلمات الكون كلها بيدي..روضتها فأصبحت طوع أمري..
وارتديتها في إصبعي..

فلا تتهمني في الغرور إن أنا سخرت من لغة رأيتها قضت باستغراقها في رمزيتها على المعنى،
فصفق الآخرون طويلا على صور ما أضافت إلا خوف كاتبها من ركاكة معناه وهدفه!

ولا تلمني إن أنا أعجبت بلغة تشبه خربشات الأطفال التي نعلقها بفخر على ثلاجاتنا،
لكونها عنت الكثير على غياب فنية اللغة وتقنياتها..

أما ما يدفعني لما يشبه السكتة القلبية ،

فهو استخدام البعض لرمزية لا يدركون أنها ما خلقت إلا لي..أنا..سيدة الكلمات!

تتجهم عيناك من نصفي المظلم.. جانب ما كان لولاك..

[سلام الفاضلي]

حــين طعن .. ابتسم...

ما عابت عيناك حين عابت إلا اختياري لك..

لو أنك حين نويت أن تلقي باتجاهي مر الكلام وأجوده تصويبا ..
لو أنك بدل عنها أمسكت بسيف أعوج الشفرات .. صدأ ..
وقضيت في قسمي إلى نصفين أياما لرداءته ..
وقضيت أنا من التهابات خلفها الصدأ قبل أن تنهي مهمة تقطيعي ،
لكان أهون على بدني من كلمة تلقيها على قلبي وسمعي لا تدرك حين رميتها أي جراحي فتقت ،
ولا تدري حين ألقيتها أي مقتل أصبت..

حين طعن .. أشكوك لعينيك ولربي قبلها .. وأدعي عليك وعلي بالهداية ..

تتوب أنت بعدها عن قتلي وأتوب أنا عن عينيك..

[سلام الفاضلي]

خــذلتني لغتي! قد تخذلني عيناي .. شفتاي .. يداي ..
وأشياء أخرى قد تقوى علي ولا أملك إلا أن أرضيها .. لكن أن تخذلني لغتي فهذه سابقة تؤرقني ..

خذلتني لغتي أمام عينيك..

تطل من عينيك حين تطالعني لغة لا تتقنها شفتاك .. وأجيد أبجديتها حد البكاء ..

كل ما فيك يدفعني لأغادر .. فأفعل!
ثم تخاطبني اللعينة .. فأجد قدمي تخالف كل اتجاهات جسدي وتدور على نفسها لتخطو باتجاهك ..
أخرج من باب المنزل لأقفز من النافذة .. أفرد أجنحتي لأطويها تحت جناحك ..

أقول وداعا واحتضنك وكلي يرجوك البقاء ..

خذلتني حروفي حين أخبرتك إني راحلة عنك .. واستقرت كل جوانحي تحت ظلك ..

[سلام الفاضلي]

دفعتني دفعا إلى غرفة المرايا الكاذبة ..
قاومتها بعنف فاجأني وأنا التي طالما أنكرت على عائلتي تعلقها بالمظاهر ..
نقف كالجنود .. نتحدث همسا .. نقاوم رغبة الركض مع الأطفال حول الطاولة ..
نصارع ضحكة مكبوتة من طرفة قالها أحد الكبار وندعي عدم فهمها ..
نخفي دموعنا لأنها دليل تعاسة ، كيف ذلك ونحن أسعد أسرة خلقت على وجه البسيطة منذ خلق آدم !؟

وقفت أمام تشوهاتنا الخلقية ! هن تضحكن وأنا أحدق في انعكاساتي بهلع ..
أبدو هنا طويلة ونحيلة كزرافة مصابة بالسل !
وأبدو هناك قصيرة ومستديرة كمتقزم مصاب بالشراهة المفرطة ..
و أصوات ضحكهن على أنفسهن تثير غيرتي ..

سأدخل يوما إلى هذه الغرفة دون لكز ..
سأدخلها و أضحك على نفسي بسخاء ..
سأدخلها لأضحك وطفلتي مع عينيك ..

[سلام الفاضلي]

ذات مطر .. تجن عيناك ..
تكاد تعريني لتركض نحو السماء .. فأتمسك بهما بحياء .. تزمجران .. تهددان بالرحيل دون عودة .. فأطلق سراحهما ..
تحب عيناك أن تبتلا بماء المطر تماما كأنت ..
تخرج من مكتبك مدفوعا بصوت المطر ..
يختبئ الناس حولك ويتراكضون وتمشي أنت بهدوء نحو سيارتك ..
تحاول أن تبتل بأكبر قدر ممكن من دموع السماء ..

بين المطر وبينك ... حكاية لم تستطع أن ترسمها بحروفك ..
بين المطر وبينك ... أسرار لن أعرفها ..
بين المطر وبينك ... رسالة من الذين ينتظرون بشوق هناك..
بين المطر وبيني غيرة ..
بيني وبين المطر حيرة ..

وحده المطر قادرا على تعريتي من عينيك فيثير بي رغبة للبكاء .. وبي وأج للبكاء..

[سلام الفاضلي]

"رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير"
سيدنا موسى وباب التأدب مع الله

[سلام الفاضلي]

زرعت لعينيك في داخلي محرابا من أشجار الزيتون .. تسقيها عيناي كل صباح، وكل مساء ..

مشدودة إلى عينيك بخيوط مجدولة من أوراق الياسمين .. مصبوغة بلون العناب .. معطرة برائحة الريحان ..

أمرر أصابعي على شفتيك .. ما أصبرني عليهما!
وكم وقت أحتاج لإعادة رسمها على شفتي !؟

كذبت عليك حين أخبرتك إني متحيزة لجزء منك دون الآخر ..
أنا متحيزة لكلك دون بعضك ..
ولجزئك دون كلك ..
و متطرفة في عشقها..

[سلام الفاضلي]

ســتنتهي أبجديتي قبل أن أوف عينيك حقها من الحب ..

و لن ينتهي حبك وإن وفيت الأبجدية .. سأكررها ...
من ألفها إلى يائها كما تكرر شغاف القلب محبتها لعينيك كل صباح وتزيد فيها..

لك في القلب معزة .. و في الروح مكانة .. و لك محضر خير وإن غبت ..
بين الوجوه وبين عيني وجهك .. فلا أرى إلا ملامحك .. و ما لا يشبهك لا أراه ..

و لأنك لا تشبه أحدا فإني لا أرى غير وجوه ضاعت ملامحها حتى يخال لي إني محاطة بالأشباح!

كم أحبك!

[سلام الفاضلي]

شــيء ما في عينيك أرقني .. قبض علي منذ لقائنا الأول وتغلغل في..

يومها لم أكن أعرف من أنت .. عرفت اسمك لكني لم أعرف من أنت ..
تبادلنا نظرة سريعة ، توقفت أنت للحظة ولم أتوقف ..
نظرت إلي وكأنك تعرفني ، ونظرت إليك كما أنظر لأي وجه أمر به ..
لطالما كنت أكثر شفافية مني .. بعد أن تجاوزتك توقفت..

شيء ما في داخلي أخبرني بأني أعرفك أيضا ،
ربما في حياة سابقة .. ربما في حياة لاحقة .. لم ألتفت ..
الأنثى الأنيقة لا تلتفت إلى الخلف أبداً .. ولكن أشياء كثيرة مني بقيت في المكان.

أتراها عادت إلى أناي التي كنتها أم تراها تنتظر أناي التي سأكونها ؟

لي مع عينيك شأن..
لي مع عينيك قضية أكبر منك ومني .. أكبر من الحياة ...

[سلام الفاضلي]

صـ ـفحات من حياتنا نطويها..
و قليلة تلك الأشياء التي نحتفظ بها في صفحاتنا الجديدة ..
يستحيل أن نجد صفحة بيضاء في سجلات غدنا ..
حتى تلك الأشياء التي آلمتنا .. جرحتنا .. هدتنا و هدت فينا .. تبنينا ...

تقفز عيناك بين صفحاتي .. تضحك لي و تضحكني .. تبكي و تبكيني..
تغازلني بذكاء ، و تطارحني الغرام بحنان ..
تقرأ سطوري و بين سطوري ..

تخضعني لأشعة تحت حمراء و فوق بنفسجية ..
تعريني .. تحللني .. ثم تحتويني كرداء فضفاض من ياسمين ..

سهلة أنا عليك .. صعبة علي ...

[سلام الفاضلي]

ضــمني إليك .... كما ضمت أم موسى وليدها بعد فقد ..

قر عيني بك .. حبيبي ..
فلا سكن لي إلا بين ذراعيك ..

ضمني ... حتى يلتصق خافقك بخافقي ....و تلتحم الشفاه بالشفاه ....
فلا أميز شهيقك من زفيري ..

ضمني ...
فليس لي قبل حضنك وطن و ليس لي بعد حضنك حياة...

[سلام الفاضلي]

طـ ـاردت خيالاتي
و بحثت كثيرا عن ذاتي
و حلمت بوطن أسكنه
و حلمت كثيرا بالآتي
رفعوني للأعلى خمسة
و تطهرت بماء الثلج
دافىء و رقيق اللمسات
سبحان الله .. و بحمد الله
كفنت بأجمل كلمات
طارت من حولي فراشات
شرفت بأحلا الزفات
قد حان الوقت
يا سكني أنت
يا وطني أنت
و تحقق حلم أحلمه
في هذا العام
في ذاك الوقت

[سلام الفاضلي]

ظــلال الأشياء لا تؤرقني ..

أسامرها .. أجاذبها أطراف الحديث ، و لكنها لا تسكني ..

و عيناك سامقتان كنخيل العراق .. كجنوب لبنان ..
ككنيسة المهد و مأذنة الأقصى ..

تحاول الأشياء أن تسرقني منك .. و مني ..
تراودني عن نفسي .. فأهرب إلى ظل رمشك ..

في عينيك أرى الأشياء و تراني ..
تطل علي حقيقة النور و ظله ..
البحر و شواطئه ..
الحقيقة و تشوهاتها ..

في عينيك أقرأ قصص الأميرات و الوحوش ..
أقرأ تاريخ الطفولة و الخرافات ..
أقرأ أجمل الروايات .. أقرأ تاريخ البشرية و عقوقها ..

في عينيك أقرأ .. و أكتفي ..

[سلام الفاضلي]

عـ ـيون الأرض تراقبنا .. تنتظر من سيأتي بعدنا كما انتظرت قدومنا .. رفعت يديها إلى الله ترجوه الرحمة لنا قبل أن نرفع إيدينا نرجوه الخلاص منها .. عرفتنا الأرض قبل أن نعرفها .. احتضنتنا وعققناها !
وقفت الجبال بكل رسوخها أمام خالقها ورجته أن يعفيها من حمل الأمانة .. و وقف الإنسان يهتز بنسمة وطالب بها !
راقبت الأرض هشاشتنا .. رفعت حاجبها متعجبة من كبرياءنا .. وبكت علينا ..
عيناك كما الأرض تراقبني .. عيناك كما الأرض تحنو علي

عيناك كما الأرض تبكي علينا..
:
:

سيكذب كل الطغاة على شمسنا
ويكذب كل الطغاة على أرضنا
ويبقى لكم أيها الناس
مشهد موتي
وصوتي

"على لسان الشهيد محمد الدرة للشاعر إيهاب الشلبي"

[سلام الفاضلي]

غــريبة علاقتنا بالساعة .. ننظر إليها بحب .. بخوف و ترقب .. بفرح .. بقلة صبر ..
نستعجلها أحيانا و نرجوها التوقف أحيانا .. نلعنها مرة و نشكرها مرة .. و هي تهزأ بنا و منا ..

أراقب آثار الساعة على وجهي .. على عيني .. على جسدي ..
أراقب النور الذي تسلل إلى الشعر الأسود .. بداية النور بطيئة دائما ثم تتسارع دون أن تتوقف ..

يتسلل النور إلى قلبي ويقبض عليه بكلتا يديه، أتوجس منه .. يتسلل مع دمي إلى باقي جسدي ..
ثم إلى ذاكرتي البليدة .. أتذكر عهدي مع النور، فأصغر أمامه حتى أتلاشى ..

أنظر حولي .. تختلف علاقتنا بالأشياء مع تقادمها .. نكتشف أن بعضها أقدم من تصورنا وبعضها سيبقى غريبا مهما تقادم .. بعضها أقوى وبعضها أضعف ..
أننا أعطينا لأشياء أكثر من إستحقاقاتها وقدمنا القليل لما إستحق منا أكثر ..

علاقتي مع عينيك كعلاقتي مع الأشياء التي إستحقت مني الأكثر .. لا تتمسك بظلالي وأنت بعض من نور!

[سلام الفاضلي]

فــيك مني الكثير .. و في منك الكثير ..
كمغناطيس متشابه الأقطاب و لن نلتقي في نقطة واحدة أبدا! لا تتفاجأ إن نادوك باسمي في ساعات جنونك ،
كما تعودت أن ينادوا علي باسمك في ساعاتي الرحمانية ..

عيناك مثيرتان كغيمة حبلى بالمطر .. و أنا وردة ذاقت حلاوتها .. تفتحت وتبرعمت على مطرها وأصابها منها شبق ..
لا تتوقف أبدا عن إشتهاء المطر ، و لكنها تخشى الغرق ..

لا تشبهني ولا أشبهك في شيء! كمغناطيس مختلف الأقطاب .. لا نتوقف عن الإلتصاق أبدا! فلا تلوم أفواه مذهولة بارتباطنا العجيب ..
كما تعودت أنا على أصابع تشير إليك بما يناسبك أكثر ..

عيناك مني..ولا تشبهني! "

[سلام الفاضلي]

قــبل أن تلقي علي حكم النفي، و قبل أن تصادر أحلامي و أماني فيك،
كانت لي شمعة منارة أداريها بكل ما أوتيت من قوة ..

قلبي قلب أسد، و روحي روح نسر .. و تحطم كلاهما فيك على صخر قسوتك و استعلائك ..

أنا لا أعاتبك! لأن قدر محبتي تجاوز عتبة الحب ليصل إلى مرحلة الصمت .. و الصمت في حالتي معك حكم فرض ..

مددت يدي إليك بيضاء و رأيتها سوداء في إنعكاس مرايا عينيك .. ألقيت بعصي فرأيتها أفاعي تسعى و جفلت منها ..
لم يبق لي إلا أن ألملم جرحي فيك و أغلق باب منارتي خلفي..


فلا تهددني بسحب مراكبك عن شواطئي فقد غادرتني جميع مراكبك قبل أن تلقي مراسيها ..
داخل منارتي أجلس لأسامر ظلي و أنا أراقب مراكبك من بعيد .. لا يداعبني أمل و لا شيء يدفعني لأشعل أنوارها لتنير دربك إلي..
عيناك معي إن بقيت أو رحلت ..

[سلام الفاضلي]

كــيف لي أن أخاطبك برسميتك؟
بل كيف لي أن أحادثك بطريقة سيبابويه وأنا التي أرسمك على جسدي كل ليلة؟

كنت أجمع لك كل خطابات الحب .. أسطرها بتقنية عالية ..
أراجع بحور الخليلي لإلقيها على مسمعك .. أحضر كلمات من قواميس اللغة لأبهرك بها ..

وما أن أراك .. أسمعك .. أنسى اسمي و تضيع أبجديتي حول حدود شفتيك ..
أعذرني إن تعريت من كل شيء أمامك إلا من أنوثتي ..
أعذر ضعفي الفطري أمام فحولتك ..
أعذر إرتباكي في حضرة عينيك المخملية ..
أعذر وجيب قلبي حين أدرك أنك هنا ..
أعذر غبائي المطلق حين أكون مع عينيك ..

ما حاجتي لعبقريتي ودهائي حين تلمسني عيناك!

[سلام الفاضلي]

لا تستطيع – ستفاجأ - أن توقف دوران الأرض حول نفسها،
كما لا تستطيع أن تقنع سمكة بأنها نسر ..
و تقنع فراشة بأنها تنتج العسل .. أو تقنع امرأة عاشقة بأنها صديقتك ..
فكيف تريد أن تقنعني بإنني لم أكن دائما على حق!

لعيناك القدرة على رؤية الأشباح الراقصة على سطح بلوتو، و تفشلان في رؤية ما هو لصيق أنفك !!

لك مخيلة تزرع الياسمين حول خاصرة المساء ..
تنبت الدراق في زهرة عباد الشمس ..
تضاجع أميرات الليل فوق غيمة ..
تطارد المحرومين في زقاق المدن الحزينة و أنت مضجع فوق مقعدك الجلدي الوثير ..
و لا تستطيع أن تجري عملية حسابية بسيطة إن دخل في حساب الأرقام وجه بشري !!

يحتضنك كلي ويهدهدك و أنا ألطم وجهي بيدي التي لا تراها عيناك !

كيف أستطيع أن أقنعك بأن الأشياء خلقت قبل أن ينعكس ضوؤها على عينيك!

[سلام الفاضلي]

مــن تلك الأشياء التي تزعج الآخرين منا ؛
تواصلنا بطريقة تخالف طبيعة الكون ..
يكتشفون إننا نثرثر أكثر في صمتنا ..
و نلتزم الثرثرة عند صمتنا ..
نتبادل القبل والابتسامات عند غضبنا و نجلس بعيدا عن بعضنا عندما يخنقنا الشعور بالحب ..
نتبادل الإتهامات عند تأكدنا من بعضنا و نتصافح حين شك ..
نقدم بطاقات المعايدة في رمضان و نعلن الصوم في الأعياد!

عندما يضحك الآخرون يكون هذا عادة تعبير عن السعادة ..
و عندما نضحك نحن نكون في قمة تعاستنا !!
نحزم أمتعتنا لنبقى ، و حين نرحل نترك كل شيء معلق في مكانه ..
نرسم لبعضنا خطوط حمراء لنتجاوزها و نترك الأبواب مفتوحة لنغلقها في وجه بعضنا !

لا يفهمنا أحد .. و يفهمنا الجميع!

[سلام الفاضلي]

نــعود إلى نقطة النهاية! يغيب شهورا فأفرد أجنحتي وأطير وقد ظننت بأني قد نجوت من بركان حبه التملكي وسماء شكه الخانق..يلقي التحية فأجلس بهدوء أمامه وفي داخلي ثورة حنين ترقص على أنغامها نبضاتي وأخفيها عنه..يفتح فمه فأتعلق بحروفه..أنتظر مطرها لتخضر صحراء خلفها غيابه..تصلني كلماته فيستيقظ كلي وتعلن أعصابي حالة الطوارئ القصوى..أدرك إني جلست على مقعد الإعتراف تماما عند نقطة النهاية!
_ هل غازلك أحدهم أمس..أي محاولة إصطياد؟ لم يمض على تحيته ثوان! سؤال ليس غريبا عن شفتيه..ولكن القلق في عينيه غريب..عادة يرافق هذا السؤال شرارات نارية!
_أتقصد بالهاتف أو بالإيميل؟ أطرح السؤال لأعطي نفسي فترة تذكر وإجراء عملية عصف ذهني أراجع به نهار أمس منذ ولادتي الصباحية إلى لحظة موتي المسائية..
_ وجه لوجه أو هاتف..يهمس وهو يراقب أي تغير قد يطرأ على جلستي أو وجهي..
إذن لم يتسلل إلى إيميلي..أتذكر شيئا وأشعر بقليل ذنب أطرده بسرعة..قادرا هو على قراءة جميع ذبذباتي؛ ثم إني لا أعرف ماذا فعل هو في غيابي..ولا أريد أن أعرف !! شعرت بتشديد على عبارة وجه لوجه فأعصر ذاكرتي قصيرة الأمد..في مكان عملي إلتقيت أمس برجلين..أحدهم بائع بالجملة فداني بروحه وبضاعته ولم ألق إليه كثير بال..والمقاول الثري الوسيم الذي ألقى بنفسه علي وتجاهلت وجوده إلى اللحظة التي أضطررت فيها إلى محادثته على عجالة، وركضت شبه هاربة إذ لم تريحني نظراته..إحتمال أن يعرف الأول بعيد جدا فهو بعيد جدا عن مستواه الإجتماعي والثقافي، إلا إذا أخبرته هي!! إحتمال معرفته بالآخر محتمل جدا، ولكن هل أعتبر الآخر إن ابتسامته التي لم ترد غزل واصطياد!؟ أخفي ابتسامة ساخرة..ربما الهاتف! أرقام أعرفها ويستحيل أن يعرفها هو..رقم واحد لم أعرفه ولم أكلف نفسي عناء الرد..أطرد شكي بي وأجيب بثقة:
_لا يستطيع أحد أن يغازلني، تعرف حدة وجهي! هل هذا ما أخبرك به فنجانك؟! أقول بمرح لأكسر جو التوتر الذي يكاد يقتله..أتذكر إني لم أكن حادة الوجه حينها وقد أكون تلطفت قليلا ببائع الجملة الذي بدت عينيه صادقتين..لا أذكر له كلاهما فقد لا يعرفهما وأوقع نفسي بغباء..وقد إكتسبت معه خبرة لا بأس بها في تجنب المصائد!
_ تذكرتك بالأمس ولا أعرف كيف فكرت بذلك! يكذب..يهرب من عيني حين يفعل..أكرر له إستحالة مغازلتي وأكذب في عدم إهتمامي بالطرف الآخر..يصمت ..عيناه خائفتان وعاتبتان..يقتلني خوفه وقلقه وأتمنى لو يلقي شيء بإتجاهي أو علي ويبكيني! أو يترك أثره على جسدي كعادته التي تمنيت أن لا يمارسها معي هذه المرة..ولكنه جلس أمامي كطفل حائر فكرهتني أكثر..يتنهد ويهمس بحجته الأزلية "إجتماع"! ويذهب..شيء ما يخبرني إنه مختلف..بدا وكأن جرحي له هذه المرة أقسى من جرحه لي..لم ينته زمن المعجزات