|
⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
20-06-2020, 02:44 AM | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
مجالس الأنس..
مجالس الأنس
يشرّفني ويسعدني أن أقدّم الى القرّاء الكرام هذا العمل الأدبيّ المتواضع الذي عنونته ب "مجالس الأنسِ" والذي جمعتُ فيهِ بينَ أحداثِ القصّةِ ومرحِ المقامةِ طارقًا فيهِ مختلفَ فنونِ الأدبِ من شعرٍ وأمثالٍ وحكمٍ ..ليكونَ سهلَ المنالِ مَرجُوَّ الفائدةِ غيرَ متقيّدٍ في سردِ الوقائع ولقاءِ الأبطال بالتسلسلِ التاريخي محاولاً الرّبطَ بين الماضي والحاضرِ والقديمِ والحديثِ مستعملاً في ذلك الخيالَ والتصوّرَ محاولاً الإبداعَ حيناً ومقتبساً من أمّهاتِ كتبِ الأدبِ العربي أحياناً راجيا أن يجد فيه القارئ الكريم ما ينفعه ويمتعه فأسألُ اللهَ تعالى التوفيقَ والسّدادَ إنّهُ حسبي ونعمَ الوكيل . المجلس الأول: 1 حدّثنَا جُوَيشِعُ الخوّارُ قال: خرجتُ ذاتَ يومٍ على بعيري أقصدُ الكوفةَ ، حتّى إذا كنتُ بمفازةٍ ليسَ فيها أثرٌ لبشرٍ ، أبصرتُ شخصًا هو للجنِّ أقربُ منهُ للإنسِ . ضخمَ الرّأسِ ، عريضَ الصّدرِ، رقيقَ السّاقينِ ، فقلتُ : أعوذُ بكلماتِ الله التامّاتِ من شرِّ ما خلقَ ، لا حولَ ولا قوّةَ إلاّ بالله العليِّ العظيمِ حسبيَ الله ونعمَ الوكيلُ . وغشيَني عرقٌ شديدٌ وأصابتني رجفةٌ . ثمّ ناديتهُ من بعيدٍ أإنسيٌّ أم جِنّيٌ ؟؟!! فقال: قبّحَ الله وجهَك أيّها الخوّارُ ، ألمْ يجعلِ اللهُ لك عينينِ تميّزُ بهما ؟؟ فقلتً في نفسي: أبشرْ بدنوّ أجلكَ يا جُويشِعُ ، لقد نطقَ باسمِكَ دون سابقِ معرفةٍ . إنّهُ جنّيٌ وربِّ الكعبةِ.. ثمّ حاولتُ التخلّصَ من مخاوِفي وسألتهُ : من أنت ومن أيِّ قبائلِ العربِ ؟؟.. قال : شُوّاظُ بنُ جمرٍ ، من قبيلةِ سَقر.. قلتُ : أعوذُ بالله من الشيطانِ الرّجيمِ..إسمٌ على مسمّىً.. قال : بماذا تُتمتمُ ؟؟ قلتُ : أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمِ.. ففغرَ فاهُ عن أسنانٍ كأنّها رؤوسُ الشياطينِ ثمّ قال: ومن أنت؟؟ قلتُ : أنا البطلُ الكرّارُ والفارسُ المغوارُ ، صاحبُ السيفِ البتّارِ ، أنا جُويشعُ الخوّارُ . فقهقهَ ساخراً منّي بصوتٍ اضطربَ منه بعيري . فكأنَّ ضحكاتهِ المتدَحرِجةَ من فيهِ نهيقُ حمارٍ في نفقٍ مُظلمٍ . ثمّ قال : وإلى أينَ تتوجّهُ يا جُويشعُ ؟؟ قلتُ : الى الكوفة . قال : فهل لك في الصّحبةِ.. فرضيتُ بصُحبتهِ فرقاً منه لا حُبّاً فيهِ . وسرنَا قليلاً فعنّتْ لنا ظباءٌ فقال: أيُّ هذهِ الظّباءِ أحبُّ إليكَ ، المُتقدّمُ منها أم المُتأخّرُ ؟؟ قلتُ: المتقدّمُ . فأخرجَ من كنانتهِ سهماَ كأنّهُ لسانُ كلبٍ ، ثمّ رماهُ فما أخطأهُ . فاشتوَينا وأكلناَ ، فاغتبَطتُ بصُحبتهِ . ثمّ عنّ لنا سربٌ من القطاَ فقال: أيُّها تريدُ فأصرعهَا لك ؟؟ فأشرتُ الى واحدةٍ فرماهاَ فما أخطأها . فاشتوينَا وأكلناَ . ثمّ أخرجَ من كنانتهِ سهماً كأنّ رأسهُ رأسُ حيّةٍ وانتصبَ قائماً وقال: من أيِّ موضعٍ في جسدِكَ تُحبُّ أن ينفُذَ هذا السّهمُ ؟؟ قلتُ : والله لا أحبُّ أن أُخدشَ في جسدي مقابلَ الدنيا وما فيها. قال: لا بدّ منهُ. قلتُ: اتّقِ اللهَ واحفظْ زمامَ الصّحبةٍ. قال: لا بدّ منهُ. قلتُ: خذْ بعيري وزادي واستبقنِي . قال: لا بدّ منهُ. قلتُ: فأمهلني حتى أُفكّرَ. قال: لك ذلك... ...يتبع...
|
||||
20-06-2020, 02:51 AM | رقم المشاركة : 2 | ||||
|
رد: مجالس الأنس..
وسنرى ضمن اي ضفاف سيقوده التفكير
وإلى أي روض في نهاية المسير سيصل طاب مساؤكَ والخيرات أيها النبيل محمد ونبض الريشة الناطقة
|
||||
20-06-2020, 04:03 AM | رقم المشاركة : 3 | |||
|
رد: مجالس الأنس..
هيأت لنا متكأ باذخا يفتح الشهية لالتهام ما لذ من أصناف المعرفة .
ويا لغنى المائدة بالترادف والاشتقاق !! وحدثْ في البلاغة عن الطباق والمقابلة والمجاز بنوعيه لغويا ومرسلا مع السجع والترصيع.. وأما عن التجنيس ،فمقامة بامتياز بحكم خاصية راوي الرواة الغائب (انفتاح النص بفعل ك حدث مقرونا بك نا المنوط بنقل مقول النص) ثم مباشرة تبئير الراوي الحقيقي الحاضر ساردا وبطلا للمقامة علاوة على حكاية أطرها زمان هو الماضي ( كنا ) ومكان هو ( الكوفة ) إضافة إلى بطل وظيفته معارضة لموضوع المرسل ( شواظ بن جمر مع تحديد سماته النوعية جسميا (القبح )واجتماعيا (قطع الطريق ) تؤثث سيرورة الحكاية فواعل ثانوية ( البعير والكنانة والقطا والظباء..)مع حضور الحوار بصنفيه ( الداخلي والخارجي )حتى ليتشابه هل النص مقامة صرف ام سرد .. نسجل غياب شذرات شعرية كما وصلنا جنس المقامة مع رائديه الهمذاني والحريري واعتقادي ان الكاتب هنا تعمد في مجلسه الأول انتفاء عنصر جنس الشعر حتى لا يتقيد القارئ مسبقا في قوقعة المقامة خصوصا ان الغاية القصوى في مقاماتالرائدين كانت ( الكدية ) اما هنا فقد صدم الكاتب افق انتظار القارئ بمصير البطل (جويشع الخوار ) هذا المصير الذي ظل معلقا بتقنية بارعة جدا من لدن الراوي الأعلى ( راوي الرواة )مع دهشة مصاحبة خرقت الصورة النمطية للبطل في مقامات الرائدين ( الفروسية ) بينما بطلنا خوار كثير الفرق والفزع والخوف عن المعجم راوح بين حقول متنوعة من الدين الى الجغرافيا الى القنص الى ما هو اجتماعي نفسي وأتوقف مؤقتا كما خدعنا راوي الرواه فسحة تفكر في انتظار تطورات الحدث أقترح عوضا رهيا او رعبا منه عوض فرقا منه خدمة لخاصية السجع تناغما مع لا حبا فيه شكرا أخي الحبيب على متعة اريحية |
|||
20-06-2020, 04:41 AM | رقم المشاركة : 4 | |||
|
رد: مجالس الأنس..
يبدو أن هناك الكثير من المفاجآت المثيرة في هذه القصة مدهشة السرد
متابعة بإذن الله تحياتي للأستاذ تمار |
|||
20-06-2020, 04:34 PM | رقم المشاركة : 5 | |||||
|
رد: مجالس الأنس..
اقتباس:
سعيد بقراءتك .. خالص المودّة
|
|||||
21-06-2020, 10:39 PM | رقم المشاركة : 6 | |||||
|
رد: مجالس الأنس..
اقتباس:
تسعدني مرافقتك أخي.. كلّ الودّ
|
|||||
24-06-2020, 04:41 PM | رقم المشاركة : 7 | |||||
|
رد: مجالس الأنس..
اقتباس:
أغدقت والكرم من خصالك وقوّمت والنّصح من فعالك فجزاك الله عنّي خير الجزاء ويسعدني كما يسعد جويشع أن يأنس بصحبتك فكن بالقرب يرحمني ويرحمك الله.. خالص المودّة
|
|||||
24-06-2020, 04:43 PM | رقم المشاركة : 8 | |||||
|
رد: مجالس الأنس..
اقتباس:
شرفت وسررت بمتابعتك وأرجو أن تجدي في المجالس ما يروي ذائقتك.. خالص المودّة
|
|||||
24-06-2020, 11:35 PM | رقم المشاركة : 9 | ||||
|
رد: مجالس الأنس..
المجلس الأول
2 قلتُ: فأمهلني حتى أُفكّرَ. قال: لك ذلك... فانزويتُ عنهُ ورُحتُ أحدّثُ نفسي . فانتهى بيَ التّفكيرُ الى اختيارِ رأسي لما يتميّزُ بهِ من صلابةِ عظمِ النَّاصِيةِ . ثمّ عدلتُ عن ذلك وقلتُ: لئنْ خرمَ السهمُ رأسي كانت إحدى الطّامتينِ الموتُ أو الجنونُ . فاخترتُ بعد ذلكَ بطني ، ثمّ عدلتُ عن ذلك وقلتُ : كيفَ بك يا جُويشعُ إذا بُقرَ بطنُك وخرجتْ منه أمعاؤُك ، وكادَ أن يُغمى عليَّ . ثمّ اهتديتُ أخيراَ الى ساقي وقلتُ : الساقُ أهونُ وعظمُها أمتنُ ، لكنّي تذكّرتُ حالَ الأعرجِ الذي لا يستطيعُ قضاءَ حاجتهِ . فأطرقتُ يائساً من سبيلِ الخروجِ من المأزقِ الذي وقعتُ فيهِ. ولم أنتبهْ إلآّ على وقعِ صوتهِ المُزعجِ : أيُّ عضوٍ مِنكَ هانَ عليكَ يا خوّارُ؟؟ قلتُ : ليسَ ذاكَ ما يُشغلني يا صديقي.. قال : فماذا يُشغلكَ إذاً ؟! قلتُ : فكّرتُ في حالكَ بعدي فخشيتُ أن يُصيبكَ ما أصابَ الرّجلَ الذي غدرَ بالتّاجرِ بعدَ إذ أنجاهُ من الموتِ الأكيدِ. قال : وكيفَ كانَ ذلكَ ؟ قلتُ : إنّ العاقلَ لا ينبغي لهُ أنْ يصطفيَ أحدًا ولا يَستخلصَهُ إلاّ بعدَ الخبرةِ والتجربةِ . فإنَّ منْ أقدمَ على مشهورِ العدالةِ من غيرِ اختبارٍ وتمحيصٍ فبسطَ لهُ وُدّهُ وأفشاهَ سرَّهُ ، كانَ مُخاطراً في ذلكَ ومُشرفًا منهُ على هلاكٍ أو فسادٍ وإليكَ مثالُ ذلك َ : زعمُوا أنَّ تاجرًا غنيّاَ مرَّ في أحدِ أسفارهِ برجلٍ قد أشرفَ على الهلاكِ بسببِ الظمإِ . فسقاهُ وأطعمهُ وأنسَ بصُحبتهِ ، فحدّثهُ عن تجارتهِ وما بسطَ اللهُ عليهِ منَ النّعمةِ والرّزقِ . فلمَّا سمعَ الرّجلُ ذلكَ وبصرَ بالمالِ والجواهرِ، لعبَ الشيطانُ بأمِّ رأسهِ وحدّثتهُ نفسهُ بالغدرِ. فانتظرهُ حتى نامَ وطعنهُ بخنجرٍ فقتلهُ ، ثمّ أخذَ ما كانَ معهُ وانطلقَ في الفلاةِ حتى أدركهُ الليلُ فنامَ . وكانَ في الزّادِ الذي احتملهُ قطعةُ لحمٍ ، وصادفَ أن كانَ بالقربِ منَ مكانهِ حيّةٌ في جحرٍ ، فوجدتِ الحيّةُ ريحَ اللّحمِ فخرجت تطلبهُ . فلمّا استيقظَ الرجلُ مدَّ يدهُ لتناوُلِ اللّحمِ فلدغتهُ الحيّةُ فماتَ . قال جُويشعُ : كلّ هذا وشوّاظُ لم يزلْ قائماً منتصبًا كالوتدِ فقلتُ لهُ : وأنا أخشى عليكَ أنْ يُصيبكَ ما أصابَ هذا الرّجلَ . قال : هيهاتَ هيهاتَ ، فما أبعدَ هذا عن ذلكَ . قلتُ : كيف ؟ قال : ذاكَ رجلٌ أنجاهُ صاحبهُ من الموتِ المحتومِ وأحسنَ إليهِ إذ قاسمهُ طعامَهُ ، فغدرَ بهِ فكانَ حريّاً أن يصيبهُ ما أصابهُ . أمّا عنّا نحنُ ، فأنا الذي أطعمتُك ممّا تشتهي وأمّنتُك ممّا تخافُ ، فإنْ كانَ فضلٌ فهو لي عليكَ وليسَ العكسُ . قلتُ : فاستبقِني ولا تتعجّلْ في أمركَ ، عسَى أنْ أنفعكَ فإنَّ في العجلةِ النّدامةَ وفي التأنّي السّلامةَ . وقد قال الحكماءُ : العجلُ بريدُ الزّللِ . وقديماً قال الشّاعرُ : قد يُدركُ المُتأنّي بعضَ حاجتهِ وقد يكونُ مع المستعجلِ الزّللُ قال : كلُّ هذا لا ينفعُكَ .... ... يتبع...
|
||||
25-06-2020, 12:49 AM | رقم المشاركة : 10 | |||
|
رد: مجالس الأنس..
وكأن الزمان عاد بي إلى بلاط الرشيد
وأعذب بتناسل الحكايات وحبذا رحق ألف ليلة وليلة ثم إن ( جويشع ) طالعنا - على خلاف سذاجته في المجلس الأول -متوقد الذكاء ، سريع البديهة ، واثقا من قدرته على التمويه والمراوغة واقتناص الأمان والسلامة أتابع - منبهرا ومشيدا - هذا الخلق البديع . |
|||
26-06-2020, 09:22 PM | رقم المشاركة : 11 | |||||
|
رد: مجالس الأنس..
اقتباس:
أجمل بفراستك وفطنتك وأبشر بدخول بلاط الرّشيد قريبا
|
|||||
28-06-2020, 07:09 PM | رقم المشاركة : 12 | |||
|
رد: مجالس الأنس..
وما زلنا نتابع جويشع ومفاجآته التي لا تخطر على بال
فهل ينجح بثني شواظ عن تنفيذ ما عزم عليه سننتظر ونعود للمتابعة ألف شكر على هذه الفسحة الممتعة تحياتي أخي أ. تمار |
|||
30-06-2020, 07:58 PM | رقم المشاركة : 13 | |||||
|
رد: مجالس الأنس..
اقتباس:
تحقق الأنس منذ المجلس الأول. فما قرأته هناماتع وبديع جعلني أجزم على أن أتابع الآتي من هذه المجالس التي أتوقع أنها ستحقق مرادها وستعجب قارئها وسينتظر مرغما ما هو جديد ..أسعدني وأمتعني هذا الحرف كثيرا ..أسجل حضوري ..وأتابع .. أديبنا المكرم محمد تمار بوركتم وبورك نبض حرفكم الراقي والرقيق احترامي وتقديري
|
|||||
30-06-2020, 08:11 PM | رقم المشاركة : 14 | |||||
|
رد: مجالس الأنس..
اقتباس:
هنا كان جويشع وكأنه ضالعا بالحكمة والقول السديد ..أعجبتني نباهته
وقدرته على المناورة في الحديث ما بين إصغاء وسرعته في الرد حتى كاد يقنع (شواظ لن جمر) لولا انفضاض المجلس الثاني ..رأئع أنت يا صديقي فهذه كتابة تُحترم وتستحق المتابعة ..أيضا المجلس الثاني حقق الأنس وسلب الانتباه ما جعلنا نرجو المزيد...متابع وبانتظار المزيد.. الأديب المبدع محمد تمار بوركتم وبورك نبض قلبكم الناصع احترامي وتقديري
|
|||||
02-07-2020, 09:42 PM | رقم المشاركة : 15 | |||||
|
رد: مجالس الأنس..
اقتباس:
سعدت بمتابعتك وتحفيزك.. خالص المودّة
|
|||||
03-07-2020, 11:40 PM | رقم المشاركة : 16 | ||||
|
رد: مجالس الأنس..
المجلس الأول
3 قلتُ : فاستبقني ولا تتعجّلْ في أمركَ ، عسى أنْ أنفعكَ فإنَّ في العجلةِ النّدامةَ وفي التأنّي السلامةَ . وقد قال الحكماءُ : العجلُ بريدُ الزّللِ . وقديماً قال الشاعرُ : قد يُدركُ المتأنّي بعضَ حاجتهِ وقد يكونُ مع المستعجلِ الزّللُ قال : كلُّ هذا لا ينفعُكَ ، فإنّي قد علمتُ أنَّ من ظفرَ بالسّاعةِ التي ينجحُ فيها عملهُ ثمّ لا يُعاجلهُ بالذي ينبغي لهُ فليسَ بحكيمٍ . ومنْ طلبَ الأمرَ الجسيمَ فأمكنهُ ذلكَ فأغفلهُ فاتهُ الأمرُ وهو خليقٌ ألاَّ تعودَ لهُ الفرصةُ ثانيةً. ومنِ وجدَ عدوّهُ ضعيفاَ ، ولمْ يُنجزْ قتلهُ ندمَ إذا استقوى ولمْ يقدرْ عليهِ . وقدِ اتّخذتكَ عدوّاً فعجّلْ باختيارِ الموضع وإلاَّ فقأتُ عينكَ بهذا السهمِ . فقلتُ في نفسي : هذا ما جنيتهُ على نفسكَ يا جُويشعُ ، فقد علمتَ أنَّ منْ صحبَ الأشرارَ وهو يعلمُ حالهمْ كانَ أذاهُ من نفسهِ . وإنَّ من الحزمِ سوءَ الظنِّ بمجهولِ السيرةِ والنّسبِ حتى يُتثبّتَ منهُ ، والكيّسُ من انتفعَ بظنّهِ قبلَ يقينهِ . فقد قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه : ( منْ لمْ ينفعهُ ظنّهُ لمْ ينفعهُ يقينهُ ). وقد سئلَ عمرو بنُ العاصِ رضي الله عنه عن العقلِ فقال : ( الإصابةُ بالظنِّ ومعرفةُ ما يكونُ بما قد كانَ). وإنّهُ لا ينبغي للعاقلِ أنْ يتعجّلَ في اختيارِ الصّاحبِ فقدْ يُعجبكَ من مرءٍ حلوُ مقالهِ ، وظاهرُ أفعالهِ ، حتى إذا سبرتَ أغوارهُ وكشفتَ أسرارهُ ، وجدتهُ خبيثَ المخبإِ يتظاهرُ لك بالودِّ وهو منْ ألدِّ أعدائكَ . فلاَ تغرركَ من مرءٍ وعودٌ فعندَ الطّعنِ تُختبرُ الحرابُ وقد تسيءُ الظنَّ بالرجلِ الضعيفِ الذي لا يؤبهُ لهُ حتى إذا ما بلوتهُ وجدتَ فيهِ ضالّتكَ قال الشاعرُ : ترى الرجل النحيفَ فتزدريهِ *** وفي أثوابهِ أسدٌ هصورُ ويُعجبكَ الطّريرُ فتبتليهِ *** فيخلفُ ظنّكَ الرجلُ الطريرُ والعاقلُ هو الذي يحتالُ للأمرِ قبلَ تمامهِ ووقوعهِ . فالرّجالُ ثلاثةٌ : حازمٌ وأحزمُ منهُ وعاجزٌ . فأحدُ الحازمينِ من إذا نزلَ بهِ الأمرُ لم يدهشْ لهُ ، ولم يذهبْ قلبهُ شَعاعاً ، ولم تعيَ بهِ حيلتهُ ومكيدتهُ التي يرجو بها المخرجَ منهُ . وأحزمُ منهُ المتقدّمُ ذو العدّةِ الذي يعرفُ الابتلاءَ قبلَ وُقوعهِ ، فيُعظمهُ إعظاماً ، ويحتالُ لهُ كأنّهُ قد لزمهُ فيَحسمُ الدّاءَ قبلَ أنْ يُبتلى بهِ ، ويدفعُ الأمرَ قبلَ وُقوعهِ ، وأمّا العاجزُ فهو في تردّدٍ وتوانٍ حتى يهلكَ . وأنت يا جُويشعُ تربأُ بنفسكَ أن تكونَ الثالثَ . فلمْ يبقَ لكَ أمامَ هذا الخطرِ القائمِ سوى أحدِ المخرجينِ ، القتالُ أو الاحتيالُ . فأمّا القتالُ فقدْ علمتَ أنّهُ لا سبيلَ للمرءِ الى قتالِ منْ لا يقوى عليهِ ، وأنَّ من لا يعرفُ قدرَ نفسهِ وقدرَ عدوّهِ فقاتلَ من لا يقوى عليهِ كانَ متهوّراً ، وحملَ نفسهُ على حتفهَا . فليسَ أمامكَ سوى الاحتيالِ لهذا الأحمقِ الملعونِ . فقلتُ : قبلتُ أنْ أختارَ لكَ عضواً ، لكنْ ليسَ قبلَ أنْ أستوثقَ منْ دقّةِ رميكَ . قال: أما زلتَ تشكُّ في مهارتي بعدَ كلِّ الذي رأيتَ؟؟!!.. قلت : الأمرُ الآنَ يتعلّقُ بروحي التي بينَ جنبيَّ يا صديقي.. قال : فأيُّ شيءٍ تريدُ أنْ أرميهُ حتى يطمئنَّ قلبكَ ؟؟ فأنا لا أخطئُ هدفي ولو كانَ مختبئًا خلفَ زُحَل ، وضربَ صدرهُ بيدهِ مزهُوًّا بنفسهِ . فقلتُ في نفسي: وقعتَ يا شوّاظُ ، وفاتكَ أن تعلمَ أنّ زلّةَ المتفوّقِ الغرورُ ، وأنَّ الغرورَ أخُو الحماقةِ من الرّضاعِ .. ثمّ قلتُ لهُ : الشمسُ..وكانتِ الشمسُ قد توسطتْ كبدَ السماءِ . فكانَ كلما حاولَ أنْ يُسدّدَ سهمهُ نحوهَا دمعتْ عيناهُ ولمْ يقوَ على تركيزِ نظرهِ فيهَا ، فاستسلمَ وقال : أمنتَ يا جُويشعُ ، غلبتِ الحيلةُ الرميَ..غلبتِ الحيلةُ الرميَ.. فتركتهُ وانصرفتُ لحالي... المراجع : ـ العقد الفريد ـ كليلة ودمنة ..بتصرف
|
||||
05-07-2020, 04:12 PM | رقم المشاركة : 17 | |||||
|
رد: مجالس الأنس..
اقتباس:
أخي العزيز محمد سعيد جدّا بمتابعتك وثنائك بارك الله فيك أتمنّى أن تجد في المجالس ما ينفعك ويمتعك.. خالص المودّة
|
|||||
05-07-2020, 04:22 PM | رقم المشاركة : 18 | |||
|
رد: مجالس الأنس..
كما توسمت في ( جويشع )
من غير المنصف ألا يكون بطل مجالس الأنس إلا داهية نحريرا كما شقيقيه مع الهمذاني والحريري أقول هذا ،لأن ثالث المجالس من صميم المقامة وقد زينت عينيه مكحلة الشعر وتراث السلف .. ترى كيف تكون ردات فعل ( جويشع ) حين يلج قصر الخلد !!!! |
|||
06-07-2020, 01:45 AM | رقم المشاركة : 19 | ||||
|
رد: مجالس الأنس..
اقتباس:
فعلا دائما التسرع لا يؤدي إلا إلى المهالك والحكمة مع التأني منجية سلمت أ. محمد ودمت متألقا |
||||
09-07-2020, 06:32 PM | رقم المشاركة : 20 | ||||
|
رد: مجالس الأنس..
جويشع : كل ما قرأته من حكمة ودهاء وأحداث يدل على العمق والذكاء عند جويشع
وهنا وجدت مقدرة رهيبة على خلق دراما سواء ان كانت قصة أو رواية لا يهمنا التجنيس بقدر ما يهمنا التشوق لمتعة الأدب الرفيع وقراءة النوادر بقلم اديب متمكن من أدواته جيدا سوف نتابع حتى النهاية والمطر يتساقط خفيفا على القلوب دمت بوهج استاذي الكريم |
||||
11-07-2020, 01:45 PM | رقم المشاركة : 21 | ||||
|
رد: مجالس الأنس..
نتابع بشغف
سرد ممتع |
||||
12-07-2020, 08:32 AM | رقم المشاركة : 22 | ||||
|
رد: مجالس الأنس..
القدير الكبير محمد تمار ..ما زلنا في الانتظار وقراءة المزيد
كن على يقين أن المتعة هنا منثورة في سماء النص والفائدة عمت الجميع .. بوركتم وبورك نبض قلبكم الناصع احترامي وتقديري
|
||||
20-07-2020, 01:11 PM | رقم المشاركة : 23 | |||
|
رد: مجالس الأنس..
اللهم أسعد قلبي بطلة مهندس مجالس الأنس
اللهم طهر أخي محمد من الداء ونقه من السقم وعجل اللهم بشفائه |
|||
16-08-2020, 08:46 PM | رقم المشاركة : 24 | |||
|
رد: مجالس الأنس..
المجالس دون أنس في غياب الحبيب محمد
|
|||
23-08-2020, 05:18 PM | رقم المشاركة : 25 | |||
|
رد: مجالس الأنس..
مجالس الأنس حزينة
اللهم بشرنا بعودة الحبيب محمد سالما غانما |
|||
|
|
|