العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ۩ مـــداد ⋘

۩ مـــداد ⋘ مدوّنتك ...بعيدا عن الردود والتعقيبات (المشاركات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-01-2013, 09:47 AM رقم المشاركة : 101
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

جاب النّسيم مرسالك لمغليك
وجاني مع الليل صوتك به يسري
فرقا ولقا والدنيا دواليك
عذر الحبيب وعذره بعذري
يسهر نهاري بوجهك وطاريك
وأنت لي طارق ٍباب فجري
لوما تلقاني لاقيتني لافيك
ع باب يدّك يستاذنك شعري.







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 19-01-2013, 10:56 AM رقم المشاركة : 102
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

رواية :
الرواية هي قصّة ممطوطة غالباً أو مجموعة قصص في قصّة لذلك لا أجد متعة مع قراءة الرّوايات
أو بالأحرى التشتّت في شيء هو متشتّت من الأصل .
ولكن في بعض الروايات بدايتها تُدمنك قراءتها واقتفاء تسلسلها وتذعنك لمعرفة هل ثمّة شيءٌ سيحدث ويقع
وهكذا إلى مالا نهاية أي هي روايات مفتوحة أحداث تتدفق ماشية قفلها بيد مبدعها وهذا ما تحسّة عن الإنتهاء من قراءة بعض الروايات التي تشكّل تحف فنيّة/أدبية أو فقط حال التوقّف عند جزءٍ من أجزائها أو آخر كلمة في سطر من سطورها. . تحس أنّك أكملت شيئاً ذا جدوى ؛ وتبقى حاجة المتابعة أو التوقّف هناك شيء راجع إلى جريك خلف متعة أطول في أي حين ما أتاح لك ذلك الزمن .


(1)

الصّدْ


سنونٌ من الجدْبِ أقفرَتْ فيها الأرضُ وجفّت ِالفُلجانُ والعيونُ والآبار والغدران وسائر مصادر السّقي والإستقاء ؛ إلّا قليلاً بما يكفل استمراريّة الحياة. واشتاقَ البشر لرؤيةِ السّحاب - في أحسن حال - بعد أنْ بقيَ عزاؤهم وسلواهم في التذكّر لا سواه ؛ وأوشكَ بهم الظرف إلى النزاع على الماء وأشرف على الإقتتال بين الأخ وأخيه على خيال وسراب الماء.
يجلس سلمين الثمانينيّ ليحكي للشباب تحت الصّبارة ِعنْ سنين ِالخِصْب ِوالوديان وعن الماء والغدران تصل في جريانها الغزير الأشبه بمدّة الديمومةِ لحدِّ رؤوس الفلج ؛ ويحكي عن الكلأ وعن أماكن السباح (الجبي )(1)وعن الشيءِ الجميل ِوالتراث المجتمعي والهوايةِ العريقةِ الراسخة والضاربة عمقاً في جذر التاريخ؛ صيد الصّد .
- يا أولادي تدري كنّا نسوّي الزفنة(2)عند العبيلة(3) ومزرع السقح(4)ونشبك(5) عند الرديدة(6) والشّارق ؛ هيييه هيه كان الرزق والبركة .
يجيبة سعيد الأربعيني :
- ونحن كنّا نصدي(7) ونحصّل واجد قبل ما نسوي مقاليب (9)
ويستطرد..
لكن عطمان(10) ما لقينا ..
يتنهّد سلمين بعمق :
- والعطمان ما حد كان يحتاجله ، هي الأشيا تكايد شوف العطمان يوم ماشيء صد مايلّه ناشد واجد ..
ويردف ..
ونتوه قبل عشرين سنة مو شفتو هذاك عاد فضّالة الصّد والخير .
يتساءل حمدون :
- وكيف هذا العطمان بَعد؟
يعدّل جميّل في جلسته بعدما للتو أفاق من نومته القريرة فقال وهو لا يكف عن التثاؤب :
- مثل الضفر(11)بس لونه أخضر أكثر ويلّه ريحة قوية؛ يعني مثل ما يقولوا نفّاذة ويواصل حديثه ساخراً من نفسه ..
تراني أعرف عربي من زمن العولي (12)
ومن خلف الجميع يقفز خالد صارخاً :
- سحابة شوف العم سلمين طلعت سحابة ..
- الله يباريك اليوم بعد ثلاثين سنة نشوف السّحاب يعلم الله يجي ثلاثين سنة ماستوى سيل (13)
ستبشروا بالخير !
وتغيّر مجرى الحديث بما يشي بالفتور عن الإشتياق إلى المطر ؛ وذلك بعد ما ألفوا الحال ..
-إلّا كيف الثمَره(14) ماشي بان بعد ؟
- يقولوا فحاله مطلّعات(15)
واردف :
مو الثمره تكون النخل عطشان ومحلان ؛ ومتقان أكثر من عشرين سنة ، ما سمعنا بهذا ، الّلي أقوله ، خفّوا عنها النخلة إذا مسوية أكثر من ثمانية ؛ العام النخل حت وخش ما عقد ، والعام بو قبله تسلّط عليه الدبي ، والرّازق في السّماء والحاسد في الأرض.
قام عندها أحَدُ الشّباب ِالفاكهِ بإطلاق عدّةَ طلاقات ٍوأعيرة َنارية َفرحا واستبشاراً بالسّحابِ على حدِّ زعمهِ بعدما أرشده مرزوق ناصحاً وفيما يشبه النّاهي ويداني الآمر لخطورة العرف المتّبع :
- لا تنقّع (16) ثلاث ، نقّع أكثر أو أقل من ثلاث لا توشّل(17) بالخلق والأوادم ويحسبوا حد ميّت .
وبعد أن أفرغ ست طلاقاتٍ في الهواء تجاه الجبل الشرقي من بندقيّته البو عشر ؛ ناظر فيمن حوله من بعض الصّحاب الذين يشكلون الزّمالة والإلتقاء في العادة والممارسة ِقائلاً ومتلهّفاً:
- اشتقنا الغيل(17)يا ناس هين أوّل يوم نسبح والغرشة معنا تسبح في الجبة ..
قرع أمر السباحة والجبة لب ذاكرة سلمين الخالدة وجلجلَ في رداه ٍمحفورة ومنقوشة ؛ فصُبَّ في صميم أمسه الخامد ، نشج وكاد أن يعلوَ نحيبه بفوران الحنين الطافح المباغت دفعة واحدة ؛ إلّا أنّه لم ينبس .
ردّ آخر لم يزل يدرج في العمر مغتبطاً باليفوع وبإقبال العمر :
- والله بودّنا يرجع زمانكم ونشوفه شوّقتونا إليه ما مر طاري وإلّا كان يتخلّله .
اليوم لا توجد صبارة ولا زامّة ولا سدرة الخيل(18) ولاشيء مما يذكر ؛ كل مانراه أمطاراً وأودية تسيل فتجري بين حين وآخر وتعود أماكنها جفاف بعد أيام ٍ معدودة ٍ ؛ وكأنّها ما جرت ، بلاحياة ٍ، أشجارٌ تُزرع وتُفسل وتخرج مريضة شائةٌ ؛ وتلاشى وتبخّر ذكر أغلب شجر الأمبا والزيتون الأحمر والأبيض والتين والعنب والسفرجل والنارنج والليمون والفرصاد وما شاكل .
النفط ومشتقّاته قوّاد المؤامرة على الطبيعةِ وعلى الحياة ؛ وبذا تهذي سَمَر وهي في منتصف الأربيعينيّات من العمر ؛ جميلة فاتنة وقمّة في الإغراء لا يبدو للسنين على وجهها وجسدها وروحها من أثر يُذكَر ؛ تهذي عند كلّ جلوس ٍعلى وجبةِ سمكٍ دسمة طريّة ؛ تهذي بالصّد والملفّات والمعاذيب(19)وبالخبز البلدي وريحه القروي الذي يهيّج ويوقظ كل الحواس فيها .
وفي سريرتها أشياء لو باحت بها لنزلَ المطرُ ؛ ودقَ وأغدقَ ؛ ولكن تأبى إلّا أن تحلم - فيما يشبه الهذيان الإدراكي - بأتيان المطر ويكون له أثره الفعلي المعروف والذي لا يخفى على عاقل ؛ أثره في غسل وتطهير وتنقية سخائم القلوب فتستمر المياه في الجريان ؛ وتؤلّب أشجار القرية - التي شهدت أخطر مفاصل حياتها وتحوّلاتِ شبابها - على أخذ هيئتها إنْ لم تكن أفضل ؛ وتمسك القرية موقعها من الهدوء والعفوية وتنجرف سَمَرٌ في أحلامها حتى تفيق على نقر ِالصّد .
انتفض الحضور وبقي سلمين - مغالباً العبرات وهي تكاد تخنقه تهمي عيناه وتتحدّر دموعه مدراراً - يستعيد ماضيه ويلفُّ شريط الذكرى :
- هييييه هيه يالصّد لولاك ماتزوّجت ومانسلت وما تنعّمت بالحرمه وبخلقة الله .
كم كان بينه والبنت من نفور غير طبيعي يكاد يداني فرار الفأر من الهر ؛ حتّى كان اليومَ الذي رأى فيه سالمة مع أترابها وهن في سن يتجاوزن به الطفولةَ إلى عمر الجمال والخيال والينوع ؛ ممراحةٌ كانت في ألقها وسطهن ، وللمرة الأولى أحسّ بأن لا داع ٍللخجل والهروب والفرار ممّا أبدع الخالق وزيّن سبحان الله !
هلّل وكبّر لما يرى من تقافز عالي قاماتهنّ في وسط الماء المبتهج بهنّ أكثر من ابتهاجهنّ فيه . يصل في أحيان لحد شهقاتهن لحظةَ استقباله لهن وهن في آخر مطاف المتعة بسرعة القفز من الصخرة إلى وسط دفئه. جاهدَ مختبئاً الّا يرينه ويقاوم محاولاً أن ينسى عقدته في الخجل من البنت وتحاشيها ومتى ؛ عندما تكون في أجمل وأروع وأبدع مراحل طورها . نهودهن القاعدةُ . أجسادهنّ المتلهبة المرتوية . وأفخاذهنّ المشدودة المغرية بفعل الماء ؛ الماء لا غيره .
وبدا تركيزه على" سالمه" أكثر ليس لكونها الأجمل ؛ بل لما يرى منها من حركات تتبدّى عفوية إلى أبعد حد ؛ سقوط أسفل ثوبها بين الفينة والأخرى حتى يبدو له القوسُ -على يد القنّاص الرّاصد- في قمّة شدّته وذروة انتفاخه وفي امتداد أوداجه . انحسار أعلى لباسها الضيّق من الأصل بما لا يكاد يحتمل البلل والإلتصاق ؛ إنحساره عن صدرها الفارِهِ والمكتظ به ؛ اكتنازه بها لدرجة لا تستوعب تأويلاً غير الماءِ .
كذلك تركيزه انصبّ حول كثر خروجها لقضاء حاجتها خلف صخرة السفح وعلى عكس صويحباتها الائي آثرنها في الماء ؛ فيجري بها بدوره ؛ وما سوى ذلك بدا يطفو لمّاعاً كلؤلؤٍ يقذفه العمق من لا مصدر يُقتفى لحظة احتكاكهنّ ببعض .
وهو يركّز جاهداً ومستميتاً أكثر شاحذاً مديته ؛ وبدا يتلمظ ويتمطّق ، ما كان يخشى منه ويهرب . وبه ينتقم للحظات الجمال من ماضية الأجرد المقفر المتصحر ؛ ماضيه المنحرف خلف الصبية ومن هم دونه أو في عداد عمره . وهو في تأمّله يرى العم "عُدي"أمامه فجأة وبلا سابق انذار ؛ من أين نزل لا علم له ، إلّا أنه أحسّ بأنّ الصبيّات كانن في انتظاره وبنضارة حال ظهور ثعبان على صخرة السفح حيث كانت سالمه .. ثم قفز في الماء وبعدها نزل غراب وحطّ على نفس المكان ؛ وماءَ قطٌّ أسود وانشقّت الأرض بجمع من الحشرات ؛ وكان نصيبه لسعة طفيفة في خصيته همد على إثرها قيلاً بعض ما هو فيه ؛ وبدأ الصّد ينقر أجسادهن باحتراف وتلقين وبهدوء تدفّقه حرارة أجسادهنّ وتذكيه ؛ وكل واحدة ٍ بدأت تتلذّذ بإدخال يد الأخرى في ملتقى نهريها ؛ وكانت حالة خاصّة ؛ فهتفتن بصوت واحد :
- جا العم عدي الجنّي .
طرده من المكان ، فثنّى عليه وكرّر غير أن سلمين لم يأبه ؛ ولم يرفع رِجْلاً.
فقال له بسماحة باديةٍ :
- هلّاه بناتي روّح قبل ما يشوفنّك وعن أخبّر عليك أهلهن أو أخليهن يخبرن عليك .
انسحب سلمين كمناورةٍ ، أو لأخذ موقع ٍأفضل وأكثر أمنا وستراً وأقرب للرؤية وأوضح ؛ فعاد متسلّلاً .
والعم عدي على علم به وبثقةٍ تامّة بأنّه لن يبارحَ المكان ولكن ذاك لا يعنيه وقلّل من شأنه لثقته فيما يفعل ؛ واندسّ سلمين ليرى حال خجل سالمه من العم عدي وصاحباتها ولحظة هروبهن مبارحات الماء ؛ إلاّ إنّ ظنّه كان خِلافَ ذلك تماماً ، طلعن من الماء وأخلعن ملابسَه المهلهلة القصيرة الرّثّة َ ودفعنه في الماء .
وبقي عدي يراوح ثمّة شيئاً بينهن بالإنصاف مرّة يظهر في نظر سلمين وأخرى لا يراه
فاستدعى وجودُ سلمين وكشيء مباغت بيتَ أبي تمام :
السيفُ أصدقُ انباءً من َالكتبِ
في حدّه الحدَّ بين الجدِّ واللعبِ
ولا يكاد يتم نطقَ البيتِ حتّى اختفى المكان كلّياً من أمام سلمين ونسى أين هو ؛ حتّى بعد ساعةٍ استعاد طبيعته ولم يرْ سوى بعضَ أثار ٍباقيةٍ من ريح ِ أجسادهنّ النفاذ المهيّض عالقة ٍ ببعض أحجارٍ ؛ وآثارَ ملبسهنّ الرطب الذي ينفضه الهواء في أنفه ويهشّ على قطعانَ اللذّةِ الضارية ِ في صميمه ؛ وكان بركاناً ثائراً حكّ على إثره مخارجهِ ، وبارحَ لذّته الشّخصية تقتفي أثرهنّ في الماء وتتشمّمه لتختلط به قبل أن يجرفها التيارُ، ناسياً بذلك خوفه من حالةِ غيابه الأولى ونسيان المكان التي مرّت به فجأة ؛ ومبارحاً ومطلّقاً خوفه الأبدي وهروبه من البنتِ طلاقاً بائناً ؛ وهو يردّد على نفسه وفي دواخله:
- الحين عرفت من هين تجي ريحة العم عدي بالرغم من ملابسه القذرة ؛ وسخ طيّب ، طيّب وسخ يا عدي وهي الحياة تراها كذاك.
ألِفَ المكان بشيء يجرّه من أنفهِ قبل عينيه اللتين يتماوج فيها شاهدُ باقياتهنّ الصّالحاتِ ؛ وأذنه التي تتردّد فيها كركراتهنّ النّاعمة ُ النائمة ُ ، ومرّ أسبوعٌ في راحةٍ لم يحضر العم عدي كعادته ؛ وإذا بهِ على علم ممّا نما إلى سمعه من عذْبِ حديثهنّ بأنّه استأذنهنّ في الغياب لبعض المشاغل ولا بدّ أن يأنسن بغيابه ؛ أحس بارتياح عظيم وأمل شاسع في ضعف ارتباطهنّ بالعم عدّي ؛ فكان ظنّه بأنّ ارتباطهن بالماء وبكلّ شيء هو ارتباط ٌ بالعم عدي ؛ وحال عدم اتيانه لا تتحقّق له رؤيتهن ، أي متعته كانت ناقصة ويحكمها رابط خارج نطاق يده ؛ ولكن شاء ما أرادتْ مشيئته .
وبعدها في اليوم التالي رأى سلمين العم عدي وهو يخلع ملبسه بلهفة وشوق ويرتمي في الماء من قبل حضورهنّ ؛ وحال حضورهنّ لم يضعنَ أو لم يضعْ العمُ عدي في حسبان سلمين لذّة التلذّذ ببروز جسد سالمه الفاتن من أسفل ثوبها .
جسدها الُّلجيْن وهي تُنافحُ في رفعه ودس ثمينها بشحٍّ طيّب وبخلٍ جزل .
قد طوى عطاءها العم عدي وبه طوى لذّته التدريجيّة هو الآخر ؛ فقام بإنزال أثوابهنّ عن آخرٍ فاستبقى به إلى المتصف إلّا أنّهن وفي حالة استجداء واحدةٍ لححنهُ :
- نزّله كامل أحسن .
وبعدها أزاح أعالي لباسهنّ ، وأوشك خوفُ سلمين من البنت أن يستفزّه ويراوده ؛ أو هي أشبه بحالةٍ أخرى جديدة ؛ حالة اشمئزاز ٍوتقزّزٍ لقسوةٍ ورعونةٍ المشهد المفاجيء الشنيعِ دفعة ًواحدةً ؛ ما أضيَعَ الجمالَ أنْ تتعاطاه بهذه الفجاجة والإسفاف والإبتذال ؛ فيبدّد هباءً ، وما أجمل وأجلّ التسويف في لحظةِ أخذه ببطْ على دفقاتٍ ومراحل ٍلا تتبخرّ عندها نشوته ؛ وما أوجهَ وأثمرَ اللجاجة الممشوقة بالدلال حال عطائه .
فصاحَ بأعلى صوته لا شعوريّاً عند مشهد انتزاع ملابس آخرهنّ :
- خلاص خلّها ذيه كذاك أحسن .
دوّى صراخه صدىً في المكان ، طبطب العمُ عدي عليها وربّتَ على عجزها الرجراج ؛ فأجلسها على فخذه الحار ؛ فمرّر ظهر يده على أسفل عُنِقِها ، فأدخل طرف إبهامهِ في فمها البرّاق ، ثم لمّ شعرها المسترسل في شُرُطِ حرير ٍحتى غطّى بهِ ظهرها الحليب ؛ واستبقى على أسفلِ لباسِها ، وقال يقنعها وهو يشدّ وجنتها برفق ولين:
- جن المكان ما طاعوا تسمعيهم ، خلّيه كذاك اليوم أحسن .
وأنزلها الماء ، كم فتن سلمين مشهدُ عدي وهو في أعلى وأسمى وأرقى درجات الحنو والمتعة والّلطف؛ كابياً يحبو ، متوسّلاً سطوة وهيبة جمالها ، وبدا له شعرها وهو يغطّي أسفل ظهرها حتى كفَلَها أجمل إنزياحاً من لحظةِ نزول ِأسفلِ ثوب سالمه .
مشهد مهيب ساط ٍ في جلال لا يجده وصف ولا يطوله حد ولا يحصره تخم .
فقال بضعف جميل :
- كم أنا أجدر منك بهذا هالشّايب واستدرك ..
شايب لكنّك تعرف أكثر منّي في البنات ؛ وفجأة عاودته نفس الحالةِ ، غاب عن المكان فأفاق لم يرْ العمَّ عدي ؛ ورأى حوريّة ًتسبح ُمع الصبيّاتِ في درجة ِجمالهنّ وأجمل ؛ فغاب عنه المكان أو قد يكون هو من غاب عنه للمرّة الثالثة حتّى أفاق ولم يجدْ غيرَ أثرهن .
مارسَ لذّة الجمالِ الفائت الباقي وانجرّ إلى البيت ، وكأنّه لم يحصلْ له شيءٌ .
يرى العمَّ عدي في المسجد ، يغمز له بباق ٍمن شقاوة ِالطفولة ِ، وبدوره يضرب على كتفهِ بسحنته المتهلّلة البشوشة وبسجيّته الطيّبة وهو يقول بهمس :
- خلاص ولدي بسّك من الّلي انته فيه خلّه الوالد يزوّجك ؛ بنات البلاد حلوات وواجدات ، ويذهب في العمق متفحصّاً ومتأكّداً ..
مو سوّيت أمس بولد ناصر بن خميس ؟
وبثقة قصّ عدي على سلمين ماحدث وما كان قبل الحدث وكأنّ عدي كان صاحب النية والهمّة وكأنه الفاعل بالضّبط والّدقة.
فقال سلمين بخجل ٍشامت وهو يهز رأسه :
- انته تعرف !
ناظره بجدٍّ وقال :
- بعدك تطير وتخجّل من البنات ؟
ضحك لحد القهقهة ، فأخذ بكمّهِ وقال فيما يتبدّى في مشهد حاقد :
- لا الحين خلاص بديت أقول فيهن شعر .
- مو من الشّعر سمّعنا .
قلت فيهن عمّي :
- ياناس راح الصّبا
واليوم شايب عثير
أوّل قنصت الضّبا
وشربت ماي الغدير .
ضحك وقال محاولاً أن ينسحب من أمامه ؛ هذه ما حالك ، ما انته قايلنها .
فجذبه سلمين يسترجعه كي يتم عليه حديثه :
- ولكّني أقول شعر عربي
فقال العم عدي بملل وفتور:
- أنزين سمّعنا .
أقول فيها :
- أيها السّاقيُ السّوقيّ البذيءُ
لا تُحمتل رعونة ٌأنت تستمدّها تستقيها
من طبيعتك الخاوية الجوفاء
صلد يذوّبه ذاك السموّ البازغ
ولا بك أن تذوبَ
لا لا تبدِّدُ الجمالَ في نظر ناشده
وأزح شيئاً فشيئاً عن جسَدِ الجميلةِ
هبني اللذة دفقات
كأقراص الدواء
أتناولها
دع القوسَ آخر ما يراه الطير ؛ أنا ..
في يد قنّاص الجميلة
أصمدُ وكلُّ ما فيها يهرب في سهم مسنون
مصوّب بدقّة إلى مواضع الحياة في داخلي
يوتّرُ الصائدَ في توتّره انطلاقُ جناح الطير في الأعلى
ونقر يدِ الصائدِ في الأسفل
والعصفور يشقشق بتغريد تحت أسر اللمسة
تحته وبين يديَّ الإبط
وقد استجمع قوى الحياة لينطلق مفرداً جناحه في حريةِ
يشق صحو الجمال سابحاً
مفرداً وقته لصلاة أخرى
مفرغاً ذخيرته بهدوءٍ في لب ذخيرة الصيّاد .
فقال مثنيا عيله ومطريا في غير إلمام ٍوبفتور:
-حلو لكنّي ما عرفت شي من بو قلته ؛ ما أعرف غير في الرزحه.
فقال سلمين في انتفاض ونشوة :
- بس سالمه دارسه ومتعلّمه وتقرا وتعرف في العربي ؛ وذهب مسترسلاً
وبعدين هذه شعر صعب واجد وكتبته لمية سنة جايّه .
انسحب من أمامه وهو يلوّح له بنظرة تقليل في شيء من الشفقة ؛ وبمزيج من العزاء والتهنئة وقد أحسّ بشيء التطوّر الفعليّ وببدء التغيير .
في اليوم التالي تحسّسَ والتمسَ سلمين العناكدي المُحتفظ بها طول هذه المدّة ؛ مراوحة مكانها كتقليد متداول وإرثٍ قومي ؛ فضلاً عن كونه مصدر رزق وإن كان نادراً ؛ وهواية (20) . وجدها قد تآكلت بفعل عوامل الزمن من رمّة وعثّة ؛ فقام من فوره بإعداد عناكدي جديدة ، بعد أن استجمع العساوة(21)وحبال الليف والنايلون النادر آنذاك ؛ فعجز عن إعداد العنسلان(22) فرْج العنكديّة الذي يدخل ويلج منه الصّد حال نصبها له كشَرَكٍ في الغيل على البحيصة(23) ؛ فهو في غاية التعقيد ، وفي قصوى الأهمية ، وعليه يتوقّف ويعتمد جدوى ونفع العنكديّة من عدمه ؛ وبه لا غير يتحقّق غرضها وفاعليّتها ، فإمّا أن تصنعه ضيّقاً ولا مجال لدخول الصّد ، أو منفرجاً وبذلك يخرج منه الصّد ؛ وكلا الأمرين غير ذي نفع ٍ.
استشار سلمين عّمه وأعدّه له ، وباليوم التالي كان الجو غائماً والباعية في درجة من الذكاء فهي لا مجال إلى نيلها حال ألفت المكان (24) ولا تخرج في وقت الغيوم والمطر .
عندها قال له أحد الشيّاب الخبير والمجرّب والأعرف تجربةً :
- ولدي خلاص الباعية عرفت المكان وما تحصل .
لم يأبه بما قال ، شبَكَ غير مكترثٍ مع الكثير من هواة الشبوكةِ للصّد ؛ ولِما هو عرف وتقليد وتراث يتفرّد به المكان دون غيره من الأماكن ؛ ورزق نادرٌ يُحتذى ، وفي المغرب الكل أخذوا عناكديهم ملأى بالصّد الوفير ؛والرزق الطيّب الكريم ، وشووه على العساوة في أناقة - تغيب عن غير العارف - بلفّه في خوص(25) يدعى ملفّة والصغير معذوب ؛ بعد تمليحه ، وتلذّذوا بأكله مع الخبز البلدي في بيوتهم مع أهلهم ؛ أمّا سلمين فأبقى على غير عادة ولا متعارف ؛ أبقى على عناكديه حتى صباح اليوم التالي .
وبات ليلته يتململ على ما كان من غزارة النّسغ ِفي ذروةِ اندفاعهِ للخارج أسفلَ العشبِ الطريِّ النّاعمِ على غير كثافةٍ ؛ وكأنّها تسقي به الصخرة على وشكِ انفلاقها وانبجاسها بالماء ؛ بالحرث والنسل ، وجبة غنيّة يتحيّن الّلحظة َفي عقب اللحظةِ لإسالتِ لعابِ شهيّتهِ وعصره عليها لتشكّلَ مزيجَ الأبديّةِ الخالدَ خارج سجنها المظلم الكئيب المتواري بين التقاء نهرين .
وفي تدرّب وتحفّز يقوده حدْسه ، يتحسّسُ إدخال يديهِ تحت سروالها المبتلِّ ؛ ويطيش به صباحه الربيعيّ الأخّاذ وقد أزفَ موعد حضورها وحضورهنّ إلى الماء ؛ أخرج عناكديه ، وكان قد حصّل كميّة لابأس بها ولا تقتحمها أو تُخطِئها عين ؛ وعلى بركة سالمةٍ أفرغهُ في صحن فخاريِّ جلبه من المنزل بعدما نبذ المخنّو(26) وهو يتوّعد في بحث دقيق ويقلّب :
- ماشي صلحو(27) الصلحو مايحصل إلّا يوم يحاصره الجفاف ويحس الموت بالصّح هناك يدخل العنكديّة غصب عن ذرّيته ؛ وإلا الربض مسكين بعض المرّات .
وحضرن ، فلمّا رأينه راغن إليه وبلا سابق موعدٍ - غير لقاء الدرب الإعتيادي - اندمجن معه في العمل بفضول ، وتناسن ما قصدنه على دأبهن اليومي ؛ قمّة في الوداعة والهدوء والأنس ، مافي دواخلهنّ تبديه صحيفة ظاهرهنّ ، في لطف ملامحهنّ ورقة وكياسة ملامستهن ، وفي سهولة وتهيّئ ضحكاتهنّ ، وحضور عطائهنّ الباذخ إذ لا تردّد أبداً ؛ شوى الصّد على العساوة ، فأخرج الخبز الذي أحضره من المنزل ؛ وأكل وأكلن وكانت لذّتهن لا تُضاهى ، ففيهن من أكل الصد للمرة الأولى ، والآخر من أكله ؛ ولكن لا يعرف من أين مصدره ولا طريقة صيده ولا كيفيّة إعداده ؛ فهي أمور تستعصي على غير المجرّب .
أعجبن بالطريقة ، كنّا سائغات فلم يأكل من الصّد ربعَ ما أكلت واحدتهنّ ؛ ولكنّه أكل وسيأكل الصّد من أطباق أجسادهنّ الصافية الصقيلة في لذّتين ؛ كما حين جرُءَ على إلقامهنّ الواحدة إثر الأخرى من يده ؛ ومرّت إحدى الراعيات هي وحفيدتاها وحفيدها فأكلن بمعيّتهم ؛ ومددن أرجلهنّ في جوٍّ لا تنقصه الحميميّة المختارة ولا يفتقد دفءَ الألفةِ المنتقاة ؛ أحسسن وبعمق وبإخلاص مثل إحساسه بأنّهن يفتقدن شاباً في دماثة وتهذيب وبساطة وعفوية سلمين ؛ ووصل جو الإنبساط برائدة الجلسة سالمة ؛ إلى أن تمدّد ساقها على كتفه ، الجلف الجافي غير المدرك الواعي سيرى في حركتها تلك تحقير لوجود سلمين بينهنّ ؛ إلّا منطلق الشّهم الرقيق الحسّاس في سلمين ِيأبى مزايلة حسن الظن ؛ وبلغ اندماجهنّ معه ذروته حتّى كان حس الدعابة في سالمة يدفعها إلى محاولةِ تقليد شرحه لكيفيّة عمل العنكديّة على نفسها ؛ في كيفيّة إمساك صلحو الصّد وإيلاجه ، ولكن لا صّد خارج الماء .
وهم على ذلك الحال ، مرّ العم عدي للمرة الأولى فقطف ثمرة ، أدخلت كاذيه السّمراء الضامرة " بأسفلها الكثيب وأعلاه القضيب " أدخلت يدها تحت إبطها فأرسلتها إلى أنفها بحركة لا إراديّة ؛ فقامت في لهفة تسعى إلى الصخرة ، انقضى وقتٌ فناولها العم عدي الثمرة فانتهى القطاف ؛ مرّ العم عدي للمرة الثانية واقتلع شجرة ، حكّت شيخه البضة ذات السحنة الأصيليّة ، حكّت حلمتها وذهبت في التماس ، ذهبٌ وقتٌ وناولها العم عدي الشجرة فانتهى الحصاد ؛ مرّ العم عدي للمرة الثالثة فبالَ ، فأدخلت سعادة الرقراقة القصيرة ، أدخلت يدها أين ما كان يدخلها ، فذهبت منجذبة ، انقضى وقتٌ فناولها العم عدي يده ، وتم الجنْيُ ، مر العم عدي للمرة الرابعة فقرع حجراً ، فتنهدّت الفارعة الشقراء الباسقة العجزاء ذات الشّعر الطويل ؛ وأسرعت طائعة ، انصرم وقتٌ فناولها العم عدي الحَجَرَ ، فتم النّيْلُ ؛ فقام العم عدي للإغتسال ، قامت سالمة مشدودة للإغتسال لها ولزميلاتها .
تنهّد العم عدي بعمق بعد إتمام سباحته ؛ تنهّدن بعمق وبتهدّج ، وتنفسن ببهار وهن يتحسّسن ملابسهن ، كان سلمين في تداعٍ وتراقص ٍكلّي ، أفرد رجليه ليأكل الصّد وقاذفه في آن بوسطهنّ ، فأشرعن يقذفنه به دفقات دفقات دفعات دفعات . حتى بارح العم عدي المكان بعدما نشِفَ لباسه .
نزلن الماء ونزل سلمين بدعوةٍ منهنّ ، وبشيء من التحفّظ منه هو لا منهنّ على ثيابهن ؛ فطفا الصّد في مشهدٍ حببيٍّ وليس فيهنّ بعد من يعرف خطر الغد ؛ عنسلان العنكديّة مغلق وهذا ما يؤكده سلمين خوفَ ولوج الضّفادع ِوتطفّل بعض من الحشرات ؛ وهذا ما تأكّد فعلاً للجميع ، لم يكن هناك حسّاً بشيء من هذا القبيل فكيف امتلأت العنكديّة بالصّد .
ذهبت أصابع الإتّهام تشير إلى الصّد .
الخميس
17/1/2013

الفصل الثاني
أبناء الصّد









*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 27-01-2013, 12:47 PM رقم المشاركة : 103
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

(2)
رفِع الأذان خارج مجلس الصّبارة .. ، أتمَّ الإمامُ عابر صلاته ، فدعى بدعائه المعتاد الذي كبّدهُ حفظه شهوراً مع شهور أخرى لحفظ بعض أجزاء من القرآن الكريم والأحاديث الشّريفة ؛ كمحكٍّ رسميٍّ ليتمكّن من إمامة الناس ؛ فشرع متمكّناً :
- عامٌ مبارك بحسن الأعمال ، طيّب بطيب النّوايا ، خالصٌ بالإخلاص لوجه الله الحي الموجود الذي لا يوسن ولا ينام ؛ أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، ولا يغرّنّكم ما أنتم فيه من صحّة وخير ومال وبنين ورفاء وعمر مديد ؛ فكل هذا رفث الدّنيا إذا لم يكن في طاعة الله ؛ وفي إجابة داعيه ، واجتناب نواهيه ، وليس ذاك بمعيار على حبّه ورضاه ، فهو إمّا يكون ابتلاءً أو اختباراً ، وفي الحاليين ابتلاء ، فكان لقارون وهامان وفرعون ومَن بعدهم مِنَ الدنيا ماكان ولكن لا يغني من الله عنهم شيئاً
" قل من كان في الضلالة فليمدد الله له مدّا"
والله ابتلى واختبر أنبياءه وأولياءه بأشد البلاء ؛ حتّى استيأسوا جاهم النصر ؛ وأنتوا تقروا القرآن وعارفين ، وتأكّدوا بأنّ الله يأبى على نفسه الظلم وهذا في محكم تنزيله لكن لا يحضرني نص الآية وأخاف أحرّف ؛ فلا تكونوا كمن كان قبلكم حيث اتّهموا الله في نزاهة حكمه ؛ وفي صدق عدلة ، فمنهم من قال أذهب أنت وربّك فقاتلا ، ومنهم من قال أدعو لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها ؛ ومنهم من قال ما تبعك إلا أراذلنا ، ومنهم من قال ساحر أو مجنون ، ومنهم من قال ، لولا رهطك لرجمناك ، ومنهم من قال ماله يمشي في الأسواق ، ومنهم من قال لو كان هذا الحق من ربّك فليمطر علينا حجارة من السّماء ؛ ومنهم من قال مابال القرون الأولى ، ومنهم من قال فليدعو ربه ، ومن من قال إجعل لنا آلهة كما لهم آلهة ، ومنهم من قال لو كان له كذا كذا كذا فأ فأ فأ فنؤمن ، وهكذا كذا فأ كذا كذا كذا ، وعلّق الإمام هنا ..
فكان خميس وابنه مسعود سترَ الإمام وآخرَ من يخرج من المسجد ؛ فتداركوا الإمام بالتسبيح :
- سبحان الله .. سبحان الله .
فوصل عند ذلك دعاءه أو وعضَه وإرشاده وتذكيره ..
- اللهم أنّك حق ولك الحكم الحق تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، لا معقب لحكمك ، لا راد لما أعطيت ، ولا مانع لما منعت ، اللهم بك آمنّا وبقضائك وقدرك ، لا معقّب على ما قضيت ، ولا رادَّ لما حكمت ، ولا اعتراض على ما أردت ، ليس في مثل قوّتك شيء ، تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، رسلك في نذرك ، وقولك الحق"وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولا " صدق الله العظيم.
لكن اعفنا ممن قلت فيهم متبرّأ " لو علم الله فيهم خيرا لهداهم "
نسألك اللهم الهداية وأن ترينا الحق حقّاً وتساعدنا على اتباعه ؛ وترينا الباطل باطلاً وتعنّا على اجتنابه ، يكفي يا ربّي بس .
وصلّوا اللهم على الحبيب المصطفى محمّد بن عبدالله وعلى آله وارض اللهم عن أزواجه أمّهات المؤمنين وعن صحبه والتابعين وعنّا معهم أجمعين .
وتصافحوا وانتهت الصّلاة .
وقبل الخروج انتحى الإمام بسلمين وإبنه سالم وأحفاده الأربعة جانباً ؛ فأفضى بشيء من السّريّة ، وهو يشدّ إزاره للأعلى ويضغط أسفله :
- تصدّق الوالد سلمين يوم أشوف أذاك القويم الوقور الوالد خميس وأنا عاد منجرح تو يلّي شهر ؛ يخرج من جرحي نتفة دم ويوم أحسّه أتلخبط وأتلبّك نعم ، حتى في الصّلاة ؛ لكن اليوم ما صار ، بس تلخبط وترهبجت تماتيك تلقائي من نفسي ، وذا في الدعاء بعد الصّلاة .
فقال سلمين بشيء من التغافل :
- هذا ولدي يمكن من وزارك خشن ما رهيف يوم تجلس يلتصق في الجرح ؛ ولّا يمكن كان الوالد كذاك كماك ، جرّب وبدّل وزارك ترى كل شيء بأمر الله ، قويم وقور ولّا غير ، الكلمة في الأخير لله ، من صدّق صدّق ، ومن أبا فأمر الله قويٌ غالب .
وبدّل الإمام إزاره بعد اجتياز اختبار الزّوجة الخامسة .
ودائماً كلّما مر سلمين وإبنه وأحفاده إياباً من المسجد ؛ يتساءل حفيده الأصغر بغرابة في محلّها:
- جدّي مو كذاك جاها الصباره والزامّة من الليل حال الصبح يبست ؛ أحيدني أوّل ما نجي من المدرسة نتشمبق فيها وننزل تارسين ثبانّا ومخابينا .
فقال الحفيد الآخر مؤكداً :
- ونوبه السّدر هين أوّل النبق ، والقاوّة كنت أرقط منها شواب حال سمهرم بنت مسعود ولد خميس ؛ وأعطيها تاكله تحت المحشّا ؛ الحين لا قاوّة ولا محشّا .
فقال الأب :
- ولادي كل شيء وله هجره ، الله غالب على أمره ، متم نوره وبالغ أمره قد جعل الله لكلّ شيء قدرا .
فقال الجدُّ مازحاً وهو يناظر الحفيد:
- شواب القاو ولدي كانت أول في زمانّا لزجة أكثر من زمانكم وأوشب ؛ والمحشّا كان مسوي ظليل يوم تدخل تحته محد يجيب خبرك ؛ ونحن أوّل كنّا نشبك حال الحمام بمزفّارات (27) ونحصّل واجد وما ينقص ؛ هين الحمام مال أوّل اليوم ؛ ونقاحط طيور النيروز الحلوة ومنها المكحّلة اللي تو ما تشوفها البر ؛ وهين العسل تدوره دوا وما تلقاه ، سمع واسكت بس ، مو نتو تدرسوا توا خبّرهم ولدي . .؟
أجاب الأب في تساؤل :
- الوالد نحن درسنا والأولاد يدرسوا وكلّه حال شهادة يحصلّوا بها شغل ؛ أو يرقدوا بها في البيت ، سألهم مو يعرفوا من الّلي درسوه ؛ أنا اللي عرفته كلّه من بعد المدرسة ، ما أقول المدرسة مالها فضل ، لكن فضلها الوحيد علّمتني القراءة ؛ وبالقراءة بديت أتعلّم أقرأ أكثر وتعلّمت أكتب صح ؛ ترا الإملاء ما سهل ، أنته يمكن تعبّر لكن الكلمات أغلبها ما تكتبها صح ؛ والقراءة كذاك إذا ماقريت وحدك وطوّرت نفسك للأصلح ؛ الحياة كلّها إنماء ، والحياة مدرسة في كتاب متعدّد الفصول والمواضيع في درجات السّلم المعرفي .
فأنشأ مسائلاً والده حيث لم يتم حديثه :
- أنت الوالد ماشاء الله عليك ما دارس وتعرف أكثر عنّي والأولاد ..
وكتبت وتكتب شعرا كبيرا وغيره حتّى أنا يصعب علي .
فقال الجد وهو يخفي ما أظهره ابنه فيه بتواضع جم ويحاول الهروب والإلتفاف والمراوغة :
- الشّعر موهبة ما يدرسوه ، موهبة يفجرها موقف واحد ، وأنا ما أحسني أحسن عنّك أنتوا طلعتوا ولقيتوا المدارس وتوفّرت لكم الكتب وغيرها ؛ الفرصة قدّامكم ؛ فأضاف بلطف :
- لكن ما أنصحك بكتابة الشّعر ، الشّعر استحقاق لك وعليك ، وإذا ما وجدت هذا الإستحقاق يجب أن تسدّد أو تدفع بوعي وغير وعي من دمك وروحك ؛ لا أن تأخذ .
فقال الإبن وأبناؤه :
- نحن نكتفي بجدوى ما كتبته أنت عندما كنت في شبابك ؛ شعر نابع من صميم صدق الإنسانيّة ، مفجّراً للقرائح ، شاحذا للملكات ، نحن الوالد شعراء كلّنا بشعرك ، وكتّاب واعون بكتاباتك ووعيك .
فردّ الأب محاولاً التبرّأ مما قاله ابنه :
- لو تكتفي كان ما درست الّلي درسته وما حصّلت شغل وما وكلت عيش ؛ فتساءل مضيفاً ..
أنت الحين دكتور تقدر تمارس مهنتك من خلال ما كتبته ؟ وولدك واحد قريب يكون معلّم يقدر يدرّس الّلي كتبته أنا في مجال تخصّصه .
فقال الأبن :
- هذا عاد يريد له تجربة وتطبيق عملي لقياس مدى نجاحه ؛ وأضاف متوسّعاً ..
وهذا الّلي نحن نمارسه أيش أصله ، أصله دراسات وتجارب من سبقونا ، وأجمعها كلها في التجارب الناحجة درسناها وجالسين نمارسها تطبيقاً عمليّاً أو احترافيّاً في عملنا ؛ بعد أن أثبتت فاعليّتها وجدواها من قبل .
فقال الجد بثقة المربّي :
- ترا يقولوا ولدي "سأل مجرّب ولا تسأل طبيب "
فقال :
- الوالد كل واحد في الّلي يعرفه ، والشّعر والأدب هو وعاء حاوٍ تجد فيه كل العلوم الأخرى أو بعضاً لا تقتحمه عينٌ أو يخطئه عقل .
فقال الجد مستفسراً وقد لازمت ذهنه حادثة انطلاق شاعريّته التي بارحها قبل فينة :
- ماشفت في المسجد اليوم أي واحد ، لا جدكم ناصر ولا علي ولا حميد ولا حمد ولا شفت حد من أولادهم أو أولاد أولادهم .
فأجاب الحفيد الذي كان يجلس إلى جنب حفيد حميد موضّحاً لجدّه :
- أنا شفت ولد ولد حميد وشفت علي وناصر لكن ما معهم أولادهم ؛ تراهم ما دايماً يجيّوا المسجد .
أخذ الجد يده وقبّل رأسه وقال مداعباً :
- أنا أعرف - فقط - أريد أشوف أنتباهك في المسجد ، وأجس منّه انتباهك في الصلاة وأقيس خشوعك وحضورك ؛ ترا ما كل بو جا المسجد وجلس مع ناس موجود ، فكرّر بلباقة ..
أنا الحين هين في البيت مع صحن العيش ، فضحك وقال ..
وقبل كنّا هين مع الماضي نتكلّم مع أحياء الميتين والّلي تركوه لنا من كنز وإرث ؛ لكّنا حاضرين جسد وروح ، صح ولّا ..
فقال الحفيد مغتبطاً :
- صح .
فقال الحفيد الآخر بفضول :
- جدي أريد أعرف منك واجد وأسالك عن الإمام عابر ؟
فقال بصيغة المتحقّق وهو يُهيِّئُ نفسه للجلسة المنتظرة:
- هذا كلّه راح تعرفوه جميعاً في البيت.
عندما دلفوا المنزل الواسع ، كانت التّدابير في الّلمسات الأخيرة ، والكل في ترقّب ولهفة لهذه الليلة الّلألاء التي يجود بها سلمين عليهم ؛ بتجربته الثريّة الجامعة للمرّة الأولى ، بعد مماطلة وتعذّر بزحمة وإرهاق المشاغل ، وقد كانت الجدّة كاذية وابنتاها التّوأم من ضمن المنظّمين ؛ بعد ابنه سالم وحفيده الأكبر ، ووجّهت الدعوة لشيخة وابنها وأبنائة وكبار أحفادهما وكذلك مع سعادة وابنها والفارعة وابنتها حيث تتجمّع القرابة وتنصهر الفوارق في بوتقة المعرفة وأهدافها البنّاءة ؛ وتتحدُ جرياً محموماً خلف الجمال وبحثاً عن الأجمل بين أغلب أهل البلد من محبّي سلمين وأدبه .
الكل أكملوا تحضيرهم واستعداداتهم لهذه اللحظات الفارقة ؛ سواء لمواجهة سلمين بأسئلتهم المُلِّحة واستفساراتهم المعلّقة بالحيرة والمشدودة بالغموض ؛ أو للإستماع والإستمتاع بأشباع نهم فضولهم المعرفي .
بدأ سلمين الجلسة - ونزولاً عند سؤال حفيده من قبل - بدأها كحالهِ مبدعاً ، مداعباً بقصّة عدّها تدوينيّة أو توثيقيّة لأحداث أخيرة أتت من رحم البلد ..
قصّة الإمام عابر.
الإمام عابر ، رجل بسيط ما في قلبه تجده على لسانه ، ولكنّه كثير النّسيان ومفرط ٌ في السّهو ، وبتناقضاته الجميلة هو محب وحافظٌ للشّعر والأدب لدرجة انّه في يوم من الأيام أورد بيتَ شعر ٍفي الصّلاة ؛ وحالما صحّحوا له وقيّموه قال :
- هذا مايضر قريب المعنى من الآية .
وهو كاتب قصص أطفال بارع ويطمح أن ينطلق من هذا إلى الكتابة للكبار ؛ ولكن لم يجد داراً تتبنّى نشر ما يكتب ؛ والأجمل هو محبٌّ للجمال وهذا ما اكتشفناه من حبّه للطبيعة التي تجلّت في نفسه الفنّان المصوّر ؛ سأله أحدهم يوماً :
- إمامنا عابر إيش صوّرت اليوم ؟
وفّر على نفسه الكلام وأخرج الصوَرَ اليوميّة الجديدة مباشرة .
أذهلت الصّوَرُ الرجلَ ومن معه فانبهروا ببلادهم وبما لم يروه بهذا الجمال ولم يألفوه خارج سحر كميرا الفنّان .
الإمام عابر لزم الصّمت أو قلّة الكلام وذلك بعد كثرة الإقتحام لخصوصيّته من الكثير ؛ بل هو الإستغراب من حاله ووضعه الجسدي المتبدّل من أسبوع لإسبوع .
يتساءل الكثير عندما يروه ، وبنفس السؤال الرتيب الذي مجّه سمعه :
- عابر أشوفك كل مرّة في شكل ، سبوع معدّل متين وسبوع هزيل مصفر ، سبوع حلو وسبوع ما حلو .
السّؤال ينبثق من بساطة أهل البلد وتمخّض عنه الكثير من الأسئلة .
في أحد الأيام كان أحدهم يسأل هذا السّوال ، فوافق مرور مرزوق ، فناظر السّائل بنظرة متفهّمة وبغلظة وقال:
- هذا من العبادة ولدي ، والإنسان يطرقه كل شيء من هموم وأمراض ومشاكل ؛ تشوف قدّامك جهمة صاحي ولكن ماتعرف بو فيه ، وانته مو يخصّك في عابر ؟
فألتفت غاضباً إلى عابر وقال ممتعضاً :
- ولدي خلّك منّه وشوف شغلك .
من تلك اليوم وجد عابرٌ لمرزوق احتراماً خاصّاً ؛ ومحبّة كبيرة ، وثقة الأبن بجدّه او أبيه .
ومنها في يوم من الأيام حيث يتجمّع النّاس لجلسة قعد الزام الإسبوعي(28) تحت الصّبارة ؛ وفي المجلس مرزوق وجميّل وحضور سعيد والكثير من كل الأعمار والمستويات المعرفيّة والماديّة والأخلاقيّة ؛ منهم من أتى للإستماع والإستمتاع ، ومنهم من أتى لغرض القعد والمناداة على آثار(29) ماء الفلج وأرباعه .
فسلّم عابر وللمرّة الأولى يحضر الجلسة ؛ فرُدّ عليه التحيّة بأحسن منها ، والكل مشغول ومنهمك في أمره ، من هَم ِّ ما سيدفع من مال باهض وإلا ماتت أمواله عطشاً دون كفاية من السّقي ؛ أو همّ النزاع الذي يُصاحب المناداة والشّراء غالباً في وضع ندرة الشّيء أو قلّتة .
الإمام عابر ، طلب أن يتحدّث إليهم قبل فعل القعد ، وأُذنَ له لِمَا للغريب ولكريمة القوم من احترام موصّى به ؛ فانخرط في مزج :
- بلادكم حلوة ، لولا بعض الأمور التي ما شفتها وسمعتها من قبل وين مارحت ؛ أحيان وأنا جاي المسجد أحس كذا وكذا ، وأحس عندكم عادات ماحلوة ، بعضكم يسبح بثيابه ، مرّة يسوي لحية ومرّة أشوفه من غير لحيته ؛ سألت واحد وغيره وقالوا ما سمعنا بهذا من قبل .
فأجابه أحدهم بأدب وبنقاء ، وهو يقرأ انطباع القوم الذي أبدته صفحات وجوههم عن كلامه في ظرف كهذا :
- هذا اللي تحسّه ويتراوالك " مخينيث جن " هذه أوصافه المتعارف عليها وكما يطلقوا عليه معنا في البلد .
فناظر عابرٌ مرزوقاً الذي كان له بالمرصاد ؛ فقال مرزوق مجيباً ولكن بلا شيء يشي بحنق أو تهكّمٍ :
- نحن معنا شيء اسمه دعاء التيس المستجاب ؛ عرفناه كابر عن كابر جد عن جد ، علّمنا عليه عدي بن خلفان قبل ما يموت ؛ وربّك جعله ما يخلّف حد ، نعلّمك عليه وما تخاف من شيء بعدها ، سمعني زين إذا ما تحفظ ؛ اليوم العقل والدراسة أكثر ، ولّا طلّع ورقة وقلم وكتبه ، اليوم الأوراق والأقلام واجد ، كان أوّل غابش بن ناكش يطلع نخل عوّان في قمّيت الرّيح ؛ ويدوّر عسل في قمّة الجبال ؛ وكذا من الليل حال الصبح صار مايروم لا حال نخل ولا جبال ؛ صار يخاف ويجيه دوار وكأنّه حد يجذبه بقوّة ويبغا يطيح وكـأنّه حد يريد يطير ويحلّق به ؛ وبعد ما قري الدعاء صح ورجع على سابق عهده ، يحدّر ويجد ويخرف ويشرط وينبّت ويدوّر عسل أكثر من أوّل ..
هذا الدعاء المبارك ، قصير واجد وما يكلّف لكن العبرة في فايدته:
"اللهم وأنا عبدك المظلوم وأنت ماظالم ، إذا كنت أنا فلان الظالم الّلي ضرني ، فأهلكه وأعميه وأقتله ، لا تخلّيه ولا يوم واحد "
أنفجر المجلس بالضحك ، وتركوا همومهم وأحزانهم خلفهم ، فمن كتم ضحكه ، ومن بارح المكان وترك ما أتى إليه ، ورخص ماء قعد الفلج في ذلك اليوم ، بدرجة لم يسبق لها مثل في سنين المحل والجدب والقحط .
مرزوق المسكين لم يأخذ شيئاً من السّانحة ، ليس لديه زرعاً ليسقيه أو يخاف موته ، ولا حتّى مالاً ؛ ولكن عابرٌ يصرّ بعفويّة على أن مرزوق هو الأغنى والأجمل والأسعد والأنبل والأصدق .
أنتهت القصّة .
تلطّف جو المجلس بالضحك ، ضحك سلمين فاستغفر وألح في الإستغفار .
وتلى قوله الحق " لا يسّمعون إلى الملإ الأعلى ويُقذَفون من كلِّ جانب دحوراً ولهم عذابٌ واصبٌ "
أولادي ، كلمتي هي في خمسة محاور ؛ الأوّل كان في قصّة الإمام عابر آخر قصّة كتبتها ؛ والمحور الثاني في
زمانهم وزماننا /إبداعهم وإبداعنا ، والثالث في الخلود والموت ، الرابع في الإبداع بلا مقابل والإبداع والثراء ، الخامس في العظماء والتطرّف الفكري .
المحور الثاني ، أبنائي ، اشتقنا جلسات القمر ، والطبيعة البكر ، لا أقول حنيناً إنّما في تفاؤل الحاضر بالمستقبل أقول اشتقنا .
المكان ليس المكان ، تشد الرحال للبر والصحراء أو السهل والوادي تبحث عن الخضرة والماء والوجه الحسن ؛ قد تجد بعضاً من هذا ولكن ينقصك الآن الكثير ممّا تجده سابقاً ؛ ينقصك روح المكان الأهم في الألفة والهدوء ؛ سألني أحد أحفادي ، جدّي هل تجد زمانكم كان أحسن أم زماننا الآن .
زماننا كان له من الحسنات والمساويء مالزمانكم ؛ ولكنّني أجد مساويء زماننا أقل ، من واقع تجربتي لعصرين ، عصركم رغم زيادة الراحة واليسر وقلّة الصعوبات ، إلا أنّه واكبه خفوتٌ في الإبداع ؛ لا أقول هذا انطلاقاً ممّا أنتم عليه الآن من العمر ؛ ولكن كان الجمال أرسخ في النفس وكان الأصدق ، وكذلك هي العصور السّابقة ، أنظروا ماتركوا لنا من جمال في سائر الحقول ؛ وما نحن سوى متغذّين وهم المبدعون المستهلّون .
عصرنا لم يحسن في استغلال الدعة وفضل الراحة في سبيل الإبداع والمعرفة بتوفّر شتى منافذها ؛ فركن وأخلد إلى ما يكفل له ما يُدعى الوظيفة (مصدر الرزق العصري) وعاش خاملاً أو مات بلا ذكر ؛ ولا التّعليم أتى بجدوى وثمار إلّا في مجالات حصريّة وقليلة .
وأنا هنا أتحدّث عن الأدب وما يحتوي من علوم ومعارف قيّمة .
لو التفتنا إلى ذكر الشعراء والصعاليك وعلماء ومؤلّفين ؛ لوجدنا ذكرنا لهم وذكرهم في المصادر أكثر من ذكر أشرف وأعظم ملوك وحكّام وأمراء أزمانهم ..
مثلاً نذكر هارون الرشيد ليس كذكرنا لأبي نواس وفضل شعره علينا وجماله الرّاسخ فينا .
كذلك - وعلى سبيل المثال لا للحصر - المتنبي مع سيف الدولة ومع كافور ؛ فنحن لم نذكر من محاسن الإثنين ؛ شيئاً إلّا لمِاماً مما أتى إلينا في شعر المتنبي .
وكذلك مع غيرهم ، نذكرهم ليس بما تركوا لنا من رفد معرفيٍّ ولكن عندما يعن أو يعرض لنا شِعرٌ قد قيل فيهم ؛ وخُلِّدوا به سواء مديحاً كان أو هجاءاً وليسا بسيّان .
فهولاء الملوك والأمراء والحكّام وقضاة وولاة وما إلى ذلك من أهل الولاية ؛ مهما فعلوا وما كانوا عليه من فضل وكرم ؛ لا يبرز مناقبهم للأجيال ويخلّدها كمأثرة إلّا مبدع ؛ ألف وأعطى وهو خالد ومخلِّدٌ بما فعل للبشريّة من علم قد يكون تأسيسيّاً أو من ثراء معرفي ومراجع ومعين ومناهل تورده وتؤمّه الأجيال في سائر الحقول والمجالات .
وهذا ما تلجأ إليه الأجيال وتتوارثه شاهد فخر لا يتجزّأ من تاريخها ؛ يشهد على رقي أمتها تحت مظلّة عظمائها والأمم الأخرى أبداً ؛ وبه تحيى الأمم وتتباهى ، وتشتد وتترسّخ وتقوى امتداداً شاهقاً من الجذر لفضاء وسقفٍ مفتوح حدّه نهاية الكون ؛ وإليه تلجأ وبه تستجير وتستعصم كأسس وينبوع أزلي إذا مانضب الحاضر أو تقوّض وهش الركن وهزل البناء للمستقبل ؛ فمن الأقل أثراً أن تموت أمّة ويبقى تاريخ آدابها وثقافتها ومعرفتها ، وهذا لا يحدث ، أي لا تموت أمّة ولها تاريخ وشواهد إنّما أجساد العظماء هي من ترحل وتبقى أفئدتهم أنواراً يهتدى بها في داجي الليالي ويسترشد بها ويحتكم إذا ما أطبق حندس الضلال ؛ وركضَ جحفل التيه والجهل.
كتراث جمعي تراكميٍّ كوّنته إرادات وعزائم ومهارات فرديّة وإبداعات يأبى أن تنفصل عُرى بعضها عن بعض .
وبالعودة إلى زماننا وحالنا الآن ، كنا نشرب من سعن (30)وماشي أكل كما الحين وأوّل برد برد أو حر حر والنوم قليل ؛ والحين تشربوا وتاكلوا وترقدوا أو تتدفّوا .
ولكنّا ومن قبلنا أعطينا مالم تعطوه ، ستجد الإستجمام والراحة وتجد الأدب والشعر والجمال واللغة ؛ من أين لنا بشعر كشعر قرأناه قبل عصرنا هذا إلا قليلا .
باختصار نحن أموات عايشين حياة القبور ، ندرس ونقرأ إبداعاتهم ونتلذّذ بأحوالهم ، وما قادرين ولا فالحين أجمعين نسوّي شي يوصل لربع الربع مما سوّيوا .
وخلّكم من هذا، نرجع للعصر القريب هين الطرب أوّل قبل أربعين سنة ، هين جمال الأعياد والأعراس .
والتفت إلى الحضور وقال تفضّلي بنتي أيش تريدي تقولي :
فقامت واستأذنته أحد الأربعينيات بأن تضيف إلى كلامه تحيسنات شعريّة فآذن لها وشرعت هازجة :
تميم غايب وعاد
عسى الزمن بايعود
شلّه ضلام السّواد
ياناس عندي شهود.
فقال معلّقاً حال إتمامها وهو يؤكّد إعجابه:
- أنظر توظيف الأسطورة المُتقن هنا ، وهذا ما سنتطرّق إليه باقتضاب في ورقتنا الموجزة هذه.
والتفت إليها سائلاً :
- تعرفي أسطورة تميم ؟
فقالت :
- نعم أعرف .
فقال:
- استسمحك لأحكيها .
فقالت مع الحضور :
- تفضّل .
تميم هذا اختفى فجأة في أحد الليالي الحالكة الليلاء ؛ وناحت عليه زوجته وكانت في درجة عظيمة من الحب له ؛ ولكنّها أبت أن تسلّم بموته أو بفراقه النهائي لها ؛ وطوّل غياب تميم أعواماً قاربت الثلاثين أو ما شابه ، وعاد مفاجأة كفجأة ِاختفائه ، واستمر الحب والحياة .
وفي القصّة رمزيّة للتعلّق بالأمل ونشدان الجمال الذّاهب ؛ والإرتباط حاضراً بجمال الأمس دون أغفال أحدهما ؛ فوّظف أبو سيف هذه الأسطورة اسقاطاً في قوله الآنف .
فالتفت إلى الحضور وقال :
- تعرفوا من قايلنها ؟
قال نصف الحضور بصوت واحد :
- أبو سيف .
أرجو من الله أن يجعل اختياري موفّقاً .
ننتقل للمحاور الأخرى :
هناك أدباء وعظماء كان الأجحاف في حقّهم وسوء الحظ يلازمهم رغم علو هممهم ..
قال الشّاعر:
الجد يدني كلَّ أمر ٍشاسعٍ
والجدُ يفتحُ كلَّ باب ٍمغلق ِ
فإذا سمعتَ مجدودا حوى
عوداً فأورق في يديه فصدّق ِ
وإذا سمعت بأن محروماً أتى
ماءً ليشربه فجف فحقق ِ
وأحقُّ خلقَ اللهِ بالهمِّ امرؤٌ
ذو همّةٍ يُبلى برزقٍ ضيّق ِ .
فقال مناشداً المنظّمين ، ممكن تحطّوا موسيقى خفيفة .
أبنائي أخواني / بداخل كل مبدع طفل دائما هذا ما يجب أن تعرفوا لتستنبطوا الفنّان الخلّاق وتعزلوا المدعي الأفّاك المنتحِلَ ؛ فالفنّان يُحبُّ كلَّ شيء جميل ٍ وبحواسّه الخمس لدرجة عندما يجد شيئاً جميلاً يُمكنُ في قلبه لوقت طويل حتّى يأتي شيءٌ أجمل منه فيحل جنبه .
سألتني أحدهن بجموح ٍوبحضورٍ طاغ ٍ، وكانت تقرأ كتاباً لا ألم ماهو ؛ لمن؟ :
- أين أنا الآن ؟
فأجبتها بتطلّع :
- أنتِ في حضنَ وحِجْرَ مَنْ يُحبّكِ وتُحبّي .
أخوتي أبنائي أحاول أن أدغم باقي المحاور في محور واحد فالمنبع واحد كذا هو المصب .
الكتابة وكلّما تقدّم بكَ العمر ترى فيها رابطَ التزام ٍ متين ٍيجب أن تتمّه ولا يتم ؛ وفعلاً استشفائيّاً ، هي متعة الرّكض بالمعاناة خلف الأمتع والأجمل ؛ الكتابة علاجٌ ودواء ولنا أسوة في الكثير من العظماء ؛ من كانوا يجابهوا الشّقاء والبؤس والصّلف والغباء والتحجّر والجمود بأمل الجمال والإبداع في الفن ؛ وكل ذلك حوافز ودوافع تحريضيّة على الإبداع والحراك الفنّي ؛ وليست تثبيطيّة كما يعدّها البعضُ في الكثير من الأحايين .
فليس توفّر أسس الثراء والراحة والبحبوحة والإغتباط هي الوحيدة من تُبدع ؛ والأمثلة على اجتماع هذين الأمرين في طائر الرقيّ الجميل بحناحي الفن كثيرة .
من جانب الكتّاب والشعراء والمبدعين المرفّهين في ليونة العيش وبسطته وخصوبته ..
المتنبّي الذي تقلّب في بلاط الحكّام والقضاة والولاة والأشراف وليس سيف الدولة وكافور أولهم أو آخرهم ؛ ولكن مع هذا هو في تشكٍّ وتذمّر :
إلا ليت شعري هل أقولُ قصيدة
فلا أشتكي فيها ولا أتعتّب.
وأمير المؤمنين يزيد صاحب أراك طروبا ونالت على يدها ؛ الذي وظّف ثراءه ومكانته في ترف الفن والجمال ؛ أمرؤ القيس ابن الملوك ، طرفة بن العبد ، أبو نواس في بلاط هارون الرشيد .
وبالمقابل نجد الإبداع موكَباً بالشّقاء ، سواء مع من تعاضد وتحالف عليهما تآلف عاملي العشق والفاقة ومنهم الكثير .
أو عامل المرض ، فكانوا يروا في الفن عزاءهم وقوّتهم الذي يستمدون منه بقاءهم للأطول والأصلح والأقوى .
عبدالحليم حافظ مع المرض
أمرؤ القيس في آخر عمره مع المرض
الشنفري مع الفقر والأهل ، عاش صعلوكاً شريداً
القائل :
أُربّي مطالَ الجوع ِحتّى أُميته .
بدر شاكر السيّاب
والخلاصة :
إنّ الإبداع ليس حكراً على أحد دون الآخر ؛ على بؤس وشقاء أو نعيم ورفاه وترف .
الإبداع هو الترف الحقيقي الذي تعتد به الأمم وتجنح إليه في كل الأحوال مستلطفة بعيداً عن رمضاء الجلافة ولفح القبح.
التذييل :
الفن ليس سوى حصيلة ومجموع تجارب ناحجة أثبتت جدواها وجمالها وصحّتها وأهميّتها ؛ والتّطرّف الفكري ماهو إلّا مزجُ التدوين ِأو التوثيق ِلأحداثٍ وأشياء ببهاراتٍ من الإضافات الخياليّة والتهويلات والبهاريج بشكل وثيق وباحتراف مع الممايزة بينهما بخطٍّ دقيق للعارف يبقى في المقابل متانة الرّابط وقوّته ومن هنا ينبثق وتنشأ جسارة جمال الفن وفتنة الضّجة وجرأة الإثارة .
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أتمنى أن أكون احتويت جميع أو أغلب استفساراتكم وطرقت أبواب أسئلتكم بالجواب وعليكم أن تفتحوا .
الخميس/24/1/2013







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 29-01-2013, 01:06 PM رقم المشاركة : 104
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

يتبّع الفصل الثاني الأسبوع القادم .
مع الفصل الثالث الذي سيكون عن الشيخ سعنة .







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 02-02-2013, 11:23 AM رقم المشاركة : 105
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

(3)

كان اليوم يوم دجن ، سجسجاً في درجة قصوى من جمال المناخ ، أفاق النّاس على البلبلة والجلبة في الخارج وقد طرقت كلَّ بيتٍ يقترب من مجلس القوم ؛ وفي ذات اللحظة كان السّبع " حبَن " يحلم بسلمين وقد امتدّ طوله فوق المقدار وقل جماله واسوّد وجهه ؛ سلمين لم يكن في أعلى مراتب الجمال ، ولكنّه جميلٌ بما يكفل له شرعيّة الوصف بصفة جميل ؛ أي في عداد الجملاء ، مع جاذبيّة يزخمها صواب العفويّة وجمال التلقائيّة في بساطة الفعل والقول ؛ وفي هيئة وخِلقة تتفوّق بكثير على العم عدي وهو في عنفوان وريعان الشّباب .
العم عدي كان أفطسَ الأنف ، صغيرَ الأذنين ؛ لدرجة أن تظنّهما أُذنيْ فأر ، ولكنّه ذو وجهٍ مربّع ٍ ، مع عينين عسليّتين واسعتين برموش طويلةٍ يعلوهما حاجبان كثيفان كأنّهما قوس ؛ ولون أبيض مشرّب بالصفرة ، مائل للشّحوب في بعض الأحيان .
تجمّع الكثير ، فإذا بالشّيخ " سعنة " " وسلمين " في درجة من السّكر المهول ؛ خطوة للأمام وأخرى للخلف ، المعروف أن الشيخ سعنة من المجايلين لسلمين وهما صديقان لا ينفصلان عن بعض ؛ يتجاذبهما حب الإبداع والفرادة بالحسِّ الفنّي المرهف والذوق الرّفيع والإختيار العميق ؛ ويجمعهما الكثير من الهوايات الجميلة الطيّبة ، تفاجأ النّاس بهول المشهد وكان أكثر المتفاجئين كبار أهل البلد في العمر ؛ سلمين والشيخ سعنة على آخر عمرهما في حالة مزرية من السّكر ؛ وهما مَن لم يصفهم أو ينعتها أحد بهذا الأمر على طول وامتداد مراحل شبابهم ؛ وفي محفل ، وبصراخ جهرة أمام الجميع .
مرزوق .. جميّل .. سعيد .. ناصر .. علي .. حميد .. حمد وخميس وجمع من أولادهما وأحفادهما ، أولاد الشيخ وأحفاده ، وابن سلمين وأحفاده ، لم يصدّق الجميع ماترى أعينهم .
انبرى الجميع محاولين إعمال الحل الذي كان يتّبعه الشّيخ الذي هو الآن خارج الوعي وبالكامل ؛ الشيخ سعنة مشهود له بالحكمة التي لم يعرفها أحد في أبيه ؛ كذلك له من الفضائل والشّمائل ، جبان الكلب ، كريم الذرا ، مجواد كريم وشجاع ، ومن مواقف نباهته وحنكته التي بها لمع نجمه ؛ وحفر اسمه ، وسطع بريقه ، فبرهنت وبلورت مخايل وأمارات نجابته ، والمشهود له بها غير الكثير من المواقف ، "واقعة الحب" كما عرفها أهل القرية ، وخلّدها سلمين في أدبه من بعد ، فتكرّرت في الواقع كثيراً ولكنها في إطار شرعي ؛ وقائع الحادثة تتلّخص حال محاولة سلمين الزواج وهو في بداية العشرينيّات من العمر ؛ عندما تعلّق خمس بنات من أهل البلدة وهنّ في نفس العمر تقريباً بحب سلمين ؛ فأرسا القرار على الزواج من الخمس ، فهو أيضاً في درجة كبيرة من الحب لهن ؛ ولكن هذا خارج الإطار الشرعي ، فكيف التملًّص ؟ وليس ممكنا بأي حال من الأحوال تجاوز الحدود في الدّين وإن كان في إنقاذ روح ؛ والإستثاء ليس مشروعاً أبداً في حال كهذا إلا في الأعراف وبعض التقاليد ؛ وهذا ما وقف العلماء عاجزين عن حلّه وتمحيصه أو تداركه على الأقل بأقل الخسائر في الأرواح ؛ فتصدّى لها الشيخ بعد أن عجز العلماء وأولو الشأن في حلّها .
الشيخ سعنة كان أقل عمراً من سلمين ، وتولّى المشيخة في حياة أبيه بعد أن فشل أبيه في حل القضيّة ؛ عرّفَ لهم سعنة بعد أن تأكّد أن في زواج سلمين بواحدة يكون موت الأربع ؛ وهذا من قوّة تعلّق البنات بسلمين لدرجة شكّل لهن الأكل والشرب ؛ وكذلك الشّأن مع سلمين إذا تزوّج واحدة أو بعضهنّ فمصيره المحتّم الموت كمداً ؛ وهو استقراء الجميع للأمر .
لم يألف أحد حادثة كهذه ، ولم يسمع عنها إلّا إذا لم ترو وكانت خافية ؛ فقال الشّيخ :
- دعوا الأمر لي ، كل ماعليكم أن لا يعرف أحد غيرنا بالأمر فتبطل الخطّة وتذهب مساعينا سدى ؛ واصطفى خمسة من ذوي الفطنة والنباهة ومن أولي الحجا والنهى ؛ وقال لخلفان يختفي لديك سلمين قبل أن نعلن موته ؛ وقال للأربعة أنتم تولّوا ما عليكم - بإحكام - من إقناع النّاس بأن سلمين فعلاً توفِيَ ؛ والأربعة كانوا مزوق وحميد وعلي وسعيد ، وبعد أن نجحت الخطوة الأولى وتأكّد للجميع وفاة سلمين بما لا يدع مجالاً للشّكِ ؛ بدأ الشّيخ سعنة والأربعة يراقبوا بدقّة وعن كثَب ورويّة أخبار حبيبات سلمين الخمس ففي الأمر إنقاذ سلمين قبل انقاذهنّ ؛ والأمر الأهم حفظ سمعة البلد والكثير .
وكان كما ظنّ الشيخ ، أو كما ألقيَ في روعهِ ، بأن شهراً كفيلاً بإتمام المهمّة ، وتحقّق وتأكيد الصّواب من الظن ، في ظرف شهر تم عدول الفارعة وشيخة سعادة وكاذية عن حبِّ سلمين تدريجيّاً ؛ وبالمقابل سلمين يذوي يوماً بيوم لمجرد أن لا يرى واحدة من الأربع رغم تحقّقه من حياتهنّ .
وبقيت سالمة الوحيدة من تذوي مع يأسها من رؤية سلمين ؛ وفي ظرف شهر ضعفت ومرضت لدرجة لا تُصدّق ، وفي الخطوة الثانية تم إقناع الأربع بالزّواج وتزوج حميد وحمد وعلي وناصر ؛ وحالما أشرف الحال بسالمة إلى الموت والهلاك وكذلك حال سليمن تجاه الأربع ؛ أكّدوا لسلمين بأنّ الأربع تزوّجن ، ولم يكنَّ لك ، والحياة قسمة ونصيب ، من تخلّى بلا مانع والأمر في يده فدعه ؛ وعزاؤك أنّك صادق ، وبقي لك الصّادق حبيبتك " سالمة " ، هي على وشك الموت بسبب أنّها يأست من رؤيتك ؛ ولك أن تضحّي من أجلها بأي شيء آخر في الحياة وإن كان بأجمل وأعظم وأوّل نساء الكون وهي لا تحبّك ؛ إلّا بروحك فهي روحك .
فأخبروا سالمة بأن سلمين حيٌّ ، وفي الأمر كيت وكيت ؛ لم يقنعها الأمر ، فحدا بهم على تحقيق رؤيتها لسلمين ، ومن يومها عرفت سلمين بالرّوح ؛ لا بالرؤية والشكل والتجسيد ، وعرف سلمين سالمة .
وبدأت تدب فيها الحياة ، أينعت ونضرت ، وبالمقابل بدأ سلمين ينسى بذلك - رويداً - ما كان عليه من حب للأربع بتحقّق حب سالمة ؛ وبتحقّقه بأن الحياة نصيب ، ونصيبه بأنّ الأربع الأخريات ما كنّ على تلك الدرجة من الحب له .
وبعدها أعلنوا بأن سلمين عثر عليه ؛ وتم إخراجه حيّاً بمشيئة الله ولكل أجل كتاب ؛ وحاولوا أن يقنعوا الأربع بأنّ سلمين ليس هو ؛ وإنّما هذا قد يكون ثمّة أحدٌ تشكّل به ، وإن سلمين فعلاً مات ، أقنِعن واستمرّت الحياة وتزوّج سلمين بسالمه ، وانجبت سالم .
وأنجبن الأخريات في ذات اليوم وفي توقيت متقارب ؛ أنجبت زوجة حمد بنات توأم ، وزوجة علي ابن ، وزوجة حميد ابنة ، وزوجة ناصر ابن ؛ ولم يزدن بعهدها بأحد ، واكتفى الأزواج بأولادهنّ أيضاً .
فيهم من تزوّج بأخريات ولكن كان ذلك هو النّصيب .
وبقيَ الكثير منقسمين بأنّ سلمين الحقيقي مات فلا مجال للمزاح والهزل في الموت إلّا أنّ الحق بقي لدى أهل الحقّ ماكن في نفوسهم.
وكانت بعدها مع الشّيخ سعنة الكثير من المعضلات ؛ استطاع بما وهبه الله من فضل العقل والحذق والظرف ؛ استطاع حلّها بيسر وسهولة وبها كان الجليل بلا منازع فيهم .
حاول الجميع أن يقارب بين الشيخ سعنة الذي ألفوه وعرفوه جيّداً من رجل وقور رزين حلّلال للمعضلات ؛ وبين ما هو عليه أمامهم ، وتقاذفهم موج الظنون العاتي ، هل كان الشّيخ يتعاطى السّكر ويخفي عنهم هذا الأمر طول هذا الزمان وحان انكشافه لهم ؛ واكتفى بسلمين كنديم ومصاحب في الأمر ، وبدأت ثقتهم به تتزعزع ، من كل جانب ، ولكن استبقوا بحكمتهم من حكمته ، فقد يكون هناك فاعلٌ ، وتركوا الأمر حتى يعود الشّيخ إلى صحوه وصوابه .
عندما أفاق الشّيخ وقد أفاق السّبع "حبن" من نومته منزعجاً ؛ للمرة الأولى يتذكّر فيها حلمه ، سلمين والشّيخ؟!
خرج ليجس الأمر وليمحص الحلم من الحقيقة ؛ وجد الناس ملتمّة في اجتماع ، والشيخ وسلمين قد صحوا بعد محاولات كثيرة لتعجيل صحوهم ؛ بكؤوس من الليمون ، فأوّل ما أتت عين الشّيخ على حبن ، قرأ الجميع الحالة التشنّجية العصابية على حبن ؛ رفعَ أحد الحضور يده في نظر حبن دون أن يفطن إليه سواه ؛ فهدأت ثورته كبغتة وجودها بذات السّبب ؛ فناظر الشيخ سعنة حبن وكان في درجة من الأرتياح له ؛ وقال ببقية من نشوة وهو يتشبّث بذراع سلمين الذي جلس :
- حبن أيش قنصت اليوم ، عهدة أنّي آكل حتّى حمار !
خجِلَ حبن ، وعرف بأنّ الشيخ على غير طبيعته ، وحبن أدرى بالأمر ؛ كونه ممن يتعاطى الشّرب ، وعرف من وجوه وسحنات النّاس ومن التجمّع ، وفوق هذا من حلمه الذي أفاق منه منزعجاً وهرع به إليهم ؛ فقال تائقاً لدهاء الشّيخ الذي عرفه به :
- الشّيخ دوّرت الوعال والطير وما لقيت حتّى حمار ؛ قنصت غراب وتغدّيته .
فقال الشيخ معتدّاً :
- إذا كنت حبن كما عرفناك فعشانا اليوم عندك .
رفع الرّجل يده للمرّة الثّانية ، وأتت عين حبن عليها بالذات كأنّه ينبّه مشدوداً ؛ فركبته حال العصاب وقال وهو المعهود بالقوّة رغم ضعف وقصر جسمه :
- الشّيخ أشوفك تشوف وترفع عينك على واحد بس .
لم يأبه الرّجل ولكن بدى أقل رسوخاً من قبل .
فقال الشّيخ يعتز :
- يا حبن تأبى النقيصة .
فقال حبن :
- وتعداك يا شيخ .
فاندفع حبن فأغمد في رأس الرّجل سكّينهُ الذي كان الرجل يأملها أن تأخذ طريقاً آخر .
وتضاعفت المشكلة ، الرّجل ليس من الهامش ، رجل من الموسرين .
فقال واحد من الجمع وبيقين :
- يستاهل اللي جاه ، هذا سكران .
فصدّق عشرة من الحضور بأنّه سكِرٌ إحتكاماً إلى ريحة فيه ؛ وممّا بدا من بعض تصرّفاته .
فقال الكثير :
- لله درّك ، وبيّض الله وجهك ياحبن .
إلا أنّ الشّيخ لا يحبّذ هذه التصرّفات ، ولم يعهد فعلاً كهذا الجلل في مجلسه من أحد ؛ ولم يعهد أحدٌ في حبن هذا ، فعلاً كان سبعاً ، وصاحب اقدام ، ومواقف شجاعة ، ولكن لا تصل به إلى حد قتل إنسان ، وببرود أعصاب ؛ وفي ذروة العصاب والغضب .
وكانت المشكلة تشيّأت مشكلتين .
وباكتمال الحضور ، تحوّل المجلس - أدباً وفكراً - إلى جدال في الخمر ، هناك من يظهره كمزية جميلة ، ومن رفعها إلى درجة المكرمة أو الفضيلة من باب أنّ العرب كانت تفتخر بشرب الخمر ؛ وهذا صاحب مثل " تجوع الحرّة ولا تأكل بثييدها" قد أقسم بالشّرب قائلاً :" ربَّ خمرة شربتها وسبية أردفتها وو.. " ؛ فالخمر أرض تاريخ ضارب للشّرفاء وللمفكّرين والشّعراء ، وللفرسان والشّجعان ؛ وسجلٌّ حافلٌ بالمغامرات وبالرّكض خلف الّلذة والمتعة في مثلّث الشّراب والسّماع والحبيبة المتمثّلة في المرأة ؛ فبدون الخمر وبطبيعة الحال تكون المتعة المنشودة ناقصةً ؛ لذا لا تكاد تجد شاعراً لا يترنّم بذكر الخمر وفعلها ودبيبها وهميمها وصفتها ولونها وشكلها ونوعها وجودتها وكؤوسها ؛ إلى أن عُدّت دواءً لدى سيّد الخمر الحسن بن هاني أليس هو القائل : " فداوني بالتي كانت هي الداء " وفي موضع آخر " وأخرى تداويت منها بها " " وإذا مسّها صخر مسّته سرّاء " وفي شعر أحكم شعرائنا أبو الطيّب ورد ذكر الخمر ؛ وهو يفتخر بذلك سموّاً ورفعة دون انتقاص في مجالس الحكّام والأشراف ؛ ويزيده فخراً كونه نديما لهم ، كذلك الخمر عُدّت كأساس ضيافة وإمارة كرم في مجالس الحكّام وما وازاهم في السّلطة والنفوذ .
وفي معلّقة عمر بن كلثوم أفخر وأشجع العرب ؛ كان مستهلّها الخمر ، وفي شعر أشراف النسب القرشي طرفة بن العبد ، قرن وجوده بها بوجوده بمجلس القوم ، وأمرؤ القيس أشعر الشّعراء ، والمهلهل وعنترة وغيرهم ما لا حصر له .
إلى أن رسى الجدال على مغالطة لغويّة في استخدام وصف كأس ؛ عند قول الشّيخ سعنة :
- كأسي الذي في يدي فارغ فارغ فارغ.
فقال سلمين ممالغاً :
- بل الأصح أن تقول كوباً وليس كأساً ؛ أو على وجه العموم قدحاً ، فالكأس تلازم صفة الإمتلاء .
فاحتج الحضور ، عندها استدار حمدون عن حديثهم باستطراده:
- وماذا عن الحب والجحلة والقربة والكوز؟
فقال الشّيخ العاتك مظنّة المروءة والنجابة والشّهامة :
- لك العُتبى يا حمدون ، نحن نتحدّث عن حالنا وليس عن الأمس ، الآن ليس هناك من يشرب ممّا ذكرت ، ومع هذا دفّة الحوار عن الكوب .
فقال الإمام عابر فور حضوره ، وفيما وجده في مجال إلمامه :
- صدق الله العظيم ، إذ قال في محكم تنزيله " وكأساً دهاقا "
فقال الجميع :
- ليس بعد كلام الله شيء .
فقال السّبع حبن بتلطّف :
- وأنا ما معي حد غير الله .
والتفت الجميع للمصاب ، وقد اكتمل حضور عترة القتيل .
كان أحدهم عتلٌّ سبهلل ، فقال بثقل واضح وبتكلّف :
- من الأشياء مالا يوهب ، ولكن يؤخذ .
فقال الشّيخ :
- الله أخذ أمانته .
فقال الرجل مناقضاً ومهاتراً نفسه :
- ولكّن هناك سبباً في قتل أخي ، هذا الوغد الوحش تجرأ وقتل أخي متعمّداً قاصداً وبدم بارد.
فقال الشّيخ متملّياً :
- كان أخوك سكِراً ، وهذه المرّة المليون نضبطه على هذا الحال ، وهو بدون ضابط لا في القول ولا في الفعل ؛ وعمره تجاوز الأربعين بكثير.
فقال الرّجل معتدّاً باعتباط :
- في المجلس آلاف السّكارى ؛ إن لم يكن جميعه ، ويناهزوا أخي في العمر .
وتحوّل القرار إلى أبي القتيل ، حينما خاطبه الشيخ على أمل أن يجد له عنده تقديراً ومرجع رأي قائلاً :
- تأكّد لنا في المجلس ، بأنّ هناك سكر بدون ريحة ، وريحة بدون سكر ، فهناك مفعول ، وفي الأخرى دليل ولكن بلا مفعول ، أي لا دليل على حالة سكر ، أو أثر لخمر أو مُسكِر في وجود الرّيحة ، وفي حالة السّكر لا وجود لريحة خمر ، ولا حتّى لأثر خمر ، أو مادّة مسكرة أيّاً كانت تُلتمس ، أي سُكر بلا سكر بالمعنى المختصر المفيد .
فقال أبو القتيل ببداهةٍ أوببديهةٍ ؛ وهي أجمل ما يجمّله ، وقد عرف مناقب الشّيخ ، وأفعاله الخيّرة ، وأفضاله التي بوّأته المكانة العظيمة في الوجدان ؛ وتربّع بها عرش القلوب :
- انظر ما تأمر ياشيخ .
قال الشّيخ :
- تحقّقنا وتأكّدنا وليس اعتباريّاً ، أن أبنك مقتول عمدا ؛ وليس قتلاً خطأً عرضاً ، وهذا من واجبنا أن نعرّفك ، من كان على الحق ما يخاف من الحق ماضياً وآتياً .
فقال الأب وهو يضرب صدره :
- نعرفك ذهن فطن يا شيخ وجرى أمر الله .
فقال الشّيخ مؤكّداً :
- ونعم بالله .
فناظره وهو يقول :
- كم تطلب على حبن ؟.
فقال :
- المسألة ليست شائكة بإرجاعها للتشريع ؛ وأنا ما ناقصني مال كما تعرف ، الرزق كبير وواسع .
فقال الشيخ ومع حكم عرفي :
- أن يأكل حبن حماراً في يوم واحد .
وبقبول الأب للدّية ، انحلّت المشكلة فيما بين أهل البلد ؛ وضيفهم أبي القتيل ورهطه وعشيرته .
وتزامن الحدث مع عودة سالمة من أين حيث تقيم إحدى حفيداتها ؛ والكلّ يعرف ما لسالمة من تقدير واحترام ؛ وإذا ما انحلت مشكلة القوم ؛ لكان لسالمة اليد الطولى ، وكلمة لا تُرد ُّ كشأنها في الكثير من المسائل .
الكل يعرف فضل سالمة مع سلمين والشيخ على أهل البلد من حيث انتشار حلقات التدريس ؛ والتعلّم ، فازدهر على امتداد عمرهما المتقارب الأدب واللغة ؛ وكان أدب سلمين كشأن نشأة آداب العصور الأخرى يُتيح لك التعرّف عن قرب على الكثير من أحوال وظروف وأوضاع تلكم الأزمان وعلى طبيعة أهلها ؛ كذلك انتشرت الألعاب ومنها ماهو إلى حالنا .
كلعب الكوري ، والجلول ، وكان مترتعَ وحقل َترفيهٍ للأطفال ، والمراهقين ، واليافعين ، يراوحوا بينه وحصّتهم في العلم ، قبل أن ينتقل ذلك إلى الُّلعَب العصريّة .
كذلك على أدب سلمين ؛ تفجّرت ينابيع الأحاسيس ، والمشاعر ، بعد أن فاض بها الوجدان وطفح ، وازدهر بذلك الحب ، والجمال ، واينعت أثماره ، وفاعت أزهاره ، وكان الجميع على عكس سنّة الحياة في عنفوان وريعان العمر ؛ وتفرّعتِ المعرفةُ في مساقات وأنساق وأبعادٍ جديدة وغير مألوفة ؛ وتزايد النبوغ في أرض خصبة ثريّة بكل ماهو هادف ومفيد وومتع ومسلٍّ في أن ؛ وكان أجملَ أدب سليمن هو بعد أوبته من رحلة دامت خمس سنين ؛ ما شكّل نقلة نوعية من الأدب السّهل خفيف الوقع المتداري المنسحب ؛ إلى الأدب العنيف المقاوم ولكن بلين ٍخفيٍّ ، الحارق ولكن بحلاوة وطلاوة راقية مرفّهة ، وهو أقرب ما يكون إلى وصف ، أدب النائم بعينين ساحرتين واسعتين مفتوحتين على كلٍّ شيء جميل ؛ والصّاحي بخدر لذيذ ماذاقه ذو حسٍّ وشعور إلّا وكان شفاءه ؛ وكان له الأمل ، وكان الإنتعاش ، والتهذيب ، والرقّة للقلوب والأنفس ، وكان وقود الحياة ، وكان علامتها الفارقة .

الخميس / 31/ 1/ 2013








*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 09-02-2013, 12:59 PM رقم المشاركة : 106
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

مع القادم الفصل الرابع .







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 16-02-2013, 10:20 AM رقم المشاركة : 107
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..


(4)
نزل عليهم فجأة في الفجر ، وكأنّه مُقاد من إسمه مصبّح ، عرّف بنفسه باحثاً في التراث ، كان حينها عمر الشّيخ سعنة لا يتعدّى العشرين ، بجانب عمر سلمين الذي يكبره بعامين ، مع من يقاربون أعمارهم ، كأمثال جميّل ومرزوق وحمد وحميد وعلي وناصر وخلفان ؛ وكانت البلد في ذروة الشهرة ، وتجاوزت أخباره أقطاراً عدّة ، وكان خبر الشّيخ سعنة وسلمين في توسّعه وانتشاره .
أوّل وجه يقابله ؛ وجهُ ابن البلد سراج ، وهو يكاد يدانيه في العمر الأربعيني ، سأله عن الشّيخ ، أو عن أي أحد بقصد تحقيق هدفه وغرضه ، فأرشده سراج إلى تناول بعض أشعار وقصص سلمين التي ماكانت بتلك الكثافة والكثرة إلّا أنّ بها ما قد يُغنيه عن تعدّد المصادر وتضاربها .
وبدأ سراج يلمح ما أتى به من دجاج كثير في مختلف الأحجام والأنواع ؛ وأغنام وماعز ونعاج ، وقد أوشك على ضرب عريشه على التلّة التي تطّلع على نصف البلد ؛ سأله سراج باستنكار وبشيء من الغرابة :
- هذا المكان ملك ناس ، خبّرت صاحبه ولّا ؟
رمقه وقال معترضاً على قوله :
- ما أريد أقيم هنا ، جاي في شغل وبترك البلد بعد ما أخلّصه .
فقال مصبح بغرابة أكثر :
- ولكن هذه حقوق البلد هناك أملاك خاصّة ؛ وأكّد مناصحاً ..
من الأحسن والأفضل ترجع إلى صاحب المكان ؛ ما أعتقد يطلب عليك أجرة .
رضخ مصبّح لإرادته بتقبله لنصيحته ، وتوجّه مباشرة إلى صاحب المكان ؛ ليستأذنه ، وليتّفق معه على كلِّ شيء ، من حيث مدّة وجوده حتى يُبارح المكان حال إتمام مهمّته ؛ أو على الأجرة ما أن طلب منه ذلك .
من حسن حظّه أن يكون المكان من أملاك الشّيخ سعنه ؛ آلَ إليه عطيّة عن طريق خالته قبل أن تتوفي وما من أحد يدري بهذا ؛ إلّا سراج ، الذي هو الآخر تناسى الأمر لولا تذكّره له بوجوده وحضوره .
سأل متى ، وكيف ، يقدر أن يقابل الشّيخ ، وجّهه سراج إلى أن يتّجه مباشرة نحو منزل الشّيخ ؛ وهو سيكون مرافقاً له .
لم يكن يظن بأن مقابلة الشّيخ والجلوس إليه بهذه السّهولة ؛ قُدِّمت القهوة ، أكل الضيف ، وأكل سراج ، وما هيه سوى هنينهة ، وحضر الشّيخ مع بعض المرافقين من رحلة قنص الهمل التي اعتاد عليها .
وجد الشّيخ موطأ الأكناف ، سهل مضياف ، وهذا ما رسّخ في باله نصيحة سراج ومنها اصطفاءه كخليل صدوق ومرشد يستعين به لإتمام مهمّته .
أخذ المكان بإذن الشّيخ مجاناً ، وهو في درجة من الأهمية ، فسيح ومفتوح من جميع الجهات ، وفي قصوى الهدوء ، يستشرف من ثلاث جوانب على مزارع البلد ، ومن الجانب الرّابع على بعض المساكن والبيوت .
استأجر بعض العارفين في تشييد العرشان والخيام من سعف النّخيل ؛ فالأمر لا يكلّف بناء منزل ، ولا تتطلّب ذلك إقامته القصيرة .
وبعد أن أتم مكان إقامته ، أصبح فاكهة البلد ، من حيث ما أتى به من غرائب أطواره ، لم يكن أبداً ظن أهل البلد بالإجماع أنّ ما أتى به من حيوانات بغير قصد الأكل والبيع ؛ إلّا أنّ ظنّ سراج لم يجانب الحقيقة لمجرد أن التمح بعض الأمور والتصرّفات الغريبة على الباحث مصبّح مع الحيوانات والطيور .
وبعد أن ألِفَ مصبّح سراج وألفه هو الآخر ؛ وصار الأثنان في درجة كبيرة من الثقة ، وانزاحت بعض التحفّظات بينهما على مرور أيام ٍ؛ وبدأت الغيوم تنقشع بتقارب وجهات النظر في الكثير من الأشياء ؛ سأل سراج مصبّح عن أن يبيعه احدى الدّجاجات غريبة الشّكل والأطوار ؛ وبشكل ملفت إلى حد مّا ، ساءله وهو يشير إليها :
- مصبّح أريد اشتري منك هذه الدّجاجة .
وتمّ الشّراء ، بعد أن أوضح مصبّح له غرضه من إحضار هذه الحيوانات النفيسة ؛ وهو ليستأنس بأصواتها وأشكالها ، ويتسلّى بها كجزء من بلده في غربته ؛ وليس لأكل لحومها ، فما هو للأكل شيء آخر تماما ، ولكن قد يكون له نفس المكانة الروحيّة والجسديّة والفكريّة - مع الوطنيّة طبعاً - في نفسه ؛ وذات ردّة الفعل على نفسيّته ، ومنها يتحقّق تقييم ما يُنتج وما يعمل وينجز .
وبشراء الدّجاجة ، وبسعر خيالي ؛ مقارنة بالأسعار السّائدة آنها ، بدأ سراج يستشف مقدار التطوّر في سائر اتجاهات حياته ؛ وبجميع جوانبه السلوكيّة ، وكان يتجاذب ذات الموقف حيالها ؛ مع المجازة .
سراج أربعيني ، ومعروف بجرية وراء الملّذات ، وانغماسه في المتعة ، مع هذا هو متزوّج ، وله ابناء ، لكنّهم أصغر من عمر أبناء مصبّح الذين سوف يأتون عقبه عند الإفراغ من إتمام محلّ الإقامة المؤقّت كما أفصح له.
وبحضور أسرة سراج ، واستقرارهم ؛ الذي يراه هو قصيراً في المكان الجميل المطل على الكثير من المناظر الآسرة ؛ بدأ مصبّح يحضر مجلس القوم ، ويسائل في سبيل بحثه عن الكثير من التراث الذي تغنى به البلد وتعج ؛ من تراث زراعي ، وصيد وصناعي ، وجمع الكثير عن الأدوات الزراعية ، وعن أدوات الصيد ، وطريقة صناعتها ، وحضر الأعراس ، والحفلات ، وعرف طريقة اعداد الباروت ، أو البارود الذي يستخدم في إطلاق النّار مما يُدعى وصلة ، وتعرّف على آلات الطبول ، وإعدادها ، وعلى أدوات الصّيد من الفخاخ للطير ، والمزفّارت للحمام ، والبنادق التقليديّة البسيطة آن ذاك ، فقد كان الغني هو من يمتلك بندقيّة صيد ، والباقي اكتفى بالقوس ، أو ما يُدعى بالشّاص ، وهو فخ كبير معقّد الصنع ؛ أكثر من صنع العنكديّة ؛ فخ الصّد في الماء ، والشّاص يُنصب للغزلان حال وردها فتمسك حيّة ؛ وهذه الطريقة الرشيقة التي حقّق بها جميّل وعده لحبيبته بأن يأتيها بعزال البر حيّاً ؛ وكان هذه حلمها وشرط زواجها منه ، ولكنّه لم يكن مخترع الشّاص أو ذا السّبق فيه .
وفي الجانب الآخر كان مصبّح يبيع ما أورد من حيوانات عدّها أهل البلد نادرة أهل زمانهم لغرائبيّتها في نظرهم وسمعهم ؛ ولوقعها ، وأثرها البلغ على سلوكيّاتهم .
وفجأة يتكشّف للجميع أنّ مصبح مُحب للأدب ؛ وباطّلاعه على أدب سلمين أحس ببعض النفور ؛ وجس شيئاً من اخفاق في مسعى استنفاد حيواناته بالبيع ؛ فاستجلاب غيرها ، وكذلك وجد بأدب سلمين الفتيِّ خطراً على إقامته في البلد ، والذي من المخطّط له في قرارة نفسه بأن سيطول أو يمتدّ ؛ وأوشكت أحلامه أن تتبدّد ، لأغراء أهل البلد وتملّك حبهم ، فهم على مستوى من المعرفة ، مادام فيهم من يكتب هذا ، كانت جملة سلمين بإحدى قصائده التي بلغت الآفاق " أحبّك وشياطين العصافير تحبّك بي أكثر " يقول سلمين في قصيدته السّائرة المُحلّاة :
أحبّك وما حبّ النّاس بضاعة في مزاد
تشترى أو تُغتصب
أو فرض يودّى في عبادة
اتّقاءاً لعقاب أو
إغراءاً بثواب
وإلا لاغتصبتك من يد فقير
وليحاسبني الإله
ولكن من يظمن لي
حبّكِ في
أن أحبكِ
حياة َعصفور ٍ
لا يأبه أو يحفل بشيء
غير الجمال والإنطلاق
يحبّ الصباح في حور عينيك
أحبّك ولثقتي أنّك النّاس
فلا كفاية في حبّك ..
ولأدع شياطين العصافير تحبّك بي
أكثر فأكثر
في ديك جارتنا
في حصان الشّيخ
في الجمل والنّاقة
في حمار الجبليِّ
في الوعل الذي لم تريه سوى ميّتٍ
والضبي والغزال الشاردين خلف السّهوب والسّهول
بحثاً شاقاً ويائساً
عن مرتع لا تجده إلا حيث كانت خطاك
ولن تلقاه إلّا في مرابع شهودك
يامرج كل الحقول
وسنابل القمح والحنطة
في فم ونظر العصفور
العصفور يحبّك قفصاً
العصفور يحبّك أكثر ..
أنذهل مصبّح من الحياة الدّافقة المحكمة والعميقة في شعر عذب سلسل خفيف فكِه ؛ منبعه من هذه الجبال الصلدة الصمّاء ، وفي هذه البلدة المنزوية ، شبه المعزولة ، فمن تكون هذه التي يقول فيها سلمين هذا الشّعر ، وفجّرت فيه هذه القرائح ، سلمين الذي لم يتجاوز الثالثة والعشرين ؛ وكتب القصيدة وهو في العشرين ، ولكن لمجرد أن يلتفت مصبّح في الجوانب الأخرى الأعم والأشمل ؛ للخضرة ، والحياة ، والشّجرة المثمرة أو المظلّة والمخضوضلة ، وللماء ، والسّواقي ، والجداول ، والمزارع ، يجد الحياة بطبيعتها ، بأنسها ، بطاقتها ، يجد الإبداع ، والطهر الماكن ، والممبسط ، وشاح على تلك البقعة الغنّاء ، مع ما تشكّل من وجود ممتد ، ومتشكّل في اختلاف السهل والوادي ثم الجبل .
مصبح أتى لإحياء الأموات في نظره ؛ وانصدم وجوبِهَ بقناعة أنّه يميت الأحياء أو بالحري ؛ يميت أو يخدّر البشر والإنسان بالحيوان ، بموت أهل البلد لا غرض يتحقّق لك إلا الفناء ؛ والفناء لم يمرّر به شيئاً أبداً ، السّوق بحاجة إلى بائع وشارٍ .
تعرّف مصبح على سلمين أكثر ؛ بدافع أدبي ، وفكري ، وثقافي ، إضافة إلى إشباع نهمه من اخبار سلمين ، وجس مقاصده ، واستقراء معانيه ، بداعي توطيد الثقة ، وتشتيت ثنائي القلق والحيرة الائي سكنّهُ ؛ وبالمقابل بدأ سراج يميل إلى بنات مصبّح الثلاث وهن في تتبابع عمري ؛ كنّا في درجة من الجمال ، والفتنة وفي منتهى الأنوثة ، فكانن نصب أعين مراهقين ، وشباب ، وراشدين أهل البلد ، وكانوا في تنافس محموم معه ، ولكنّ سراج خبير في البنت ، ومحترف لوفرة اطّلاعه ، فهو حاوية تاريخ وأدب وتجارب ، يدّعم ذلك ما يجد من جنوح لا يخفى على أحد حول التلذّذ بالفتاة ؛ وجرأة ، واستمتاع بمطاردتهن ، ويجد متعته التي لا تضاهى في التحليق ، أو الغوض ، والتوغّل في غموضهنّ وتمنّعهن الآني ، فما أيأسته بنت إلتفت إليه ، أو رأها ووقعت في باله ، كما لم تيأس طريدة في سفح الشّيخ سعنة .
وتعلّقت بنت مصبّح الأوسط بسراج ، وكانت المجازة شهدت طليعة لقاءاتهما ولكنّها تعريفيّة عابرة ، وبدون غراميّة وحميميّة ، رغم إلحاح البنت الذي اكتشفه سراج مما يفضحها به فتور لحظها ؛ ليس بحجّة الكفاية ، أو الخوف ، أو القلق ، بل لرصد ما يُثار من اخبار حول أختيها الكبيرة والأصغر منها ؛ أي بقصدِ تفنّنه ، وغروره في احتواء الثلاث في ذات الحين ؛ وبدأ يلمح لأختيها الأخريين كيما تعرفان علاقته بأختهن ؛ مع التدرّج في الإقتراب من العصفور الذي في اليد .
وشهدت المجازة اللقاء الثاني ، وكان حينها سراج يحتفي بلفت انظار أختيها ؛ وبدأ سراج في تذوّق فاكهتها بحذر يواكبه معرفة ومراقبة أخبارها مع أهل البلد ؛ وتأكّد له من جسدها ، ومن منطلق خبرته ودرايته بأنّها لمّا تزل نيّئة غضّة تنضج في فمه ؛ ولمجرّد سماعه لسلطان وهو يحكي مغامرته مع أختها لأحد أقرانه قائلاً :
- كنت أعرّس عليها في المجازة لولا سلمان ضيّع علي ؛ حسّبته سليمة جايّه المجازة تتسبّح .
فقال صاحبه بتفحّص:
- أيش سوّيت ؟
فقال بفحر :
- مصّيتها وطاحت وخفت من صوت .. ويوم طلعت حصّلته سلمان مار الدرب ؛ ويوم رجعت لقيتها لبست ثيابها وروّحت .
كان سراج من الندرة النادرة على عكس الثلّة الأكبر من أهل البلد ؛ لا يحكي مفتخراً بمغامراته الناجحة ، وصبواته الضاخّة ، ربما لفارق العمر الذي يفصله عنهم ممّا راكم تجاربه وانضجها ؛ بدا يقتفي مصداقيّته ، وترصّد البنت ، حتى ضبطها في المجازة عارية ، وكان منها على يقين أنّها تقابل شخص ما ؛ سراج مع هذا ؛ ومما يُحسب له بضابط الإحترام ؛ سنّته ألّا يتجاوز حدود غيره ، وأن يستبقي علىَ البنت كونها كما هي .
عاد إلى بنت مصبّح الأكبر ، وهو يقارب ويوازي كل شيء ، واقتنص البنت على غير مكان أختيها ، في مكان الحيوانات التي لم يتبق منها إلا النزر اليسير ؛ فقد تم بيعها في ظرف مدّة وجيزة كمشوار تعرّفه على بنات صاحبها ؛ كانت البنت تتنقّل من ملامسة الدّيك إلى الجدي أو الغنم الأجلح وهي في درجة من الإرتياح والبيت قد خلا إلّا من سواها ؛ لم تتفاجأ بحضوره ، كانت وديعة ، مسالمة ، هادئة ، مستسلمة ، حلّ لباسها على شاهد الدّيك والغنم .
وبقيَ سراج معها على ذلك الحال ، حتّى حضور صديقه الأب مصبّح ، خرج من عندها إليه ليصافحه على الباب ؛ وابتاع عنده الجدي الأجلح .
شاع في البلد عجائب حيوانات مصبّح وغرائبها ولكن قد استنفدت ؛ وكانت لوكة الألسن ، خاصّة في مجالس الشّباب ، وفي حلقات التدريس ، ودوائر التعليم ، ولم يجد سراج حتى ذلك الوقت ما يستدعي قلقه ؛ وأتى بغيرها حتّى أُغرقت البلد بحيوانات ؛ وطيور مصبّح النادرة الفريدة في نظرهم وسمعهم ؛ فلم يكن من بيت إلا وبه منها ، وساندت بذلك أدب سلمين ، وأذكت قريحته ، فحرّضت ملكات الكثير على غزارة الإنتاج في الأدب ؛ ممّن هم في عمر سلمين أو أكبر ومن الجنسين ؛ أو على اقتحام المجال الخالد ، وبالمقابل قد أتم مصبّح بحثه في التّراث ، وكان آخره عن الأشجار التي تصنع منها الوسائد ( الرّلَا ) ؛ وعن غرَض النخيل من سعف وجذوع وليف وجريد وطلوع ؛ وعن كيفية النبات ، على اختلافه واختلاف النخيل ، وعن غرض الطين والفخار وغيره الكثير ، وعن غرض الحيوانات والطيور غير غرض الأكل والركوب .
لملم مصبّح مهامّه وأموره ، وأوشك على مغادرة البلد إلّا أنّ أبناءه وأسرته بالإجماع رفضوا هذا الأمر ؛ وفضّلوا أن يقيموا في البلد وتكون لهم المسكن ؛ لم يجد أمامه من خيار إلّا الرضوخ والإذعان ؛ لم تكن كل البلدان سوى محطّات له في سبيل بحثّة واستقصائه ؛ لولا إرادة أسرته .
انخرط أبناؤه في التعليم ، تعلّقوا بسلوك أهل البلد البسيط العفوي حدّ الإدمان ؛ وتعرّفوا فتضلّعوا كثيراً منَ اللغة وقواعدها ؛ حيث لم يكن لهم نصيب في تعلّمها ، ونبغ أولاده في اللغة ، ومنهم من أصبح شاعراً مجيداً ، حنذيذاً ؛ خارج نطاق والده .
وكان سلمين في دجّالي التّاريخ ، خطير الإنعطاف ، ممسكاً بمفاصل ِالحكي، وبتواترٍ ، في حدثٍ متدفّقٍ ومتوسّع ٍ ، ومتصاعد ؛ كان متحكّماً في اتجاه شخصيّاته ، وفي استنطاق مصائرها ، يتصرّف في سردهِ مع القلوب ؛ تصرّف الرّياح مع السّحاب .
تناول مصبّح وأسرته عشاءهم الّلذيذ منَ " الصّد " الذي أنتهى بهِ إليهم جيرانهم ومضيفوهم ؛ نامت الأسرة ، كرِِهَ إبنه الأوسط أن يكون نذلاً جباناً فيقتله وهو نائم ؛ نبّهه صافحهُ ، أخبرهُ بأنّه لا محالة قاتله ، لم يحفل الأب ضخم الجثّةِ بما قال ابنهُ ، كانت تجيش بداخله وهي تطارحه الغرام ؛ تشاطره بالقسطاس جباية الجمال والبديع ، لحد موتهِ على صرخات شهوتها وهو يمرّر عليها الأولى والثانية ؛ وفي الثّالثةِ ضربه الإبن ضربة بالمرهف الصّقيل ، فترنّح بانفلاق رأسه ، وخرّ صريعاً في دمهِ ، عندها غيّر إسمه من " خميس " إلى " صالح ".
7/2/2013الخميس







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 19-02-2013, 12:26 PM رقم المشاركة : 108
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

(5)
الكل يدرك علاقتها بأخيه ، ومع هذا عرّفه الأخ بالأمر وأبى إلّا أن تكون تبطّنهُ شرعاً لموجبات ودواع وجدها في نفسه ؛ علاقتها مع أخيه بدأت وهي لم تع بعد الفرق بين الرّجل والأنثى ؛ لم تجد ذوقَ واكتناه الّلمسة إلّا على سبيل المداعبة والملاعبة والممارحة ؛ هو لم يكن بذلك العنف والقسوة في وضع لمساته أو طبع قبلاته المحترفة تحت ضغط حراري يصل به حد الإنفجار ؛ غير قبلة الخد أو قبلة الطّفل ، كان درس غير متكافيء يخضعه للتكرار بعد المخالفة بين قطبيه ؛ قبلة تصهره في فيها لدرجة التكثّيف فالتمدّد في داخلها والرّحلة بداخله ؛ يرى أعضاءَها الملتفّة ، ولكن لا يريها شيئاً منه ، وبعد أن عرفت وأطال بها غرضه منها في لقاء حميمي مفاجيءٍ ؛ كانت هي من طلب أن يريها ما رأى منها ؛ من قبل أن تعرف أنّ حلالها أو شرعيّتها معه قد ولّت وأدبرت ؛ تقص أثر حلاله وشرعيّته إذ كان في عمرها قبل تلك اللحظة مع أمّها ؛ تصافحت الّلحظتين وما أكثر أن يحدث هذا كثيراً في سنّة وعرف الوجود .
وهو يجد ويحصد متعتها التي اختزنها وادخرها فيها لهذه اللحظة الجديدة الجارفة كما استثمرتها أمّها فيه من قبل ؛ قالت مبيحة في أوّل غزل شفّاف راق ٍ:
- كلّ ما فيَّ مخلوق لك .
فقال مفصحاً برهافة حسٍّ بلغت نضجها حد الفيضان وما كانت غائبة على طول لقائه بها :
- وخلقتِ لي كما أريد ، أقصد على رغبتي .
فقالت بغواية :
- تحبّني ؟!
قال :
- لدرجة الغياب فيكِ .
فقالت بفكر وترو ٍوتثبّت يتجاوز صغر عمِرها :
- إذا كان كذلك فما حاجتنا بلمس بعضنا ؟
فقال وهو يشفق عليها ممّا يشي به مستقبلها :
- لنتبادل الرّاحة ، هذه سنّة الحياة الإنسان لا يستغني بمفرده مهما كان .
فقالت متسائلة بفضول معرفي وعمق شاسع :
- ومع جنسه ؟!
فقال :
- من منطلق ذاتي ، لا .
فقالت وكأنّها تسدّد له الدّين :
- لكنّك بدأت في مقابلتي ولمسي وأنا لم أتشكّل خارجيّاً .
فقال بتمرّس :
- لكنّك ناعمة ممرّدة في طبيعتك ؛ كالفرق بين ملمس الوردة النديَّةِ الملساء والسّنبلة الجارحة الخشنة العجفاء .
تبسّمت وقد وعَتِ الدرس .
فقال وهو يسائلها بعد أن اختبر قابليّة نضجها للسؤال :
- وأنت ِ؟!
فقالت مُبيحة ًويداها ممدّده على كتفيه وأعلى صدرها المكشوف عن آخره يلتصق بأعلى صدره :
- بالأمس طلبت مني بنت مصبّح هي وبنت سراج وبنت مسعود أن .. !
فقال ممازحاً مراوحاً :
- على كم جبهة ؟
ضحكت كهديل ناعس ، فقالت بتفان ٍوهي ملتفّة بين أغصانه المتداخلة عليها :
- أريد أعرف أيش رايك أروح معهن ؟
بادلها الإخلاص قائلاً وهو يناظرها بطرف عين :
- الله جميل يحب الجمال .
فقالت وقد فهمت ما رمى إليه :
- ولكنّك الأجمل .
فقال :
- الأجمل بالنّسبة لك ، ولكنّهن الأجمل لي بالنسبة إلى نفسي .
فقالت بغرابة :
- وعنّي ؟
فقال :
- حاولي تركّزي .
ضحكت بمكر مستحب وخفيف لا تبديه سحنتها :
- أنت أنا .
فقال - في خجل طفيف لايكاد يبدو - وقد انطلقت أساريره بابتسامه عريضة :
- أنا أنت ِ .
قالت تستوضحه أو تستوضح نفسها فيه :
- يعني ما ..!
فقال متمّما :
- ما يصلح نتزوّج .
لمّها وهو يلتهمها بالقُبَل .
- أنت ِتدري .
فقالت مستفسرة :
- عمّا .
قال وهو يطبطب عليها ويحتضنها بلهفة :
- أنا أكبر عنك .
فقالت ترفع نفسها ثقة ًوبغير انتقاص منه :
- ما يهم العمر .
فقال بلطف بالغ :
- وانسيتي .
قالت :
- ماذا .
فقال قناعة بالنّصيب :
- أنا متزوّج منذ سنوات وعرفتِ أنّي عقيم يعني ..
قاطعته :
- يعني ما تجيب أولاد ، وأيش صار ؟
وأردفت موكّدة بحسرة ..
نحن نحب بعضا لبعض ، نحب انفسنا
واسترسلت مازحة ..
تخاف من زوجتك .
فردّ مداعباً :
- ولكن ليس كخوفكِ من أبيك وأخيك .
فقالت :
- أنا ما أخاف من شيء ، إذا أنت تريدني بصدق ، ما لي حياة خارج مائك .
فقال يحاول أن يزحزحها ويُثنيها :
- أنت بعدك صغيرة ، لا بد تكبري ويكون لك موقف ثابت راسخ حيال كل شيء ؛ ويكون لك رأي مستقل على وجه حاسم في شخصيّة سياديّة ؛ وجودك معي لا يُحيل إلى شيء غير إلى نفسك .
فهينمت وتمتمت بما يلامس الفهم بالوضوح وهي تمثل البكاء :
- أنت تتهرّب ، خدعتني .
فقال :
- وأنا نذل جبان .
فقالت متداركة :
- أنت خدعت نفسك قبل أن تخدعني ..
واستطردت ..
دعنا من هذا ، هذا مالا يفضي إلى شيء ، ولكن أسألك :
- أنت تحب سلمين ؟
تفاجأ لسؤالها وقال ببهوت مصطنع:
- أنت كيف تعرفي سلمين ؟
فقالت تستفزّه بدلال عذب :
- خارج الورق .
فقال وقد تيّقن من أنّها قارئه من وعي مصطلحاتها :
- أنتِ تقرأي لسلمين .
فقالت وهي تهز رأسها بثقة وانطلاق :
- وبكل حضور ورقيٍّ ، أنا أحب سلمين في الورق وأحبّه فيك خارج الورق .
فقال :
- سلمين هنا قد بلغ الثلاثين كذلك الشّيخ سعنة ؛ وفي كل خطوة يخطوانها مع أقرانهم نضوج وحكمة وألق وإبداع ؛ وعمري أكبر منهم بكثير ، أنا أحترم سلمين والمقرّبين إليه من سائر الأعمار والأجناس في الوجود العقدي والإنساني ؛ على مستوى المثل والقيم ، وأحب وأعشق سلمين أديباً راقياً ورمزا سامياً.
فقالت تتكلّف الإشمئزاز :
- كم يعني عمرك ، وبعدين الإنسان لا يقاس بسنين عمره ؟
قال :
- قدّريني ؟
قالت بإصابة ودقّة :
- خمسون ؟
قال مضيفاً :
- وشهر ، فتوسّع في قولها ..
الإنسان بعمره في حالة جود زينة فهمهِ ، ولكن بغياب عامل الفهم يضيع عمره سدىً وهباء ، لا تتحصّل لديه تجربه ولا شيء ، سلمين ورفقاؤه من سائر الأعمار والأجناس شكّلوا هرمي المعرفي ورصيدي الثقافي .
فقالت :
- ولكن صغار في العمر تجاوزوا الكبار ، أو صغار يحكموا على الكبار .
فقال :
- هذا كلّه بميزة الفهامة .
قالت تودّعه وهي لا تكف عن التلويح :
- أحبّك .
قال :
- أحبّك .
كان المكان إلى أبعد حدود بما يشبه جنّة مصغّرة أو قطعة من فردوس ؛ أشجار الرّاك أو الأراك الملتفّة في شكل منسّق ومهندم وكأنّ ثمة يدٌ ماهرةًٌ برعَتْ في تشذيبها وترتيبها على ذاك النسق المذهل ؛ زهر " الفرفار " الأصفر في أوج تفتّحهُ ؛ فتكاد تجد على كلَّ زهرة ٍطيراً من طيور ِ" البونويز " بنوعيها أو لونيها الأزرق الدّاكن والجيري الفاتح قد ملأت َالمكان حياة وحيويّة وشغباً خفيفاً ؛ فازدحم بأصواتها الجميلة الهادئة المكان ؛ لا يهدّدها حدثٌ وهي تمتصُّ رحيق ذاك الزهر الألذ والأجمل من منظره أو ملمسه الرّقيق ؛ وكأنّها تُضخُّ فيها عذوبة الحياة لتنطلق من أفواهها إلى أذان كلِّ موجود شدوا رائقاً وزقزقة أشهى في أذن الجمال من العسل على الّلسان ؛ وبهذا تستمر دورة الجمال في شريان الحياة في حلقات متّصلة ؛ المكان يطلّ على خرير الماء في السّواقي الدافق في جَلَبِ أو حقول ِنخيل النغال والبرني والبنارنجة والمهلبي وبعض أشجار الليمون والسّفرجل ؛ ومن الجهة الأخرى مزارع البصل والثوم مع خضرة القت ؛ والشّمس قد بدت في شكل قرص ٍذهبي وهي تدنو رويداً من الجبل الغربي ؛ وما هي إلاّ دقائق وسيحلُّ سحرُ القمرِ الذي أطلّ هوَ الآخرُ من شرق ِهامة ِالجبل المنيف ؛ وكأنّه يتوّج واقع لقاء اليوم بصدق أمل الغد ، بوداع الشّمس حضور القمر والّليالي نسيمُ نهار ٍربيعيٍّ ، لحظاتٌ قلَّ من يرصدها ويتطلّعها إلّا من ِارتبطَ بشمس أو قمر ؛ الطيور قد تأهّبت وأخذت أماكن سُكناها ، وخفتت وتيرة هديل الحمام واليمام ، فبدأ القمر بهدوءٍ يأخذ لونَ الشّمس ِفي دفءِ خيوطِ كفّهِ النّاعمةِ وبإتقان حكيم مغوٍ ؛ في ضوء جميلٍ آسر خلاّب لا يحتاج إستجارة ًبظل ٍ.
فعرضت في باله أبيات الميدان التي تمجّد المكان :
زمن يومك تشوف القرا به
تقل ذاك ماروّح ويديك ف يديها
يوم ناسها ناسي ولقرابه
تفنّد اسدانها وتفنّد ايديها .
همّ بمحادثة نفسه ولكنّ الواقع هو من يتحدّث ، كم كنّا مخدوعين منك يا حربوق ، من أين ظهرت هذه الأموال والأملاك فجأة وأنت من كنت تطعمنا من مالنا مال الله ؛ المحلاح والهندبوب والغاف ودود النّكف مع القاشع والّلوما ؛ لا نرى العيش إلّا في المناسبات مرّة في العام ، نأكل الحنطة والبّر والتمر مع السّمن ، ومَنْ لم يجد المزارع والماء والأموال والحيوان يعيش على فضل الكرام أو على فتات الّلئامِ والمال في يدك أيّها الكبير ؛ والقدرة وأرزاق العباد في حكم قبضتك وأمر خزائنك ومع هذا عشت تطلب هذا وذاك لتعلّلنا بأنّك الأحوج وحياتك على الطّرف النقيض تفوح منها روائح البذخ وترف التّرف حتّى تغرق من يعلم فقط ؛ ومنّا حتّى الآن مَنْ لم يعلم يا عالمَ وملك َالثّقلين ، كم جعلتنا نرقص ونزفن على الرّيحة ليس خدعة ولكن خوفاً ؛ حتّى أتى اليوم الذي ترقص فيه عليها خدعة ًحيث لا تراجع ؛ مَنْ يقتنع بنقاء ونزاهةِ ماضيك ومستقبلك الآن إلّا الجاهل ؛ ومن أين لك بمَن يُقنعك بحبّ من أحيى نفسه بنفسهِ مِنْ قتلتك ؟!
كم من الضّحايا ممّن أبلى شبابهم وأعمارهم في قاصمة الظّهر من الدّين أو المرض والهم والبلبال ومنهم من يمشي بلا علم من وطأة الجوع والغبن أو من ثقل الهم والضّعف .
ولولا الشّمس والقمر لكنت في زمرتهم وعدادهم ؛ لولا سلمين والشّيخ العظيم ومن اقتفى نهجهم السّامي ؛ من تذكّر بشاعة فعلك أهرب إلى ثغور الزهر الباسمة ؛ فهذه الّلحظات قوتي الحقيقي فلا ضير إذا كان من يتداركني ليس لديه إلا مشاعري وعواطفي وأحاسيسي ؛ فإنْ أنا وجدتُ الطّاعة الأبديّة له فذاك لا يعني بأنني وجدتها لأحدٍ سأبقى له عبداً أبداً ؛ إنّما منحته الطّاعة لإحسانه فكان لي قيدُ فضل ٍلا سجنُ خوفٍ أبدي ؛ أتدري من يكون هذا ؟
وإن كان الّلحد .
هو الحَكَمُ بين حياة الموتِ وموتِ الحياة ؛ ولا أظنّ بحُرٍّ في زمنِ الحريّة أنْ يرضى طوعاً بموتِ الحياة ِفوقَ حياة الموتِ .
أحبّك .
عندما أتمَّ قراءة خاطرتها حسْبما ذكرتْ ، وجد فيها القصّة ، وجد فيها نفَسَ سلمين ، شمُّ فيها عدي بن خلفان ، همّ بمبارحة المكان ، خطواتٌ فوجدها تناديه بصوتها الخفيض الهامس ، بل وجدها في صوتها .
- كيف ماروّحت تتعشّى ؟
لم يكن في غرابه من أمر حضورها في الليلة للمرّة الأولى ؛ لسببين ، لأنّها ليست في عمرها قبل اليوم ، والسّبب الآخر المكان يجاور ساقية الفلج التي ترتادها البنات والنّساء للإستقاء والغسيل ؛ قد تكون غافلتْ إحدى أهلها ؛ ولكن غرابته وشكّه وريبته تمحورت حول ما الذي أتى بها إلى مكانه وهو من أخبرها بأنّه سيبارح المكان في إثرها .
قد يكون حسّ الأنثى أو حدْسها الصّادق إلى حدٍّ ما .
هامسها بذات السؤال :
- أنتِ الّلي ما روّحتِ أين كنتِ تختبئين .
فقالت وهي تضحك :
- أنا ما اندسيت رحت وتعشّيت وجيت الفلج ، الحين بروّح عنّك ما اقدر أجلس .
فقال بغرابة متحقّقاً:
- أنتِ كيف عرفتِ عنّي ماروّحت ؟
فقالت بحسّها الصّادق :
- أنت تشك أني جايه حال حد غيرك .
فقال :
- من حقي .
قالت :
- ما عندك ثقة .
قال بشيء من الغضب :
- خبريني وإلا هذا هو آخر يوم تشوفيني فيه .
ناولته الورقة التي أخذتها منه - بطلب منها لتظل ذكرى خطيّة وحيدة - قبل مغادرة المكان بعدما ناولته الخاطرة ليبدي فيها رأيه ؛ قرأها فبدأ يهدأ ، ذهب عنه الغضب ، أفرخ روعه ، كان هو من طلب منها الحضور بعد العشاء مباشرة ليختبر قدرتها على إحاكة حيلة الخروج في الّليل ؛ فقال بهدوء :
- تذكّرت لكن القصّة أخذتني .
فقالت بتذبذب وهي تبادله ذات الموقف :
- يعني لو ما هذه الورقة اللي أخذتها منك للمرّة الأولى ؛ ما كنت صدّقتني .
فقال وهو يحسّسها به أكثر :
- كل ذلك بدافع الحب وخوفي عليك من غير نفسك أنا ؛ والسّبب الأقل شأناً طبعاً هو إنذهالي وانبهاري بالقصّة !
قالت وهي تفتعل الّلاأهمية :
- تقصد الخاطرة .
فقال مثنياً ومصحّحاً مصطلحها الوصفي :
- هي قصّة ناضجة مكتملة وأزيدك أنّها قصّة فلسفيّة تحليليّة عميقة أكبر من سنّك ؛ فأردف متسائلاً ..
أنتِ متأكّدة بأنّكِ كاتبتها ؟
فطالبته مُعاجزة بثقة وطيدة :
- اختبرني فيها .
فقال بارتياح كِبارا :
- أخاف أكون ما فهمتها حسْب ما أردتِ ، أنا عرفت الرّسالة والفكرة والمُعالجة ولكن ضاع منّي كل ذلك في النّهاية .
أدنت فاها من أذنه وهي تقول بمباهاة :
- أيش النّهاية ؟
فقال بشكل عابر فاتر :
- أحبّك .
قالت ضاحكة :
- هذه هي القصّة .
فقال متداركاً نفسه :
- أقصد أحبك الّلي في القصّة ، والّلي سمعتيها منّي الآن فقط ، وليست أحبّك الّلي نسمعها من بعض عادة .
فقالت وهي تغلّب الجودة على الكثرة وبشكل جميل ملحوظ :
- نحن نسمع أحبّك كثيراً ولكن ليست كما ينبغي أن نسمعها ؛ لا تُحرّك فينا راكداً ، أي أحبّك قد تصب في خانة غير الحب ، أو قد قيلت من أحد لحبيبه فقط ، فنحن لنا أحبّك الخاصّة بنا والحِكر علينا ، كما لكل أحد أحبّك الخاصّة بهِ ، والفرق بين الأثنتين اكتشفته منك بصدق ووفاء كما أنت اكتشفته منّي أيضاً ؛ أنا لم أجد حياة في قول أحبّك التي قلتها من القصّة ؛ فقالت مستطردة مازحة ..
ولكن أخيّب ظنّك في أنّ " أحبّك " لم تكن جزء من القصّة أو الخاطرة ؛ أحبّكَ كتبتها لكَ أنت .
فقال بذهول وفضول وهي يشد يدها :
- تعالي تعالي ، كيف كانت نهاية القصّة ؟ واشرحيها .
ألقت عليه القصّة عن ظهر قلب ، ما فلتت منها إلا بعضُ كلماتٍ زائدة لم تخل بالسّياق .
وشرحت له القصد وكان تطابق الفهمين .
فقالت على عجالة وفوها ينطبقُ على فيه :
-أنت رجّال ما تخاف من حد غير زوجتك ، وزوجتك ما هنا ، وأنا ينتظروني في الفلج والبيت .
أحبّك .
فقالت :
- أحبّك ! لا خلّيها أحبّك تحبّك .
لم يجد سبيلاً دون الزواج منها ، أو عذراً واهياً للتفريط فيها أو في ثقتها به ، خاصّة بعدما قبلت أعذاره ، طلب يدها من أهلها بعد أكثر من لقاءٍ ليليّ ؛ وتزوّجا ، استمر أو بقيَ الحبُّ ولكن ليس ذاك الحب النادر في لحظات مختلسةٍ من عمر الدهر .
الحب حقل زهور ، حدائق شعر ٍغنّاء ، إذا ارتوى الحبُّ في كلَّ حلم ٍأو تشبّع فقد لونه وطعمه وكلَّ شيءٍ ؛ الحب لا بد أن يبقى توقاً ولهفة في أحايين نادرة جدّاً ونفيسة وخطِرةٍ ؛ الحب إذا كان في المتناول والمتوفّر والحاصل فما الهدف إليه أو الجري خلفه ؛ الحب لا بد أن يشقَّ نشدانه في إطار قطبي الحياة .
وتفرّغت مع حبّه للكتابة المبدأ ، تفّرّغ لم تجده بنات جيلها ممن أخذن الكتابة بشيء من الهواية عكسها الإحترافي الذي جعل من الكتابة والأدب والجمال حياتها التي لا تقبل المزايدة عليها بشيء آخر غير حبيبها وملهمها ومعلّمها ؛ حتّى أخذته يد القدر منها وهو لمّا يزل في عمر الستين ؛ كان حدادها عليه على غير حداد الآخرين ، لسنين وهي لا ترتدي إلّا السّواد وقاطعت جوارحها كلَّ طيّبات الحياة ؛ ولكنّها سنّة ُالوجودِ وحقيقتهُ المرغمة ُ، وآن أنْ تلتفتَ لمواصلةِ ما بدآهُ سويّاً ؛ وفاءً له ولشرفِ الكتابة ِورقي الفكر ولسموِّ الأدب .
وبعد فترة أخذت بمجامع قلب أخيه الأصغر عن طريق ما يقرأ لها ؛ تزوّجا وأنجبا وفي تربيتها لأبنائها من يسعى في أثرها ويتم مسلكها الرّفيع النّاصع الوضّاء ؛ الطّاهر من أي مأرب غرَضي أو شائبة .

15/2/2013








*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 26-02-2013, 12:48 PM رقم المشاركة : 109
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

مع الفصل السّادس الأسبوع القادم .







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 02-03-2013, 10:34 AM رقم المشاركة : 110
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

(6)
أسند ظهره على جدار الطّين المتهالك بعد أن أدخل الورقة تحت مصرّهُ ؛ فقال وكأنّه يصحّح ويراجع :
- نشوي الجراد ، وناكل الغاف والهندبوب والمحلاح مع الّليمون والملح ؛ من هين أوّل نلقى القاشع .
قاطعه ابنه وقد عثر عليه بعد بحث شاقٍّ :
- أبويي سدّيت الجابية بعد ما سقيت الفاردي الشرقي ؛ والنّبات مانبّت اليوم ريح ، وطلعة وحدة لقيتها ما فيها دخ ، والثانية راجّة .
فقال الأب بحنوٍّ تجاه ابنه طالما افتقده هو من أبيه :
- المال مالكم ولدي ، يعزكم عن طلبة النّاس ، السّماد أجّرت عليه حارب ولد حفيظة يقصّه بعدما يخلّص الرضامة ؛ يترزّق مسكين بحلال على أهله وأولاده ويجاهد فيهم .
فقال الإبن :
- الله يغفر حال جدّي .
فقال الأب بامتعاض :
- الله يغفر حال الأجداد ، جدّك زين أنّك ما لحّقت عليه .
فتساءل بعد استرجاع لما طلبه منه بالأمس :
- مو سوّيتو أنته وخوتك في شوية السّح الحايل ؛ طلّعتوه من النّضد .
فقال الإبن :
- خلّه ما ضيّع شيء ، النضد واسع والعسل يجري ، وأنا اليوم مشغول .
فقال الأب :
- مو شغلنّك ؟
قال الإبن في لياقة وأدب :
- اليوم موعد سفر سلمين ، وكلنا رايحين نودّعه .
فقال الأب :
- يستاهل سلمين معلّمكم ، والله بتفقده البلد وتفقد جمال وجوده في كل مكان ؛ ولكن عسى ما يطوّل ويرجع صاحي بالسّلامة .
سلمين قبل سفره طاف البلد مع سالمه وابنه سالم ؛ بعد أن مرّ مروراً على الكتاتيب ( حلق التدريس ) ؛ واطمأنَّ على حسن سيرها في أهدافها المرسومة ؛ وعلى مستويات وأحوال طلاّب العلم النفسيّة والسلوكيّة المرتبطة بتحصيلهم ؛ وكانت النتائج الطيّبة المبهرة زاده المعنويّ في رحلته المزمع لها بعد ساعات ؛ ومنها انطلق ليتزوّد من جمال البلد إلى حيث أشجار الّلثب مأوى البلابل وشدوها ؛ وإلى حيث أدغال الغاف والمغيلان والّلثل وأصوات الصفارد ؛ بعد أن قضى المغرب على هامة الفلج في محاولة رمزية لتوديع طير القطا الذي يرتاد الفلج عند حلول الظلام .
واجتمع الكثير ، مايقارب جل سكان البلد خاصّة من المتعلّمين في توديع سلمين ؛ وكانت وسطهم صبيّة لا تتجاوز الثالثة عشرة سنة ، كانت أصغر مَن يحمل طباع وصفات سلمين ؛ وكانت أكبر مَنْ يرفع لواءه القاضي بالمعرفة في كلِّ شيء قبل كلِّ شيء ؛ عانق سلمين الرّجال ، وأرحامه أو محارمهُ من النّساء ؛ كبنات أخوانه الإثنين ، وأخته وبناتها ، وخالاته وعمّته ، ثم توجّه بطول عناقه للشّيخ سعنة بما يقارب طول عناقه لحميد وحمد وعلى وناصر وخلفان ومرزوق وجميّل ومن هم في عداد أعمارهم ؛ ثم قبّل رؤوس وأياديَ الكِبار ؛ بمن فيهم والده ، ووالد الشيخ ، وأخوان الشّيخ ، وأباء وأعمام وأخوال أصداقائه مِنْ جيلهِ أو ممّن هم أصغر من جيله وأكبر ؛ أولائك الذّين يجد عندهم الإنبساط والإنفتاح على كلِّ حديث وفي كلِّ جلسه ؛ ويجد في حديثهم متعة مذاق السّمر وعذوبة الكلام وصونه ؛ ويرى فيهم حلاوة ابداعه الحقيقيّ قبل أن يروا فيه انعكاسهم .
وفي آخر المطاف الأخير أخرج أبو مهدي الورقة - وهو صفيٌّ لسلمين - من تحت مصرّه وناولها إيّاها وقال هامساً في أذنه :
- هذه من عند بنتِ هذيك الّلي هناك وأشار إليها .
فقال سلمين بوجاهة في خفظ جناح وهو يضم الورقة إلى صدره ويضعها على رأسه من قبل أن يدسّها بجنب الكثير من الأوراق :
- أنا متعهّد بصونها وحفظها ، كما حفِظَ طالبٌ حرفاً من حروفي أو في حلقة كتّاب منَ كتاتيب البلد .
وناظر الصبيّة التي يراها للمرّة الأولى بما يؤكّد لها قوله لأبيها ؛ ويرسّخ خطوتها ويشد أودها .
أجهشت الأنفس بالبكاء في رهافة حسٍّ وشعور بطابع سلمين ؛ رغم أنّ رحلة سلمين من المقرّر لها ألّا تتجاوز الأشهر كأقصى حد ؛ لكنّ ألفة سلمين ووجوده كجزء من كلِّ شيء ؛ حزّ فقدها الآني في نفوس الجميع ؛ وثلمت القلوب .
أخذ سلمين سالمة من يديها وقال بعتاب :
- كيف ترضي تخلّيني أروح وحدي ، وكيف تقدري تعيشي بدوني طول هالمدّة .
فقالت في منهجيّة وموضوعيّة :
- أنا مستعدّة أضحي في سبيل صحّتك وإنقاذك ؛ أو في سبيل الخير والبر ، وإذا تشوف هذا خارج حيّز الفرضين فتأكّد ما أنا سالمة الّلي تعرفها .
فقال باقتضاب :
- نحن صنجا بعضنا .
فقالت :
- ونحن صنوا بعضنا .
لوّح للجميع ، وقال موصّياً :
- اهتمّوا بأنفسكم ، وستكون بيننا مراسلات .
عاد الجميع إلى منازلهم ، والمحظوظ من عاد من سلمين ليلوذ إلى سلمين ؛ فسلمين ترك لهم ثروة لا تقدّر بثمن ، متناً عريضاً من الأشعار والقصص الجديدة في حلّة متجدّدة عن سابقاتها ؛ وكان أهمّها سلسلة طارش في بلاد الصّد طارش ، وهي حصيلة ما جمعه من علوم ومعارف عن البلد التي يزورها ؛ والأجمل مافيها قصّة الزّاهد الورع المتصوّف الصّالح الذي يرقي مرضاه في الصّد فيبرءون بقدرة قادر .
قضى سلمين في دربه أياماً وجد فيها مع مشقّة السّفر أجملَ أيام ٍتُضاف إلى رصيد الجمال في عمره ؛ مرّ الفلوات ومضارب الخيام أو السّجاف ، وعرف شيئاً عن عادات البدو الرُّحّل ، إلى أن وصل إلى آخر وجهته ، وجد المكان قد أُعدَّ له مسبقاً كما هو متّفق ؛ والكل في انتظار سلمين خاصّة من فئة الشّباب المتشوّقين إلى رؤية معلّمهم القادم عن قرب بعدما سمعوا وقرؤوا عنه .
كان سلمين يتوقّع أن يرى بلداً متحفّظّاً في الكلام ؛ ليجد عكس ما سمِعَ ، فيوم بيوم يسمع ويرى من تصرّفات مستهجنة لا تصب في إطار قيَمي ولا عرفي كان يجده هو في وسطه ؛ وكان آخر يوم أوشك فيها أن يقفل عائداً إلى بلده الذي يعتز بوجود الأخلاق والآداب في الفعل والقول ؛ إذ وجد أحدهم يقف ساهما شارداً بعد ليالٍ من حضور عرسه وهو يستشير - في إفضاءٍ - أحدَ الكِبار قائلاً بمرارة :
- كلّما همّيت بها أجدها ترفس .
فقال الرجل بصفاقة وبلا تورّع يصف له العلاج :
- استخدم معها طريقة الكورة ، علّق قدميها على كتفيك ، ولاقي بهنّ كتفيها ، واجعل يديك تحتها ؛ قد يكون فعلها ذاك تحت تأثير ارتفاع معدّل الشّهوة .
ما كان من سلمين إلا أن اقترب من الرّجل الذي يُرى في عمر يتجاوز الخمسين فقال وقد قهر كلَّ الحواجز والحدود :
- استحي يا هذا ، ما عيب تصف وتقول هذا حال ابنك .
فقال الرّجل :
- هذا ما ابني من صلبي ؛ ولكنّه ابني في العمر مع التجربة والمعرفة ؛ وممّا استحي ، قلت شيء خارج ما قيل ويُقال ، وبعدين أسألك أيش الغرض من الحرمة إذا تستحي تتكلّم في هذا ؟
فقال سلمين بحكمة وتعقّل :
- الحرمة ما غرضها هذا فقط ، حتى وإن كان هذا ولكن باحترام ؛ وليس بهذه الّلوثة .
فقال الرّجل :
- أنت ولدي من كلامك شكلك تقرأ وفاهم وأضاف برويّة ..
لكّني ما اعرفك ؟
فقال سلمين :
- أنا سلمين جيت هنا للعلاج ؛ وأعلّم في نفس الوقت .
فقال الرّجل :
- وهذا الجزء الأهم من العلاج ، ولدي كلّ شيء مستهلك ومستنفد إذا ما عددنا ما قرأناه وعرفناه مجرّد قراءة للقراءة ؛ نحن نتعلّم لنعلّم ، هذا الذي جالس أوصفه له ، هو ما قاريء ولا دارس ، فاتته قافلة العلم بداعي الحاجة وانشغاله بلقمة العيش ؛ ليش نحرمة التمتّع بما أحلّه الله له ، وقد وجد الفرصة مواتية ومتحصّلة بين يديه ، ولدي الحرمة ما بقرة أو بهيمة دخّل وطلّع أو عارك وصارع وإركب كيف ومتى كان ..
عندها بلغ بسلمين الغضب حدّاً فاق الصّبر وقال مقاطعاً له :
- تأدّب يوم تتكلّم معي ، احترم عقلي مثلما احترمت شيبتك ؛ ولكن خيّبت ظنّي في عقلك .
فقال الرّجل باستلطاف وحلم وهو يمدّ إليه يده ويقول :
- رابعني البيت أنته ضيف وهناك بنتكلّم أكثر .
فقال سلمين :
- حاشا علي أرابعك أو أجلس في بلاد أنته فيها .
وبعد شد وجذب واقناع وضمان من الشّاب بأنّ الوالدَ سيرضي سلمين ؛ وافق سلمين على مضض .
وحال دخول المنزل ، مباشرة توجّه الرّجل إلى رفوف الكتب التي امتلأ بها البيت ؛ فتناول كتاباً وناوله لسلمين وهو يقول معتذراً :
- ستجد ما قلته لأخيك بالحرف وبالشّرح والتبسيط ؛ وستجد الأكثر والأوسع .
وجد سلمين الكتاب على ما قال ، والكتاب تاريخي مرّت مئات السّنين على رفد المكتبة العربيّة به ؛ وهو كتاب وافٍ في فنون ووضعيّات وطرائق الجماع مع سائر أنواع وأوصاف النّساء ؛ والواضح من سرده أنّه حصيلة علوم ومعارف وتجارب .
التفت سلمين إلى الرّجل عاجزاً عن الإعتذار ولكنّه لمّا يزل على بعضٍ من موقفه فقال :
- هذا ما نص مقدّس ، هذا كتاب بشر يخطيء ويصيب ، ونحن ما يجب علينا أن نتّبع كلَّ زاعق وناعق .
فقال الرّجل بحرقة :
- ولدي أنا أكتب ، وقاريء ومتعلّم وأعرف الله وما حد سمع عنّي شيء ؛ ولكن أقسم لك في الّلي قلته لأخيك ما فيه عيب ، ما حد ينولد متعلّم ، هذا أساس الوجود ومتعة كلِّ متعةٍ ؛ وقمّة كلِّ لّذة ، وهو من يفرّق ويميّز بين البشر والحيوان في أسلوب وطرق المعاشرة ؛ وإن تجد بعض الأحيان في الحيوان ما هو أرقى من البشر ؛ يبدأ الأمر بالمغازلة فالمبداعبة وهكذا تدريجيّاً حتى يذعن الطرف المستهدف في راحة واستقرار وسكينة ؛ ولنا أسوة في القطط وفي بعض الطيور ، والخيل من خيّالها ؛ واسترسل مادّاً في حديثه العذب الشّيق ..
ولدي لا تكون بلا احاسيس ومشاعر ، فهي أساس كل انفعال ، وبدونها الإنسان جماد أو ميت ، مهما ادّعى الحياة ؛ ولا تكون أناني كلُّ همّه قضاء غرضه الخاطف ؛ هنا تكون ضرّيت نفسك وفرّط في نصفك بعد إيذائه وحرمانه في خروج عمّا أراد الله له ولك من متعة وسكينة ولذّة متبادلة ؛ وهنا انقلب الغرض عكسيّاً ، من الرّحمة إلى التعذيب ، أو من الضّرب الرّاقي والرّضامة الممتعة الى الضرب الهمجي في معناه العام والرضامة الشّاقة المنهكة بالهيب والمسحاة والشّيول ؛ ومن الجمال إلى القبح ، والجميل يصنع الجمال من القبح ، بينما القبيح لا يميّز الجمال من القبح حتّى .
فقال سلمين باقتناع :
- والله كلام زين ولكن الحياء أجمل ! أسألك أنته ما كنت تعرف هذا بالطبيعة ؟
فقال الرّجل :
- جزى الله المؤلّفين والمجرّبين كل خير ، الإنسان مهما بلغت به المعرفة ، لا بد من الإستزادة لا اكتفاء من تعدّد أوجه وألوان وأضرب الجمال ؛ كل جميل يتعاطى الجمال بالطّريقة التي يجدها الأجمل والأمتع والأخف وقعاً على نفسه ؛ فالجميل لا يُخطيء ، وغالباً هو مصيب في تتبّع واقتفاء مصادر ومنابع الجمال بأشكاله المتجدّدة والمختلفة ؛ والقبيح انقلابا على الضّد ..
لم يفوّت الرّجل الفرصة التي فتحها سلمين ناراً على نفسه ؛ وساءله قائلاً :
- وأنت هل وجدت هذا في طبيعتك ؟
فقال سلمين :
- نعم هناك نزوع فطري وهو الأوفق ، ولكن أنا معك لا بد من تغذيته وإصلاحه وتوسيعه أو وضع اصبع خبرة من سبقونا عليه ؛ ولكّني وجدت هذا كثيراً في الأدب ، وليس بهذه الطّريقة التي أراها في هذا الكتاب أو أسمعها منك .
فقال الرّجل :
- الأدب للّي يفهم في الأدب ، والكلام للّي ما يعرف يقرأ ، وكلّ قفل وله مفتاح ، هذا أخوك الحين إسبوع ما قادر يقرّب عرسه ، وكان يفضي به الأمر إلى الإنفصال أو الطّعن في رجولته ونفور زوجته ؛ أو التقليل من استعداد حرمته أو غيابه ، وما شاكل ، والأمر فقط في وصفة ، فقال مدمغاً حديثه بدليل نفسه ..
تصدّق أنا حتّى عمر الثامنة عشرة ما كنت أعرف إيش تعني كلمة القُبلة ؛ فضلاً عن ممارستها وأنسب مواضعها .
وجد سلمين في الرّجل فرصة ، لإنطلاق أوسع في عالم الأدب السّردي ، فهو زوّادة حكاوي وقصص ، علاوة على كونه شقيق في الأدب والإطّلاع والعلم والتعلّم ؛ والأطول خبرة في جوانب الحياة لعمره الذي يكبر به سليمن .
فوق كونه إضافة مهمّة لما وجد في البلد من عاداتٍ أصيلة نابعة من صميم بيئته ؛ وكشيء فطري سليقي في أهله ، كقولهم الشّعر الشعبي المتحرّر من اللغة والذي لم يألفه من قبل ؛ وبجمال فائق ، كذلك حبّهم للغناء ولئالاته ؛ خاصّة عشقهم للعود والرّبابة ، سيكون الوجود حافل للجانبين ، خاصّة عشقهم للسّمر تحت الفضاء الممتد في ليالي القمر ؛ عادة جميلة تلازمهم ومتجذّرة فيهم أبا عن جد .
وبعد أن تناولوا الغداء ، وكان غداء يليق بما سمعه سلمين عن البلد ، ذبيحة من غنم مع خبز الذرة والعسل ، خرج الثلاثة لتعريف سلمين بالبلد وأحوالها وأهلها ؛ حاول سلمين التعذّر لتعب السّفر الذي يجده ، ولكنّه استطاب دماثة خلقهم وحديثهم المشوّق والمثير عن الكثير ؛ مرّوا بسلمين على مزارع " البوبر " " والوعا أو القرع أو اليقطين ومزارع الخيار والطماطم وما شاكل من خضروات ؛ وحقول " المهينجو" (الذرة) الشّاسعة التي تُشكّل غذاء أهل البلد الرئيس بعد الّلحوم والعسل والألبان والتي يقابلها في بلد سلمين بر الوليدي وهو الدقيق أو الحنطة أو القمح البلدي ؛ ثم انتهوا إلى حقول العنب أو الكروم أو المحشّا المدهامّة ؛ كانت لهم تسمياتهم كما يخبرهم سلمين بتسميات بلده لهذه الأصناف من الخضروات والفواكه .
وعند العودة عمدوا إلى النّارنج ، والمغنّيبا ، والأمبا الأخضر الفج ، وأخذوا منها ماشاءوا ، وطلب ضحي الكاتب الخمسيني من الشّاب العريس أن يمرَّ منزله ويحضر ما يتطلّبه إعداد المغنّيبا والنارنج والّلمبا من بهارات ؛ وكان إعداد خاص يفتح شهيّة المريض ، إذ لم يألف سلمين في بلده هذا الذّوق الرّفيع في إعداد النّارنج والمغنّيبا والأمبا أو الّلميا بخليط من البهارات ؛ وبدوره سلمين أخرج لهم التّمر وكان تمر الخنيزي ؛ بإعداد بلده التقليديّ ، وهو أن يُنزعَ الفلح أو نوى التمر فيطبخ مع السّمن البقري في عجينة لها ريحٌ يحيي خلايا الدّماغ الميّتة .
وبعد جلسة طويلة مقرونة بالأكل من أصناف شتّي ؛ كل صنف منها يشدّك إليه أكثر ، ويريد أن يكون لك الهدف الأقرب والأحلى ، دخل عليهم " تاعب " وهو يحمل فصول الوعا والبوبر؛ بالإضافة إلى وعاء مملوء بالبط أو الفندال أو الحشو ؛ مع الجح والبطّيخ والشّمام ، وطلبوا من سلمين أن يعد لهم الوعا والبوبر والفندال بعد أن أعجبوا بطريقة وصفه لهم في إعداده ؛ وهي غليه بالتّمر ، وكانت طريقتهم أن يطبخوه مع الّلحم فقط ، ولا يُأكل على انفراد .
ومرّ اليوم في بيت مكان إقامة سلمين ، حتّى أتى الّليل وغصَّ المكان الخارجي بالنّاس ؛ وكان مكان سهرهم الذي يتسامرون فيه حتّى منتصف الّليل ؛ وأُوتيَ بدلال القهوة التي تفوح بالهيل ، ومنها كانت التّعرف على سلمين عن قرب ، وبدأ سلمين في إعطاء دروسه للرّاغبين ؛ إلّا أنّ أغلبهم كان في مستوى رفيع من العلم والثقافة والمعرفة ؛ وكان جل همهم هو التّعرّف على ما غم ودق من الّلغة وعلى مواضع الخلاف والتّضارب في مصادر التّعلم ؛ وكان سلمين بقدر ما يعلّمهم يتعلّم منهم .
إلى أن حضر أحد ابناء ضحي وكان اسمه بهيج ؛ كان في منظر يوحي بأنّه من المتصوّفين المتنسّكين أو في حالة رهبنة ؛ ثياب بيض ناصعة ، ولحية وفيرة ، وشارب مجزوز محفوف شبه حليق ، وجلس أمامهم ، كان سلمين ينظر منه أن يُلقي درساً وعظيَّاً أو دينيَّاً كما هو مألوف منَ المنظر والرؤية الخارجيّة ؛ وفجأة طالبهم بإحضار العود ، ومن فوره قام بالعزف في تمكّن أخرج الجميع عن وجودهم لدرجة التصفيق بهزّة طربيّة عجز سلمين أن يجد وصفاً يليق بها في عالم الأدب ؛ ثم جعل الجميع في موجة من البكاء المكتوم الممزوج بالضّحك ؛ ابتدرت عينا سلمين تأثّراً بما يسمع ، ولم تبارحهم الحالة حتّى توقّف عن العزف فقلّت حدّتها ؛ ثم قال باحترام :
- من اليوم يغنّي ؟
وقام المئات ممّن في المجلس أو الحضور بلهفة ؛ فاختار العازفُ أثنين منهم عند استشارة الجميع بالتصويت على مدى رغبتهم في الأغنية المنتقاة ؛ التي ستُغّنى ، أمّا الأصوات فكان جميعها في تمكّن ؛ إذ لم يجرأ أحدٌ في أخذ ما لا يلائمه وما لا يتناسب مع قدرته وبراعته ؛ فكل في مكانه ، وفيما يُجيد ويُحسن ، وبما يُحبّ ويعشق .
وبعد أن أتم الإثنان مدّتهما من الغناء ، دخل صبيٌّ لا يتجاوز العاشرة مع الرّبابة ؛ قام بالعزف والغناء حتّى انتشى الجميع في تأثير تضادّي أو عكسي مع صوت الرّبابة الحزين ؛ في مشهد عز نظيره .
وبتمام الّليلة الثانية لسلمين في البلد ، أحسّ بأنّه ظلم أهلها ، كل ما وجده هو تصرّفاتهم العفوية ، ومصداقيّتهم فيما يقولون ويفعلون ، قد يعني للكثير ممن لا يعني لهم الأمر شيئاً ، بأنّ الأمر خارج الإطار الأخلاقي ويذهب بعيداً عن حدود الأدب وغوراً في التهتّك والمجون ؛ إلّا إنّها تصرّفات يأبوا منها الخروج على طبيعتهم النقيّة إلى التكلّف والتصنّع ؛ تفيهق وتنطّع المعلّم لغيره خارج حدود نفسه ، وبعد أيّام ٍبدأ سلمين في مراسلة ومكاتبة سالمة ؛ والشّيخ وأهل البلد .
وكانت أوّل رسائله يصف فيها جماليّات البلد وعاداتهم التليدة المتمسّكين والمتشبّثين بها .
وقاربت إقامة سلمين بينهم زهاء الثمانية أشهر ؛ وهي مدّة فاقت ما هو مأمّل له ، واشتاقت سالمة لسلمين ولكنّ مهمّة سلمين تأكّدتْ ورسَتْ على أنّها ستأخذ خمسة أعوام بالتّمام .
وكانت آخر رسائل سالمة لسلمين مختصرة جدّاً " كم حاولت أن أجد العزاء والمواساة ولكنّي لم ولن أجد ما يعوّضني بدلك أو يسد مسدّك ؛ أنت جزئي وقدري الذي يسوقني إلى حيث أعلم ؛ غيبي المكشوف أنت ، وجذري الذي به حييتُ وأحيا غداً ، فتأكّد إن طالت مدّة غيابك لأكثر من شهر ، فلا أقوى على أن أكتب شيئاً غير إنّي سأصدّق كذبة إنّك ميّت ؛ لأنّي لا أميّز حقائق الأشياء خارج روحك ، أحبّك لأنّي أحبّك "
قرأ سلمين الرّسالة وكان ظنّه في أنّ سالمة ستقف على هذا الموقف فكان جوابه " سبحانه وأنّي حيٌّ في كيانك الحي ، سبحانه أكبر من أن أقول أنني بدونك أكثر من نصف حي ؛ فما شغلني عنكِ شاغل ، ولمّا تزل حلاوة طعمك من آخر قبلة أجدها ؛ جنَّ شبابكِ في لساني يخالط كلّ أكلة آكلها ؛ فضيّع علي التلذّذ بتمييز طعم الأشياء خارج الحياة ؛ كأنّي آكل كلَّ شيء حيّاً ، من روحك التي أجدها في فمي ، ولكن بصنوف كصنوف قبلتك الشّرِهة ، لكل شيء آداب وسلوك وأدبي وسلوكي أن أقول قبل أن أتناول أي وجبه :
بسم حبيبتي بعد اسمه ، وصل الّلهم وسلّم على حبيبتي بعد الصّلاة والسّلام على الحبيب وآله وصحبه ؛ وبعد الوجبة أحمد الله الرّازق ثم الحمدُ لكِ حبيبتي .
أنت نهر يجري بي في كل شيء ، وفضاء فسيح أسيح فيه في كل شيء ، ولا تنسي قولك أن لكل شيء قواعد ؛ ومن قواعد النّحل لا بد من أن يعود مجذوباً ولكن بإرادة جميلة ومستقلّة إلى محلّه الذي سبق وأن بنى فيه المعروف (بالمضم ) ؛ وهذا ما ليس يدفع عنه يدَ البشر ِ؛ أقصد يدهم عن عسَلِهِ ، وكم يهمّني ويعنيني أن أكون يعسوبَ النّحل ِويدك من تطالني أقصد تطال العسل ؛ ومن قواعد النّحل بعد ورده ، إذا ما ذهب مستقيماً واطئاً فهو بعيد المكان وعسر المنال من مكان الورد ؛ إمّا إذا ذهب للأعلى فهو قريب جدّاً ومجرد نحل ؛ وهذه خدعة من خدعة النّحل ؛ فسبحان من ألهم كل شيء خلقة ، وأعطى كل شيء غرضه ومهمّته ؛ وإلا كيف توصّل الإنسان لهذه النتيجة ؟! ، كل هذا لا يغني شيئاً ، فالمهارة والفن والذوق في جميل الخلق هي شفيعي بكِ إلى كلِّ شيء ؛ كل شيء بارد ، فراشي لولا أن أجد حرارة آخر فراش جمعنا ؛ وكل شيء مر لولا أن شربت الدواء المرّ الحالك من يديك واستمرأته أو استسغته عسلاً ؛ بُعْدُكِ سببٌ وقربكِ نتيجة ٌ، لك ِكلُّ الحبِ ، سنلتقي قريباً "
وما هي سوى أيّام إلا وكانت سالمة بجنب سلمين ؛ وبقي سالم مع أهله .
وكانت رسائل الشّيخ وأصحاب سلمين هي زادهم في غربتهم ومعينهم على إنجاز مهمتهم على وجهها الأكمل والأنجح ؛ حيث كانت آخر رسائلهم إليه ، تطمئنه على أحوال البلد ، وعن أخبار الطّنا كم كان في درجة من الغلاء لم تشهدها البلد ؛ لوجود طلب على التبسيل للمرّة الثانية بعد عشرات السنين على آخر وأوّل مرّة عرفوا فيها التبسيل ؛ كذلك عن الحدث المفصلي الهام ، ونقطة التحوّل الفارقة وهي تحوّل الميزان أو المعيار من المن الجعلاني إلى المسكدي ؛ وكانت جوابه يحمل لهم أخباره الطّيبة يوم إثر يوم ؛ هم في شوق وحاجة إلى رؤية سلمين ولكن البلد في حاجة إلى من يسيسها ؛ لم يكن الأمر من نقص الثّقة في قدرة أهلها على تدبير شؤونهم ؛ فكلٌّ حباه الله بعقل وبصيرة وببصر وسمع يميّز به ما طلح وخبث ممّا صلح وطاب ؛ وتبقى الحاجة هي التّعاضد والتآزر والتكاتف في سبيل كلّ برٍّ ؛ كحاجة الكبير إلى التوقير ، والصّغير إلى الرّحمة .
وكتب سلمين في غربته بمحرّك الحنين ، كتبَ أجملَ قصصه في توضيح تنقاي وكنز التمر في الجرار وفي الخروس وفي الجربان والسّعنّات ؛ وكل هذه أدوات تقليديّة من صنع البيئة ؛ ووظّف في مثل ذاك المنحى الكثير من قصصه في تزاوج وتجانس مع الواقع البشري ؛ ممّا سهل للأجيال التعرّف على الكثير وبالأحرى العثور على الحياة في كلّ شيء جامد ؛ في كلّ شيء .
توطّدت علاقة سلمين بأهل البلد وكان له في كلّ بيت صديق ؛ عرف منهم وعرفوا منه ، ومرّت خمس سنوات وانقضت تشادّه فيها وسالمة ، خصوبة وثراء وصحّة البلد التي هو فيها من جانب ؛ ومن الجانب الآخر شوقه لصحبته وألفته لبلده وهي بالطبع لا ينقصها شيء عن البلد الذّي هو فيه سوى الأمر الوحيد الذي لا يجده ولن يتكرّر أو يُستنسخ في بلدةٍ أخرى ؛ " كالصّد " تماماً في بلده الذّي لن يتكرّر أو يكون في غيرها .
أخذ سلمين منهم الكثير من جميل العادات وخلّدها ؛ ليالي القمر ، أشكال مبدعيهم البوهيميّة العفوية التلقائيّة وليدة البيئة التي لم يأخذوها كتقليد من أحدٍ أو تأثّرٍ بشيء أو حتّى وراثة ؛ فكل في شاكلته وعلى جبلّته ، لم يكونوا أبداً براغيماً تُنفخ أو طبولاً تُقرع ، إنّما هم الجوهر ، خالق لذاته ، وفاؤهم وإخلاصهم وعشقهم لما يعملون ، إيثارهم في سبيل إسعاد الكثير ؛ وإمتاعه ، عدم أخذ أحد منهم موقع ومكان غيره ؛ بعيداً عن كل زيف ، وكانت آخر قصّة كتبها سلمين في وصف المهينجو أو الذّرة التي كانت تؤكل في بلد سلمين بطريقة الشيّ أو القلي على النّار ؛ بعيداً عن طريقتهم كغذاء أساسي في طحنها وخبزها ؛ وحال وداعه لهم كانت المشاعر فيّاضة غامرة ؛ لا تقل عن لحظة وداع سلمين لأهل بلده .
وفي المحطّة الأخيرة إنفرد ضحي بسلمين وقال :
- ولدي أرى فيك علامات كاتب ، هل جرّبت أن تكتب ؟
إلتفت إليه سلمين بهمّةٍ وهو يقول :
- كتبت فيما قدرت عليه .
فقال ضحي وقد طابق ظنّه الصّواب :
- كان ظنّي في محلّه ابني ، فاستدرك قائلاً ..
قطعاً ؛ أنت إذن تحب القراءة ، ولكنّها ليست سبباً رئيسيّاً للكتابة ، ليس كل قاريء كاتباً ، وإنّما كلُّ كاتبٍ قاريء ، لمن تقرّأ ؟
أورد سلمين الكثير من الأعلام والهامات في الأدب ؛ حتّى وصل إلى اسم عالم دهره ووحيد زمانه الحجّة أبي السّعود الحاوي .
قال ضحي وهو يتبسّم :
- أنت صديق وابن أبي السّعود .
فسأله سلمين نفس السؤال :
فذكرَ له الكثير من الكتّاب والأدباء والشّعراء ، حتّى وصل إلى إسم مروّض الشّمس برسول القمر .
عندها قال سلمين بفخر :
- أنت استاذ مروّض الشّمس ..
فتعانقا بحرارة .
الخميس /22/2/2013







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 05-03-2013, 12:54 PM رقم المشاركة : 111
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

(7)
الكلّ في انتظارة عودة سلمين ، والكل على لا قرار من أمره ، سلمين العائد إليهم بأكثر وأجمل ممّا ترك لهم ، وهم يستقبلون سلمين بسلمين ، سلمين الذي عرفوه .
بهيجٌ يغنّي ؛








*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 09-03-2013, 12:59 PM رقم المشاركة : 112
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

(7)

الكلّ في انتظار عودة سلمين ، والكل على لا قرار من أمره ، سلمين العائد إليهم بأكثر وأجمل ممّا ترك لهم ، وهم يستقبلون سلمين بسلمين ، سلمين الذي عرفوه .
بهيجٌ يغنّي ؛ وسليمة أم سلمين تصحو رويداً على غنائه المعجِز ؛ خلايا دماغها التّالفة تترابط مع الصّالحة ؛ والفارعة وكاذية وسعادة وشيخة ؛ رفيقات عمر سالمة ومثال التّضحية والإخلاص الخالد يتحلّقن بانتظار صحوة سليمة الكليّة ؛ والتي تدنو لحظتها المنتظرة كلّما دنا سلمين بغناء بهيج ؛ اختيار لحظة وصول سلمين له من الحكمة شأن كبير ؛ كذلك الوقت بمجمله ، لتتلاقى لحظة الفراق بلحظة الّلقاء في تاج الوصول ؛ كان الرّجوع ، وهو الوصف أو الترميز والإشارة المتعارف عليها في البلد ؛ وهي لحظة خلع الحياة لباس الشتاء القاسي ولا أقسى من شتاء البلد ؛ لتستقبل أجمل ربيع عرفته البسيطة .
قالت سليمة في لحظات صحوها التدريجي :
- بناتي الآن وقت الرّجوع أو على مشارف الرّبيع ؛ أصبت أم لا ؟
فقالت شيخة :
- نعم الماء يعلوه البخار .
فقالت سليمة الأم :
- ماء العوينة أكثر .
فقالت سعادة :
- والفلج .
فقالت سليمة بحضور :
- الفلج ينبع من جبل .
فقالت الفارعة مطمئنّة على صحّتها الآخذة في التحسّن العظيم :
- حتّى فلجان المسيلة الشّارق واللثلي .
فقالت سليمة :
- والمحيول وعيون وسا .
فقال كاذية :
- وحتّى الغيل .
فقال سليمة وهي تُبدي الإستجابة للعلاج السّاحر :
- اليوم بادّة القعد ؟
فقالت شيخة :
- والأمس كانت طلوع الدبران محارصت ..
فقالت سليمة :
- سقى العبّاسية أو مغاسر ؟
فقالت سعادة :
- العبّاسية .
فبدت الأم سليمة أكثر حركة فقالت في غرائبيّة :
- لا بد من معرفة مكامن الضعف ومواطن القصور .
فقالت الفارعة :
- سالمة وسلمين في الطّريق .
فقالت سليمة الأم بحنق وهي تُعمل دماغها العائد :
- لا بد من تمشيط جيوب الفئران ، وتعقّب مكامن الجرذان ، هذا العام قد أتى على نصف طلع الفحالة ؛ وخرّب الكثير من النخيل .
فقالت كاذية بإنهاك وإجهاد :
- أثقل أمرها أهل البلد .
فقالت سليمة وقد أشرق وجهها بالبسمة بعد غياب طويل :
- الطّريف السّويح برخم والرفيعة والشّارق لم ينال منها فعلها المخرّب .
قالت شيخة :
- أكثر خرابها وقع على ساقوا الزّام ويقولوا في وسا أيضاً .
فقالت سليمة وقد جلست مستقيمة :
- المشكلة تسبب القهر والخوف لمن لا يحس بالقهر والخوف ؛ لا حياة تحت التهديد وقسوة الإرغام ، ولكنّ عندما يضر الحيوان يُعاقب مالكه .
فقالت شيخة وقد فطنت لما رمت إليه :
- إحساس وشعور النّخل من إحساس وشعور مالكه ؛ النخل يتألم ، كما يتألم العم عدي بن خلفان .
فقالت سليمة ملتفتة لآخر لحظة بارحتها :
- كيف كان إحساسي ووعيي وكيف أصبح الآن ! أكيد النّخل يحس ، فتساءلت مستنكرة ..
ولكنّ هناك من يشارك الفئران في فعلها المنحرف ؛ الفحالة مغيّضات بفعل مخرّبين وأيادي بشر .
فقالت سعادة :
- الموضوع هو الأساس ، لا بد من فعل يتدارى خلف فعل ، والحل ..
قاطعتها سليمة وقالت ماضية الرّاي :
- الحل استأصال أو اجتثاث الجذور يأتي بمعرفة الفرع ؛ فالأصل والأساس لا يُعرف إلا بالفرع القائم ؛ وبالنتيجة تقتفى وتتّبعُ الأسباب .
فقالت الفارعة موكّدة :
- وإن كان الجذر قاتماً وواجهت في سبيله الكثير من المنغّصات ؛ يبقى الفرع مرتبطاً بالجذر ، ولكن مسئوليّة وقوع الفعل مشتركة .
فقالت سليمة الأم :
- الفئران من أين أتت ، فهي لا تعقل أو مرغمة من منطلق بيلوجي الأساس .
فقالت سعادة :
- والبشر من منطلق أيدلوجي سيكلوجي .
فقالت كاذية :
- فيسلوجي في النهاية ، أي الترجمة الفعليّة .
فقالت سليمة الأم وقد أوشك صحوها على الإكتمال :
- اسقيني كوب ماء على ذكر بهيج .
فقالت شيخة :
- يقتضي واقع الحال لواقع حال آخر ، فالحياة تواصل .
قالت سليمة :
- القائد المغوار يحتاج إلى جيش ، والعالم الفهّامة إلى متعلّمين ومتلّقين واعين .
فقالت الفارعة بتركيز :
- وهذا ما سبق وعرفناه ممّا أورد سلمين .
فقالت الأم سليمة تؤكّد صحوها :
- كلّ يعمل ما في وسعه وجهده ، وجهدنا ووسعنا أن يكون سلمين في بساطة البسيط كما هو في أعلى مستوى المعتزل .
فقالت سعادة :
- للمغالطات إصرٌ على الذّين لا يطيقونه .
فقالت سليمة وقد وقفت على قديمها :
- الفعل هو تابع للقول غالباً ، ولكن ليس في كل الأحوال للقول أن يكون فعلاً ؛ للقول فائدة الرّجوع بعد المراجعة ، ولكن للفعل وخامة العُقبى بعد الوقوع .
فقالت شيخة وبلا تذبذب :
- وهناك من يأنس بذنبه حتى يكون هلاكه ؛ وللقدرة محدوديّة مهما بلغت .
فقالت سليمة وهي تثنّي :
- طافني عدي بن خلفان وكنت ألمه ، إطلاقاً لم أفطن لغيره ، إنّي أجده كما لم أجد أيّاً كان .
فقالت الفارعة :
- كل إسم أو إشارة لدى سلمين ؛ ولها دلالة خاصّة ، بهيجٌ في كل شي .
فقالت سليمة ضارعة :
- أبهج الله من أبهجني ، من يمشي في الإستقامة لا يرى إلا الخير ؛ وبهيج منتهى وانطلاق الإستقامة .
فقال سعادة مسترجعة :
- " إنّا لله وإنّا إليه راجعون "
فقالت سليمة :
- مستقبل المحارصة كان مبهماً بعد هدم مسجد الحماميّين .
فقالت كاذية وهي تلوّح بفهمها لما حدث :
- وكل أخذ مجراه الطبيعي بعد اقتلاح عمود المحارصة المستحدث ؛ الذي ما عرف النّاس به عليهم من سلطان .
فقالت سليمة مطمئنّة :
- وعادة حقوق النّاس في مياههم وآثارهم من الفلج في النّهار .
فقالت كاذية :
- " وبالنّجم هم يهتدون "
فقالت سليمة متمّمة :
- والجبل يكون عليه سلوم الشّمس والتقدمة .
فقالت شيخة وهي تستدعي الأمس :
- نحوة الفلج كانت بثلاثة قروش .
فقالت سليمة وقد تم وعيها :
- الحشف والخلال والدّاموك والخضمضام ، نُطعمه للهوش والبهايم بشكل عام ؛ وبه كنّا نرقط ، وخبط السَّلم والسدر والسّمر ، والقرموص أطيَب غذاء للبهائم .
" وأهش بها على غنمي "
والمجاج حبرٌ .
فقامت بناتهنّ الثلاث مع الأولاد الأثنثن وثالثهم سالم ؛ وهم في نفس العمر ؛ عمر الثامنة عشرة ، بمناولتها القلم المصنوع من جريد النّخل ؛ مع دواة المداد وهو من شجرة المجاج ، فشرعت تكتب " لكلّ تسميات تتبع واقع المسمّى ، جرف السّن ، شرجة الصناصرة ، حصاة العنافيف ، البوّال ، بو حلس ، الشّرحم ، مشخّبة الفار علاج ناجع للكسور تلتئم عنده بدرجة تفوق التجبير ؛ الفرفرينة ، الشورانة أو الورس أو الزعفران ، النّشاو النّبت ؛ منها ما هو خرايف وآخر لا يصلح إلا للبهائم ؛ والفلج واحد والأرض واحدة والمنبت واحد ." صنوان وغير صنوان " " ونفضّل بعضها على بعض في الأكل " ؛ هبيبو وهي الزوبعة ، الحنّا ، سح النغال للشّواوي ورطبها أوّل من يأكله أهل البلد في بداية القيظ وهو موسم الرطب مع رطب القدمي والصّلاني ؛ تناقض عجيب بين أهميّة النّغال في رطبها وقلّة أهميّتها في تمرها ؛ والأمر عائد إلى سبب وقتي وعامل زمني بحت ومحظ .
البرني للبلد والبنارنجة يباع ومنهم من يأكل المدلوكي والخنيزي وحتّى البنارجة رغم أنّه في عرفهم حارٌّ على عكس البرني وهو تمر أو سح أهل البلد المفضّل ؛ القدمي والصّلاني بدأ في الإختفاء والندرة والإنقراض إن صح التعبير ؛ وحلّت أصناف أخرى من الخرايف لم تعرفها البلد ؛ لا لداع ودافع ، ولكنّ فقط بحجّة التغيير وبشكل عفوي غير مدروس ولا مخطّط له أبداً ؛ عشوش الطّير أصعبها وأعلاها عش الصنصور، وهو يكاد يكون أصغر الطيور حجماً ؛ وأسهلها وأبسطها عش الحمام وهي يكاد يكون أكبر الطيور في البلد وفي الرؤية ؛ وهي حكمة لا تُخفى في التوّجه على أحد ، الشّرب من سعن أو قربة ، وهذا ما يتطلّبه الكثير من الأشياء في عدّة مراحل حتّى تصل إلى النتيجة والهدف والقصد ؛ قصد السبيل أي سعن وقربة تقي وتحتفظ بالماء أو تؤدّي غرضها على أكمل وجه في التبريد ؛ يُراعى حال ذبح الغنم أو حال سلخها عامل الدّقة والتروّي والمهارة حتّى لا يمس الجلد خرق ؛ ثم يتطلّب وجود الثقبت لجلغ الجلد ( الإيهاب ) ، ثم القرط لدبغه ، ثم الشّوع لتقويته .
ريحة البل ، إطلاقاً لا أجمل من ريحة البل أجدها في فجر يوم أي يوم ؛ السّرح إسم لا أجد فيه عند إرداده إلى أصله إلّا من سرّح الغنم ؛ ورعي الغنم حجّة لا تُردّ ، الشّخر كذلك من مسمّاه فما هو إلا شيء صوَري ؛ والأصل من شخر يشخر شخيراً ، من الثّابت إن دق الوصاة درءاً لشبهة دقّها على وجهِ المثابرة ؛ وهذا ما يُرصد من أصداء في أقبية الإشراق ؛ فيعود بالنّفع إيفاءً بالغرض على من احتكم بالغرض ؛ لا من ركن عليها أو لجأ إليها خارجه .
السّجال شيء أو دعامة تُسند بها النّخل اتقاء للسّقوط أو للحيلولة دونه ؛ فالإنتفاع بها على أطول مدّة ممكنة .
إذا ما سدّه النبات يخلّل ، وإذا زاد يعصف ويخش ، وكل شيء بمقدار ، ومقدار .
الحروز والتمائم من الشّائع ، والأمر مقنع جدّاً لمن وقف على تجربة مطلبها الشّفاء .
اللوبيا المنج والغراميل ؛ أكلات لا تُنسى لولا افتقادها لأهم عناصر ومقوّمات إعدادها أو ندرتها ؛ في الأخير هناك من الكلمات ما هو قابل للترجمة والمقابلة والموافقة ؛ وهناك مصطلحات تُعرف استمداداً من المكان وهي على ارتباط وثيق به ؛ وهناك لهجات هي ألسن البلد ، ولا يمكن الإستعاضة بدلها بالّلغة العربيّة ؛ وإن أمكن لأنّه سيكون تزوير أو تلكيف الشّخصيّة فوق ما هي عليه أو فوق احتمالها ووسعها ؛ لذا من الشّجاعة أن تأتي بالأشياء كما هي ؛ وتطرق الأبواب بما ينبغي من أصحابها ، فليس من المقنع أبداً أن تكتب عن قرية لا تعرف الفصحى أو لغتها الأم لساناً إلى أهلها ؛ بغير لغتهم السّائدة ، وإن تجد ممن يمضغ الشّيح والقيصوم أو من هو قح الطبيعة وهو يجد الّلغة الأم ؛ لكنّ رجوعهُ وملتقاه إلى الّلغة التي تحدّر منها عن قريب بلا اتصال بالتي بارحها عن بعيد ؛ فبماذا أكتب الأسماء والمسمّيات بغير ما عرفتها به ؛ وهل من اتّفاق مجمع عليه في هذا السبيل ؟!.
لكل شيء ملامح ؛ وملامح البلد ومن عليها هو أسماؤهم ومسمياتهم وإن كابروا وجاهدوا في إخفائها خلف ليٍّ ألسنتهم ؛ صرحاء خالصون بإخلاصهم لأصلهم ومنابعهم وأصولهم ؛ ولكنّ غيّبوا الجذر وكيف يحيا شيء بلا جذر ؟! وهو الأعجب .
هذا ما يجب أن يقيّد او يوثّق ، فالأجيال تمضي وهنا ما هو لا ينطبع إلا بهذا ؛ وهي تُشير إلى القلم ؛ هذا القلم من النخل صُنع ، ومن النخل يُصنع مالا حصر له من الصنّاعات ؛ القفر وفي صناعتها يدخل الكثير من النخل كالخوص والليف ، الدعون ، الزفن ، ويدخل فيها أيضا الّليف ، ومن الجذوع يُستخدم الكثير لدمام أو سقف البيوت ، وما إلى ذلك ، فأنا لست بفصاحة سحبان ؛ ولكّني أنا سحبان ما استعطت إليه سبيلا ، وجهد إيماني بأهمية مرجعيّة قيمي وعاداتي وتقاليدي وثقافتي ومعتقدي وشعائري ؛ ومردّ جذوري وثرائي ، فهذا موقفي الذي يرى فيه ازدواجاً ولكنّه نصيحة وتوجيه في سبيل الإستقرار والأمن على رعبِ كلِّ جميل "
عندها تنحنح سالم فقال :
- الإستقرار والأمن على رعب كل جميل ؛ نكتفي بهذا القدر لهذا اليوم .
فقالت البنات الثّلاث بصوت واحد :
- الذّكرى هي من تُرسّخ هذه الأشياء بالممارسات أو العادات ؛ والتَفتنَ إلى الأولاد وهن يتحدّثن بإحساس واحد ..
كاد يفضحنا صوت الدّعن في المحضرة ، لحظة جلوس مّا ذات صيف أو قيظ .
زنهر إليهن الأولاد ، فقال سالم بالإنابة :
- أقل ما يجب أن يُقال بعد كلِّ جلسة ؛ شكراً .
فقالت سليمة :
- كل شيء منبثق عن شيء ، وكل شيء قائم على شيء ، وهنا نحن في بعض الأحيان نجد الأساس ولكن ليس بالضرورة أن نجده أو نلمسه بحاسّة ما ؛ ولكن فقط نحسّه ، كشأن جذور الخلق الأوّل ، إذا ما رددناها إلى أصلها ؛ أين بؤرة ومحور ومركز الدّائرة .
- فقال شيخة بذهن متّقد :
- تتّسع الفجوة بقدر ما مرّت من الوقت ؛ وسبق أن قال هذا سلمين آنفاً .
فقالت الفارعة :
- تجسير الفجوة يتلاقح ويتجانس في الأساس .
فقالت سعادة :
- وهذا منطلق رفع الحجب ، الرجوع إلى الأصل لمن أراد .
فقالت كاذية :
- وكذلك لمن أراد تجسير الهوّة أو تقريب وجهات النظر أو تداني الفهم ؛ فالبذرة تتوافق في الشّكل والحجم وفي كلِّ شيء ؛ ولكن تختلف فيما لا يّعدُّ إلّا هامشاً .
فقال الأولاد والبنات معاً :
- سلمين عرّفنا ، ولكنّه مقتنع بما قال على عكس ما عرفنا عن أنفسنا ولكنّا على غير اقتناع ؛ وهذا ما يميّزه ويفرّده عن كل أحد .
فقالت سليمة :
- ابني سلمين هذا ما يجمّله ، الإنسان .
فقال الجميع إذ لم يجدوا صوت بهيج :
- سلمين أكيد وصل .
خرج الجميع في التفاف وتلاصق ، في تقارب وتدانٍ ، في احتكاك ، في انضمام ، إلى حيث الجميع ملتمٌّ وملتئم في انتظار طلائع قافلة سلمين ؛ وسلمين وسالمة قد بدوا في نظر الجميع .
أزواجهنّ وجدود الأولاد في مقدّمة المستقبلين وسط الشّيخ سعنة ؛ حمد ، علي ، ناصر، حميد ..
مع مرزوق وجميّل وخلفان .
وكان سلمين قد شَيّعه الكثير ، وهو مُرافقٌ من الكثير أيضاً ، ولكن من جنس الرّجال ، مع نساءٌ تُعدّ على أصابع اليد الواحدة برفقة سالمة ، وحال وصول سلمين تنحّى الجميع لمعرفة مدى صحوة والدته سليمة ؛ التي قفزت إلى معانقة ابنها سلمين من وسط كل الرّجال الذين حضروا برفقته ؛ وهو لا يفرّده شيء عنهم لا في الّلباس ولا في موضعه من القافلة ؛ طال العناق في مشهد جليل لا يحتويه وصف ، ثم انتقلت إلى سالمة بعين البصير الذي لا يُخطيء الأشياء على واقعها وحقيقتها ؛ فطال عناقها لسالمة في لحظة انخلع لها ما تبقى من المهج - عند انتهائها من معانقة ابنها سلمين - خشية موجلة ؛ وفاض لها وهمى ما تحجّر من دمع في مآقي عيون الرّجال عند اعتى مواقف حياتهم ؛ ثم عاد إليها سلمين وناولها الورقة التي كتبها وهو في الطّريق إليها ؛ وممّا أتى في طيّها " مشخّبة الفار تُخيط الكسور ، في تحذلقٍ شجرة المطاوعة حال الغسل ، إذا ما لم يُقيّض الغسل أو ورق السّدر للمغتسل ؛ الغروبيّين ، العصري ، طلوع الشّمس ، الغادي ، ثارين الصّبح ، وهنا أكتب ثارين على نطق أهلي وأحبائي خارج إطار النحو العربي ؛ لأنّ في الأمر إسماً لا كلمة ، والإسم لا يُشكّل ولا لحن في الإسم ؛ ولأبي شكيب حضارة مع الضّحكة عقب العطسة والضّرطة وفق كلّ نجدةٍ وفي جميع صوَرِ النخوة ؛ ولا فؤل وجدته أو وجده الجميع أكثر من تفاؤلهم بصوت المسيهرو ؛ والحمام طير أهلي جميل ومسالم ، لو وضعتها على طبيعتها وحقيقتها وواقعها على جرحك ما زادته إلّا إلتئاماً ؛ وما خرج عن هذا الإطار فهو تحريف لا يمت للواقع والطّبيعة بأدنى صلة ؛ ويجب التصدّي لهذا الفعل الشّائن الذي وشى بنفسه وعليها ؛ ولا يحدث هذا إلّا من براقش ، وقد يحدث من كلب ولكنّ كلابنا أشد وفاء وأرفع احتراماً وأعظم شأنا وأرقى مستوى وفكراً من شواذ البشر وقذارة البِدَع التي ما كانت في يومٍ خلقاً إلهياً ؛ إلا لِما حرّفوا في أنفسهم خالقوهم المخلوقون بيد فاطر السّموات والأرض .
الثّيّل والسّعد من أقسى وأخطر أعداء الأرض والزرع ؛ وبشهادة الأرض نفسها ، ومنه اجتثاث الثيّل والسّعد ليس لأنهما إعاقة وحائلٌ دون نمو الزرع ؛ أو دون حياته طبيعيّاً سليماً ؛ ولكنّهما كونَ مالا يستحق الحياة .
في طعام البهائم القت والسّكر يجزّوه ، والغشمر واللوبيا يغلفوه ، والتطييب لا يجب أن يُغفُّ أكثر من الّلازم خاصة عند القلوب ؛ هذا ما عرفناه عنهم وسيعرفوه عنّا بهذا الباكي بمداده المغر والمجاج وعلى هذه الورقة المتقصّفة في طريقها إلى الإنضمام في ركاب التّاريخ رفاهاً لكلّ ناشد نهِم ٍ؛ الزّبيل والمخرافة لم ترد في القول أيضاً وهذا ليس استدراكاً أو تتمّة لنقص وقعَ ؛ ولكن جل من لا يسهو ، اجتثاث الأحمد والأرحم عنها في الوصف ؛ استأصال ، ونحن في النّهاية بشر أحياء نحس ونتألم ونشعر بكلم الكلم ؛ مع هذا الحُريّة هي أسمى ما كُفِلَ للإنسان وما يجب أن يُحترم على وجه البسيطة منذ الخليقة ؛ وهي أسمى ما يميّزه عن حيوان في قطيع رّاع ٍبدائي رجعي ؛ وهو رغم هذا أقلّ فظاعة وبشاعة ومضاءاً في الوحشيّة والهمجيّة والبربريّة ممّن يدّعي البشريّة على البشريّة ؛ عش الصّنصور على مايظهر هو الأحكم والأكبر بناءاً ؛ ولذا هو عدوّ الزّرع الّلدود ؛ ولكلّ امرء ما نوى .
هناك ما يتلاقى في المعنى مع ما أكتب ؛ فهذا ما لا يجب أن أحرّفه أو أزوغ به حيداً عن مساره خصائص بقليل ٍ من الفوارق والفروق ؛ وبص يوبص وبصاً ، تقول وبصني أي أنر لي الطّريق ؛ وهذا ما عرفته ، تكمّد ، أي تدفأ وهذا ماعرفته ، سحج ، أي مشّط ، وهذا ماعرفته ، محجن ، هو ما يهشّ به على الغنم وهذا ما عرفته ؛ جوْد ، يقال سيل جود أي مطر غزيز ، غمطه في الّلعب أي بخس حقّه ، مدر الفلج ، جروز ، جسَر ، ما نتعاظل ، وهناك الكثير ولنا فيه بحث مطوّل في تجربة يانعة .
درجنا على القول بجباج ، ويلغي وهو من بجبج وهي من لا غية أي مالا يُعتد به ؛ ونعوذ به من أن لا يُتعدّ بنا أو من أن لا نجعل لأنفسنا اعتداداً أو يُستلبُ من حقّنا ؛ فنكون لا في العير ولا في النّفير ، ذيولاً وأقزاماً بلا شأن إلا السّوق بالعصا أو الجر بالحبل أو الإغراء بالحشائش أو الحبوب ؛ وفي الإغراء نقول شاشا له ، ولم أقف على صحّتها من حيث أنا ؛ لنا معتقداتنا التي أرادها لنا ، منذ جثاء آلاف السّنين ، وجثاء لا أوردها تحذلقاً ولا وجدت بها ما يضمن رقّة الخروج ؛ ولي في هذا رأي شاعر ، وفي غيره رأي كاتب ، والرّأيان أساس كل شيء ، الحوّى والحمّيضا خضروات لا يأبه بها ولم تعد ممّا يلقى له بال ؛ وإن عرفها تاجر أو صاحب سوق لباع وأثرى ؛ " والّلي ما يعرفك ما يثمنك "" والإنسان عدو ما يجهل " .
الإباحيّة ليس في إهراق دم الحياء أو هدر دماء القيم أو بهرجة دم الإرادة الحرّة العاقلة ؛ ولكنّها صدام التّيس الأجلح مع صخرة ؛ كلّ ذلك صدام دموي لا يعتزّ به إلا صاحبه ومن والاه من رأسه غير ذي قرن ؛ وقرن السّويح مشهد معروف وبارز ، ومعلم كمعالم برج الغبرة وبرج الطوي وبرج وسا وغيرها التي اندثرت ؛ ويبقى قرن السّويح شامخاً بفعل الطبيعة لا بيد البشر ؛ مادام للبشر أنفة وشموخ ، وإذا زالا فسلام على الجماد من هشّ الجماد ، قمر سابع أفضل لأنّه يُتيح لكَ رؤية النّجوم في اصطفاف أبهج وأزهر من حبب الّلبن على إيماض الغمام ؛ لله جنود وللسّيف أيادٍ ، والجند درع قائدها متى أرادته وانتقته ، ومنها يكون القائد التّرس الواقي والدرع جهد إيمانه وكل وسعه ؛ من الأكلات دق المكيكة وهو النبق ، والسّمّة جمع سميم ما لا ترد في السّياق ، وهي فراش من خوص أو سعف النّخل يُجلس عيله ؛ كذلك الخصفة وهي ما يكنز فيه التمر غذاء النّاس حتامَ حضور القيظ ؛ وغرضها أيضاً في وضع الشّوا وهي وجبة الّلحم الأجمل في الأعياد مع المضبي ؛ الشّوا ما يجمّله أو يزيد في ريحه الأجمل من طعمه هو ورق الموز وما أكثر مزارع الموز في البلد وهذا ما لا يجب التطرق إليه حتى بالإشارة إلا مع غرضه غير الأكل ؛ كذلك مع ورق الزّام ، والشّوا هو أن يدمَّ على اللحم في حفرة في ثاني أيام العيد ؛ ويُستخرج في ثالثها للغداء ؛ المضبي يُعد في أوّل أو ثاني أيام العيد على الحصى الذي تكون تحته النّار ؛ ثم يُحلّى ببهارات خاصّة ؛ القيض في البلد أفضل من الشّتا لولا ظهور الحشرات الضّارة والهوام أو الهوامش وبمعنى أشمل ( الخشاش ) التي لا تميّز المذنب من الجاني ؛ فلم يسلم منها حتّى الأطفال والرّضّع ، ففي الشّتا تجد القدر أو القسط السّهل والكافي من النّوم دون مؤثّرات خارجيّة طبيعيّة أو غير طبيعيّة ؛ في الحرّ تكثر المشبّات وهي ما يُصنع أيضاً من سعف النّخل ، تلوّح بها اليد كمروحةٍ تشبّ الهواء على الجسد للتخفيف من غلواء الحرّ وغلي الصّيف ؛ الحروز وهي الرقى والتمام من خرز وغير شائعة في البلد مع الأدوية التقليديّة كالجعدة وما شاكلها ؛ وهذا قد يكون له ما يبرّره للواقف على تجربة ما ؛ في الأكلات نخشي القعاوة وهي النّخل الصغير ونأكل حجبها ؛ ونقلع التبّاع بعد قص الطّلعة ؛ وهو الفرع الذي تطلع به الطلعة ، وهي النّبات أو ثمر الفحل بغرض تلقيح باقي النّخيل الأخرى ؛ المشريّة نبات مفضح لغير العارف ، وخلّد هذه التجربة إذ قرءتها في قصّة ما إذ لصقت هذه الشّجرة بثوب ابنة مصبّح وهي جديدة العهد على البلد فضلّت تحكّ لمدة اسبوع ؛ حتّى أتى عليها انصرام المدّة بفعلها البّاسل ؛ فاعلة خير لمجرّب وعارف بهذه الشّجرة جلّاها وجلَاها عن جسدها ؛ فقالت في سياق القصّة :
" صباحي كافور قلتَ لك قبل أن تقولَ لي ، فقلت لي ولكَ صباحكَ قرنفل ، أعذرك لأنّك كلَّ الأمزجة وأنا كلّها الآخر ، وأقول لا تلج إطلاقاً لا أحب الّلجاجة لا لّلفعل أو المعنى ؛ وإنّما لتضارب وزنها الدّجَّاجَّة مع أنا على وزن غَمَامَة ؛ حبذا وسيّما أن تلزمك الذّاكرة ، وأنت ملزم لغيرها ، أحبّك لأنّي أحبّك " السّعتر السّفسف أشياء معروفة ، بريحها الجميل وطعمها أو أثرها الفيّاض ، قلاوسه مصدّيات أين تبني أعشاشها ؟!
سؤال حيّرني زمناً طويلاً ولا إجابة شافية ! ؛ قالت لي يوماً ما :
" المخشّ ، وغيره هو ما نتعلّل به لنرقط النّخل ، والغرض بعيداً في الجمال والإفتتان عن المخشّ والرقاط ، كان الأهون تهويناً منّي لا منك أن نتعلّل بالإستقاء ؛ لأنّ الماء من الماء ، لا تفادي التقليل إلّا بالكثير ، وأنت الخدن كريم النّخيزة ، عريق حافظ وصائن للنظير "
الخلاج الحدار سبب رئيس لحفظ النّخلة لثمرها ؛ كذلك في سبيل تسهيل قطافها أو جدادها ، والفرق بين الخلاج والحدار في الوسيلة والأداة ؛ وهي الكر أو حبل الطلوع ، فلا حدار يتسنّى بغيره أمّا الخلاج من الممكن باليد للعارف بطلوع النّخل باليد دون اللجوء إلى وسيلة أو أداة الكر .
العسبق الثّقبت واللثب علاج للجروح ، النّهار ثأر الّليل وهذا في الفلج شكراً لكِ لأنّكِ فلج النّار ؛ في يوم لافح ٍ ، الحريّة الدّخن وعلس وشعير ، أكلات تندرج في إطار البذور أو ما يُخبز ، لولا الصّنصور كما قلنا ، ولكن هناك ما يُدعى بالمواهرة وهذا ما استدعاه ذهني الآن ؛ والمواهرة هي تقنضي صنع المقلاع وكل شيءٍ سبب لشيء ، ولكنّ الصنصور لا يعتدّ بالمغامرات الفاشلة ؛ ومحاولاته اليائسة تجرّ الخراب أكثر من الناجحة ؛ فسبحان من لا يرضى إلّا الإنتصار لكلمته العليا ! .
يقولوا في عرفهم :
" يوم يساح النّبات بين يجيك الّليل بات " وأبدى استعدادي طمأنة ًلهذا في أوّل حضوري الروحي ؛ وأصلّي .
سح محلّي لإخراج الشّوكة المستعصية أو الشائكة في الجسد ؛ يربط عليها مشبّعاً بسمن قبل النّوم ؛ بعد أن يشكّع لها ، ويقال شكّع للشوكة أي تتبّع مكانها بالضّبط .
الرّسَل وهو شجر شوكي القمّة ، مناظرة وادي السّالة المشتقُّ تقريباً من إسمه ؛ وكل ما في طريق الوادي يتأّذى على عكس الرّسل الذي لا يؤذي إلا الّامس على غير وجه حق ؛ لأنّ الرّسل سبط ليّن أملس ؛ طيّب في المتناول إلا في القمّة وهي ليست بحاجة إلّا اضطراريّة المضطر ؛ والرّسل في الأساس لا يعتد بقمّته لغير غيره أي لا يعتد بقمّة لنفسه ؛ والجدوى الإختياريّة هي أساس كلّ شيء لا الجدوى القسريّة الإضطراريّة فما بالك ما إن كانت دائمة ؟!
يُقال الضّاحية كلّها خشيش ، وقالت هذا حبيبتي ، ولكنّها السّيداف ، صلّوب القصم والسّدر هو ما يُعد في شكل أو على نحو من الإنحاء ؛ نوعاً من المكسّرات ، ومن القصم يقارب القفَص شجرة على نطق مسمّاها على ما رأيت فسمعت لا على ما قرأت .
كما ذكرت الوالدة ، الجابية لا تطلقها نشيطة عبارة ألفها الكثير ، تلقيناً وحفاظاً على الماء في غير غرضه ومجراه ؛ نخل المغاتيل أو القرطي هو مضرب المثل ، في جمال الرطب الجنيّ ! ، جدها هامدة لا تجدها بسر ، وممّا ورد في أثر النهي عن الخرافة ظهراً حذراً من أن تغلج النّخلة ؛ ويُقال يشلّله الوشاب ، وريح يدعثر به ، وقرين الّلوبيا غير قرين النّخلة بفارق سرّي خاص في النّطق لا الكتابة ؛ يجذّع بخصين وهذا مع دواسة ونسف وذري البر وشرجة الضّرة ؛ وجرف الزّار في الجمتين ، وقول المطوّع :
خبّه وسماعيه مثامرهن ذهب
أمّا بلادي حتّى فضّه ما ثمرت .
وقول آخر :
ما بين خبّه السّافليّه وأبو شوّال
راشد مشاهد صوره صلّوا ع النبي
جيته ع اليمن جاني ع الشّمال
سولع ما سلوع ظبي ما ظبي
صنم قريش هي التّسمية التي أطلقها مقتلع عمود المحارصة حال اشتداد حنقه في ثبات جنانه ؛ على ضياع مائه من الفلج ، الشّروق انتعاش ، وأنتِ الشّروق الذي يضمّني ويحويني ويلفّني ويحتضنني يا قماط الوليد ، يا قحفيّة الطفل ؛ يا كيان حي ".
ومال سلمين إلى معانقة الشّيخ وأصحابه ؛ فقال في ملاحته المعتادة لإبنه الذي وجده وقد احتدّت ملامحه واكتسى ذقنه بالشّعر :
- كان شرط أمّك علي أن أحلق لحيتي كمهرٍ مقابل إتمام زواجنا .
فقال الإبن وهو يُطالعها وسط أبيها وأمّها :
- كل شيء يتطّلب فنّاً مستنداً إلى مهارةٍ ، مرتبطاً ومحكوماً بذوق وحسٍّ عالٍ في أخلاق رفيعة ؛ وهذا جزء من ذاك ؛ علم مستقل وقائم بذاته .
وكانت حفلة استقبال سلمين في شيء ترسله أمّهُ الحياة ؛ حياةً سليمة ًفي كلّ حياة .
الخميس 1/3/2013







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 12-03-2013, 12:44 PM رقم المشاركة : 113
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

(8)

لا يلقي بالاً لشيء إلّا لمناداته له ، بطويل الذّنَبَ ، يضحك حد الإغماء ، فيفيق وهو يهلول في شكل زئير خافت :
- طويل الذنب يعني كلب أو حمار .
فيعاود الضحك في شيء أعجب من العجب .
ويعطف عليه حانقاً :
- يا رقيع .
لا يناظره ، وردّد كالعادة وهو يبارحه بعد أن أعياه الضّحك :
- الوسواس الخنّاس ، المن والسّلوى ، عليها غبرة ترهقها قترة ، نسيت من آخر مرّة خبّرتني المعلمة وخبّرني المعلم مو تعني قترة وغبرة ومو تعني المن والسّلوى ومو تعني غاسقٌ إذا وقب .
يلقى الكثير متجمّعين في وجوه مستبشرة ضاحكة في حلقة الشّيخ سعنة ؛ ملتفّين حول مِلَح وقفشات سلمين والشّيخ ؛ وزادها ألقاً وصخباً خفيفاً خزَعْبلات رفقاء وأخلّاء سلمين من بلده الثّاني ؛ بلد ضحي .
يسلّم عليهم وينخرط في مجلسهم المفتوح ؛ يستمع ويأخذ منهم ما قد يفوته غداً أو لا يجده ؛ وكلّ مناسبة جليلة فرصة ؛ وإن عوِّضَت لا تكون في طابع ميلادها أو كونها الأولى أو المتن والنّص .
منهم من يأتي بالقصّة ومنهم بالشّعر ، ومنهم من يروي عن هذا وذاك ، وفيهم من يقيّم الّلغة ويصحّحُ الأخطاء الطّفيفة الّتي في نظره هو جسيمة حتّى تلك الّلحظة ؛ لأنّه لا يعرف أكثر من ضحِكَه على صفةِ " طويل الذنب " يضحكون أمامه ملءَ أشداقهم وهو ساكن الطّائر ؛ ما يهمّه هو ألّا يكون سبب ضحكه هو سبب ضحك غيره في موقف غيره ؛ مالم يكن الموقف يستدعيه أن يضحك فعلاً ؛ يتلقّف ما يسمع باهتمام وأدب ، ويرسّخ ذلك بسؤال المعلّم أو المعلّمة وإن اقتضى الأمر مرّات ومرّات عند تشعّب معاني بعض المصطلحات أو المفردات .
كان الشّعر والتطّرق إلى نسيجهِ هو ما شدّه أكثر ؛ وكان انجذابه في الكثير من الممارسات أو نوره وهداه في عالم الفعل والإستشهاد ؛ الشّعر الذي يفيض بكلِّ شيء ، ترى في قراءته البسيطة شيئاً عابراً لا يلامس طرفاً من الأهمية ؛ ولكن حال حديثهم الشّعر الذي يُبرز اشتقاقاً منهم ؛ يجد أنّ الحياة شيء ملتحف ، أو مرتدٍ ، ومقنّع وهو في حاجة إلى من يكشف أو يزيح عنه السّتار بيد الجميل المستدّق الممشوق على قمّة بيوته الأدق عذوبة وسّلاسة ؛ حتّى لا يتطاير أو يتناثر جماله من الصّرح أو الهرم العملاق إلى حيث لا يد تلمّه أو مكان أمين حافظ يصونه ؛ ويراعي حرمته .
وبعد أن توشك الجلسة الثريّة يؤتى بالصّد في شكل مأدبة عامرة ؛ مع الخبز ، فيأكل الحاضر والعابر ، ويترك ما تبقّى لمن تأخّر حضوره ، كان على جانب المجلس ما يُعرف بالجنّار وهو موضع ينقّى فيه الزرع ؛ مثلاً ما يوصف بكسِّ الحنّا وهو جني أوراقه بعد أن يكتمل تيبيسه على تحت الشّمس لأيام ؛ كذلك الشّأن مع دواسة فنسف أو ذري البرّ وهو تنقية الحَب ؛ وما إلى ذلك من أشياء ، وكان الجنّار لا يكاد يخلو من عمل على مدار أغلب ساعات النّهار ؛ كما لا يخلو مجلس أو حلقة الشّيخ وسلمين وصحبهما على كلِّ ليلة من وجودهم .
ومن الأعمال التي يجتمع عليها الكثير هي ما يُدعى بالصَدَقة وذلك غالباً ما يكون حال الإنتهاء من دمام منزل من المنازل ؛ والصدقة هي أكلة تُعد ممّا يتحصّل كتيمينة أو مباركة للبيت الذي تم بنائه .
استدناه منه وهو كثيراً ما يأنس بوجوده ؛ وذلك منذ قدومه للبلد مع والده وأخوانه وأسرته لممارسة التّجارة ؛ فقال وهو يريه الغرشة أو الزّجاجة الأنيقة والفريدة والمكلفة حينئذ :
- تروح معي الجبة ، وتشرب معي ، بترتاح من ذا الهم والتّعب .
فقال مستشعراً قوله :
- والله فرصة ، لكنّي كما تشوف ، ما حالي غير المخطّة والمجز والمسحاة ؛ مع المسحل أسنّهن به إذا غديِن جبينات .
فقال متنصّلاً من مسئوليّته الفرديّة :
- لكلّ مقام مقال ، وكل هبوب عطيه شراعه ، لكنّي ما أجبرك .
فقال في خروج عن النّص :
- السّرود من تبعات الخوص ، والسّرود قوام القفر ، أقصد لا تُتم القفر إلا بالسّرود .
إلتفت إليه وهو يقول يظهر الغرابة :
- ماشاء الله عليك فاهم ، وهذا الّلي أقصده ، روّحوا على أنفسكم فالقلوب إذا كلّت عميت ، واستدرك ناصحاً..
لكن عاد لا تترك المهم يضيّع عليك الأهم .
والله يقول " لولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لهدّمت .."
لم يتركه له مجالاً في إتمام الآية ، وأتمّها عنه .
- أترك لي وسعاً يا فتى العرب ، قالها وهو يشدّه من يده .
فقال ذاهلاً مستفسراً :
- على وين تشلّني ؟
فقال :
- أنا ما أشلّك تشل نفسك ، لكن إذا كان أوّل مرّة لا تشرب واجد أخاف تطيح وأنا ترا ما مسئول عنك .
فقال وهو يتفاداه :
- يا خي أنا ما أصلحك تشوف حالتي .
فقال وهو يتعهّده بألطاف :
- أنا بعطيك ثياب وأساعدك إذا بغيت المساعدة .
فقال مازحاً وبشيء من قبول ، وهو يشير إليه بالمجز :
- أنا ما اكتفي تراني بالحكّ ، إذا قلت يعني قلت .
رمقه وقال :
- أفا بس ، أنت تعرف نحن أهم شيء عندنا العهد واليمين مؤكّدة والله الشّاهد ؛ ما عليك من هذا ، هذا شيء جانبي ، ويبقى الأساس ، شوف نفسك ، هين كنت قبل شوي في مجلس الشّيخ وسلمين وأنت الحين في الجنّار مكشّر عن أنيابك وأنت تكس الحنّا .
فقال وهو يتم مشوار حديثه :
- وقبلها كنت عند شعشع ، وكان يقول لي طويل الذنب وأضحك .
فقال وهو يطمّنه :
- شعشع معروف مع كل حد ما عنده سالفة ؛ طويل الذنب تعني أسد ، أفهمها كذاك ، ومن اليوم كون أسد .
فقال بانفتاح وانطلاق :
- أنا الحين أتعلّم وبتضيّع علي تعليمي .
فقال وهو يثنّي ويعضّد تعهّده له :
- أنا ها أشد على يدينك ، بعلّمك بنفسي ، أنا حافظ قرآن ، وأقرأ شعر وأدب ، لكّني ما أصولي متعقّد .
طاوعه بتسخير وتيسير أو هو تسهيل من مسيّر الأرزاق ؛ وصلوا إلى الجبة خلعوا ملابسهم ، إلا ممّا يستر أسفلهم ، وبدأوا في الشّرب ، كان مشفقاً عليه لأنّه يشرب للمرّة الأولى ، كذلك وجد فيه شيئاً من الإرتياح تُلقيه نفسه بنفسه ، اكتفى بأربعة كؤوس ، ومنها مسَك عنه الغرشة ، وهو يتشبّث بها ، وأقنعه بصعوبة أن الأمر مضر أكثر من الّلازم وأنت حديث العهد .
تحدّثوا في الفقه وفي معاني القرآن وأسانيد الأحاديث وتواترها ؛ بشكل منظّم قيّم خالٍ من الّلغط والأخطاء والخَطَل ، أو من المزج بما هم عليه ، فكانوا أحوالاً في أعظم حال ٍ.
عندها وجد فيه ثقته ، فقال وهو يختبره :
وللسّر منّي موضع لا يناله
صديق ولا يفضي إليه شراب..
فقال وهو يتجرّع كأسه العاشر ، وبلا أثر إلا من أثر خفيف يبدو على وجهه ونطقه وحركاته :
- الله يرحمك يا أبا الطّيّب ..
خير مكان في الدّنا سرج سابح
وخير جليس في الزّمان كتاب.
أعتمد ، وأنا أخوك ، أنا الكتاب .
فقال بتدفّق من الأعماق :
- أنا أحب خالصة بنت خميس حد الفيضان .
فقال ، وبشيء من التكذيب :
- أنت بهذا الحال ! مو شلّك حال بنت خميس بنت خلفان .
فقال :
- ترا القدَر كما جابك أنته معي ، هين أنته وهين أنا .
فقال بتقليل :
- أنا رجّال ، وهذيك بنت ، تحبّها يعني تتعب نفسك ، حتّى إذا حبّتك ، يمكن أهلها ما يريدوك ، وهي ما تقدر تخرج عن شورهم ، وتخاف منهم لأنّهم قادرون عليها ، همّه ما صغار .
فقال في خروج كلّي عن السّياق :
- ليش قلت قادرون ما قلت قادرين ؟
فقال وهو يقهقه :
- لأنّه الشيّاب كانوا يقولها كذاك الله يرحمهم ؛ الله يخيّب بليسك ، تراها خبر إنّ ، سكرت وما موه ؟
فقال :
- ما سكرت ، لكن أبا أعرف سكرت أو لا .
خرج من الجبة ، وصب له كأساً وقال بكرم باذخ :
- شرب هذا الكأس ، وهذا خاتم عندي قيمته مية قرش ، وهذا عطر غالي ما أعرف قيمته ، وبنخطف البيت وأعطيك الثّياب .
فقال بانتعاش :
- يا بو مانع والإسم لايق
وأنت بو معطي القلايد
مانع الشّر والمعطي نفايق
والمناجيب ع فحول هدايد
أنته الغالي وفوقهم فايق
جرم المناعير سايد وكايد .
فقال وهو يقف ويطيح وقد علَت قهقهته :
- أصريك شاعر .
فقال وقد أتى الكأس الخامس على ما تبّقى من حيله :
- أحتينا اليوم بنرقد هنا ، هذه ما أنا قايلنها سمعتها في المجلس .
فقال :
- زيدني غيرها ، إذا شي .
فقال :
ترا الرّجاجيل من قبل مولدها تبين
هاك سيّدنا محمّد من بعد موسى الفقيد
وإبن بابك الّلي حكّم آفاق وسنين
أبوه من قبل ما يجيبه حلمه سديد
فسّره المفسّر بعد ما نسَب ولده الضّنين
وصار فخر الأب بعده لمفسّر مجيد
الله كلمته من قبل ما تنخلف بعيدين
أفعل مايريد وأترك الّلي ما يفيد
بعدما نصَر موسى ومحمّد بعد حين
لي هلك أبا جهل وبعَد فرعون العنيد
يبتلي الرّسل ولين استيأس جا المبين
يمهل الطّاغي وينذره برهان وعتيد .
استغرق في الضحك أكثر حتّى انكبّ على وجهه ؛ فقال يرد له الصّاع صاعين :
- ليش قلت أبا جهل ، كسرت الوزن ؟
فقال دون أن يجد مبرّراً لضحكهِ :
- لأنّها مفعول به ، للفاعل المضمر في إشارة أو وصف لي هلك ؛ أو من الفاعل المضمر في فعل الماضي هلك ؛ أمّا الوزن أنا كسرته ، لأنّي سمعتها من الجلسة ، بوجهل ، وهذا تراه شعر شعبي ، ولكنّ أقسم لك أنّه شعر بليغ وبديع راق وجميل ؛ ينم عن ثقافة واطّلاع ؛ ربما تعوزه قواعد اللغة من صرف ونحو .
فقال يسائله عن سبب ضحكه المبالغ فيه :
- ليش تضحك واجد ؟
فقال بسجيّته :
- أنا كذاك يوم أشرب ، لكنّي غير أخي محمّد ، محمّد يوم يشرب يلخبط ، وأنصحك لا ترابعه .
فقال وهو يعيده إلى حديثهم الأوّل :
- أيش رايك في بنت خميس بن خلفان ، تصلح أتزوّجها إذا حبّتني ، تراه حقّها .
فقال بتنصّل :
- والله لا تدخّل نفسك في هذه الأشياء والأعباء ؛ ما أريد أكون مسئولاً عن توجيهك إلى شيء ما مقتنع به .
فقال :
- الدنيا مجازفات ، وتراها تسوّيلي حركات ، يوم من الأيام مرّت علي وقالت " يعني لازم تدخّل المجز واجد في الأرض تراه يعوّقها "
لاطفه وهو يقول :
- وبموه ردّيت عليها .
فقال :
- قلت لها ، تراني جالس أفسل صرمة ما أزرع وانقص بصل أو أرعّل ثوم .
وراحت وهي تضحك ، وتقول : " تراه يقول سلمين "
فقال بتساؤل وانتباه :
- ومن ذا سلمين ؟
فقال بشكر منعم ٍعليه غير حاجدٍ :
- سلمين معلّمنا ، إذا ما تعرف سلمين إنت ما في البلاد ؛ أنا كل هذا بو أعرفه من مجلس سلمين ، ما أروح الكتاتيب وحلقات التدريس ؛ رحت مرّة وحدة ، وصار لي شغل ، وبقيت أروح في الّليل مجلس الشيّخ وسلمين ؛ وعرفت واجد .
فقال برزانة وقد قطع ضحكه :
- صح أنا نسيت أسألك من هين تعرف هذا كلّه ؟ ؛ أنا ما اعرف سلمين تراني جاي من أيّام وكما تشوف ؛ لكنّي دارس وأقرأ وأعرف كثير .
فقال :
- أعرف من كلامك ، ومن أوّل ما أجلس معك ، هذا ما يهمّ بس كما قلت ، لا تخلّيه يمنعك عن الأهم أو يسويلك مشاكل .
فقال بتهذيب :
- لا ماشي مشاكل ، أنته تشوفني معك شي جاك منّي .
أخذ يده وذهب به إلى بيتهم الكبير الواسع الذي بنوه قبل حضورهم إلى البلد ؛ تغدّوا مع بعض ، ونام معه حتّى أفاق في العصر ، عرض له الملابس ، وقال له :
- شل الّلي يعجبك ، تراهن كلّهن ثياب جدد ، ونحن نفس الطّول والجسم نتلابس أنا ويّاك ، لا تخجّل ما تردّك إلا يدك .
فقال قبل أن يمدّ يده :
- أخاف أن أخذ شيئاً ويكون أقل من كرمك ؛ أو آخذ شيئاً ويكون أكبر من قدري .
فقال في غضب :
- عيب ها الكلام عليك وعليْ ، قدرك ما يحدّه كرمي ، وكرمي في المقابل ماله حدود إلّا بشيء أعجز عنه . أخذ ما تيّسر من الملابس ، وخرج من عنده على أمل أن يلتقوا في مجلس الشّيخ ليتعرّف على سلمين ؛
وفي الجانب الآخر ، كان اخوه قد أخذ مكان الجبة كعادته مع من وجد فيهم التقارب في السّلوك ؛ والتّداني في الكثير من الخصال ، كان يجلس بهم منذ الظّهر حتّى يحل الظلام ؛ إذا نقصت الجلسة بغياب واحد أو أثنين ، سدّ النقص أو فجوة الغياب غيره من الزملاء الدّاخلين جدداً للمرّة الأولى تحت لواء محمّد .
حضر المجلس وسمع الكثير ، وأسمعهم الكثير ، وكان صديقه المتواضع الذي اصطفاه من جميع أهل البلد في درجة من الحياء ؛ لا يبدي رغبته في السّؤال وقوفاً عند بعض الأشياء ؛ وبدأ هو من يسأل له ثم جرّأه على الإقتراب أكثر ، وبدأ يتعلّم أكثر .
وفجأة مرّ شعشع مروراً عابراً ونادى بصوت عالٍ :
- ياطويل الذنب .
انفجر عامر في الضّحك كعادته وعلى غير اكتراث بشيء ؛ واستغرب كل من في المجلس من الإنقلاب في حالته ؛ وبما في المستغربين عُمَر صديقه ، لولا أن قال :
- عامر أخبرني بأنّه اعتاد على هذا الوضع من شعشع ؛ ولا يجد حرجاً في هذا ، فهو يمتدحه .
وهذا شيء قد وجدته فعلا في قصّة من قصص أحد الكتّاب ؛ كان أحد أبطالها تحت إسم عدي بن خلفان .
عامر استغرب من ضحكي في وقت من نهار هذا اليوم ؛ وله حقٌّ عظيم في استغرابه ، ولكنّي لا أجد أدنى حقٌّ لأحدٍ في استغرابه من ضحِك عامر في هذه الحالة ؛ عندها التفت الجميع إلى سلمين وقالوا :
- سلمين وثّق الكثير من حالات عدي بن خلفان وما شاكلها أو ما يسير في خطّها ونهجها أو ماهو أرهاص لها أو هي إرهاص له ؛ تعدّدت الأسباب والأسماء والعم عدي بن خلفان واحد .
ومنها بدأ عمر في التّعرف على سلمين عن قرب وتقارب ؛ معرفة الفنّان بالفنّان ، معرفة التّكريم لا التأبين ، من حيث كان لا تنقصه قبل هذه الّلحظة معرفته الحقّة ؛ ولكن هي إماطة الّلثام عن فارس يعلو سرجه دأباً ! .
وفي الحال سلّم عليهم حبن أو السّبع حبن كما لقّبه الشّيخ بهذا ؛ وهو قد لا تتعدّى مدّة وجوده في البلد مدّة وجود عُمر وأسرته ؛ وانخرط في مجلسهم بطريدته المذبوحة الوعل ؛ ناظره الشّيخ فقال :
- كيف كانت طريقة الذّبح ؟
فقال بصراحة :
- ذبحتها حيّة قبل لا تموت .
فقال الجميع :
- يكفي ، المهم ما ناكل ميّتة ، والنيّة هي للأكل .
قاموا بضبي الذبيحة ، أكلوا ، ثم انصرف كل إلى منزله ، وودّع عُمر عامرَ .

الخميس8/3/2013







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 13-03-2013, 01:11 PM رقم المشاركة : 114
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

نحاول قدر المستطاع نتم الرّواية على الأسبوع القادم .







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 07-05-2013, 09:19 AM رقم المشاركة : 115
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..


ميدان

يا الله بتيسير وتيسّر
وانتي ياحبّوه ياربّي
لَسَلّم عليك وافضاله
يومه ماردّيت وفضاله
جاني على البيت وتيسّر
حامدْك ع الخير يا ربّي .

6/5/2013







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 09-05-2013, 09:27 AM رقم المشاركة : 116
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..





ميدان


وين الرّجل وين لوماتي
يلوي لها راس ولويها
ساعك على السّاع سعساعي
وروح ٍعلى الرّوح رايحني
ماني من الّلاك سعساعي
وماني من الجاي رايح ني
نا جيتها فوق ماتحتي
نا شمسها نار لايفها
حتواك أنا ماك ما تحتي
نا لْمايها نور لايفها
أقل من ال قال والكلبك
عا ذكرها أنْتْ ما السّنور
سنورها أنت والكلبك
وع وجودها ناه مسّا النّور
نا أنثر لها تبر لايمها
لوّث أنِتْ لوْثْ والثّوري
تنثر لها تبن لايمها
فوّحها بك بن وثّوري
لوّك تزن خلق عوّاوي
ماصارت ذيول وسْ سوّي
سوْ وسْ وسا..وسْ س..عوواوي
ماني أنا الشّين والسّوّي
لو تغيّر ذوق لوماتي
أسقي لها ماي والويها .

9/5/2013







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 18-06-2013, 12:12 PM رقم المشاركة : 117
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

مواصلة رواية الصد ..

(9)
ها هو موسم القيظ والرطب ، الغربي في أوجه كسبب هامشي في تعجيل الرطب وهذا ما اكتشفته من رطبِ الشّتاء الجني ؛ وتساءلتَ وهي في حضور تام ٍ وفي انصاتِ وخشوع :
- لما نغال خبّة لها الأقدمية فتأتي بالرطب قبل نغال إسماعيّة ؟!
المسافة بين المكانين ليست بذاك البعد ؛ فهل السبب للأرض في حين أنّ النغال واحدةٌ ؛ أم السبب في الماء ؟!
وهل مَنْ أخضعَ الأمر للتجربة قبل تفكيرك في مسار هذا الإكتشاف الجليل ؛ على سبيل المثال هل هناك من قد جاء بنغال من خبّة وفسلها في إسماعيّة أو العكس وتبيّن الأمر ؟!
وحينها يبقى عنصر ماء السّقي وهذه تجربة أخرى تتطلّب زمنا آخر وبحثا يجر إلى بحوث قد لا تجد لها حدودا أو منتهى تقف عليه .
وتبقى بعض الأسرار في شتّى أشكالها وفي مدى شرعيّة إفشائها أو التكتّم عليها غير قابلة للتحقّق ِشرعاً ! .
وسألتكَ أن تقطف رطبة وأنت في ذروةِ اهتمامك وتقصّيك ؛ فقلت على شرط أن تأتيني بطلبكِ على ما جرى عليه لساني ؛ فقالت في ذهن متقّدٍ :
- أريد أفتك رطبة .
فقلت مذهولاً :
- أخرفي لا تفتكِ !
واندفعتَ في سرور ، التبشرة تكون للطير وأنتِ منَ الطّير ؛ فلا ضير من مشاركتك الطيرَ رطبها في بوادر بداية كلِّ موسم قيظ أو رطب ٍ ؛ ومع هذا إسمك يعضّدُ التشريع على الوجه المحلّي والعربي الفصيح ؛ وصال الرطب ، ووصال النخل ، وأنت ِ"على حرفٍ من أمركِ" .
ولكنّي قد يُستثنى تحدير النخل بغير الوصال ؛ ويكون بالسّرد دون حاجة اللجوء إلى صنع رأس أو عين ٍ ؛ ولكن يبقى الغرض غرضاً وكلٌّ فيما وجد لأجله ؛ قوّة إمساك الوصال أقوى للعذق أو القنو حال الحدار من قوّة إمساك السّرد ؛ فتجد أغلب العذوق مخرّطة في وصفهم أي منفلتة وهذا هو الضّرر الأكبر من كونك تضع النخلة على حالها وهنا ستُبقي على شيءٍ من رطبها سليماً صالحاً .
واستدركتَ نقائص وصفك :
- أنتِ طير وحيوان وإنسان .
فتبرّمت من وصفك الذي حطّ من قدرها ولم يرفعه إلّا في نفسك وهذه أيضاً وجه من أوجهِ الوجوهِ المتعدّدةِ الجوانب ِ ؛ واقنعتها بأنّكِ رشأٌ حال الحيوان وفي الحيوان ما هو أجمل من الإنسان ؛ وقالت في هدوءٍ :
- لمَ لا يُشبّه الحيوان بالإنسان كحال ماجرت عليه العادة في تشبيه الإنسان بالحيوان ؟!
فقلت وبذهول أعمق وأطول :
- ليس في الحيوان ما يُشبه الإنسان حقّا ؛ ولكن ينتقى من الحيوان أجمل ما فيه ليشبّه به أجمل ما في الإنسان من طباع وشكل ؛ وإنتِ رشأٌ في الجيد والعنق والعين فقط لا غير..
وأتممت للأمر جانبيه ، أرضيت نفسك وأرضيتها برضائك عنها ؛ أو هو افتتانك بها .
وتنهّدت وأنتَ تؤدّى فرض الكرام في القول ..
" ولم أر في عيوبِ الناس عيبا
كنقصِ القادرين على التمام ِ .
ولم ولن يزالَ مضرب المثل في الكرم جاهلي ؛ وفي الوفاء يهودي ، وفي الحماقة والجبن وتجبّر الّلاشي عربي أصيل ؛ وطافك حينها مصبّح في مخلّفات ورواسبِ عدي بن خلفان فبصقت ثلاثاً وأنت تقول :
- ما أحقرك وأهونك ؛ ما أجبنك !.
أهذا كل ما للإنسان من تكريم ٍ؟!
ولكنّك عدتَ لتكرّر ما أحقرك ما أهونك ما أجبنك !
أخذتَ فراشَكَ إلى حيثُ شريعةِ الفلجِ ، علويت الثقاب حدريت السّدرة ، وعدت تقول لا أفهمك ، وتداركت وأنت تسترجع ما قد سوف يسألك عنه في سياق ما أتيت به عن جهالة ؛ وقلت :
- أقصد بَعْد الثقاب ودون السّدرة .
وفرشت وقد كان الجو كوساً والرّيح صباً تهبُّ نسيماً ليّناً ؛ وصعد بكَ وصف المصطفى -عليه الصلاة والسلام - إلى شيء لم تُدرك بعد وجوده بعد إدراكِ كنههِ " بُعثتُ بالصّبا وأهلكت عاد بالدبور "
وتساءلتَ - والمكان خال ٍفضاء - فيما بينك ونفسك وأنت مستلق ٍعلى ظهرك ؛ بدون أدنى لباس ٍ :
- أحقاً قد كتبَ خلف الأحمر لاميّة الشنفري وفعل ذلك مع لامية تأبّط شرّاً ؟!
فشكّكتَ انتقاصاً من صوت صرار الليل ؛ وأنت تقول عن يقين ملزم ٍ وجدته يلازمك منذ وأنت في عامك الثالث :
- ما أبعد قول كهذا عن الواقع .
كيف يفرّط شاعرٌ في كنز خلودهِ الثمين بلا مقابل .
ولكن عدت وأنت الذي قد تخلّصت من عقدة زوائد وإضافات ذكائك ورسوخك لتقول :
- على النقيض تماماً ، فقد كان خلف الأحمر يبحث عن الذكر والخلود من أي الجانبين ؛ وهذا ما وجده ، فهو غنّي عن التعريف بكونه فِطَحلَ لغةٍ وشعر ٍلا يُخفى على أحدٍ ؛ ذكرٌ يقينيّ جرّ ذكراً مضطّرباً ، وكان الأثر أجمل وأعمق بالجدل ِوأطول وأرسخ بقاءً .
وماذا عن حمّاد الراوية ؟!
ووقفت على أمانة ومروءة الرّواة الذين لم تعرفهم إلاّ عن رواة ؛ وكأنّ بك أمامهم وهم ينقحّون شعر مرويّيهم ويجوّدونَ ؛ ولكن عادت قضّية الشّعر والشّاعر تهيمن على فكرك وتساءلت :
- ماذا يجني شاعر من إخلال وزن أو من لحن يدخله على قصيدته أو ينحله على غيره ؟!
وإن أرى في الأخيرة ماهو أقرب للقبول .
وتنهدت آه إنْ لم يضيّع التأريخ غير مخلفاتكِ وعاهاتك منظرَ الوباء ومورد الوبال والسّقم ؛ فكيف يضيع كثير من الجمال والخلقِ ويبقى كلُّ هذا الكم الفظيع من القبح والتفاهة والخسّة والنذالة ؟!
واستسلمت أمنةً لزائرك رسول الإله .
ورأيت في ذاتك مالم تجده ، كانت مشفقة عليه ربع إشفاقه عليها وأنت تُلاعبه بما آتاك الله من مفاح ٍسحريٍّ لنشوةٍ مهينةٍ عابرة ٍإختصاراً للجري في سبيل كلِّ لذّةٍ ؛ وهي في ذروة فورانها العمري وتحوّلها المعرفي ؛ واستمرّت معك وأنت في تمام حسّك بأنّ هناك قبلة غير هذه ؛ وأنّك لست سوى منفّذ أغرٍّ لمطواطئين ؛ طيّب ٍ جميل ٍ وآخر ٍحقير ٍجبان ٍ.
وتساءلت ، هل سيأتي غداً أم سيجد من العوائق ماهو كفيل بمنع حقَّ المتعةِ عنك .
ثم صرخت في وجهه :
- أنا الذي عرّفك اللهُ الجليلُ نفسَه بهِ !.
وهو يكرّر بضغف وانكسار ٍ:
- من تكون ؟!
ورجعت إلى البداية تستنهضها :
- ولكنّك أنتِ بالذّات اقرأي كلَّ شيءٍ منَ الآخر كشأني في القراءة ؛ إلّا معي فأنت ِقرأتينني من قبل أن تتبيّنينَ كونكِ .
وساءلتكَ بمعرفةٍ وعناية :
- ماذا يجدي تكميم العذق في الحؤول دون الدبي في الخصاب والخلاص والجبري وما شاكل من نخيل دخيلة على بلد الدبي الهاجم في أواخر كلِّ قيظ ؟!
وقد أدركت بعد بحثٍ مطوّل ٍودراسةٍ شاقّةٍ أخذتْ ما يقارب نصف عُمر ٍ؛ لمَ لا يُسفُّ ويُقلدُ خوص النغال ؛ ووعيت لما لا يقلدُ غير خوص قلوب ِالنخل ِ؛ ولما كل النخيل تحدّر غير النغال والبنارنجّة ؛ فقرأت يس والقارعة والدخان والملك والتكوير والمرسلات وعبس وأية النور وما تيسر آيات الذكر الحكيم ؛ وأفقت وأنت تكرر " وما تشاءون إلا أن يشاء الله ربُّ العالمين " .
وبدت الشمسُ في عين الناظر ِبشكل ِوأثر ليمونةٍ كئيبةٍ ؛ وكأنّها تقول " يريد الله بكم اليسر "
فتجيبها " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين "
يا سبب شفائي وتوفيقي الذي ابتدعته لنفسكَ.
جزاكم الله خيراً ، أنتو والرحمة .
من قالها لك أو لمن قلتها ؟!
النخيل تسدّ الدروب ، الكل يصرخ ويستغيث ، جارفه ، حشره ، فقلت كارثة يا أمّ الكوارثِ !
كان الكل تسابق لإماطة الأذى عن الطريق ؛ جواستْ وجواشن النخل ممدّدة في معنى عربيٍّ جذوع ٍ ؛ فكيف تحوّلت النخلة من مباركةٍ بكل ما فيها إلى أذىً وعوائقٍ سدَّ منافذ الحياة ومسالكها السليمةِ ؛ وتذكّرت كيف تحوّل ماءُ الحياة ِإلى جبال ٍمن بردٍ ؛ الشّائع في أمر فادح ٍ كهذا أن يكون ردّة فعل ٍلما هو أفدح ؛ ألا وهو "الغَبْن "اللقيط أو الولادة غير الشّرعيّة ؛ فيكون غضب الخالق ِلأمرين أكثر وخامةٍ وذلك بعد إزهاقِ روح ِثمرة ِالسّفاح .
ومنها عرفت ما عنى الشايب خليفين وهو يصرخ تحت سياط الجهلة بلا حيلة :
- حِيه عليك غبن واجد اليوم ، أنا ما قوارك ، مكعوم ، مكعوم .
ويعود بعد أن يفتر الضرب عن وهو يقول :
- أقول عاش لخوا !
وقبل أن تسألكَ أوضحتَ لها المعنى وأنت تستحضر مع كل كلمة ما قد سوف يسألك فيه ؛ الله أكبر عليك ، أكثر دعيّةً أو دعي أكبر ، لست ندّك ، مدفوع أو مرجوم ، لخوا قصد بها الصديق في بعد تحقّق المقصد أو المرجو .
وتعاقب أجيال وتناوبت على صب شتّى صنوف الأسى والأذى والضرر على خليفين ؛ ألكون السبب منتحلاً ككثير من الأسباب ؟!
لمَ يُضرب خليفين ؟!
ولكنّك عدت لثواب الصبر وخاتمة الصابرين ؛ وتذكّرت كيف عذّب وقتل أولياء الله ، وكيف صب الأذى على سيّدنا محمّد حتى وهو ساجدٌ لله ربّ العالمين ؛ وكيف قتل سيّدنا الحسين وعُمر وعذب بلال وآل ياسر ومن قبلهم سحرة فرعون .
" لن نؤثرك على ما جاءنا من العلم "
ولكنّك عدت لتقول ، " من خلّف ما مات "
فكم من هو على خطى خليفين ، ولكنّ ما يستثني خليفين من العذاب أنّه جاهلاً مع عماه .
فمن يُبرِّء من عذّبَ ونالَ من خليفين الأب والأصل ؟!
كما من يُبرِّىء مَنْ لم ينل مِنْ خليفين الإبن ؟!
وتذكّرت في ترسّمه لخطاه ، إذ قال له :
" والمثعاب والمطراح ِ، في مايه المنداح ِ، يسقى عى التفاح ِ، وسكينها الذبّاح ِ، في تيسها النطّاح ِ، والباب والمفتاح ِ"
فسأله خليفين عن جهالة :
- ما هي أسباب النزول ؟!
فأجبت عن إصرار :
- في سبب ضياع مفتاح البيت .
ومازال بحثهم بأي جسدٍ تتدارى وبأي مكان ٍ .
مرّك الإستهزاء وخوفك من المعلّم وكبرت وتقبّلتَ بحسن ظنٍّ توجيهه الشّامت ؛ لأن تكثر من شرب الحليب !
ومرّكَ حيالها عباس بن فرناس في وصفهم رضيعاً يحاول وينشد الطيران .
كم من المر والدواء شربت ، كم من الحروق ، كم من وصفات الدين والحكمة وغدوت - بعذر ٍ- غنّوصيّاً بحتاً.
ومنها عرفوا أنّك لست سوى إنسان ٍ.
وتكوّنت السّحب الثقال ، فأرعدت السّماء وأبرقت ، ونزل المطر غزيراً عاصفاً ، وفي صباح اليوم التالي كان الجو بشكل عام مكفهرّاً كئيباً ؛ وتذكرّت وصفهم بأنّه " عجاج " وهذا سبب اغفرار الثمروالتمر الرئيس أي تغلّفه بطبقةٍ خشنة وتشقّقه شكلاً ومضمونا ؛ وحلّت الحاصب وبلا وجود لذرة رمل في الأرض ِغير الحصى والحجارة ؛ وبعدها اقترّت الجبال ولا أثر لنارٍ أو دخان ٍ .
كم كتت مغدورا !
ولم يزلوا ولا يزالون يبحثون في أي جسدٍ تتوارى وفي أي مكان ٍ ؟!
ومرّتك ترتيل تُعذّبُ لا لسبب إلّا لكونها أحبّت سلمين !
ومرّك على إثرها سعيد الوسالي وهو يغنّي بصوت كلّه أسىً وشجن " مشكلة والمشكلة عودة ، ولو سجودي صح بالآية "
ومرّك يوسف الصّديق وهو قد تزوّج زليخة بعد أن رُدّ إليها الشباب في آخر عمرها ؛ وتساءلت أمَا لمّا في الخلق ما هو شبهٌ ليوسفَ ؟!
ألم يكن ليوسف شبهاً له في وِلِدِهِ أو أجدادهِ ؟!
من أين أتى يوسف وأين هو ذاهب ؟!
وهل أثر جمال يوسف كان فقط على زليخة ونسوتها ؛ أليس هناك من رأى يوسف قبلها ؟!
وهل القرآن محفوظ في النص أم في الحاوية ؛ في القول أم الفعل ؟!
وعدت تقول ، ولكنّني تخلّصت من زوائد وإضافات ذكائي ولم يعد يعنيني كان هذا أو لم يكن .
وتذكّرت عذق البيدار بأنّه ينتقى الأكبر من بين عذوق النخلة .
ولكنّك كنت مغدوراً .
وآن لك أن تعرف يونس وغضب الماء ؛ وتعرف الزلزلة ، وتعرف لوطاً في الصرصر ، وتعرف الرجفة والصيحة والحمم ؛ وغليان الشتاء ، وقارس الصيف .
بعد أن عرفت الفرق بين زراعة الفافاي والتّين .
وفي اليوم ِالذي يليه ، رأيتَ الضبابَ في شكلٍِ غريبٍ مخيف ٍوقد لامسَ أدنى نقطةً في الجبل والسّفح والهضابِ ؛ ومادت الأرض بشكل ٍطفيف ٍبما يلامس شعورك بها ولكنّك كم كنت مغدورا !
وقرأت" قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم "
وعرفت الصّاعقة والعقيم والسّموم وعادَ والصخرة وإرم ذاتِ العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ؛ ومنهم من أغرقنا والفرق بين العجل الحنيذ وعجل السّامري ؛ وعرفت ثمود والناقة ، وعرفت مدين ، وعرفت أباك إبراهيمَ والشّمس والنمرود ؛ وعرفت داود وجالوت وطالوت و بلوى النهر ؛ وعرفتَ حكمة عبدالله مع جرذان سدِّ سبأ ، وعرفت أصحاب الجنّة ، ولكن أنفسهم كانوا يظلمون .
وعرفت هامان وقارون ، وقابيل وهابيل ووو ..
وعدت لتتذكّر " .. من لا يخسَّ ويلؤم ُ.. "
ومرّك خليفين وهو يعبث بأحدهم خاضعاً في القول ليّناً :
- هي مستين !
وفي قول خليفين هذا ما يغني عنِ الملامسةِ إذا ما هيِّئتِ الظروف !
ويعود ليقول بعد يأس ٍ..
- بعَده !
وهنا تساءلت هل من الضرورة أن توقفه على شوائبِ المعنى ؟!
وذلك بعد أن أدرك لا شفاعة واردة لخليفين الإبن من قِبَل ِأبيه ِ.
وحلّ المساء وعدت إلى فراشك ، وأنت تنقّب بشمول ٍفي فضل طريقة شكّ الدعون على فضل صفّها ؛ فوجدت أن لا فضل لأمر فوق الآخر ِ.
ومرّك الكثير يحرقون ويعذّبون والسبب كريستالي ؛ لأنّكَ شاهدتهم يمرّونَ في ذهن أو نظرِ سلمين ؛ أو لمرور سلمين في أذهانهم ، ورغم هذا أضعتَ كم هي أهميّة سلمين بعدما أتت السّائمة على ربع مزارع ِالبلد ..
ولكنّك كم كنت مغدورا !
مغدوراً في حظر تجوال ٍ !
ومرّك الوحش الذي خلصتَ منه نجيّاً وأنت فيما يقارب السّادسة من عمرك ؛ وتكرّر لك الأمر وفي رمضان وأنت في الثانية عشرة ، وعدت لتبني - على الحقيقة الأولى - واقع الأسبابِ غير المباشرة ؛ وهو بين يديك تلاعبه بكلِّ إحساس ٍوغريزةٍ وشعور وعاطفة ورحمةٍ ومودّةٍ ؛ حياةٌ بكلِّ معنى الكلمة في سبيل نشدان ِنشوة موت ٍجميل في بعثٍ أتٍ جديد ٍ.
الثلاثاء19/6/2013
...







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 19-06-2013, 10:28 AM رقم المشاركة : 118
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

تتمّة الرواية ستنشر في مداد ثم نقوم بنشرها على اختلاجات سرد بعد قليل من التنقيح أو الإضافات ..
قبل التنقيح النهائي .
الرواية مكتملة فالتأخير عائد لطباعتها ؛ وهذا أفضل لتحظى بمتابعةٍ متأنيّة ٍ.
الرواية - بما فيها - جديدٌ بحتٌ هديّةً منّي لقرّاء ومنتسبيّ الفينيق الأعزّاء المعنيّين والمسكونين شغفاً بالفكر والأدب .







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 25-06-2013, 12:23 PM رقم المشاركة : 119
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

( 10 )
" مرعى ولا كالسّعدان "
ثمان ِحِجَجٍ
والغنمُ بلا بأس ٍ ترعى
وبلا بأس ٍ ترعين
وعَرَقُكِ حليبيْ السّائعُ
وشرابي
مابينَ جلدٍ
وبين لحم ٍلذَّ
في ملكوتِ نهدكِ
أسبَحُ
والّلهفة منضودٌ
وجسدكِ عطرُ القاموس ِ
ونهدكِ الورَقُ الوِرْقُ
نهدكِ البرلنتْ هوذةٌ
في
مِخلبِ باز ٍ
ورأسي
في حضنكِ حَفْصٌ مشنوقٌ
فلكةٌ نهدكِ
تراودُ صبحها عن حصن ٍقاس ٍ
بجحيم ِالفم ِ
القصائدُ ملقاةٌ
وليس سوايَ النظيرُ
نهدكِ بقسوةِ حجرٍ
مُشبع ٍ
والحَلماتُ
لن يُقاومَ
كموضعها الكاعبِ
النهرُ متدفّقٌ
في انسيابٍ فرعوني
وفي مجراهِ الجحيم ِ
يستحمُّ سعيرُ الّلهفةِ
ليس بسواكِ
نضرٌ هذا الصّباحُ
لن يراني في انعتاقهِ
غيرَ الشّمس ِ
أسبّح في ملكوتِ نهدكِ
وهيماناً أسيحُ ..
...
ثمّة قصائدٌ وقصصٌ ملقاةٌ في صبغة مرّةٍ هازئةٍ ، وكان هناك تنبيه بلهجة البلدِ " باكر الفلج يشتغلوه وبيكون متغنبر؛ أنا خلاص ستقيت ، وتحصّلهن حيت الصّج تحت الرّفصة "
وثمّة إشارة أخرى " حال ذاك أنا ما فيّي بارض مو هي معصارة أو بسباسة "
لا تخلو قصّة أوقصيدةٌ من شيءٍ من الفحش ولكنّ الكتابة الإحترافيّة والتّمكن عفت على ذلك وغطّت الرّوح السّاخرة على ما بقى من هنات ٍ.
" أن أكتب وتفهم كلَّ ما أكتب فهذا يعني بأني لم أكتب شيئاً يستحق القراءة "
مقولة لسلمين .
إبداعات تُشكّل إعترافاتٍ خطيرةً ، مباشرةً وصريحةً عن علائق ٍمع عشراتِ الفتياتِ من البلدِ ؛ فيما بينهنَّ
إحدى بناتِ الشّيخِ سعنة . والأخطر في الأمر الإشارة الصريحة بلقب خالصة بنت خميس الذي اشتهرت به في البلد " البرلنت " " لم نجعل لها من قبل سميّا " . والبرلنت لا يُعرف حتّى حينها مَنْ أطلقه على خالصة وغلب على إسمها .
مجلبة تيهٍ وموضعُ بحثٍ .
بيوت العلم ِأوشكت على الإنتهاء والمعلمين والدكاترةُ على أهبة الإستعدادِ لأخذ موقعهم التدريسي ؛ وقد أختير المتفوّقين ومن هم كفؤاً ، وقد أُنتقوا بعد إخضاعهم لدراسةٍ العلم التأسيسي ناهزت الثلاثة أعوام ٍ؛ ومنهم من اجتاز الإختبار في ظرف وجيز جدّاً .
وكان المعيار بناءً على أخذ النوابغ في الّلغة والأدب والفقه والشّريعة والدّين وهي كلُّ العلوم التي عرفتها البلد حتّى ذلك الوقت ؛ من قبل أن يأتي سلمين بالمختّصين من الخارج ؛ ويأتي معها بشهادة الفلسفة .
وكان أغلب من أختيروا وتفوّقوا من الطّلاب ؛ اختارتهم بطولة القصص والقصائد المجهولة الخط والمصدر وحتّى الأسلوب ؛ بنات مصبّح الثلاث وأولاده الإثنان ، ابنة الشّيخ ، ابن سلمين ، وأقرانه من أبناء عمّه وغيرهم ، وابنا سراج ، وابنة خميس بن خلفان وأحد أبنائه ، وغيرهم ممَّن لم يُكشف عنهم ، والأمر لم يكن عرضاً بل إشاراتٍ صريحةً .
بنات وأولاد مصبّح تغيّر سلوكهم للأفضل بعد أن تخلّص صالح من أبيه ؛ وهذا ما جرّ التحسّن على صحبتهنّ ، وكان أغلب الإختيارات التعليميّة تنصب على الّلغة والأدب المقارن والترجمة وعلى الهندسة ؛ ما عدى سالم بن سلمين وخطيبته التي اختارها " سُعدى " وهي إحدى بنات حمد التوءم ؛ فلقد اختارا علم النّفس .
كذلك منقاش أبو محمّد وعُمَر ومنذر وبادي ولَفا ولهَف ودُرّي وسُرى وغيرهم من زوجاته الأخريات الأربع الجدد ؛ فضّل تعليم أبنائه في البلد عوضاً عن ابتعاثهم إلى حيث كانت دراسته ودراسة أبنائه محمّد في التجارة وعُمَر في علوم الفقه والدين والشّريعة ؛ وغيرهم من البنات والأولاد .
منها ظلّت تلكمُ القصص والقصائد مبعث قلق ٍوموضع شكٍّ وحيرةٍ ؛ وممّا زاد الأمر حيرة هو ظهور ما أتى ببعض القصص كواقع ؛ ومنها ما يطّلع ويتكشّف على ما دقّ من عورات الكثير وبالوصف الدّقيق ؛ وما ينشر أفعال الكثير الخاصّة بينه ونفسه أو أهله التي حدثت عن عهدٍ قريب ؛ وكان مصدر مشكلة عصفت بالبلد الآمن .
ومن بعدها بيوم ٍوجد عامر بن سعيّد وكما يلقب صديق شعشع أو ابن الجنّار ؛ وجِدَ ملقىً على نفس المكان الذي عثرَ فيه الصبية " خالد "و" حمدون"و "والشّاب سعيد " على القصائد والقصص ؛ كان في درجة من الإعياء وقد نال منه الضّرب مبلغه ؛ وحالما سُئل عمّن ضربه كان جوابه يشير إلى محمّد بن منقاش وبعض صحبته ؛ وبعد تعافيه بأيّام ٍأكّد أنّه بالفعل كان ضُربَ من محمّد ونفر من أصحابه ؛ محمّد لم يجد أدنى تردّد في الإعتراف بالأمر ؛ وبرّر ذلك أنّه وجد عامر متوحِّداً بخالصة بنت خميس تحت البالنجة ؛ وأراد أن يلقّن عامر درساً كي لا يجرؤ على فعل ذلك لاحقاً ؛ وتطاوله إلى ما هو أرفع عنه وتشويه سمعة بنت رجل متديّن عالم أغلب أهل البلد تكنّ له الإحترام رغم تشدّده وصعوبته .
وتوعّده بالموت وبطريقة مجهولةٍ وأسهل ما أن تكرّر منه فعلٌ من ذات القبيل ؛ ولكنّه أراد بالطريقة هذه تحذيره وإيقافه على خطورة فعله ؛ وتنبيهه على قدرته عليه .
ولاحترام البلد لأبيه وللشّيخ " سعنة " الذي أرادها أن تعبر بسلام وأخذهُ أغلظ العهود على محمّد بأن لا يقدم على فعل ٍ كهذا ؛ وحمّله مسئوليّة ما سوف يقع على عامر حيّاً أو ميّتا .
عندما نمى الأمر وتناهى إلى مسامع خميس أبي خالصة ؛ كان على عكس ما عُرف عنه من تشدّد وحزم ٍوصعوبةٍ ؛ وتساءل ما دخل طائش عربيد في بيتي وأهلي ؟!
اعذرنا أخطأنا قدرك يا ولد منقاش !
ولربّما كان كاذباً مفترياً ، إستدعى عامر إلى بيته ومنحه الأمان مقابل أن يصدقه بصرف النظر عمّا كان منه مع ابنته ؛ وقبل أن يقولَ عامر أي شيءٍ إعترفت خالصة بأنّها فعلاً كانت مع عامر ولكنّ بغرض الحكي وهذه ليست المرّة الأولى .
كانت ردّة فعل خميس - تجاه اعتراف ابنته - كفيلة بصنع مالا يُصنع من الغرابة أمام أهل ِبيتهِ الحاضرين ؛ إذ قال بتسليم ٍسريع ٍلم يعهد منه أبداً :
- المحبّة من الله ولا أمنع بنتي عمّن قدر على قلبها ؛ ولا أنتقص من قدر بنتي فيمن عجز حتّى عن أن يثيرَ فيها اهتماماً ولم يسترع ِلها انتباهاً ؛ وناظرها متسائلاً متحقّقاً بحضور عامر ..
- تحبّي عامر ؟!
فقالت بصراحة :
- نعم وإن رفض الجميع .
فقال :
- وحتّى أنا ؟!
- لو كنت اعرف أنّك سترفض ما أبلغتك الأمر وبكلِّ راحةٍ ، أنا أثق فيك يا أبي ، في وعيك وعلمك ودينك .
عامر رغم تعليمه البسيط المتواضع ، إلّا أنني أجد فيه سمات الخير والصلاح ؛ وأمارات العقل والحكمة ، وهذا ما أثبته في تعلّمه السّريع ودرايته في هذه المدّة الوجيزة ِ؛ ضمّ عامر على جانب من صدره وضم ابنته على الجانب الآخر وهو يقول :
- كلاكما من اليوم أبنائي ، وكلاكما أمانة في يد الآخر .
ولو تمَّ هذا من قبْلِ علمي وسِبْق ِمعرفتي لما رفضت ؛ وكنت أوّل المباركين ، وكنت أتمّنى لو حدث هذا وسبقني ، فتكون مفاجئة موافقتي على تأكيده فرحاً آخر يُضاف إلى فرحكم .
الجميع مذهول ومصعوق بالخبر ، عامر يتزوّج البرلنت !..
منصعق من موافقة أبيها ، ومن حبّها الغريب !
وكان عُمر صديق عامر الحيمم وعضده وسنده هو الوحيد الذي لم يجد في الأمر ما يدعو للغرابة بعد تأكّده من حب خالصة لعامر ؛ ووقوفه واطّلاعه على الكثير من لقاءاتهما ومخطّطاتهما من قبل أن تأخذ منحى التنفيذ والفصل النّهائي ؛ وكان هو المخطّط لهما ضد أخيه فيما حصل لعامر بقصد إيضاح الأمر من جهةٍ ؛ بغتة وبما لا يدع مجالاً لغيره ، أو بقصدِ استرحام خميسٍ أبي خالصة من جهة أخرى واستدرار عطفه على عامر وابنته .
ومع هذا كان عُمر يعلم بتحرّشات أخيه محمّد بخالصة وتحرّشات الكثير بها وكل ذلك بقصد الظفر بها كزوجةٍ لا سواه ؛ وهذا ليس بالغريب كونها محطّ انظار الجميع ومن بينهم عُمَر نفسه ؛ فهي من أجمل الجميلات ، وفي درجة كبيرة من الوعي والتعليم .
وفي النهاية ينتصر الحب الصّادق الحقيقي .
في اليوم التالي وصلتْ - إلى عامر - القصيدة التي تتشبّب بخطيبته " البرلنت " ؛ فقال بينه ونفسه :
- ماذا يليق بي ؟!
فلا أنا يوسف ولا أنتمُ العزيز .
الكلّ بفضل سلمين أصبح كاتباً في علوِّ كعبٍ وبفضل الشّيخ ومن وازاهم في الفضل والخير ؛ فمن منّا يدعي على الآخر ؟!
أسلمين كتب " مرعى ولا كالسّعدان "؟!
ولسلمين البرلنت الخاص !
من يُخطأ الأسلوب في سلمين ؟! ولكنّ ليس هناك من يعرف بعد ؛ مَن الذي كتب " مرعى ولا كالسّعدان "ولا ...!
ولا مَن يعرف ذاكَ الذي كتب ذلكَ الكم ليس القليل من القصائد والقصص المبهرة على صج الفلج تحت الرّفصة ؛ والأسلوب غريب وليس واحداً كما وُصِفَ ، كتاباتُ الكلِّ شيءٍ كما يحلو لي أنا عامر تسميتها ؛ والبحث جارٍ عى قدم ٍوساق ٍ ، سيأتي قابل الأيّام بما يخضع الأمر للحقيقة ؛ كما اتّضح شيءٌ من ذلك ، ولكنّ هناك أمسَ الغدِ كما ليس هناك غدُ الأمس ِ؛ وليس هناك من قاريءٍ لا يدقُّ ويعضل على فهمه شيءٌ كالعمِّ أبي مهدي بعد سلمين والشّيخ .
كم كانت النّاس تتوّهم الخصوصيّة في النّفس أو الإختصاص والصّلاحية ؛ مخدوعة بالسّتر والذاتيّة ووهم الأمان والفرديّة ؛ شيءٌ مزعجٌ للغاية ، ومقتحم لكلِّ دخيلة ومكنون ٍ ، وهل من إزعاج يفوق هذا النّحر والطّعن ؟!
ولكنّ البلد قد لبست ثوب الفرح القشيب ؛ ولم يُثنِها شيءٌ لم يزل بلا تحصّلٍ أو تبلور ؛ والقلق لا يكون إلّا سبباً لعظام الأمور ، وبلد الصّد بلد سعنة وسلمين أكبر من هذا ؛ كما هي بلد ضحي بلد الفن والعلم وتكريم بني آدم أكبر ؛ وها هو ضحي وإبنه بهيج قد تمّ وصلهم ووصولهم ؛ للمشاركة في حفل انطلاق التعليم وافتتاح المباني التي هي صروحٌ ومناراتٌ شامخةٌ في الفكر والعقل والعمل ؛ وليست سوى بيوتاتٍ متواضعةٍ في النظر والسّمع .
وها نحن من بعد ما أصبحنا أخواناً وأهل تأتي لتفرّق وتعبث ببدنكَ الآية ؛ أنا أحب ابنة خالي وهو يحب ابنة عمّه وهي تحب ابن خالها ووتلك تحبُ ابن عمّتها ؛ والحبّ حبّان ، حبُّ قرابة ورحم وأهل ، وحبُّ إله وقلب ِ .
" والصدقة على القريب صدقة وصلة "
ولم يكن لي لا عمٌّ أو خالٌ أو خالةٌ أو عمّةٌ وهكذا الأقرب فالقريب .
" أخجل من وضع ابنتي في يد من عجز عن الظفر بقلبها " تصحيحاً لمقولةِ عمّي العظيم الهمام عن طريق أبوّته لزوجتي ؛ وجدّ أبنائي بمشيئة الله ، وأبي أعز ما على ظهر البسيطة على نفسي ؛ كما كنت أنا أعز ما عليها لها ، كم أنا أحبّك يا خالصة ، وكم أنا قليل أمام حبّك الكبير الطّاهر النقي ؛ لا أجهلُ أحَداً من أهلي ما أن أحبّوكِ ، وسأبصق عليهم ما أن كرهوكِ وأوّل المبصوقين سيكون أبي حتّى يرضى عن الله ومشيئته وإرادته وعن حبّه ورضاه ورحمته وموّدته ؛ كما توعّدت ِانتِ بهذا قبلي وبكلِّ شجاعة ؛ ومن الأولى - وأنا الرّجل - أن أكون الأشجع وأن آخذ موقعكِ من قبل أن تردّيه إليَّ ؛ ليس غيْرة ًحسداً إنّما أطمح لأن أحبّك أكثر وأكبر ممّا وصلت إليه من حبّك ؛ كم أنتِ عظيمة يا خالصة !
وكم هو إلهٌ أعظم !.
بجنب حفل بهيج ؛ أهل مقطع يحوشوا ويدعو لوليمة " الختان " الذبائح معهودة من أهل مقطع والكرم ؛ والحيلوه إضفاءٌ ، تغنّي وتصدح في صبغة ساخرةٍ ساحرة وهو المعروف عن فن الحيلوه الترفيهي " يتوحني م المطعم سارب " " وتفق ناصر طوع شيه ينقع "" ويدخل ف الجروف حدد " " ودبّوشه في الليل تهلس يفزاعوا منها الصغيرين "" روح ذاك الزمان بتو تحيده يوم نشراب السامن فلعصيده" والأخيرتان هي حيلوة غير أهل مقطع ؛ ولك أن تميّز هذا من الّلهجة والأسلوب ومن نقص حدّة السخريّة .
ورطن أحدهم :
- قنص سبعة وعاله من غير الظبى
وصبّوةٍ بين الرّكن متحقّنه .
فسأله بلهجة المقطعي بعَجبٍ واندهاش ٍ:
- مو يعنلّها ؟!
فقال شارحاً وبسرعة البرق متذمّراً من قصر فهمه :
- فرجْها شي موه !
والّليلة حفل الزّار مع الأب خلفان وخليفته الأب الأصغر مسعود الشّويني صاحب فن الميدان المُحكم وفن التشحشح ؛ وأظنّ حفل الزار هو حفل الوداع بعد أن تضاءلت شعبيّة هذا الفن وحوربت ؛ ونقص عددُ المؤمنين به خارج إطار الترفيه وما يُقدّم من مأكول ٍومشروب ؛ وما فيه من ممارسات فكاهيّة وتعارف .
ويشتكي أحد القوّاد الميدانيين وأرفع المدبّرين والمنظّمين :
- أبوييه ولد جمعوه يقولّي بق !.
ولا يلتفت الأب عقاباً ٍلضعف وركاكة التنظيم ؛ وردّة فعل لفداحة التجاوزات والإنحرافات والإختراقات .
وها هو جمعة الزّفّين قد أطلَّ ينفّس في البرغوم وهو الوحيد بين أهل البلد القادر على هذا الفعل ؛ فهناك من ينفخ البرغوم ولكن ليس بذلك الإحتراف والجمال ؛ وجميّل يبوّد ويقول ويصف ويورد من الرزحة ؛ وابن عناد وغيرهم ، ومرزوق من القطّافي والميدان ، والواحد يُشالُّ الآخر ، وها هو الزّفِين والتّمكن ورمي السّيف شاهقاً وتلقّفه أو ردّه حتى يستقيم ؛ والصّفوف تدور ، والكاسر غير العود أو الكبير .
والشّيخ وسلمين والعم أبو مهدي وغيرهم يتناوبوا بين خدمة الضيوف وبين الإستمتاع أو المشاركة ؛ الشّيخ سعنة زفّين معروف ، وسلمين طرَبي ، والعم أبو مهدي لا يقل ، وما أتى شيءٌ من نفسه ، ولكنّ ماذا فعل عدي بن خلفان وخلفه في مصبّح أو غيره على امتداد الزمان وفسحةِ المكان ؟!
ماذا فعلوا مقابل ...
قالها ذات يوم ٍالفأرُ للهرِّ :
إكفنا شرّك يا خليلي
وأمّا الخير منك فقد كفاني .
ولكنّ القائلَ بشرٌ وهو أضعفُ الأسف .
فكيف السّبيل إلى التحاشي غير حكمة الهر مع الفأر ؛ والذئب مع الثعلب ، والأسد مع الذئب ، والقوّة لا غير طال الزمان أو قصر ؛ وانتَ لمّا تزل على جدّك عدي ووالدك مصبّح ؛ وذنَبُك في صف طويل ينتظر دوره في الحكِّ وتملّي حلاوة الدُّبر في القُبلِ ..
ولكنّهم لو فطنوا بأنّك عاجز عن حكّ نفسك ؛ لحكّ كلُّ من فيهم نفسه واكتفى ذاتيّاً بما يكفلُ له - على الأقل - حياة الكرم والعزّة في الحكِّ .
وها هي ؛ على اتّساع رقعةِ آدم ٍالجليل بإثبات قوّة العقل في بديع الفعل والقول ؛ بدتْ الآفات والعلل ، وشاعت الأفكار السّوادويّة والقنوط واليأس والممل والكسَل والخمول والنّوم والضعف والخلل في كلّ شيء طبيعي سليم ؛ وكأنّنا بك بأن لا مكان للبناء والإقامة إلّا على أنقاض الصروح والشّواهق التي تشهد أبداً للحياة على الموت ؛ وأنتَ القهقري تحكّ الموت شهادةً على الحياة !.
وظهرت الخلافات بين أولاد الصّد الذين أبدوا كلّ ذلك من أشياء حُرمَ منها نظرائهم ؛ وفي الحدرة وجدَت ابنة مسعودٍ - وهو يجد النخلة - وجدتْ ذاتَ الكومة من القصص والقصائد التي عثر عليها خالد وحمدون وسعيد ؛ وثمّة إحالة أخرى :
- " إذا ما سدّن القفر لا تنفضي الهماد ، شلّي العذوق وخليهن في السِّيوان بعيد عن الصوار ؛ وخليي السّح علين أحبط واروح البيت أجيب قفر أنتو ما تندلّوهن هين ".
- نزين باه .
وهناك أخوها يركض بالجبّة والمخرافة والزبيل ؛ لينقّي الرطب قبل السّح !.
االثلاثاء25/6/2013







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 26-06-2013, 11:36 AM رقم المشاركة : 120
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

سنلتقي الثلاثاء القادم ما أن قيض الله لنا اللقاء .







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 30-06-2013, 12:12 PM رقم المشاركة : 121
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

(11)
وبعد أن نهقت الحمير وتنابحت الكلاب للمرّة الثالثة ؛ انجابت الغيومُ ، فاستقرّت الأنفس على قرارها المزمع ؛ قرار الرّحلة إلى حلّوت ، حلوت وما أدراك ما حلّوت ، مضرب المثل في البرد القارس " هين يغيب البرد عن حلّوت ".
وها هو سراج يظهر بجديد العام ِ في عادته التي انبثقتْ من عملهِ الإضافي ومهمّته الأعلى والأسمى على كلِّ عام ؛ عادة " التهلولة " ، يُشيعُ في البلد الخبرَ الذي انتظره الجميع بفارغ الصّبر وبما لهم من وسع ٍوطاقةٍ ؛ إنّه نبأ خروج " حبن " من عزلته واعتكافه الذي كان نذراً عليه ؛ حبن يظهر وهو يتعهّد بتعليم القنص والرمي لمن أراد ؛ ويخرج بقصائد غريبةٍ كادت تحطُّ من قدرهِ بعد أن شاعت على رقعة واسعةٍ وتداولها الكثيرُ ؛ حتّى خرجت عن إطارها السّماعي إلى القياسي في أشرطةٍ وتسجيلاتٍ شخصيّة .
رأى الكثير في هذا بأنّه متعة التجريب .
الحيلة هي مسقط رأس حبن وهي ستكون محطّة مهمّة من محطّات الرحلة إلى حلّوت بعد بو قطيفه وحيل الحمر والجيلة وحبينه ؛ الكل يعد ما يلزم للرّحلة التي هي شغف أضياف البلد أكثر من أهلها ؛ وعلى هامش أعمال الإعداد للرّحلة ؛ جلس الكثير لمناقشة ما كان من تجاوزات في سهرة الزّار لليلة أمس ٍ؛ فتساءل علي بشيء من الوجل يخفي الكثير من التهكّم :
- أتظنّه سيتغاظى عنه ؟!
فقال ناصر ضاحكاً :
- خلفان صحّحَ الأمرَ ، أقنعه بأنّ كلمة بق كانت بسبب عدم رضاه عن الطبل ؛ كان ما مشحوط !.
فأكّد أغلب الحضور على الأمر :
- الطبل يُعد الجزء الأكبر والأهم قداسة في الأمر !
وعلى الفرح الغامر بشفاء الزفّين ولد كنان وخدن الطبل ولد حليس يأتى تراجعُ أبي سيف عن قرار تخلّيه عن قول الشّعر وضرب الطبل في جميع المناسبات بشتّى صورها ؛ منذ آخر شحيدٍ له في بداية شهر الحج الماضي لأسباب فضّل عدم الإفصاح عنها ؛ واكتمل الحضور بحضور الشّيخ وسلمين وأبي مهدي وحميد وحمد ومرزوق وجميّل وعُمر وعامر وأضيافهم من بلد ضحي الذين تقام بإسمهم وعلى شرفهم الرّحلة ؛ المراجل تفوح ، واتجّه الشّيخ بمجرّد وصوله إلى إلقاء نظرةٍ على المراجل ؛ وبمجرّد إغماده الزوره في محتوى المرجل ؛ لاحت ذات القصائد والقصص شفقاً في أثر السّحاب ؛ سبّح من رأى ومن لم ير ، وتحلّق الجميع في تناوب على الأمر ، كلّما ضرب أحدهم في محتوى المرجل ؛ كانت النتيجة واحدةً ، وعلى كلّ المراجل ، أمسكوا ما قدروا عليه ، وكان الأغرب في الأمر ليس هناك من أثر لا على الخط ولا على الورق ؛ الكتابة واضحة والخط مقروءٌ رغم أنّ الطعام كان على درجة من الإنضاج وعلى وشك إنزاله عن الأثافي ؛ والنار لم يتبق منعا غير الجمر .
وهناك إشارة بذات لهجة أهل البلد :
- بسّه حدروه ! ، يا سلالة المسلّة والسّفن والموقعه وشكّ المزرد !.
وما أوشكت الجروح أن تلتئم بدى التزعزع في علائق راسخةٍ والتخلخل في نسيج البلد وأواصرها ؛ والكل في تردّد وخوفٍ وضعفٍ وانكسار ورغبة ونكوص عن ممارسة فروضه الحتميّة ؛ وواصلت بهذا السلبيّة في شقّ الطريق ضاربة أعلى المعدّلات والمقاييس ؛ وكان الأمر أرهق البلد وأشكل فضرب في عصب ونسيج كلِّ شيء حي وإن تظاهروا بغير هذا ؛ والدليل مبهم ، وهل من مدلول على شيء بلا مصدر ؟!.
هلّل الجميع ، وقالوا بصوت واحد صلّوا على الحبيب المصطفى محمّد بن عبدالله .
فتلا سلمين الآية " وكذلك جعلنا لكلّ نبي عدوا شياطين الإنس والجن .. "
فقال الشّيخ :
- لن يعنى أحدكم بالأمر أو يأبه .
فقال الحضور :
- غير عابئين .
والتفت مسعود إلى الحضور وهو يقول ضاحكاً :
- هذه هيّه سالفتينا البارحة ، جدّيت البوسيف والطّيبي وما شي شفت ؛ قمت أجد البرني دارت تظهر حال البنيّة ؛ وفوق هذا حمّلت ولادي مسؤوليّة ضياع الميراد البج ؛ وأفرد يده وهو يقول ..
شوفوا كيف النيلون وكَلْ يديني .
حبل النيلون قد حزّ في يده بأثر بالغ لا يخفى على عاقل .
وقمت حال المصطاح مستكاود والأولاد يخرطوا ويعسفوا خمل ؛ لقيتها هيه وسمع بو مكتوب حيتها " نهيّدك ونحرصك جدّيتوا وتربّعتوا ولّا بعدكم خلّولنا شوية تربعيّه نحن فطرة مسجد الحماميين ووقف مسجد الزّام ووقف السّبلة "
فحاول حبن أن يتكلّم إلّا أنّ أحدهم انتهره قائلاً له :
- استأذن الشّيخ قبل الكلام .
بدا انطباع الرّفض على وجه الشيخ وهو يقول :
- مادام الكل صامت نريد نسمع ، تكلّم حبن والكل يجيب الّلي عنده .
فقال حبن بانزعاج :
- يا خويه أنا ما حبن ؛ وحبن ، ونتوه نتوه ؛ وما نتوه ، ورفع من نبرته ..
أقول ما حد حال نفسه !
فقال الشّيخ :
- أفرغتني من مسئوليّة غيرك وهذا أعدّه فضل منّك ؛ وذهب في توعّده وفي لهجته غير الراضية تماماً عن الفعل ..
سلعتك مدلّسة مغشوشة بايرة ، وسالفتك ما يطلابها ويصفرها مراجل عقّال ؛ أنا وبعدني وأنا سعنة وهذه الرجال مرجلنا ما تثوّربه خوصه !.
أتوا بالعوال ، والبريّة ، بعد أن أخذوا المراجل بلحمها وطرّشوا وبعثوا ببعضها إلى بيت خميس بن خلفان ليوزّعه على النّساء والصّغار وعلى من تبقى في البلد أو زائرها ؛ وقالوا :
- ليس هناك من ينزغ بيننا ، إذا كنتوا لنا أحباباً أخواناً تنتظمون في سلكنا وتسمتون في سمتنا فأهلاً ومرحباً في الفرح والترح وغير هذا ما معنا ؛ وهذا القاشع والعوال بغيتوا سحناه أو معصورة عوال ؛ فالأمر راجع إليكم ، وعن السّح حال الفطرة والوقف والمساجد ؛ فأحسن لكم سحّ الجيلة عن خمل هالمسكين مسعود ؛ سح الجيلة مضرب المثل في لون وطعم السّح .
وانطلقوا في مسعاهم إلى حلّوت مروراً بالكثير من المناطق الجبليّة التي تعدّ حواضر البلد وتوابعها ؛ وتشكّل امتداداً هامّاً لثقلها السّكاني ومواردها الطبيعيّة ؛ لم يشكّل الأمر أدنى انطباع سيّءٍ على الضيوف ؛ وتساءل عزّان عند انشغال الشّيخ عنه وهو يؤلّف في لهجات أهل البلد وتوابعها ؛ كما تفعل في ذلك إحداهنّ بجانب النّساء :
- أيش تعني كلمة الوشره ؟!
فقال حميد :
- الله يرحمك يا خليفين ، الوشره هذه كلمة لم نعرفها إلّا عن خليفين كشأن الكثير من المفردات ؛ ويقصد بها ذات الطينة أو نفس الطينة ، وهنا يعني ما يفرق سلوك وفعل هذا عن هذا ؛ والحال واحد .
وتساءل مبارك هو الآخر :
- يخضج ، معنى يخضج ؟!
فقال حمد وقد أتمّ قراءة جديد سلمين الذي أهداه إليه حصريّاً قبل أي أحدٍ بمناسبة خطوبة ابنته سُعدى لإبنه سالم :
- اقرأها هنا ، فناولها ما انتهى من قراءته للتو .
ثم اختصر عليه طريق وزمن البحث وقال :
- يخضج هي مرادف يتحنّى ، وهي أن تضع رجليك أو مع يديك في إناء الحنّا ؛ وهذا للكبار ، أمّا الصغار يتطلّب أن تحنّيهم قبل النوم وذلك بربط الحنّا على أرجلهم وأيديهم .
وتساءل درواس :
- معنى الغيل ؟
ولكنّه استدرك قائلاً هذه وغيرها ما سنعرفه في يوم الصّد قبل رحلتنا إيابنا بيوم على ماهو متّفقٌ عليه ؛ بعد الشروع في التدريس وأخذ الأماكن غرضها .
واكتمل المجلس ، ووضع الطعام ، ومناخ حلّوت في عزّ الصيف برداً قارساً على غير معتاده ؛ عندها وقبل البدء في الأكل قال الشّيخ :
- اسمحوا أن أطلعكم على آخر أخبارنا السّعيدة ؛ يسرنا أن نفصح ونعلن رسميّاً عن خطبة سعدى بنت حمد لسالم ابن سلمين ؛ وخطبة أختها شفق لغيث ابن علي ، وخطبة ضفاف بنت حميد لعيّاد ابن ناصر ؛ بارك الحضور لمن حضر من أولي الشأن أو لمن حضر من ذويهم وأقاربهم ؛ وكلُّ يعزم على الآخر إلى أن قال الشيخ :
- عرفنا وعادتنا أوّل من يمد يدينه الضيوف .
تناولوا رؤوس الذبائح التي تتربّع رفق أو صحون العيش ؛ وهذا ما عرفوه من قبل عادةً عن أهل البلد ؛ وقام كلٌّ منهم بفتح الرأس ، ومن ثمّ امتدّت الأيادي إلى الأكل ، وبعد أن أتمّوا العشاء ، قام الجميع ويتقدّمهم الشّيخ إلى تمهيد مكان النوم ؛ ووضع الفراش والوسائد وما شاكل من فرشٍ ومواطيء موطّأةٍ ؛ ومنها انطلقت جلسة سمر العمر ، وكان كلُّ من فيهم قد تعهّد وأقسم جهد إيمانه بأن يأتي بكل ما أخفاه ويبسطه بوحاً شفيفاً ويلقيه جليّاً وسط أصحابه ؛ عدى أسرار بيته وأهله ، والكلّ قاريء وأديب بلا مراءٍ أو صدام ؛ وبدت الجلسة في انسجام تامٍّ مع حكاوي وقصص البلدين ؛ وتدفّقت مع نسيم الّليل البارد ، وعليها زادت وتيرة تساقط الشّهب حتّى بدا الّليل كفلقةِ الفجرِ ؛ فاوّل الجميع الإستعاذة إلى سلمين فيكونون في أثره وشرع سلمين :
- الّلهم إنّا نعوذك بك من شرِّ السّماء في حاصبها ؛ ومائها وظُلّتها ومن كِسفها وخسوفها وكسوفها ومن صاعقتها وصيحتها ورجفتها وصرصرها وسمومها ؛ الّلهم إنا نعوذ بك من شرّ السّماء في جميع غضبك قليله أو عظيمه ؛ ومن شؤمِ أحمر عادٍ في الأمس وفي اليوم وفي الغد .
وعندما أتمّ استعاذته ، ناظرهُ حبن فقال :
- ومن شرّور أنفسنا في غير ما أكلنا وشربنا وركبنا !
فامتدّ المجلس بالضحك ، وقال الشّيخ :
- ونعوذ بك من غير شخصنا !
ثمّ قال لحمد أنت اليوم أسعدنا وهو يوم زواج كريمتيك وريحانتيك ؛ وأنت أكثرنا قراءة لجنس القص من الأدب وسهرتنا كما تعلم قصّة ؛ هاتِ ما عندك ..
وباختصار كفقرةٍ ممّا نصّت عليه بنود الإتّفاق في طريقة السّرد ؛ بدأ حمد يسرد قصّة الشّيخ والشّاوي .
" علّمنا أنّه قد أتى أحد سكّان الجبال إلى من وجد فيهم الترحيب وسعة الصدر والكرم حال نزوله إلى البلد في مسار قضاء حاجّةٍ أو للوقوف على ما يملك من نخلٍ ومزارع وأموال ؛ وبحث عن الشّيخ ولم يجده في سائر أمواله ولا في بيته ؛ فعاد إلى البيت ليسأل زوجته هل آب إلى البيت أم لا ؟!
فكان الجواب بلا ، ولكن إذهب إليه في المسجد لعلّك تجده ؛ فذهب إلى المسجد ، وكان آخر ما يخطر على باله ، فوجد الشّيخ - ضحى - منكبّاً على قراءة القرءان ؛ ناداه ولم يجبه ، حتّى ألحَّ في النداء وأسمع الحاضر والغائب ؛ أومأ الشّيخ إليه لينتظر ، إلّا أنّه عيل صبره ، وعندها قام إلى الشّيخ وسحبه من طرف ثوبه إلى خارج المسجد ؛ وقال :
- أنته تعرف أنا ما تقهوى بدونك .
حوقل الشيخ ، وذهب به إلى المنزل ، تقهوى وأكل وشرب ، حتّى أستأذن وانصرف ، وبلا جدوى كالعادة من محاولة الشّيخ إذعانه لتعلّم الصلاة وبعض أسس أركان الدّين ؛ وهكذا كلّما أتى يوم لا يبحث عن الشّيخ إلّا ابتداءً من المسجد ؛ وكان أكثر الأوقات يعثر عليه في المسجد ؛ حتّى ذات يوم وقد برِمَ من إلحاحه عليه بتعليمه الصّلاة وو ؛ وهذا واجب وفرض ديني على الشّيخ لأنّه أصبح له صاحب وضيف على كل نزول له إلى البلد ؛ فقال للشّيخ :
- أنته تقرأ وتصلّي ودومك في المسجد ؛ أسألك شيء عندك قرش واحد ؟!
وأنا ما أقرأ ولا أصلّي وأقدر أشتري كل مالك .
فضحك المسجد حتّى تبسّم الله في عليائه ".
ضفّق الجميع إعجاباً وطلبوا الإستزاده من حمد لولا ضيق الوقت الذي تمّ توزيعه على كلّ فرد .
وأتى دور عزّان أحد ضيفان البلد ؛ وبدأ في قصّة " الضيغم "
" الضّيغم ، وللضيغم - كشأن سائر المخلوقات - من المتناقضات ؛ جبن وشجاعة وكرامة وو ، من جبنه هروبه من صوت الديك وو ..
تصوّروا !
وهنا الضيغم غيرهُ الضيغم مع الغزال المرأة ولكنّه مع المرأة الغزال . وفي إحدى الأيّام أتى الضيغم ملتمساً طعاماً ؛ ففتح الشبكَ وولج الدّارَ فخرجَ ، وأحسّت به الغزالةُ ذات الشأن ، فصرختْ :
- واهوف معروف معروف !
فقيل لها :
- لمَ لم تستغيثي ليُمسك به .
فقالت برشاقة :
- إذا أُمسَكَ به فكيف سيأتي غداً ؟! "
فقال الجميع :
- قصّة عبرةٌ ! تعالج العجز عن الإفصاح بالحب والرّغبة الدفينين اتّقاءً لفقد الموجود والمتيسّر منهما ؛ أو طلب القادم الأجمل والأكثر والأكبر والأطول .
وقصّ كلُّ واحد قصّةً حتّى أتت قصّة " الحضار " لسراج " ..
"الحضار شوك ، من شجر السّدر أو سمر أو غيره ، وليس هناك من يهوى الشوك ولكنّ عند وجود حاجة الحاجةِ حاجةً إلى الشوك ؛ يقفز في الشّوك عنصره الأهم ، عنصر الذود والدفع ضد كل مجتريء أو مقتحم ٍلحدود وأملاك غيره ؛ لولا الشّوك ما حُصدت بذورٌ ولا جني ثمرٌ ولا حُصِّل طعامٌ ؛ ومنذ أن رأى سمّور في الحضار مجاراةً لكلّ ما هو أجمل وأقل ضرراً ؛ عمد إلى سائر السّدر والسلم والسمر المحيط بمزارعه وقطعه ولكن من غير أصله ؛ رغم كونه حضاراً منيعاً وطبيعيّاً بدون موجدٍ غير موجدهِ المباشر ؛ وهكذا جانبَ سمّور الحضار َبمجافاة أشجاره ؛ وكان الشّبك جديدَ اليوم ِ، وفي يوم من الأيّام قال لزوجته وهو يحاورها :
- لقيت الحضار مفجوج ، وحد جاحس من تحته !
فقالت :
- الضّاحية ما تحتاج حضار ، أنت حضارها .
ومنذ ذلك اليوم وهو يجد آثارَ تخريب أو سرقة في مزرعته ؛ حتّى أتى اليوم الذي عثر فيه على ما يدلّه على صاحب الفعل إلّا أنّه لم يقوَ على الإمساك به أو على الأقل الإيقاع به داخل المزرعة في وقت من الأوقات ؛ وبعد تأكّده من أنه هو وبعد يأسه منه بادره قائلاً :
- أوّل يوم الحضار حضار ما رمت تدخل ؛ تو جيت عاد تفجّ الشرباك وتسرق يالّلص ! ؛
لكن ما عليك يلّك يومك الّلي ما تعداها .
فقال له المتّهم مستنكراً لرميه بهذه الصّفة :
- أقول باه ! أحسن لك ترجع إلى الحضار بمعناها البلدي ! "
ومن ثمّ التفت الحضور إلى عُمر ، فانخرط في قصّة " السّيّارة "..
" السّيّارة عظمَ من اختراع ٍ، ويُحكى ممّا سمعت بأنّه عندما عُرفتَ السّيّارةُ في بلد من البلدان ؛ كان هناك سكّان الجبالِ المجاورةِ ، وممّن لم يطّلعوا بعد على شيءٍ في الحياة ؛ وخروجهم على نطاق ضيّق لا يتعدّى أماكنهم ، قال لي :
- أنّني كنت أقود السّيّارة في بلدكم هذا ؛ وفجأة لاح لي أحدهم بحزاقه ونعاله الموتر وهي صنعهم لأنفسهم كشأن بعض صناعاتهم الأخرى التي تفي بغرضهم وتسدّ حاجاتهم وتلبّي مسلتزماتهم ؛ رأيته وأنا أدنو منه - طرديّاً أو عكسيّاً - هو يرجع إلى الخلف بعد أن أولاني سائر اهتمامه واندهاشه وكنت هذا ما أظنّه قبل أن أتأكّد من أنّه كان مذعوراً مرتاعاً مرعوباً منهلعاً ؛ حتّى نسي ما خلفه تماماً ، وكلّما دنوت منه يعود هو للخلف ، إلى أن سقط بسائر جسده وعلى عجيزته وقاعدته في حرش المغيلان ؛ لم تطاوعني نفسي ألّا أراه وأطمئن على حال أو على صحّة قواه العقليّة ؛ وعند نزولي لم أجده ، غير أنّني وجدتُ أثرَ وقوعه باقياً على الورق وحتّى الشوك ؛ ذهبت متعجّباً ، وفي اليوم التالي رأيته بمعيّت أحدِ أهل ِالبلدِ ؛ إقتربت منه ، سألته عن حاله فتأكّدت بأنّه في تمام وعيه وقواه العقليّة ؛ لم أطّرّق معه ولم أطّرّف إلى الحديث عمّا كان منه لأنّني رأيته للمرّة الثانية بعد أن ركبَ السّيارة ؛ رأيته وهو يسقط بذات السبب ، غير أنّني لم أجد أثراً لسقوطه كالمرّة الأولى ؛ ومنها ضاع أثر القاعدة بمبرر تيسّر الموجود في عدم الحاجة حتّى حين "
فالتفتُ إلى صاحب القصّة وقال سلمين :
" ليس بوسعي القراءة حتّى أفرغ من التزامي تجاه ما بدأته من الكتابة "
صفّق الجميع ، واختصاراً للوقت أكبّوا على الشيخ - بعد سماع قصّته ثالث قصص الجلسة - ليختتمها بالتغرود ؛ حاول التعذّر ولكن وجد الرفض ، وبدأ في إسماعهم بعضاً ممَا نظم من تغرود .
الثلاثاء/2/7/2013







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 02-07-2013, 11:01 AM رقم المشاركة : 122
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

(12)
وكان يوم تنقاي السّح ، وهي مرحلة من مراحلهِ قبل أن يصل إلى مرحلة الكنز ثم المرحلة الأخيرة القلع للأكل شتاءً أو بعد ذهاب الرطب ، كان الدبي قد بدأ لحظة هجومه ، وكدوس السّح قد وصلت حد نصف الجدار أو ما فوق ذلك بقليل ؛ وكدسان قد دانن السّقف بقليل ، وكانت بركة ، وليست بليّة كما ادّعى سلمين بقوله " عاد داخل البليّه " فاستغفر للمرّة الرابعة وقال :
- هذه بركة يا سلمين ما بليّه !
وكنت أنا أحكي لكِ قصصهم عقب كلِّ سهرة ؛ في قالبٍ أدبيٍّ هو عدو الملل والكلال ؛ وأنتِ تطلبي الأكثر حتّى نمتُ في صدركِ ، ومنها بدأتِ في سرد قصصك الأجمل بالمفهوم البلدي ممزوجاً بالعربي الفصيح ؛ واستقيتِ مبرّركِ الوجيه في هذا ؛ بأنّ العربيّة أو الّلهجة القرشيّة التي نعرفها الآن ما كانت غير وليد أو وريث لما سبق من لهجات عربيّة ؛ ولهجاتنا إن لم تكن من تلك الّلهجات فهي على الأقل شيئاً من سليقتنا ؛ فقلت لك ِ:
- ولكن كيف سيفهم الآخر لهجة القطر الآخر ؛ أو الّلهجات المتعددة داخل القطر الواحد ؛ أو المحلّة الواحدة ناهيك عن البلد ؟!
فأسمعتيني قصّة " شخص الشّيخ " بصوتك النغم الذي أويقظني بهدوئهِ ؛ رغم أنني سمعت القصّة من الشّيخ نفسه ليلة أمس وكانت بضمير المتكلّم ؛ وأنا لا أحب ضمير المتكلّم إلّا في الشّعر "أتاني والوقت حرٌّ ، وأنا في أقصى درجات الحاجة للنّوم ِ؛ أو لأخذ غفوة القيلولة " أقيلوا فإنّ الشّياطين لا تقيل "وزعق في ذهني :
- أسألك تبيعه السّقح ؟!
فضحكتُ ، وسيضحك كلُّ مَن يرى فيه بأنّه عنى غير مسمّى لأحدِ مزارعي ؛ فلو قال مزرع السّقح لكان أولى .
فقلتُ له ضاحكا وقد هرب نومي وتعبي :
- هش وبش ، ولكن السّقح ما يبتاع !
فرأيته يخاتلني ، حتى وصل إلى خاصرتي ، فأبعدتُ يدَهُ بهدوء وكنت أظنّ بأنّه مبعوث لإثارتي ولإخراجي من حِلمي ؛ إلّا أنّني تذكّرتُ بأنّني شخص الشّيخ ولستُ شيخ الشّخص ؛ كشأن جلّاسي وأخلّاني وأحبابي فهم شخص فلان وليس فلان الشّخص ! وغير هذا أأباه عليهم ولهم .
وأذهبَ بشكّوكي وريبتي حيث أبدى مطلبه متوسّلاً في خضوع كلّي واستسلام :
- شي معك منها أذيه الهواله ؟!
فأدركتُ من حاجته الماسّة ، أهميّة حاجتي إليه وإلى غيره في ظرف من الظروف ؛ فهو الآن غير شخص ذاته وإنّما شخص الحاجة .
فأدركت كم هو الإنسان حقير خارج شخصه مهما بلغت حاجته ؛ فالحاجة يجب ألّا تخرجنا عن شخص ذواتنا ؛ فقلتُ :
- أفا ، أنتَ ودّرتْ الّلي يداوي الطّارش بمطلوبك !
فأبى يبارحين :
- وقال أنا أريدها عندك أنته موصوفه لّي .
ذهب وقتٌ وهو في وضع يُرثى له من الإرهاق والتشّتت والحيره ؛ فبحثتُ عاجزاً عن أمر أعلّله به ، إلّا أنّه وكمن تذكّر شيئاً ، أنزل مصرّه من رأسه وأفرده ، وإذا به وهو ينبش صائحاً ببهوت :
- هذه نسينها من زمان في هذا المصرّ ؛ طانفنها واليوم جت حاجتها ، وكل ذخرةٍ تنفع !
وما أن وضعها تحت شفتيه بداخل الفم ؛ وجدتُ من أمامي ليس هو ، وكأنّ هناك من أنقذهُ من تدهورٍ ، أو انتشلهُ من غيابتِ جُبٍّ ، بدا في تمام اتّزانه حديثاً وحركةً ؛ ومنها كانَ عُذري المستساغ لشخصِ من أرسله إليّ بعد أن أفضى بشخصه به إليَّ "
وهكذا انتهت قصّة الشّيخ سعنة وبها انتهى سؤالي ؛ وقصصتِ علي آخر قصّصكِ ، ووصفتُ أسلوبكِ في القصِّ راوٍ وكاتبٌ كفعل تنقاي السّح ، بنزع القمعة أو الغطاةَ وهي فعل بلدي أصيل ؛ والأمر يأخذ وقتاً ، وعندما سألتكُ ما الداعي من هذا ؟!
فكان جوابكِ هو لتحاشي خراب التمر ؛ وكما يُدعى محليّاً يفس ويتغيّر لونه وطعمه وملمسه وسُمكهِ ؛ وهناك سبب أهمّ إلّا وهو لتنظيف التمر - خارجيّاً - ممّا لا يؤكل !
وعلى أثر وصفي لكِ وصفتِ أسلوبي ؛ كمن يُحاول أن ينقذكِ سابحةً تغطس تدريجيّاً في طريق الغرَق الكلّي ؛ وقبل درجة واحدة من الغرق فقط ، أبزغُ لأنزعُ عنكِ كلَّ ثقل ِثيابكِ لتعودي للعوم ِوهي مزية المهارة في السّباحة أو هي السّباحة .
وأردفتِ - مستنتجةً - وقد فطنتِ لما لم أفطن له في قصّة " شخص الشّيخ " ؛ بأنّ القاسم المشترك بين العبرة في قصّة الشّيخ وقصصكَ بشكل عام هو الإدمان والتوق المتحرّق وبسط الهيمنة بقسوةِ جديّة العبث !
فأنتَ إلى هنا شخصي وأفتخر بهذا !
فقلتُ لكِ :
- ولكنّكِ أيضاً شخصي !
وعدتِ لتتولّين أمري وتحكي لي كيما تجعلي هذه بتلك وأُنيمكِ على صدري في سياق كلّ حكي ومساق كلِّ قصٍّ ؛ ووجدتكِ قد تمتِ بالفعل على صدري ، والرّاوي الذلقُ الذربُ قد جمح وجاشَ وتدفّق في أماكنَ وأماكنَ .
ولا أنسبُ شيئاً إليك وأنتِ الأنسب موضعاً ؛ كما ليس هناك قياساً إليكِ ، بما أنّ التأهب للإجتياز هو غير اجتاز التأهبِّ ؛ فقلتُ لكِ وقد أفقنا على صياح الصرّوخ :
- نسينا قصّة عامر " الصرّوخ "
فبدأتِ في الحكي فيتاميناً لصباحي وهرموناً منشّطاً " الصّروخ مخلوقٌ لا يخلو من الغرابة ؛ وأكثر غرابته تنصّب في صياحه الذي هو أعجب من عجب !
يبدأ في جرِّ الصّياح ولا تخفتُ وتيرته ولا يعيا ؛ لساعاتٍ متواصلةٍ وكدت أظن بأنّ هناك من ينوب عنه في هذه المهمّة من ذاتِ جنسهِ ؛ إلّا أنّ ما وجدته هو لا غير ذاك الصارخ أو جارُّ الصيّاح الأشبه بدوران محرّكٍ ؛ لا يتوقف إلّا لخلل أو نفاد طاقةٍ ، وطاقة الصرّوخ طبعاً طبيعيّة من ذات جسدهِ عكس المحرّكات الصّناعيّة ؛ ولكن لمجرد اختفاء صوت الصرّوخ في الشّتاء ؛ راودتني الشّكوك بأنّ طاقة الصرّوخ تتولّد من شدّة الحرّ ؛ كشأن ظهور الكثير من الخشاش على مدار العام في فصل الصيف أو عند بوادر الحرارة ؛ والرّابط السببي الأصل طبعاً للشّمس ، رغم وجودها في الشّتاء ، وهذا ما دعيته - إذا لم يدعَ قبلي - بالمصدر الواحد المتعدّد .
ولكن الشيء المعجز هو أنْ يظهرَ الصّروخُ من فصيلة النباتاتِ ؛ في أماكنٍ مّا . . .! "
ضحكتِ بإثارةٍ في مثار الإثارةِ ؛ وعلّقتِ بجزالةٍ :
- قصّة علميّة بامتياز أرادها عامر مثارَ بحثٍ وجدلٍ.
وعدتِ بكِ إلى مشروعكِ المستقبلي إلّا وهو " العين العامّي " وكم كنت أشفِقُ منكِ على الخليل بن أحمد على أوّل معجم ٍوضِعَ في الّلغة ؛ وأشفقُ منكِ على أبي الأسودِ الدؤلي في وضع النحو الواضح الذي وبسياقه المتّصل ترتبط الكثير من جوانب الّلغة الأخرى ؛ فهذان الإثنان ليسا أساس ما أتيا به إنّما هو فقط توثيقٌ وتبسيط وتسهيل للقراءة خاصّة ؛ فكيف كنّا سنقرأ ونميّز بين الكلمات ومواضعها بدون ما عرفنا من علامات الجر والنصب والرّفع ؟! وكيف كنّا على الأقل سنفهم الفرق بين معاني الكلماتِ ؛ ولكنّكِ قاطعتِني بقولكِ أنّ هناكَ من سوف يقوم بهذا إن لم يضعْهُ أبو الأسود ؛ ولكنّه كفى من بعدهِ مؤنة ومشقّة ما أتى به من ابداع ٍيتمثّل في شبه خلق ٍ.
أمّا أنتِ بمشروعكِ الجميل فستكونين الخلّاقَ المبتكر !
فقلتِ بتواضع جمٍّ وباستشعار استنكاري :
- كيف !
فقلت مستشعراً نباهتكِ :
- فعلاً المفردات موجودةٌ ومتداولة ، ولكنّ خلقكِ يكمن في الإنتخاب ؛ إنتخاب ما هو أقرب إلى الفهم ، كذلك في التقريب بينه وفُصحانا زجّاً به إلى السّطح بطريقة دفعه إلى العمق ؛ كونه شيئاً مهملاً تدويناً وتوثيقاً فقط تحت تسيّدِ الفصحى والتي هي براءٌ منّا ؛ فنحن ندّعي العربيّة ولكن ليس لنا منها شيءٌ يُذكر !
فقلتِ متسائلة وقد قبضتِ ما رميتُ إليه بدقّة متناهية :
- تقصد الفصاحة تكمن في النّطقِ لا إتقان الّلغة بأي شكلٍ غيره ؟!
فقلتُ فخوراً بمنجزِ فهمكِ :
- هذا لبُّ المعنى والفحوى وهدف مشروعكِ الأساس .
وتسوّرنا درءاً لكلِّ تغرةٍ في قانون المحميّاتِ الفكريّة وبراءات اختراع الصّرّوخ النباتي !
وعدنا لنضحك ، وقلتِ من باب سدّ العِلل مروّحةً من ثقل ٍ لم يكن :
- ما فعلته لنفسي كثيراً لكنّ في سبيلكَ أنتَ لم أفعل شيئاً سوف يذكرني به السّابقون والّلاحقون ..
وهززتِ رأسكِ وأنتِ تتوعّدينني ..
ولكنّ النيّة العظيمة موجودةٌ !
وقلتُ :
- لا وبال إلّا الوبال ولا وباء الّآ الوباءُ ولا عِكرُ إلّا العِكرُ.
وقبلتِني - بسِحرٍ كعادتكِ - قُبلةً الكهف الأسبوعيّة كما وصفتِها ؛ قبلةً غسلتِني بها من كلِّ رجسٍ الإسبوع وطهرتِني من كلِّ رجزهِ ؛ تلك التي غيرُ منهاجكِ في قبلتكِ المباغتة التي تختصر كلُّ شيءٍ لدي مِنْ أوّل شهقةِ ميلادي إلى آخر لحظتي في عمري ؛ فكم كنتِ أنانيّةً حتّى على نفسي !
وقلتِ مستلّةً ممّا ورد في القصّة :
- " بيتكم عوجاً لوجاً مبني بالتراقومي "" بيتنا عوجاً لوجاً مبني بالترابنجي "
وكم أسينا على الزوجِ ، ولكن لم تذهب عليه أنفسنا حسراتٌ .
فكم كان قاسياً أن أموتَ ولا أعرف عنّي شيئاً ؛ ولكنّ الأقسى والأمر أن أعرفَ وبها أعرفُ زيفَ ما يُدعى بالشّرفِ والمكانةِ ؛ ولكن السّؤال هو هل كنتُ سأكونُ ما أنا هو الآن ؟!
فغمزتِني بتلهّفٍ وأنتِ تبرزينَ موضع الأمس ِلأجدّد الأثرَ . وكان عمل التنقاي قد بلغ منتصف كدس ِالسّح ِ؛ وعندها كانت الإشارة الدائرة الحائرة :
" يا بنات السّقا والطوبج والمغبرة والمحماس ؛ يا بنات الكرب والطرافه والحطب ، ما دمتن تعرفن تقراين قراين هذا "
يا الخطمي ! لن يتركم ولا يلتكم أعمالكم ؛ وبرزتْ قصّة المدفن " وأقبل الشّتاء وأوشك عصام على فتح مدفنه ؛ من السّفرجل الدائري ، وقد أتتْ هي بالشّاموم والسّفرجل البوعنق ؛ وقد دنا العهد أو المقامرةُ الذي بموجبهما سيبلغ الأمر من عدمه ؛ فقد اشترطا أيُّ الأصناف الثلاثة سيكون الأصلح بعد يقائه هذه المدّة تحت الأرض في خرسٍ طينيٍّ ملفوفاً في جواني أو أكياس ٍقطنيّة أو ليفيّة مبلّلة بالماء .
فقالت بتوتّر :
- غريز واجد .
فقال بنفاد صبر دامَ عاماً تامّاً :
- غريز وغزير لكن خلاص بانت الجونيّة .
وعند إخراج السّفرجل الدائري ، كان الأجمل والأروى والأحفظ لمائه وطبيعته ؛ هي تعرف إنّ الأمر منها مجرد كذبة برئية ، وهو يدرك أنّ الأمر محقّقاً من اليوم ؛ فالشّاموم ما يميّزه عن السّفرجل بو عنق طعمه الحامض كالنارنج في بعض الأصناف ؛ والثلاثة قد كان له فيهما تجارب مسبقة وكسب الرّهان شيءٌ محقّقٌ بتوفّر وجودهما الإثنين ؛ فناظرها وهو يقول :
- خلاص كبرتِ ؛ لكنّي أمزح معش بس !
- فقالت :
- أعرفك تمزح ! "
توزّعت القصص والقصائد على حلقة الإجتماع ؛ وكان المزحُ الأكبر في ضحكٍ بلغ المجالس ؛ قاربوا بينها وما عثروا عليه في وصفها ؛ وكانت هي عينها في كلِّ شيءٍ ؛ ما عدا الإختلاف في الإشارة ارتباطاً بالموضع لا غير " علّها الجلبة لا تجمّبها "
" الجابية اليوم تغدف "
" الجابية اليوم ما مسدودة زين تسبّي "
" جوّد عليه هيّا الحلس والكاف في السدرة معلقات ؛ والثوج هنا عندي "
" باقي المجار بس خلاص مردود "
" يا سلام على الشمروخ ، برايك انته الحلو "
" هو فيك زبيبه ولّا بريره ؛ تعال نخيطها إذا ما نكبه أو رضّه ، إذا كلّه من الشّمس تدوروا بلا وطيه "
" أيش رايكن في المغزيلو يشرب الماي مثل البوش أقصد العنكبوت ؛ وكيف الملدغ والفنزيز والعبعب والفقاقه والجندب "
" مو أحسن الّلمبا الّلي ما فيه علف حال الملح ولّا الّلي فيه ؟!"
" موباغي صاك ما جيت ، أنا جيت هذا قدامكن إذا تعرفن القرايه "
" السّانق والحنيه والعيون في الفخ أو في المزفّاره ؛ والفخ حال الطير أحسن حزيك أو نسيم؟! "
" خشته أحسن لا تقصّه "
" مو هيه راجله تربط عليها شاه "
ومن هذا القبيل ونحوه .
ولكنّكِ أنتِ قبل كلِّ هذا وقبل كلِّ شيءٍ كنتِ معي ؛ فسمعنا في الأخير - وبعد تداول - قصص العرسان ؛ فالقصص الأجمل والأروع ؛ قصص سالمة وسعادة وشيخة والفارعة وكاذية ؛ وكنتِ وكنتُ في انتظار اليوم المشهود الذي ستتواردُ على أنبائه وتتقاطب سائر الحواضر والأباعد .
الخميس/4/7/2013







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 07-07-2013, 01:00 PM رقم المشاركة : 123
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

(13)
كان الابن ينفّض النخلة والعم أبو مهدي يُبيّن لأحدهم طريقة الشّرح التي ستجري للزوّار حال افتتاح بيوت التعليم :
- هذا الفخ في وضع النّصب أو الشبوكة أي في وضعه العملي ؛ ويكون الطّير أيّاً ما يكون ممّا يجتذبه الفخ في وضع مقابل للفخ ويكون صيد الطّير على مراحل أو هي مراحل عمل الفخ بعد صناعته ؛ بدءاً بتحديد وجود الطّير ، ثم ابعاده عن المكان بقصد نصب الفخ له فيه ؛ ثم العود إلى الطّير بعد تحديد موقعه الجديد ؛ ثم حوشه كما يوصف أو سوقه إلى الفخ حيثُ مكان وجوده السّابق ؛ الرّصد لحال الطّير ومراقبة الفخ ؛ ثم الجري للطّير حال العلوق أو الوقوع في الفخ وإخراجه حيّاً قبل أن يموت ؛ وهنا إن كان الطّير من نوع " جادع " فيلزم خطمه بريشةٍ من ريشهِ حتّى لا يعضّك أو ما على ما متعارف عليه مفاهيميّاً " ينقب " ؛ كذلك ممّا يلزم وجود الجراد أو الدود وهو العامل الأهم في عمليّة الفخ ؛ والجراد والدود هو ما يُغري الطّير للنّزول على الفخ ؛ وأهمّ الجراد هو المخيضروا لقوّة حركته في عين الطّير وإن تعتذّر فيكون ما تحصّل ؛ ومن أسباب زيادة فاعليّة عمل الفخ وجدواه ونجاحه ؛ وجوده في موضع مشمس أو مقابل للشّمس ؛ والدافع هنا يُعزا لفعل الحركة في عين الطّير ؛ فتكون حركة الجراد أقوى وألفت للطّير مقابل الشّمس ؛ وهذا ما يغوي الطّير بسرعة القمي أو النزول على الفخ ؛ وهذا نوع من طير الفخ يُدعى أبو جعيبه ؛ وهذا يُدعى الجادع ، وهذا البو دود ، وهذه المنسيقهْ ، وهذه حريروّهْ ، مسميّات بلديّة بحته ، وكلّ هذه طيور مهاجرة لا تتسنّى رؤيتها على مدار العام ؛ وفصلها يُدعى النيروز وهو فصل الخريف بعد الصّيف كما هو متعارف عليه عامّة ؛ وقد حدث في عام من الأعوام أن مات الجراد بسببٍ من الأسباب ؛ وجاعت الطّيور ولجأ هواة صيد الطّيور إلى الدود بعد تعذّر الجراد ؛ وهو يكون تحت لحاء أعواد الغشمر ، ومنها كانت صيد الطّير أسهل وأكثر ولكن بقيت المشكلة ؛ مشكلة مَن لم يعرف مكان وجود الدود أو استخراجه من النّشء الصّغار ؛ وبه كان عدم وجود الجراد عائقاً ، وشكّلَ لهم مانعاً مِن مزاولة شغفهم السّنوي ؛ وعادتهم التي يتحيّنونها بلهفة وحساب ودقّةٍ ؛ كموسم قنص العقعق ، فاستأثر بصيد ذلك العام الكبار العارفين والمحترفين حتّى أتى دوري فقمتُ بتعليم الصغار طريقة استخراج الدود من أعواد الغشمر ؛ وكان فرحتهم لا تُضاهى ، فرحة انجازٍ ونصر مؤزّرٍ تشّفّوا فيه ممّن امتنع عن إلهامهم وتعريفهم بطريقةِ دود الفخ أو دود فخ الطّير .
وناظره وقال متثبّتاً :
- هل فهمت ؟!
فقال باهتمام :
- نعم ، ولكن لوكان الدّرس - في الحقل - مراناً عمليّاً أو تطبيقيّاً كان أفضل وأرسخ .
أخذ بيده وهو يقول :
- هذا ليس مهمّاً ، تقدر تقوم بالأمر ذاتيّاً إذا ما استوعبتَ شرحي لكَ .
وتحوّلت الأعينُ إلى الجانب الآخر ؛ وكانت " شفق " وإلى جانبها أبوها تشرح بالورقة والقلم " الخنباشة الوجبة التقليديّة التي طالتها يدُ العسفِ الحضاري ؛ ففقدتْ نكهتها نظراً للخروج عن أهم قواعدها التي هي أسس واشتراطاتُ إعدادها ؛ إذ لم يعد السّمك المالح أو الميلح على قراءة خليفين ؛ كذلك البصل يُقلى ، وهذا خطأ كبير وتحريفٌ في تراث طعميٍّ ضاربٍ في جذر تاريخ المأكولات الشّعبيّة التقليديّة التي كانت هوسَ الذّوّاقين ؛ فأهم أعمدة إعداد الخنباش ، البصل الذي لم تلامسه نار بأي طريقة ؛ ثم السّمك المالح المغلي .
فقال أحد الحضور وهو يضمّ رسمة الخنباشة :
- الأهم الّلياقة ، بلا بلبلة أو قلاقل !
فلم تلتفتْ إليه وواصلت قائلة وهي تُناظر سُعدى باسمة الأسارير :
- الكلّ يجب أن يكون في تمام الحضور والإنصات والخشوع .
وأخذت سُعدى ناصية الحديث حاضّةً ومؤكّدةً :
- إن لم نعرف هذه الأشياء في هذا اليوم بالذّات ؛ ضاعت منّا غداً ..
وقال حميد في الجانب المقابل :
- هذه هي الغيلة ، طّين البناء ، وهذا التول أو الطفول ، وهذا السّبوس وهو ورق الشّعير أو البرّ والحنطة والقمح وهو السّبب الأهم لقوّة الطّين وتماسك البناء ؛ يقوم الرّجال بالحركة داخل الغيلة بعد وضع الماء عليها لمدّة ساعاتٍ زمنيّة حتّى تخرَس كما يوصف ويقوى تماسك الطّين ؛ ومنها يبدأ بالبناء ؛ ومن الغيلة مثل مشتقٌّ فيقال للذي خرب وفسد من البشر " ساح في الغيلة " كما يقابله مع النّيل والملح والنيل مادّة علاجيّة ؛ فيقال " ضاع ضياع النّيل أو ضياع الملح "
وهذا الرّطب يسمّى مقرّن وهو استواء الرّطب للربع ؛ والخالص هو الرّطبة استوتْ كاملة ، وهذا الخاموش وهو الرّطب الفاسد ، وهذه ما يُدعى بالقورهْ وهي فسيلة الشّجر ؛ وفسيلة النخل هذه وهي تُعرف بالقرين وهو عكس قرين الّلوبيا والفرق البسيط في نطق الرّاء ؛ كما انطقهما الآن ، وهذه نسبة السّفة وكما لكلّ شيءٍ مركزٌ لا يتحقّق بدونه ؛ فهي هنا مركز القفير أو السّمة أو ما شاكل .
حتّى استوى كلُّ في مكانه من المهمّة ، فهناك في بداية الممرِّ العام بعد الباب الرئيس مباشرةً مادّة غريبةٌ تشبه في الشّكل إلى حد بعيد الأفعوان ؛ وإشارة حذوها " هين انتوه تو ، شي معكم ريح وسحاب ، كيف الجو صافي أو مغبّر، هين نوّك الصعل "
وأخرى على موضع آخر " قابي أنته ما نبّتها ولدي نسيت ، عاد مخضرهْ وجارّهْ عسق ، فتقه خلاص ، سيّحها ولا تسوّيله أكثر من ثلاثة "
وأخرى في آخر نقاط مفترق الممر " هذا حال قعودكم لي يوب السخل "
قاموا بتنقيتها ونفي العلل عنها ثم ضمّها إلى جانب ما عثروا عليه من قبل ؛ وما كان منهم هذه المرّة إلّا أن وضعوا مكانها في شبه علوان " تح تح تح . تيه تيه تيه .. تعه تعه تعه .. كوتوه كوتوه كوتوه .. عنكزيز ما فاصل .. لوحه .. قسله .. خوشه .. عسفه .. والشّوك سحله .. دوّر الكحال يا مرود ولعب مغمّيضا "
تجمّع كل من داخل البناء حيث ثُقبِ السّماء وخرق الأرض الدائر ؛ وقال العم مهدي في شيءٍ من التجهّم ِ:
- حماقة تحمل حماقة أعظم !
فقالت عيّاد بن ناصر فيما يُشبه الدعاء :
- ياراقع !
فقال غيث متمّماً :
- يا راقع !
فقالت ضفاف وشفق وسُعدى وسالم في غضب واضح :
- غدا الإفتتاح ، والأمور تزاد عبثاً ولا حصّة من جديّة تردع ميّتا من محاولةِ الخروج عن كفنه .
فقال صالح وقد تذكّر والدهُ :
-هذا مالا سبيل إليه فالخرق متّسعٌ قبل الوالد لعنتهُ الرّحمة !
فقالت أخواته الزّلفاء ودرّة وهما يُشيران إلى أختهما سجّادة :
- أجد في أسمكِ ما يُكشف عن حلٍّ !
فقال أخوانهنّ حرب وسلام :
- وفي أسمينا ما يُلغي هذا الحل !
بدى لوصال أثر سلمين الجميل بازغاً حتّى على مجرى الحديث العام ؛ وتحت كلِّ الظروف ، وهذا مالا سبيل لها إلى إيقافه .
فغيّرتْ الحديث نحو مسعىً آخر ، وقالت وكأنّها ترفع من عزائم وهمم الجميع بمن فيهم أبوها :
- ثقوا بأسمائكم ، ففي أسمائكم ما يُغني عن الألقاب ، اعرفوا أشخاصكم بداخل أسمائكم وما أن تصلوا إلى وصف يدلّلكم به عزيزٌ هنا يجب أن تترفّعوا بالّلقبِ عن الإسم !.
لا يُخفى ما تجدهُ من اضطراب وارتباك عند الإحساس بسلمين في أي شيءٍ غيرها ؛ ولكنّ ليس هناك من يلتمح عليها هذا أبداً ؛ حتّى أبوها لولا سلمين الذي أخصّه وصارحه بأمرها .
وعاد الحديث والنقاش إلى الموضوع الأساس وكلٌّ يدوّنُ ما سيقوم بشرحه على الزوّار على مدار أسبوعين ؛ وهذا يستوفي من الآخر ما يجد من نقصٍ عن بلوغ معنىً من المعاني أو صفة أو إسم ..
الصّد :
هو سمك صغير غير سمك البحر يأتي به الوادي من مكان يدعى ضيقة وهو مكان سياحي معروف ؛ من أين يأتي ليس هناك - من البشر - من يدري ؛ فهناك من يرى أنّه من البحر كون ضيقة متصلة بالبحر ؛ وهناك من يرى في هذا الصّد هو من الجن ؛ فكثيراً ما يُسمع وصف الصّد ( الباعية ) على أنّه شيء من مخلوقات الجن ؛ ويدمغ هذا خوفها حال الإحساس بصوت أو بشيء من سُحب أو حال الغيم ؛ وكذلك حال ألِفتْ المكان بعد فترة من ظهورها مع الوادي الذي نزل حديثاً .
والصّد أنواع ( الباعية ) وهي الصد الربض الذي يُشبك له ( يُصاد أو يُصدى) بالعنكدية هذهِ .
وهناك الصلحو وهذا يحصل عليه بمنع الماء عنه ؛ عن طريق تحويل مجرى الوادي ، ويدعى هذا الأمر مقلاب وجمعه مقاليب أي قلب مجرى الوادي إلى مجرى آخر ؛ كيما يُمسك بالصّد ، وقد تنصب له العنكدية في آخر مجرى الماء فلا يجد بداً من دخولها أو مخرجاً.
وهناك المخنّو وهو مالا يؤكل وكل هذه تسميات تراثيّة عرفنها من الكبار وهم بدورهم عرفوها عمّن قبلهم .
الزّفنة :
هي صف جريد النخل وهو الزور كما يُعرف ؛ يُصف الزور أو الجريد في ترابط بحبل ليف أو نايلون حتى يتماسك أو يصك ببعضه دون وجود منفذ ؛ وهذه أيضا طريقة لصيد الصّد ، توضع الزفنة تحت شلال ماء ويدعى محليّاً مطراح ؛ فيعلق بها الصد الذي ينزل مع الشلال ؛ وإذا نظرت إلى المسمّى المحلي لمطراح فتجدها قريبة من الفصحى .
العطمان :
وهو أيضا شجرة يدوّخ بها الصّد في مكان ماء مسدود لا منفذ ويمسك .
الجبهْ :
وهي مفرد جبي ، تعنى مكان شبه عميق وواسع يصلح للسّباحة .
المزفّارة :
مفرد مزفّارات وهي فخ يصاد به الحمام ؛ يصنع من جريد النخل على شاكلة الزفنة ، يرص الجريد بالحبل ولكن الفرق بين الزفنة والمزفّارة هو أن للمزفارة أربعة جوانب والزفنة شيء مستوي ؛ كذلك الزّفنة غرضها الدّائم هو أن تكون باباً تقليديّاً للمزارع أمّا غرضها في صيد الصّد غرض آني حال وجود الظرف الذي يستدعي إعمالها .
نصدي:
هي فعل مضارع بصيغة الجمع ، يوافقها نصيد السّمك .
وماضيها المفرد صدى ، كما هو ماضي يصيد صاد .
فلا يقال صيد الصّد بل صدي الصّد .
العنكدية :
هي كما عرفنا هي فخ ينصب للصد في ماء الوادي ؛ والعنكدية تُصنع من أعواد عذق وقنو النخل اليابس بعد أخذ التمر منه ؛ ترصّ بالحبل ليفاً كان أو نايلون ، تكون في شكل دائري وفي احجام متفاوتة ، حسب رغبة الصّانع ، وتكون مقوّسة في المنتصف بعود من شجر يدعى ثقبت أو لثب أو حتى من شجر التين ؛ كذلك عود آخر يوضع في رأس العنكديّة ليثبّت به العنسلان وهو فم العنكديّة بحيث يكون متداخل الأعواد بفتحة غير منفرجة تمكّن دخول الصّد فقط ويكون مرتفع وقصير فإذا ولج الصّد إلى داخل العنكديّة لا يمكنه الخروج منها ؛ ولها فتحة يُخرج ويفرغ منها الصّد حال استخراجها من الماء وتكون الفتحة في المؤخّرة وتوثق بحبل عند إعمالها في غرض الصيد .
البحيصة:
هو مكان يتنقى بعناية ثم يمهّد فيه لنصب العنكديّة ( فخ الصد) بحيث يصير فيه الماء غير نشيطٍ ؛ ويكون شبه عمودي ولا يكون مستوي ، تنصب العنكديّة على قمّته ويكون رأسها للأعلى ومؤخّرتها للأسفل ؛ فيظلل على فمهما بسقف .
الغيل :
هو الوادي الذي يستمر في الجريان بعد فترة قد تطول من يوم نزولة .
العساوة :
هي جمع عسو ، وهو عذق النخلة أو قنوها بعدما يؤخذ منه الثمر ؛ ويرمى فيصر يابساً ، يشوى على العساوة الصّد أو على أعواد الحنّى اليابس بعد ما يؤخذ منها الورق ؛ ولا يصلح أن يشوى على غير هذا ، إلا إذا كا يقلّى أو يحمّس في محماس أو وعاء وهذا إذا كان قليل الكميّة لا يستحق عناء الشّي .
وبهذه الطّريقة أيضاً يشوى السّمك تقليديّاً .
السّعن والجحلة والقربة :
أدوات يُبرّد فيها الماء
الحِب: بالكسرة هو الزّير ؛ زير الماء وعاء يبرّد فيه الماء يوضع في موضع ما .
القفير والسّمة والمخرافة والزبيل والجبّة :
كلّ هذه أدوات سعفية متعدّدة الأغراض ولكنّ غرضها الأهم هو أن يحمل فيها التمر وما شاكل من مشتقّات ؛ وفي القفير العصوم التي يُحمل به منها ثم الزّماية حتّى لا يتآكل .
السّفة والسرود :
هو عماد صناعة الأدوات السّعفيّة .
واستمر النقاش حتّى دنا الأصيل ؛ فأخذ كلٌّ حصّته من الترويح والرّاحةِ في القراءة أو الأكل أو في بعض من الأحاديث الجانبيّة ؛ في انتظار وصول الشّيخ وسلمين ومرزوق وجميّل وحبن وسراج وعلي وحمد وعامر وعُمر وأضيافهم وسالمة وسعادة والفارعة وشيخة وكاذية وأضيافهنَّ ؛ ولفيف من الطلاب وأهاليهم ، وغيرهم ممّن تأخّر لعذرٍ وذلك لإتمام وضع ِالّلمسات الأخيرة .
وعلا صوت محمّد في وسط نفر من صحبته عائدين من مكانهم وملجئهم الدّائم :
- أوي ها الشّوا كبا ولّا بعده ، اليوم رمسهْ وباكر تعصيرهْ ، الأمور ماشية وراكبة وضابطة والميدان ياحميدان !
فقال أكبر وأقرب أصحابه وأجرأهم عليه :
- محمّودوه تراك زوّدتْ واجد مالك تهذي كذاك ؟!
فقال بغرابة :
- لا تكون سوّيتها وما خبرتهم يحطبوا ويلبقوا بالشّوا ؛ ونحن ذابحين ومجهزّين الّلحم ولافّين الشوا !
فقال من أوليَتْ إليه هذه المهمّة :
- خلاص يا سيدنا .. يا منعم ، كل شي جاهز !
عند ذلك لاحَ لهم أقربهم إلى محمّد قزماً ؛ والجميع على نظرتهم بما داخله من شعور ؛ وأحسّوا بأنّها آخر يوم له يحظى فيها بالقرب من منعمهم ؛ وهذه خططه ومَن قبلهِ إذا ما أرادوا التخلّص ممّا يتعارض مع مصالحهم ؛ ويتعرّض لأهدافهم وغاياتهم في مصلحة ذاتيّة منفصلة عن محمّد أو في مصلحتهم ومحمّد .
فتضاربتْ أصواتهم في شكل ِجلَبَةٍ حتّى تميّزَ وبرزَ صوته مودّعاً :
- نلتقي باكر إذا تذكرني محمّد .
محمّد مازال متمسّكاً به فرمقه معترضاً على تصرّفه المتعجّل وقال له بلسانٍ أثقله الثّمل :
- هذا يُعد اقترافا خطيرا وتحريفاً في دستور الجبة ؛ وفشل ذريع في تطبيق ميثاق الّلوما اليابس !
واستطرد ..
الّلوما اليابس أعتقد أغلى في الوزان عن الأخضر ؟!
فقال من ناحيته :
- هيه لأنّه أثقل ، وزن عشرين لوميّات خضر يعادل جونيّة يابس ..
وقال وهو يرمقهم ..
سوّيتوني كما الّلي يطلع الغاف يبا يخرف رطب !
ووصلوا إلى حفرة الشّوا الخاصّة بهم ؛ ووجدوا النار مازالت ساطعة وقد تحلّق جزءٌ منهم عليها وذلك بإيعازٍ من محمّد من قبل أن تنتهي جلستهم ؛ وصاح أحدهم :
- رايك سيدنا ؟!
التفت إليه - كعادته - بعنين حمراوين منطفأتين وقال :
- رايي مع بدرانوه شكله باغي يشرد عنّا اليوم خلاص شبع ؛ صح ظنّي أو ما صح ؟!
فقال بدر المقرّب :
- ما عاش الّلي يشرد عنّك ، لكنّي أعدها هذه محبّة منك ووفاء !
ومن رايي أحسن خلاص تطلعوا الحطب الّلي ما كابي ؛ يسدّه الجمر .
وتنفيذا لأوامره بعد التخويل الأعلى ، جعلوا يخرجون الحطب حتّى بقي الجمر ؛ وانزلوا الّلحم ملفوفاً في الشّوي العشرين ؛ دمّوا وسوّوا عليه على أمل فتحه قبل ظهر الغد ؛ في دربهم إلى مكانهم الحميم الدّائم .
وضُرب الطبل واستمرت الرّمسة والسّهرة حتّى ما بعد منتصف الّليل ؛ وتواعدوا على التعصيرة ؛ وليعرف كلُّ واحدٍ موقعه من نفسه والآخر .
الأحد/7/7/2013







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 08-07-2013, 12:37 PM رقم المشاركة : 124
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

(14)
شيخنا خميس بن خلفان ، لا تدعوا له بُدّاً من الخروج هذا اليوم الأغر ؛ فهو يوم البلد ، ويوم الجميع ، وكذلك أبناؤه جميعاً ، مَن سيكونونَ طلّاباً أو غيرهم .
وحال وصولهم إلى بيتِ خميس وجدوه خالف توقّعاتهم فيه ؛ وعادته المعروفه بالعزوف والإستأثار بالوحدةِ في غالب وليس كلِّ الأحايين ؛ فهو في الملّماتِ خاصّة فيما يُضيف له الأجر والثواب كالمشي في الجنائز وأداء واجب العزاء ؛ يكون في الطليعة مع الشّيخ وسلمين والكثير ؛ كذلك في الأفراح الكبيرة العامّة أو المناسبات الدينيّة من أعياد ومثلهِ ؛ أمّا في الأعراس والملكات يكون حضوره نادراً جدّاً ولا يكاد يُذكر .
خميس بن خلفان قد تجهزّ لحضور الفرَح الرسمي بافتتاح وتدشين مقارِّ العلم ؛ وأتت الّلحظة الفارقة واكتمل وتناسقَ حضور الجميع ؛ وقد شمّر ضحي عن ساعد الجدِّ لمهّمة الشّروع في الدخول التي أنيطت به بعد وقوع اختيار الجميع عليه ؛ ودخل الجميع تتقدّمهم النّساء ، ثم البنات الفتيات ، ثم الأطفال بجنسيهم ، وبعدهم الرّجال في مخلتفِ أعمارهم ووضعَ خميس بن خلفان هذه المرّة في المقدّمة حذو ضحي ؛ ويأتي خلفهم مباشرة الشّيخ وسلمين وحمد وحميد وعلي وناصر والعم أبو مهدي وعُمر وعامر وجميّل ومرزوق وسراج وأبناء مصبّح صالح وأخوته وأخوة عامر جميعاً ماعدا محمّد وأبوه أيضا ؛ وتمّ الأمر بيسر وتوفيق من الله ، وتجوّل الحضور في شكلٍ سريع ومستوفٍ ، فالكلُّ تقريباً عرف ما يلزمه ويعنيه ، وبقي المكان مفتوحاً أمام كلِّ زائرٍ ، على أملِ أن يبدأ العمل بعد أسبوعين من يومها ؛ وخارج المبنى المتواضع حجماً ومساحة وشكلاً ؛ تساءل خميس بن خلفان :
- ما سبب غياب مجال وحقل الطب والفرصة متحقّقة في المكان والكوادر ؟!
فقال سلمين بعد صمت الجميع :
- ننتظر كلَّ شيءٍ لأن يأخذ مجراه ومساقه الطّبيعي ؛ بمعنى كلُّ واحد يأخذ طبيعته ويألف الوضع الجديد .
فقال الشّيخ سعنة مبسّطاً :
- الطّب كما تعرفون ونعرف ليس بالسّهل ؛ شيءٌ مستقلٌّ بذاته وله تجاربه وأسسه وأعمدته وما إلى ذلك ؛ والأولاد ليس لديهم سوى التمكّن في الّلغة .
وعاد الشّيخ خميس بن خلفان ملحّاً :
- لا لا بد من الطّب ، الأولاد تمكنّوا في اللغة المقارنة ؛ وما عليهم سوى الوقوف على المصطلحات أو الأوصاف والمسمّيات المهنيّة وهذا ما سيكفله لهم المنهاج المكتوب ؛ كما درسوا من قبل كثير الكثير ؛ وقطعوا شوطاً نفتخر به ، وبه نتحدّى ونُبارى الجميع ، وكلّ ذلك في ظرف ثلاثة أعوام أو أكثر بقليل بعد النبوغِ في الّلغة والأدب وعلوم الفقه والدين والشّريعة .
فقال أصحاب وأضياف البلد ويتقدّمهم ضحي :
- كلٌّ طبيب نفسه ، ولكنّ كما أنّ للعلاج سبب ودواء ، كذلك بالنّسبة للمرض .
فارتفعت الأصوات مسلمة عانية للحي القيّوم :
- الله هو النّافع والضّار ، الأمر لله !
ومنها قرّروا - من فوره - إضافة قسم ِالطب ِالبشري بجميع أفرعه وجوانبه بعد وجود علم النّفس أو الإجتماع ؛ إلى جانب الطّب البديل أو الشّعبي الذي تعرفهُ البلد من منطلقِ السّنّة الشّريفة " لكلِّ داءٍ دواء إلّا الموت ".
وغيّر البعض تحت إلحاح وداعي الحاجة وبدافع التعلّق طمعاً بالمهمّات الإنسانيّة الجليلة ؛ غيّروا اختياراتهم إلى مجال الطّبِ البشري .
وقال الشّيخ خميس بن خلفان على توافق مع الشّيخ سعنة وسلمين :
- هناك مَنْ يولد مريضاً ، أو هو من الأصل غير طبيعي ، كشأن ولادةِ كلِّ شيءٍ ، ولكن ...
قاطعهم ما سقط أمامهم فجأة ، تناول أحد الأطفال ذلك الشيء العجب " أنا وبعدني ولد العنز تيس "
قرأها الجميع ، وعندها أتت الدّفعة الأخرى " الأمن مستتب والإستقرار قائم "
واصلوا حديثهم وكأنّ شيئاً لم يكن ، فالكل عرف وعلم بأمر هذه الكومة منذ ثاني ظهور لها ! .
تناولَ كلٌّ واحدٍ ما سقط تحت قدميه من قصاصة صغيرة سقطت تبعاً للكومة ؛ بعد انفلاتها
" الشّوا لقيناه ني ولّا كان جبنالكم منّه شويّة واليوم معنا تعصيرة والدعوة عامّة وما حد معذور " فقال عامر هامساً :
- الكومة قدوة ما يعتريها من أمر القصاصة !.
فقال سلمين وهو أوّل من سمعه :
- والقدوة تسبق الإقتداء أو مقتديها .
فقال الشّيخ خميس :
- الشّمج اختصرَ باكراً ، الواقع سيقع وقع أم لا يزال .
فقال بتسليم :
- " المكتوب على الجبين لا زم تشوفه العين " ولا تنسوا بأن قدرَ الإنسان كان مكتوب على كفّه من قبل أن يتحوّل على جبينه ؛ ولكن هناك مسلك خير وهدي ويقابله ظلام وضلال وهي العبرة من الإحتكام إلى الحسبة والحساب .
فقال الشّيخ سعنة :
- الورقة متبتلّة بحضور الحفظ والفهامة ولكنّها شيءٌ لولاه ما وصلنا الذي وصل .
فقال عُمر :
- وكذلك القلم على اطّراد وتطوّر وتباين أحجامه وأشكاله ولكنّه يبقى القلم قلماً في غرضه النبيل .
فقال سلمين مختصراً :
- النّوع يعود لمادّتهِ ، لكلِّ شيءٍ مادّة أو خامٌ ، ولكنّ هناك مادّة كلِّ شيءٍ .
فتحوّل الحديث إلى جانب النّساء ؛ فقالت سالمة متمّمة لسلمين :
- وتبقى المادّة الخام الأصل ، وتُصرّفها يدٌ فاعلة ، الذهب ، القطن ، الصوف ، الفضّة ووو .
وأضافت ..
المهمّ الإبداع والخلق والمهارة وترجع نهاية هذه الأمور كلّها إلى أحسن الخالقين " وأحسن كلَّ شيءٍ خلقه ".
فقال سالم :
- الأدب مادّة كلِّ شيءٍ ، نوعاً يشمل كلِّ جنسٍ ؛ ونحن الآن في وعاء العلم والأدب الحافظ ؛ تقديس ..
فتطأطأ الجميع رؤوسهم إجلالاً وهيبة .
فقال صالح بن مصبّح :
- خذوا ممّا أمامكم جدواه ، فلا يُعدمُ شيءٌ فائدةً ، والعبرة كلُّ العبرة في توظيف غرض المادّة الصّحيح ؛ أمّا ..
فقاطعته حمد :
- هناك من المواد عنها الغنى ، خاصّة إذا ما كان ضرّها أكبر وأعمّ ، وهذه محاربتها واجب جماعي وفرض عين لا تجد لها من الله شفيعاً ولا منقذاً ؛ كذلك من توانى وتقاعس عن فرضه تجاهها .
فقال حميد :
- والله أوجدَ لنا في الإنسان كلُّ ما هو خليقٌ بالإبداع والرّقي به ؛ والطّب المذهل دليلٌ ساطع وقاطع ، ولكنّ قبل الطّب هناك الواجب الأعظم إلَا وهو الخروج به من قارعة العدوِّ..
وعاد ليقول ..
تنظيف الطّريق وكشفها أولى من مشي العودة ؛ فكيف بالطّب والعلاج بينما أساس عدوِّ العلاج والطّب قائماً ومطّرداً وشائعاً ؛ ما ثمرة النفخ قي قربة مخرومة ؟!
فقال سلمين باسماً :
- وإلّا لا بدَّ من أن يكون في علم ومتناول الجميع مصلَ وقاية وحصانة غير طبيعيّة مكتسبةً بأي طريقة ومن خلف أي منفذ !
فصوّت الأطفال جميعاً :
- أبطلنا هذا الحل ولو بتصديقه في تصريح ورقيب رسميّ ؛ أبطلنا الحل بنقض الرّواية ثم فتلها وحملها على فهم الصّحة ؛ لا علاج ولا مصل ولا حصانة والوباء قائمٌ وفي جميع صوره ؛ وباءٌ مقاوم ، وباء الضمير والرّقيب ، وباء الأحاسيس العواطف الجسد الغرائز والأهم وباء العقل والمنطق والصّواب ؛ وبمعنى أشمل خطرٌ محدقٌ بكلِّ شيءٍ طبيعيٍّ ؛ فكيف السّبيل إلى طبائعنا وجبلّاتنا وخِلقتنا ؟! و ..
فقال علي :
- لا بد من سدّ الذرائع ، بمعرفة منبع وأساس المشكلة ، فلا يعالج الفرع وأصل وموزّع المرض إلى سائر الجسد قائم ؛ وهناك مالا يخضع أو يتجاوب مع العلاج الوقائي أو التحصيني ؛ ولا حتّى العلاج بوصفه العام .
قالت سعادة :
- لنا العبرة لمن وجدَ العبرة ، والعبرة أمامنا لمن يعتبر .
فقالت بجنبها شيخة :
- لا عبرة إلّا من ربِّ العبرة .
وقالت الفارعة متجهّمة وهي تلتفتُ إلى كاذية :
- ما حياة الإنسان بوجود سبب موته - وبكل الأشكل والطّرق - في أي حين ؟!
فقالت كاذية :
- يرى حياته لعبةً في يد غيره ، ولكن كما سبق وقيل الأمر لله .
فقالت ضفاف وشفق وسُعدى وغيثُ وعيّاد معارضين :
- نتمنّى ألّا يكون هذا هو عذرنا الشّاغل حتّى دون ممارسة أدنى التزام تجاه أنفسنا والآخرين ؛ ولكن قد يكون في الأمر رسالةٌ تحريض تقودنا في درب الرّجوع إلى واجب الإنسان تجاه خالقه ؛ ليراقب نفسَه ، ويضبط تصرّفاته في حركاته وسكناته من مبدأ الرّقيب الإلهي !..
وأضافوا ..
تخويل ؛ الأمر لا يعدوا ياكلب إجرح وإلحس إن وفّقتْ ؛ واقتل ولن تُحييَ وإنْ وفّقتْ !.
فقالت وصال بعد استأذان أبيها :
- المهم سد الذرائع أمام الطّامحين في أي شيءٍ بغض النظر عن كلِّ شيءٍ ؛ والأهم ألّا يُفتح بالأمر مجالاً لانتشار ظهورِ المتحيّنين سُحتاً ؛ ويكون من واقع مصائبُ قومٍ عند قوم ٍفوائدُ .
عند ذلك أكتفى أبوها العم أبو مهدي بإيماءة القبول والترحيب .
فقال الجميع :
- وبهذا قرّرنا ومن هذا المنطلق بأنْ يجب محاربة الأسباب غير المباشرة ؛ لا جزاء للمتلاعبين في سلامة البشرغير الموت إذا ما بقوا نائين عن تقدير قيمة الإنسان التي لا تقدّر بثمن ؛ فلا واهب للعمر غير الخلاق القدير وهو ممّا لا يُعوّض ، والعقل البشري أينما وصل ، وقف وسيقف عاجزا أمام خلق أي عضو ؛ معجّزاً في خلق أصغر كائنٍ حيٍّ ؛ والطبُّ بجميع مجالاته وأقسامه هو مستنقع هذه الآفات ؛ فتجد ضالّتها بتتحقّق مكاسبها الكبيرة ليس في قتل الإنسان إنّما في إطالة تعذيبه وابتداع ضرّه قدر المستطاع ؛ فالإنسان بطبعة - وبكل ما يملك - باحثٌ عن الشّفاء والحال الأفضل إذا ما افتقد طبيعته الصّحيّة السليمة بحال من الأحوال .
وبهذا فهم الشّيخ خميس بن خلفان سبب هذا التقاعس والتراجع عن دراسةِ الطب بجميع مجالاته ؛ فزوّل برأسه إعجاباً وفخراً وهو يقول :
- أشدُّ على عضد كل حرفٍ ورد في سياق حديثكم ؛ وأوافقكم بالقول " الوقاية خير من العلاج "؛ المشاكل أيٌّ كانت بأسبابها ومسبّباتها .
فقال الشّيخ سعنة :
- خذوا الأمور من وجهها الإيجابي ، قد يكون في الأمر طريقٌ أقصرٌ وأسهلٌ في هدف تتبّع فمعرفة جذور المشكلة وتعيين أسبابها وتبيان مسبّباتها ومنها يكون القضاء عليها ؛ وكلٌّ في دورهِ ومكانه ، فالأمر - كما يعلم الجميع - ليس في وجهة أو موضع أو شكل واحد .
فقال مرزوق وجميّل بحزم ٍوصرامةٍ :
- عدي بن خلفان مات وما خلّف ، حاربوا قدوة عدي بن خلفان في ذريّته .
فعاد صالح ولد مصبح للقول ولكن هذه المرّة مع أخواته الثلاث وأخوانه الإثنين :
- ومصبّح مات ولكن خلّف .
فقال الجميع :
- والنّعم ؛ ما يقصّركم من اليوم إلّا قاصر .
فقال ضحي وأصحابه بمن فيهم النّساء :
- سنقوم بما يلزمنا متى تتّضح الأسباب ؛ فالجيش لا يُحارب إلّا بجيش .
وعلى أثرهم قال سراج ضاحكاً :
- نسأل الله ألّا يخرج الأمر عن التعقّل والمنطقيّة !
ثمَّ وهو يغمز ممازحاً صالح وأخوته ..
عن التّصرف الرّحيم الحكيم فيكون أفكاً يجرُّ ذنباً إلى من لا ذنب له ؛ إلى الحيوان والطيور مثلاً .
أضحكَ الجميع فقالوا في صوت واحد :
- نسينا الطّب البيطري في الطّب البشري ؛ وعرفنا الطّب البشري في الطب البيطري !
وشرعَ بهيجٌ في الغناء ..
8/7/2013








*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
قديم 09-07-2013, 12:41 PM رقم المشاركة : 125
معلومات العضو
راشد سعيد
عضو أكاديميّة الفينيق
سلطنة عمان

الصورة الرمزية راشد سعيد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


راشد سعيد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فأعينوني بقوة ..

(15)

" هلّوه ولّا بعده ، بين زحنة التبشرهْ ، وصاردة الشّتا ، إذا قفّط البرد قلنا نبى حر ، وإذا روّح الحر قلنا نبى برْد ، نتشمس ونتكمد ، ونتوزّق ونتبلّل ، وحاشيَهْ يا محشيهْ ، وحاشي على النّار لا تحشي ، ويقولوا في البرْد " أوّله دقيه وآخره ستقيه " ؛ إذا امتصّت الجبال وانطمست ، قلنا شابوب يسقيش ، وإذا شفنا لا شحاط قلنا المكان كنس ؛ يعاف ويقزّ ، يقحم ، يشمخ ، يجرش ، بجيل ما نعيم ، مفذّخ ، متفذّغ ومنشغ ، عفطه لا ترغبه أحس يوم ما غليظ ، ينهمه ، هارجه لا يعودها مرّهْ ، ولجهْ بس لا يجي مرّهْ ، ما ياخذ بالهبش غير الكبش ، هبشهْ عودهْ ، يوم تهبشهْ خبرني نعاونك ، يشق صيد ، هامشهْ ، محاهْ ، تراك ما مقحوط ، مطلاع ، يلحّهْ ، يلتّه ، يلايعه ، كحملها عويس وانكلبتْ ، هذا ما يقط شي ، يشطفهْ ، يتقطّع ، يهيس ، يشيش عليه ، فايش وكثران ، وحلانهْ ، هاعهْ هأنْهْ ، دجاج ومرشوش بليفهْ ، كاركهْ ، صارفهْ ، عاطفهْ ، ينطفْ ، يبعبع ، طارحهْ ، عشار ، نجوح ضرّبها ، يرزحهْ ، شلّه حالك ، يشاليه ، المقُّو ، يغلجهْ ، يفرصهْ ، ينشْعبّهْ ، تعطيني ، تحظ شاور ، سبرهْ ربلّه ، يريضهْ ، ما روم بسّي ، شداغهْ ومزابلهْ ، الخوبّهْ ما حابطهْ ، يتفركن ، يتمكمك ، يتدكدك ، هدافان من الصّافح ، وجّهتوا فضيتوا ظهرتوا ، ما عينك عليه يبرّخ ويضول ، دفرهْ نتعهْ ، حبطهْ ما رايم يحبط ، يتلبّط كما الصّد ، لابق وشاب ضوْ ، كشّهْ يا بو كشّهْ ، هين بعدهْ لا هي ، بات ف ضب غارق حوّطوا عليه ، دوسه عطيه شغله ، جبض الشّرخهْ ، غمّازي ، ما يبى دقلهْ ، صبر ساعهْ ولا عوق دوم ، يا عوقي يا عاعي ، يحويه ، يسقسقهْ ، دقدقني ، خمشانه ومهننهْ ، جا الخرّاط الكيّال ، يزحر ويون ويطح ، ينحب ، عص ما فيه مقابض ، رحّهْ ، يبني ويدشّهْ ، يقندلهْ ، ها القرطلُهْ ، يشحمطهْ ، كما بو يمشّق عظم ، سحّيه ، شحيه ، قاشدُه لا تخطفوا درب قنيفرهْ والحاجر ؛ يتوحهْ ويتلحّس ، يعلّق ما يبا البيت ، مشطط ، يماري ، منقّاع ، بابو ، يتحسّن ، كلها شيق ، لما ريق ، يتزرجم ، مبرطم ، زحطان من الصج ، غويان ، ناقدنّه تراني من زمان ، متشطّف ، هدود ، متكسبر ما يلّي ضين ، قشعهْ بسّه روّى ، يفلعه ، متشرمخ ، شغراف ، مغراف ولد قرّوهْ غيلك مشبّي ، يقمش ، يشمخ ، بجيل وبهش ، يلغش ، يجدع ، نقزهْ ما يبا وسم ، ينشعبّه ، يتلافح ، يصقع ، يدعكه فيه وهو طابق ، شلّه بارْخ ، شرّع الفلج ، مسّهْ ما رمل ، عقّه لوحبّه ، يليمهْ ، يضولهْ ، يحويهْ ، يشوفهْ وما يلوفهْ ، السّما مرتجم ردود خير والوقت طالب ؛ مرعد والبروق تلاعج ، هذا بس سيل غيوب لا تفرحبّه ، لا تتوهّق ، حشويي ما واجف ، والحياة ما فيدينك " كما بو يرعى وينتقز " على ذمّةِ المثل ؛ وأمّا القت قرّع وجوّس ولَا صلح ، وهذه هينها قدّامك قحفها يا قحف الكلب ؛ وهذا الغاف والملح حال الدّغصة ، والفريفرينهْ وراك ، الجدي أمس حويان واليوم لاوي ، والمحقّب يجتر ، والجدي ينزع ، بعده مانترس ، وهذا السّحل ، وهذا بو مكنّز ، وهذه شمسط حبن ، ومليسا ، وسنّوره عويرا ، والّلغ ، والملدغ ، شقيقوا وشجرجاو ، لدغ همْش ، دويبّهْ ، شكّاع الشّغهْ ، طعام السّمينهْ ، عسفهْ وسحلهْ ، حكاية وهذا موز بو قرش الأحسن والأغلى وهذا موز البلاد ؛ والنخله هامدةْ ولكنها وصيمهْ كما البوت والسّنهْ كلّه عصف ؛ وكل النّخل هايفه ماكنّه الماي تحته وفوقه ؛ والصّيد زنام على المتعوّر ، والصّيد هايس بس ما هست ، والنكفهْ تطري لا تنكشها ، وقر حشيش أو حطب ، وشلّة طعام ، ونحوة الفلج بثلاثهْ ، وهو غيز يحايروه ، لا فاد مدر ولا شي ، دع دع نينوه ، وحّييه ، أخّييه ، تتح ، مباع ، كوتوه ، والبصل قنّب وكرفس ، بعده ما فاصل ، والسّدرهْ ناصلهْ ، ضربة الرّجوع والشّلّي ، والحيمر "
قرأهَا ثمّ قرأتْها بدون أن يتعثّرَ كلاهما في فهم أي كلمةٍ وبلا ليّةٍ أو شيءٍ من عيٍّ في النّطق الصحيح ؛ وقال في سرورٍ باجتياز الإختبار الأخير :
- أصلحُ ما في العنافيف هو الكعدي .
فقالت وهي لا تقلّ فرحاً بذات التوفيق :
- ثوم وبصل السّواوين يتحدّوبّه .
وظهرت درجُ البئر ، حَفَرَ حتّى استبانتْ بما لا يدع مجالاً للشّك ؛ إلّا أنّه عاد لردمها والسّبب خطأ في توقيت الحفر ؛ وكم كان يضحك في عمره الذي لا يتجاوز العشرين حال سماع ِنوى رُطَبِ القدمي بذاك الصوتِ في حقل الشّعير والغشمر ؛ فيراهُ يلتهمُ ملءَ الكفِ رُطَباً ، وكالكير تماماً يلفظُ النّوى - من فوق النّخلة - في مسعى إنتقامي لشبابه من شيبته في قولٍ هو ألذُّ سخريّّة " وادْهَريْ قول وادْهَريْ " .
وعاد ليقرأ قصّة " وصال " التي وصفها بالأروع على مدى الدّهر :
" .. وتذكّر حيالها أوّلَ" جادعٍ " حصّله وصاده بالفخ ؛ وكم كان ندمه وتأنيب ضميرهِ على انفلاته وفراره منه وهو مخزوم أو مخطوم الفمِ ؛ وكم كان تأنيب ضميره أكبر وهو يُسائل نفسه :
- لأي ذنب خطمته وخزمته وهو لم يتعرّضْ لي بأدنى أذى ؛ على نقيض طيور الجادع التي توصفُ بأنّها تنقبُ وتشحي بغرس ِمخلبها المسنونِ لمدى خروج الّلحم والدم ؟!
أهكذا دائماً جزاءُ الطّيبةِ والإلفةِ ؟!
فظلّ لهذه الحادثة شهراً لا ينام ولا يستقرُّ له بالٌ ؛ يفكّر كيف سيأكل ويشرب ذلك الطّير الجميل وهو في ذلك الوضع ؛ حاول الكثير بزحزحته بأنّ الخطامَ أو الخزام سيزول عن فمه بلا فاعل ؛ صدّق إلّا أنّ ثقل عقله ألحَّ عليه بقلبه الرّحيم مدى قوّة الخطام أو الخزام على فم الطّائر الجميل ؛ وظلّ هكذا حتّى أتت رحمة الله لإخراجه من هذه الحالة المرّة وليرتاح ضميره وينام ؛ فوجد باعثاً يدفعه لأن يعود إلى الفخ فيزاول الشّبوكة والصّيد ؛ وعاد إلى ذات المكان ليجد الجادعَ الجميلَ يتربّع ويعلو ذات الغصنِ والمكان ؛ ونصب فخّه بذات الطّريقة وعلى نفس المكان ؛ والجادعُ المكحّلُ يطالعه وقد أتى يتحيّن لحظةَ خلاصه مثله تماما ثانيةً بثانيةٍ ؛ عجباً ! .
وطبقَ يقينه ؛ نزل الجادعُ على الفخ بسرعةٍ وبسهولةٍ وبطريقة ساذجة عكس طريقته الأولى التي أتعبه فيها وأشقاه وهو يطارده من مكانٍ لآخرٍ ؛ وما هي إلّا ثوانٍ وأطبق الفخُ على الجادع ؛ ركضَ إليه فرحاً متهلّلاً على غير فرحه الأوّل ؛ إنّما هو على يقين بأنّ الجادع هو جادعه الهارب بخطامه وحانت وتحقّقتْ لحظة خلاص الإثنين ؛ وعندما رأى الخطام على فمه ، هلّل وحوقل وبكى مداراً ، بكى حتّى لم يجد في عينيه دمعاً في مجال ٍ لبكاءٍ قادم ٍ ؛ كان بكاء كلّ الحالات ، النصر ، الرّاحة من ثقل عظيم وجهد جاهدٍ ، صدَقَ القدرُ في حدْسه ، والأهم بكاءُ الفرح الغامر بانقاذ روحٍ - وقد سعت لتنقذ نفسها قبله - وما كان لها ذنب سوى أنّها أوتيَتْ عقلٌ أقلُّ من عقله البشري ؛ وها هي الّلحظة ثُتبتُ كم هي الحاجة - خاصّة إلى الحياة - تصنع العقل بمعجزاته لا تقوده أو تسوقه ! .
كان الجادع على شفا حفرة من الموت ؛ وكان خوفه كبيراً وهو ينفخ في رأسه بعد إزالة الخطام ويفعل كل ما أوتي من تدبير ووسع ٍوما أُلهِمَ وأوحِيَ إليه من عمل ؛ حتّى فتح الجادعُ عينيه الجميلتين الكحيلتين كليّا ؛ وتحقّقت حياته في حياتين ، هو حصل على الجادع بغرض ذبحه وأكله في المرّة الأولى وكانَ فشلُ هذه التجربة هو الذي هزّ مشاعره وأحاسيسه وأثقلَ ضمير واشغلهُ بعبءٍ كبيرعن كل أمره وأذهلهُ عن حياته وكادَ يودي به لولا عناية الله ورحمته الفائقة ؛ وها هو الآن أنقذَ حياة الجادع الأولى بخلاص نفسه في المرّتين ؛ كان الجادع - بما لديه من عقل بسيط - يظن في الإنفلات من يدهِ وهو في ذلك الحال بأنّ له خلاصاً دائماً من الذبح في حياةٍ تطول ؛ ولكنّه تفاجأ بخلاصه الحقيقي المنشود في العودة إلى الفخ .
عاد إلى المنزل ووضع الجادع في المنزل بقصد مراقبة حالته ؛ ومقدار تطوّرها للأحسن ، بعد أن أوجدَ له غذاءه من الجراد وشرابه من الماء ؛ وكان على عكس العادة مع هذا الطّير المهاجر الجميل الذي لا يأكل وهو في قبضة يد إنسان ؛ كان جادعه الخليص والمنقوذ والعائد إلى الحياة في حياتين يأكل ويشرب ؛ ومنها أطلق الجادع بعد أن تعهّد بمنع كلِّ من يقوم بفعل صيد الطّيور أو صنع الفخ على كلِّ خريفٍ ؛ كانت مهمّته صعبه ولكنّه برّأ ذمته بعمل طاقته وجهد أيمانه .
لكنّه بقيَتْ في دواخله وسوسةٌ في أنّ جادعه وطيره ليس هو ؛ وإنّما خدعه بالحُسنى أحدهم لإخراجه ممّا هو فيه إشفاقاً لما وصلَ إليه من سيء حال ٍ؛ ولما هو ذاهب فيه من تعاسةٍ .
وحاكمَ نفسه وساءلها ..
كم أنا قليلٌ مقارنة بالجادع الذي سعى لخلاص نفسه في المرّتين ؛ بينما أنا أنقذته لدافعٍ من ضميري ، ولكنّ دافعَ الضمير أقوى وأوضحُ مقصداً ؛ علاوة على أنّني أنقذته من التعذيب ، التّعذيبَ أنا سببه قطعاً ، ولكن لولا فضلُ التعذيب لما تحرّك ضميري ؛ لم يزل الجادع أعظم شأناً وفضلاً منّي وأنبلَ لأنّه هو من حاول أن ينقذ نفسه للمرّة الثانيّة قبلي وأتى على ذات المكان طوعاً وما كنت لأجده لولا أن فعل .
والمهم ؛ هل أنا أنقذتُ الجادع لإنقاذ نفسي أم ماذا ؟!.
والأهم من كل ذلك ؛ هل الجادع أتى لإنقاذ نفسه أم لإنقاذي أنا ؛ أو لغير كلِّ هذا ؟! .
وفي ذات اليوم وبعد أنتهاء فصل النيروز أو الخريف ؛ لم يرَ أحدٌ للطّيور المهاجرة من أثر وهي عادتها - على بداية كلّ شتاءٍ - في الأوبة إلى أماكنها الأصل أو الهجرة إلى أماكن أخرى ؛ وعادَ هوَ إلى ذات المكان الذي يُراقبه يوميّاً كحماية للطيّر الذي في حماه ؛ فوجدَ الجادعَ وهو في منتصف الشّتاء على ذات المكان وقد أبى مبارحته ؛ وفي هذه المرّة نزل الجادع وحطّ على يده سالماً مسالماً وكانت لا تحملُ الفخ .
وكان خلاصُه الأكيدُ من دوّامته وحالته القاسية ؛ بما لا يترك شأناً للوسوسة وطريقاً للشكوكِ ؛ ليس بالتحقّق تدقيقاً للمرّة الثانية في شكلِ الجادعِ والطّير ؛ ولكنَّ طيرَهُ الجادعَ يروح ويغدو مِن وإلى مكانهِ في بيتهِ أو على يدهِ أينما رأه ".
طافتهُ هذه الخواطرُ على عزفِ بهيج الشّجي المشحون والجميع في انتظار عودة خلفان ؛ وعودة أبي سلمين وأمّه وأثنين من أخوانه وأختيه الإثنتين ؛ بعد تحقّق عودة أخوان الشّيخ سعنة والبعض من أبنائهم ؛ وعودة أبناء جميّل ومرزوق وأيضاً أثنين من أنباء الشّيخ سعنة ؛ وعودة ابن وابنة سراج ، لكلّ هؤلاء مهمّةٌ في رحلتهم التي انقضى عليها أعوامٌ .
كان يجلس على يمن عامر الأيمن وهي على اليسار ؛ فهذا ما أُريدَ للحفل - خارج التخصيص والتنظيم - بتوجيهٍ من بهيج بعد موافقة الجميع ؛ وغُنِّيَتْ لكلّ شاعر قصيدةٍ ، فهمسَ في أذن عامر :
- أوَما لكَ من أهل ؟!
فقال عامر وهو يُشير إلى والديه :
- ذلك والدي ، وتلك أمّي ، وكان لي أخوةٌ لكّنهم ماتوا في ظروف غامضة ؛ كشأن الكثير من ميتات البلد التي عُرفتْ في الآونة الأخيرة .
وذهب مسترسلاً ..
هذا مات في حريق ، وهذا غريقاً ، وهذا سقط من سفح أو جبل أو نخلة ..
فقالت هامسة أيضاً :
- أنتَ إذن مثل وصال ابنة العم أبي مهدي ؛ فهي ليس لها غير والديها بعد موت أخوانها الثلاثة وأختها .
فقال بقبول :
- نعم ، وكشأن مسعود لم يبق له سوى ابنتين وابن بعد موت سبعة من أبنائه .
فقالا :
- البركة فيكم وأطال الله أعماركم .
وعاد ليقول :
- كذلك مات لسلمين أخوة وأبناء أخوة كُثُرٌ ؛ وللشّيخ أيضا ولجميل ومرزوق وخلفان أخوان وابناء ؛ ومات لحميد وحمد وعلى وناصر أخوان وأبناء أخوان .
فقالا بسكينة يستمدّانِ جزءها الأعظم من صوت بهيج :
- البقاء لله ، والبركة فيكم أجميعين ..
وأردفا ..
أنتم ثقِفونَ لقفونَ ، أنتم أدباء وفنّانون عظماء !.
فقال عامر بأسى لا يُخفى :
- ولكنّنا سنفتقدكم ، والبلد كافّة .
فقالا وقد انظمّ إليهم ثلاثة من أقرانهم فتاتان وفتى :
- لو سمح لنا الوالد والوالدة سنمكث معكم لفترة أطول قد تصل إلى الإستقرار في بلدكم الجميل ؛ ولا تنس فقد تقرّر بقاء البعض هنا ولو حتّى حين .
فتساءلتْ :
- هل غُنيتْ لك قصيدةٌ ؟!
فقال عامر :
- نعم كانت بعد قصيدة عُمر مباشرةً .
فقال الفتى :
- كنت أتمنّى لو يُصرّح بهيج بأسماء الشّعراء الذين كتبوا القصائد ؛ لأنّ أغلبها جديدة وكُتبتْ بين اليوم والأمس في أواخر الإعداد لهذا الحفل .
فحاولَ جسَّ انطباعهما قائلاً :
- كيف كانت الرّزحة والزّفين ؟! كيف كان أبو سيف وجمعة وولد حليس ولد كنان وو.. والكثير ممن ترونهم في أواخر فترة وجودكم في البلد وفي هذا الوضع الجميل من الحفل ؟!
فقالوا أجمعين :
- شيءٌ لا يُضاهى ، ولكنّها ليست الأيّام الأواخر ، أكيد ستكون بيننا زيارات ولربما حتّى صلاتٍ وقرابة .
فسألهم عن يوم الصّد والصّدي الذي خرجوا إليه صباحَ أمس ٍ ؛ وكان جوابهم بأنّه اليوم الأجمل ، وهو الذي كمّل وأتم مسعاهم في إتقان لهجة البلد ومعرفة مسميّاتها وأسمائها وأماكنها التي لم يُكشف لهم عنها بعد .
فقالوا مازحين :
- لو تحقّق لنا بتفريخ أو توليد هذا الكائن الجميل في البلد .
فقال عامر :
- أتمنّى ألّا يكون ارتباطه وتعلّقه بالمكان وليس بالماء فقط ؛ وهنا لن تجدونَ عائقاً يحول دون الحصول على رجائكم وبلوغ مبتغاكم .
وسألهم عن الشّيخ سعنة وسلمين فكان جوابهم " هما السّمن لا يخِم ".
وتحدّث كلٌّ إلى من هو جنبه ، أو مَن هو خلفه وأمامه ، فهناك من تُتاحُ له الفرصةُ - في رؤية بهيج - للمرّة الأولى لكثافة الحضور .
ورفرفتْ إشارةٌ في صوتٍ أجشٍّ :
- ويكأنَّه لا يُعني بالتفاصيل .
فقالتْ :
- قاتله الله !
وإذا به يكرّر :
- شعر يفوح بروائح المقت ، لو فطنتِ !
فقالت بثباتٍ :
- لا جناح ! إنّه شعرٌ يُغنّى .
واستمرّ الحفل حتّى كانت عودة المنتظرين ؛ في حفل استقبال ٍكبيرٍ ، ومنها هناك من واصل حتّى الصّباح ، وكان الأمر اختياريّاً ، لفتح مجال الفُرجةِ والمتعةِ خاصّة أمام الضيوف الجديد .
الثلاثاء
9/7/2013







*alharmali919@تويتر
http://rashid.3abber.com/category/56888
  رد مع اقتباس
/
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:13 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط