العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▂ ⟰ ▆ ⟰ الديــــــوان ⟰ ▆ ⟰ ▂ > ⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰

⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-02-2011, 04:39 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
معن البديوي
أديب
رابطة الفينيق / آرام
سوريا

الصورة الرمزية معن البديوي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


معن البديوي غير متواجد حالياً


افتراضي صداع روح ...أجزاء

[justify]
صُداعُ رُوحٍ
[/justify]



[justify]
سماءٌ وليست كأيّ سماء، سماء ذلك القصر الكبير، بأطرافها الفضيّة وبنجومها اللؤلئية المحيطة بذلك القمر البهيج.
لا ينقصها شيءٌ أبداً لتكون سماءً حقيقية سوى شُهُب تلمع،وصراصير تئن،ورهبةٍ تملأ المكان يحفها السكون.
إنها لوحة فسيفساء رائعة ملأت سقف مقصورة الملك الذي طالما راق له منظرها والغِيانُ يحطن به من جهاته الأربع.
لكنها ليست على طبيعتها هذا الصباح . بل القصر كله ليس على طبعه..
هناك شيءٌ ما تغيّر في القصر، لقد استحال إلى خلية نحل مضطربة،قطيع هارب أو عش عصافير هاجمه ثعبان.
هناك شيء ما قضّ نوم القصر ودبّ الحركة فيه عند هذا الصباح الربيعيِّ الباكر،
الأعمدةُ المزخرفة بحذق تكاد تنهار أيضاً.

ما الذي يجري؟ لست أدري...
ولكن كل حركة في القصر تبدو وكأنها تتجاوب مع أنّات غريبة. صياحٌ وأنات..
لا بد أنّه أمرٌ عظيم.. إنها كارثة بلا شك.

وارتجف كلّ شيء فجأة،الناسُ والجدرانُ على صياح الملك المفزع:

ــ رأسي..آه يا رأسي!!
ــ فداك يا مولاي!
ــ ابتعدوا عن وجهي بسرعة،وليأتِ المستشار.

لكنّ أحداً لم يحرك ساكناً.. بقي الجميع في أماكنهم.
كيف استطاعوا عصيانَ أمر هذا الملك الجبّار!
أكان يأمر غيرهم ؟
مستحيل.. فها هو يصيح بهم مرة ثانية بصوتٍ فضيع:

ــ قلت نادوا المستشار.. ألا تسمعون أيها الحمقى؟

ويصمت الجميع ثانية،لكن قائد الحرس يتقدم خائفاً:

ــ المستشار ليس في القصر يا سيدي،فبعض الصبر حتى نرسل إليه.
ــ من سمح له أن يغادرني؟ سأشنقه حالما يعود.


ويعود الصمت ليسيطر مجدداً. والملك مرتمٍ على سريره الموشّى بالحرير,
واضعاً يده على صدغه الأيسر محاولاً أن يتغلب على ألمه..
لكنه لم يتمكن منه فيصيح مجدداً:

ــ أين المستشار؟؟ أحضروه... جُرّوه من ثيابه!!
ــ صبرك يا مولاي.

لكن صبر مولاهُ قد نفذ من زمن، وها هو قد عاد إلى تأوّهه وصياحه,
مستلقياً على ظهره ناظراً إلى لوحة الفسيفساء على السقف فيدير وجهه عنها متأففاً.

صوت حركة غريبة في البهو.. خطواتٌ رتيبة وطقطقة رنانة.
أدار الملك رأسه المريض إلى يمينه، ليرى الفرقة الموسيقيّة الملكية تنحني محيّية إيّاه.
ويبدأ العزف.. وتنبعث الموسيقى هادئة تبعث على الاطمئنان.
وتروح فتيات القصر يتمايلن أمام الملك كأعواد الريحان يغازلها النسيم.
وسكن كل شيء في المكان, ولكنه لم يسكن إلى الأبد.
لم تدمِ الحالُ هذه دقائقَ حتى صاح الملك بصوت أقربَ ما يكون إلى خوار ثور:

ــ يكفي ...اغربوا حالاً عني . لا أريد موسيقى.. أريد أن أشفى !

وانقطع الصوت من الآلات الموسيقية كأنما أصابها البكم.

ــ أين المستشار؟
ــ لن يصل قبل صباح الغد يا مولاي,لقد ذهب لتفقد الأسطول.
ــ سأقتله عندما يرجع..
اسمع يا ...... رأسي !!

وعاد يتلوى مجدداً.
إنها نوبة من نوبات صداع حاد تنتاب هذا الملك. قال له أطباء القصر إنهم عاجزون عن علاجه،
ويجب ألا يُجهِد نفسه,لكنه على ذلك لم يكن ليسلم من لَسَعات الألم من حين لآخر.. وليتها كانت لسعات.


ــ اسمع يا قائد الحرس.
ــ أمر مولاي الملك
ــ اسمع ..... أرسل الجند إلى نواحي البلاد،وإيتوني بأمهر طبيب في
المملكة ..أمهر طبيب.
أريد أن أتخلص من هذا الألم إلى الأبد.
لا تتركوا قرية أو بيتاً,أريده هنا قبل غياب شمس اليوم .إذا لم يكن هنا قبل الغياب،
ستودّع رأسك والشمس معاً. هل سمعت؟

ويرتعد قائد الحرس بشدة.
إنه جاد..الجميع يعلم انه لا يمزح.فهو حاكم قاس جداً كقسوة نوبات الصداع التي تراوده.

ينحني قائد الحرس بخشوع لم يُعهَد قط :

ــ أمرك سيدي الحاكم .





***********
[/justify]






ضاع عمري بين دمعات القدر .. ضاع قلبي تحت أقدام البشر
ضاع حلمي وطموحي والتفاتي خلف منسي القدر
مات قلبي وانكسر... مات قلبي وانكسر
  رد مع اقتباس
/
قديم 15-02-2011, 03:07 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


تسنيم الحبيب غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح ...الجزء(1)

السلام عليكم

الأديب الكريم
معن البديوي

يبدو أننا على موعد مع رواية شيقة من أدب التراث ..
بانتظار التتمة

تقديري.






  رد مع اقتباس
/
قديم 16-02-2011, 11:45 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
روضة الفارسي
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
تونس
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


روضة الفارسي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح ...الجزء(1)

الأديب العزيز معن

السلام عليك

رحلت بنا في عالم ربما يشبه ألف ليلة وليلة

التشويق والجمال استوقفني

ونحن بانتظارك

دم بجمال وود






  رد مع اقتباس
/
قديم 16-02-2011, 03:39 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
معن البديوي
أديب
رابطة الفينيق / آرام
سوريا

الصورة الرمزية معن البديوي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


معن البديوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح ...الجزء(1)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تسنيم الحبيب مشاهدة المشاركة
السلام عليكم

الأديب الكريم
معن البديوي

يبدو أننا على موعد مع رواية شيقة من أدب التراث ..
بانتظار التتمة

تقديري.







الزميلة الوارفة تسنيم الحبيب

سعيد جداً بإطلالتك الزكية
وبتفاعلك مع القصة

أعدك بأن تكون التتمة أكثر إثارة
فإلى هناك لنا لقاء قريب

دمت بحفظ الله






ضاع عمري بين دمعات القدر .. ضاع قلبي تحت أقدام البشر
ضاع حلمي وطموحي والتفاتي خلف منسي القدر
مات قلبي وانكسر... مات قلبي وانكسر
  رد مع اقتباس
/
قديم 16-02-2011, 03:52 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
معن البديوي
أديب
رابطة الفينيق / آرام
سوريا

الصورة الرمزية معن البديوي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


معن البديوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح ...الجزء(1)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روضة الفارسي مشاهدة المشاركة
الأديب العزيز معن

السلام عليك

رحلت بنا في عالم ربما يشبه ألف ليلة وليلة

التشويق والجمال استوقفني

ونحن بانتظارك

دم بجمال وود




الأديبة والزميلة روضة الفارسي

شكراً على إهتمامك

وكما أعجبتك هذه اللقطة الفنية من الماضي
فقد أُخذت ببعد النظرة التي تملكينها

لك كل الود


البديوي






ضاع عمري بين دمعات القدر .. ضاع قلبي تحت أقدام البشر
ضاع حلمي وطموحي والتفاتي خلف منسي القدر
مات قلبي وانكسر... مات قلبي وانكسر
  رد مع اقتباس
/
قديم 19-02-2011, 01:59 AM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
معن البديوي
أديب
رابطة الفينيق / آرام
سوريا

الصورة الرمزية معن البديوي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


معن البديوي غير متواجد حالياً


افتراضي صداع روح .. الجزء(2)

صداع روح _ 2_



[align=center][tabletext="width:70%;"][cell="filter:;"][align=right]
قبل المغيب وأمام باب الملك وقف ثلاثة رجال مطلَقو اللحى, والحرس يحيطون بهم، والحاشية في الداخل
تنتظر مع ملكها ـ الذي عصب رأسه بعصابة بيضاء ـ مجيء الطبيب الحاذق .
تقدم رئيس الحرس تاركاً أتابعه والرجال الثلاثة وراء ظهره، ماشياً على فرش من السجاد الفاخر.
وعلى بعد خطوات من الملك أدى انحناءته المعتادة:

- لقد نُفّذ أمرك سيدي. جئتك.......

لكن الملك قاطع كلامه بسؤال حاد:
- لماذا تأخرت؟؟

لماذا تأخر؟؟
لكنه لم يتأخر!! فالشمس لما تغبْ بعد! لكن هذا الملك يحب العبث بأعصاب الناس، إنها هوايته.
يا لقائد الحرس المسكين الذي راح يرتجف من رأسه إلى أسفل قدميه.
لم يدرك ما الذي يخفيه الملك وراء سؤاله الخبيث.
لم يكن أمامه إلا أن ينحني متضرعاً.. ملتمساً النجاة.
- عفوك يا مولاي ! لكني لم أتأخر !!
- لم تتأخر؟ هذا عجيب..إذاً فأنا أكذب. أليس كذلك؟؟
- عفو مولاي..
لم أقصد هذا.. أرجوك سامحني..أرجوك!!
- ماذا كنت تقصد إذاً؟
- عفوك يا مولاي..
- سأحاسبك فيما بعد. أين طبيبك؟

نهض قائد الحرس دون أن يجرؤ أن يرفع عينيه، وقال للملك المتربع على عرشه تربع شيطان:
- جئتكم بثلاثة أطباء يا سيدي، هم جهابذة البلاد وعباقرتها، ينتظرون إذنك بالدخول.
قال الملك بهدوء: أدخلوهم !

الملكُ على ما يبدو قد تحسن. لكنه لا يزال يتألم على أي حال..
وقد يشتد ألمه في دقائق. وإذا ما اشتد، فإن القصر كله سيضطرب مجدداً.
وقتها الجميع يخشاه، وحتى كبار الحاشية ينقلبون خائفين من سخط الملك العشوائي.
فلا عجب إذا ما ارتجف قائد الحرس منحنياً،أو تهدج صوت الوزير .


دخل الأطباء الثلاثة وأمر الملك حاشيته بالانصراف، واستبقى قائد الحرس.
قال قائد الحرس:
- إنهم مستعدون لخدمتك سيدي الحاكم.

تفرس الملك في وجوههم باستهانة، ثم قال بنبرة شبيهة بالعتاب، نبرة كالتي يخاطب بها المرء نفسه :
- هل أنتم حقاً أمهر أطباء المملكة؟؟

بقي الأطباء مطرقين.فكرر الملك قائلاً:
- أجيبوا !!
- أجل يا مولاي.
فاستطرد الملك:
- ومن قال لك هذا؟
أليس جائزاً أن يكون هذا الغبي قد جاء بأي طبيب قبل المغيب لينجو من العقاب،
حتى لو كان هذا الطبيب غبياً مثله.

صاح قائد الحرس:
- صدقني يا مولاي لم أفعل ذلك!
لقد أرسلتُ كل الفرق التي تحت إمرتي،ولم أُبقِ سوى حرس القصر..
وبحثتُ عن أمهر أطباء المملكة.

قال الملك بهدوء:
- كيف عرفت أنّهم أمهرُ الأطباء؟؟

تلعثم القائد في إجابته لكنه قال:
- سألتُ الناس عنهم. الأطباء المهرة مشهورون يا مولاي!!
- ألا يجوز أنك تركتَ طبيباً ما ؟
- محالٌ يا مولاي.. محال! فقد فتشتُ في كل الأقاليم، وكما طلبتَ مني،لم أترك بيتاً.

ظلّ الملك صامتاً هذه المرة،وهو يتأمل إبهامه باستغراق، وبقي صامتاً فترة من الزمن،
ثم رفع رأسه فجأة كما لو استيقظ من حلم ما وقال وهو يتنهد:
- نعم.. قلت لي فتشت كل مكان.
هذا حسن..أنا لا أشك في ذلك.لا ريب أنك خادم مطيع.

وصرف نظره عن "خادمه" الخائف، وعاد يتفرس في وجوه الأطباء .
خاطب الأول قائلا:
- من أين أنت؟
- من الإقليم الشمالي يا سيدي .

فوضع الملك يده على ذقنه مفكراً.. ثم قال بصوت يشبه النجوى:
_ إقليم الشمال!! أنتم تمارسون الشعوذة..
ألا تكون مشـعوذاً؟؟
- كلا! أنا طبيب ! ثم استدرك فارجاً شفتيه بابتسامة واسعة:
- لكنني أعرف بعض ألاعيب السحر..
نظر إليه الحاكم نظرة سريعة من تحت حاجبين يوحيان بالإعجاب، ثم حوّل عينيه إلى الطبيب الثاني:
- وأنت؟ من أين جئت؟
- أنا من هنا. من إحدى ضواحي العاصمة يا مولاي.
فهز الملك رأسه راضياً:
- رائع! وهل أنت ساحر أيضاً ؟؟
فأجابه الطبيب الهادئ:
- مطلقاً.. السحر مجرد كذب وخداع!
فـدحجه الملك بقسوة، وقال بسخرية باردة:
- أنت مخطئ..

وسكت هنيهة ثم تابع:
- لكنك تبدو خيراً من صاحبك، فلماذا تهزأ بفنونه؟ ألم تسمع بـ .........

صمت فجأة وأغمض عينيه كمصاب بالدوار، وصاح بعد لحظات:
- إنه الوجع مجدداً !!
وألقى رأسه على وسائد الحرير وأخذ يلطمه بقوة ويصيح. بينما هرع إليه الأطباء الثلاثة:
- اهدأ يا سيدي الحاكم وأخبرنا بالضبط ما الذي يؤلمك حتى نستطيع علاجك.

لكن الملك بدا وكأنه لم يسمع وتابع صياحه المفزع:
- إنها نوبة الألم . عالجوني بسرعة!!

نظر الأطباء فيما حولهم بِحَيرة وأطالوا النظر. ماذا عساهم يفعلون حيال ملك يتألم، يسألونه فلا يجيب.
إنهم شبه عاجزين عن أخذ المعلومات التي يريدونها، لأنهم عاجزون عن إجباره على الكلام.
عادوا ينظرون إليه مجدداً والحيرة تكاد تصيبهم بالصداع أيضاً , لكنه بدد تلك الحيرة فأجابهم على سؤالهم وكأنه قد سمعه للتو :
- رأسي يؤلمني أيها الأطباء , نصفه الأيسر فقط , لكنه ألم يصرع عشرة جمال..وعيني اليسرى أيضاً, كأنها تتمزق من الداخل .

سأله أحدهم:
- ألا تشعر بشرايين رأسك تنبض بعنف ؟
- بلى إنها كذلك.

تبادل الأطباء النظرات القلقة. لقد غدا كل شيء واضحاً بالنسبة لهم ؛ولكن كيف سيقنعونه الآن بالحقيقة .
قال ابن العاصمة وخوفه يتسرب من كلامه :
- أخشى يا مولاي أنك مصاب بصداع مزمن .
- لم تأتِ بجديد. عالِجُوني .. عالِجُوني !!

جمد الأطباء من جديد، ورجعوا يتبادلون النظرات الزائغة.
فيما كان قائد الحرس خائفا يخشى أن يفشلوا في شفائه..
ينظر تارةً إلى الجدران المذهبة التي عُلقَتْ عليها المشاعل المتوهجة،
لينعكس ضوءها الأحمر عن تلك الجدران ذهبيا ساحراً يمنح المكان جواً أسطورياً هادئاً ومخيفاً كجو المعبد الكبير.
وتارةً إلى الأطباء الحائرين بكثير من الرجاء .
شَعَر الآن فقط بالإرهاق .. الآن فقط بعد أن مزّق ساعاتِ نهارِهِ مع فِرَقِ الحرس، باحثاً في كل مكان,
متواجداً في أي مكان، سائلاً أي إنسان عن أحد هؤلاء الثلاثة .
حتى الحانات سأل من بداخلها عن طبيب ماهر .
الآن متأخراً أحسَّ بالتعب, التعبِ الذي كان خليقاً أن يشعر به منذ منتصف النهار .
لقد أمده الخوف بالقوة.. بجرعاتٍ كبيرة من القوة والتحمل، فاستطاع أن يقوم بمهمته الطويلة.
ولكن ما باله الآن قد تمكن منه الإعياء ؟ ترى هل فقد خوفه ؟ أم أنه فقد الأمل في النجاة ؟
في كلتا الحالتين؛ الواقع يبقى واقعاً، والملك المتألم يبقى متألما، والأطباء الثلاثة لا يتحركون ولا يحركون ساكناً .
نظر إلى نفسه من بعيد، من إحدى زوايا الغرفة, فوجد نفسه إنساناً بائساً في حال يرثى لها.
كيف أوصله القدر إلى هذا الوضع ؟ لم يعتد أن ينحني انحناءة تضرُّع ذليلاً بين يدي هذا الملك !
ولم يعتد، بل لم يتصور أنه سيرتجف يوماً ما أمام أحد،هو القائد الشاب الذي دعم جيش المملكة في معاركَ حاسمة,
منتزعاً النصر لسيده من أنصال السيوف.
كان سلاحاً سرياً لا يخرج إلا في أوقات الشدة,وينقضُّ بفرسانه على الأعداء فيقلب موازين المعركة ويعيد للمقاتلين ثقتهم بالنصر.
كان ذلك زمن الحرب، وقد فقد وقتها خيرَة رجاله .. ولكنه ظلّ (خادماً مطيعاً) لهذا الحاكم.
وحتى بعد أن انتهت الحرب، ظل يخرج بفرسانه في الاحتفالات ويقود فرق الاستعراض بنفسه.. علّه يحظى برضا الملك.
كانت أياماً صافية..بيد أنها انقضت بسرعة،ونسي الملك تلك الانتصارات , نسي ذلك السلاح السري.
إنه لا يعترف بالفضل لأحد. أين الجوائز؟ أين الثناء؟ كل ذلك ولّى وانقضى مع انقضاء تلك الأيام .
صار هذا القائد العظيم يُعامل كأي شخص آخر ، وصار ينحني كالجميع ,كخادم من الخدم.
شعر بأنه مضطهد هنا في مكانه الذي يملؤه في البلاط .
إنه راع ليس إلا,خادم من الخدم. وقد قالها الملك لتوه صراحة .
ترى هل كان ليبذل كل ما بذله لو علم أنه سيكافأ هذه المكافئة المجزية ؟
لقد كان ضحيةً لمؤامرة لم يشعر بها إلا مؤخراً , بعد أن وقع في شرْكٍ كبيرٍ ما عاد بإمكانه الخروج منه .
في الماضي... وفي فترة من الفترات، كان بمقدوره أن يحتل هذا العرش الذي يعلوه الملك .
ولو شاء لفعل، ولصار الحاكم لهذه المملكة العظيمة .
لكن كان عليه أن يتنازل عن عرش الإخلاص الذي تربى عليه .
تمنى الآن لو كان يستطيع أن يكشف الغيب، ويرى مستقبله الذليل هذا .
لكان تدارك الأمر، وحافظ على جبهته عالية لا تنحني لأحد .
ولكن هل فاتته الفرصة؟ ألا يستطيع الآن أن يفعل ذلك؟ ما عليه إلا أن يضع يده على مقبض سيفه ويتابع ما عليه فعله ..
لن يجد صعوبة في ذلك، فالحرس الشخصي للملك خارج المقصورة. سيتم كل شيء ويصير حاكماً قبل أن يصل أحد إليه.
وَهَبْهُم حالوا بينه وبين هدفه , هو قائد الحرس.. ولن يكون صعباً عليه أن يطيح برؤوسهم في ثوان قلائل .
إذن فهو لا يزال قادراً على حماية كرامته وعلى الوصول إلى رأس السلطة في أي وقت شاء .
بإمكانه غداً أو بعد غد أو بعد سنة... أن ينزل هذا الملك من عرشه إلى قبره، ولو بمساعدة فرقة من جنوده الأوفياء.
ما أجمل أن يشعر الإنسان بأنه يدير أموره بنفسه دون أن تؤثر عليه سلطة ما ! ما أجمل الحرية !
نعم! مازلتَ يا قائد الحرس سلاحاً سرياً، وسهماً نارياً بإمكانه أن يصنع الأساطير .
انظر إلى هذا الملك الذي يتلوى. إنه ليس أهلاً للقبه , ولا للعرش الذي يدلي منه رجليه ليضعهما على رقاب الناس .
أنت لست خادماً ولا تابعاً.. أجل ! أنت سيد هذا الملك الفاسق ، سيده ومالك رقبته ..
وبيدك هذه توقف مركبة حياته الماجنة، وتغرق سفينة تغطرسه متى شئت. تغرقها وإلى الأبد .
انظر إليه .. ألا يستحق آلامه هذه؟
إنها عقوبةٌ السماء له،وهو يستحقها . اذهب وخلصه من عذابه يا قائد الحرس !
ولكن للمرة الثانية يصطدم قائد الحرس بضميره اليقظ:
كيف سأتخلى عن مبادئي؟ مبادئي التي أنشأني عليها والدي.
أسرتنا معروفة بالوفاء. ولو لم يعلم الملك ذلك لما عينني قائداً لحرسه. لن أكون شاذاً فماذا سيقول الناس عني.
أنا لست أهلاً للحكم، لست أهلاً للعرش.فهل أضمن أن لا يخرج أحد أتباعي علي كما أود أن أفعل الآن؟
محال.. لأرضَ بواقعي هذا، فماذا كنتُ قبل أن أكون قائد الحرس؟ كان أبي مزارعاً. هل كنت أحلم أن أدخل
القصر يوماً ما؟ كل الملوك يقسون على أتباعهم، وأنا لست أفضل من الوزير والمستشار،ومع ذلك فهما لا يسلمان
من رذاذ الإهانات القاسية.
أنا أعيش حياة رائعة أُحسد عليها، وواجبي الآن هو أن أحافظ عليها فقط.
وشعر بشيء من الارتياح،مما دفعه إلى الاسترسال في تفكيره :

- أجل.. علي أن أبعد الطمع عن نفسي .
ولكن مهلا يا قائد الحرس ,أتظنك ستتابع حياتك السعيدة على هذا النحو ؟
غداً سيخرج الملك لك المشاكل من أعماق المحيط. واضحٌ أنه لا يرتاح لك.
هل ستنتظر حتى تقع في الحفرة المتوقعة. ربما يحكم عليك بالإعدام .
وإن تكرم عليك، أبعدك عن منصبك ونفاك بعيداً في إحدى الجزر النائية، ثم أرسل من يقتلك فيما بعد.
هذه أساليبه الملتوية، وأنت تعرفها. فهل تنتظر أن ينفذها عليك ؟
كلا يا قائد الحرس.. تغدى به قبل أن يتعشى بك ويرمي عظامك لكلابه الجائعة !

وأخذت الأفكار المتضادة في ذهنه تتحول إلى مطارق صلبة، تضرب بجدران رأسه الذي ما عاد يطيق الاحتمال،
فراح يحاول عبثاً أن يتخلص منها،ولكنه في نهاية يوم طويل كهذا لم يستطع أن يستجمع كامل قواه الفكرية
ليقيم محكمة يكون فيها الخصم والحكم .
أحس أنه أحوج إلى الأطباء من ذلك الملك المرفّه .
ماذا سـيفعل الآن؟
إنه بسبب من إجهاده يناقش نفسه وكأنه أمام خطر الموت .
غفل أن أمامه مجالاً واسعاً للتفكير، وأنه غير مجبر على التفكير الآن.

بعد جهد كبير، استطاع أن يوفق بين الأسئلة جميعها ويسأل نفسه هذا السؤال المخيف:
ماذا علي أن أفعل الآن؟
كان حينها قد اجتاز حدود العقل،ووصل إلى حافة الجنون، لولا أن انتشله من عذاباته وألمه هدوء الملك المفاجئ .
انقطع صياحه وأنينه.
وأدرك بعد لحظات أن الطبيب الساحر كان يؤدي تعويذة من تعويذاته ليخفف من ألم الملك , في حين وقف الطبيبان الآخران شبه مدهوشـين.
وحتى هو نفسه نسي جميع أفكاره وأخذته الدهشة، وراح يتأمل ما يجري ويكتشف ما غاب عنه من الأحداث أثناء غيبوبته الهذيانيـة .
وفجأة وفي لحظة واحدة، راح الملك يغط في شخير عميق.[/align]
[/cell][/tabletext][/align]


يتبع ........






ضاع عمري بين دمعات القدر .. ضاع قلبي تحت أقدام البشر
ضاع حلمي وطموحي والتفاتي خلف منسي القدر
مات قلبي وانكسر... مات قلبي وانكسر
  رد مع اقتباس
/
قديم 19-02-2011, 08:36 AM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


تسنيم الحبيب غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح .. الجزء(2)

بانتظار التتمة..
لازالت وتيرة الأحداث في تصاعد
ومازال السرد مشوقا.

تقديري.






  رد مع اقتباس
/
قديم 23-02-2011, 11:11 PM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
معن البديوي
أديب
رابطة الفينيق / آرام
سوريا

الصورة الرمزية معن البديوي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


معن البديوي غير متواجد حالياً


افتراضي صداع روح .. الجزء(3)

صداع روح ـ 3 ـ







عندما استيقظَ الملكُ صباحَ اليوم التالي،وجد الأطباءَ الثلاثة يجلسون عند رأسه،
ثم لاحظ أنَّ رأسَه لا يؤلمه إطلاقاً،فشعر بالارتياح،ومدَّ بصرَه في أرجاء القاعة،
فشاهد الوزيرَ وقائدَ الحرس يقفان غير بعيدين عنه،والحراس منتصبون في نواحي الغرفة
كما لو كانوا أعمدة يستند إليها السقف.
تذكر الملك ما جرى البارحة فانتابه الذهول،حتى أنه لم يشأ أن يلتفت إلى الوزير
الذي تقدم إليه:
- شكراً للسماء على سلامة مولانا.
رمقه الملكُ بطرف عينه ثم عاد وواصل شروده العميق.

نهض الملكُ وسوى جِلسته، ولم يلبث وجهه أن اكتسب ملامحه الشريرة،
فشعر قائد الحرس بقلبه يخفق.
وبعد التفكير لدقائق،حدق الملكُ في أطبّائه واحداً تلو الآخر، وسأل الساحر:
- أنتَ من خلَّصني البارحةَ من الألم؟
وهزّ الرجل رأسه.
- وكيف فعلتَ ذلك؟
- بتعويذةٍ يا مولاي.
فقال الملكُ بحيرة:
- كيف يمكن للكلمات أنْ تجعل رجلاً ينام؟؟

رفع الرجلُ بصرَه بأناة،فلاحظ الملكُ رأسَه الأصلع الذي وشم ببعض طلسمات المعابد،
ثم أدركَ أن لحيته اتخذت شكلاً فريداً ومخيفاً،وهو فوق ذلك ـ على كثرة التجاعيد في وجهه ـ لا يبدو عجوزاً.
داخل الملكَ شيءٌ من الخوف حيال هذا الغريب،خصوصاً أن صوتَه بدا مُهشَّماً وخافتاً كفحيح أفعى وهو يتكلم:
- الكلماتُ لا تفعل شيئاً، إنها فقط مجرد نداء للقوى الروحانية،
لتتحد الأرواح السماوية مع الأرواح الأرضية و يفضَّ ختمُ عالم العناصر.
عندها أستطيعُ أنْ أفعل ما أشاء.

وانفلت طبيبُ العاصمةِ إثرَ هذا الكلام..
- هراء!! هذا هراءٌ لا يحتمل،كلامه يعارضُ نصوصَ المعبد و مشيئةَ آلهة السماء.
يجب أن يعدمَ هذا الملحدُ كما يقضي كهنةُ المعبد الكبير.

أجاب الساحرُ بهدوء:
- لا تنسَ أنَّني في خدمةِ ملكِ المعبد الكبير وتحتَ حمايته.

ونظر ابنُ العاصمة إلى الملك،فقرأ في وجهه قبول كلام الساحر، فأطرق بغيظ..
ولكنه بعد هنيهة رفع رأسه الذي وجد حيلة جديدة، وقال للطبيب الساحر:
- قل لي إذاً..كيف يمكن لأحد رعايا آلهة السماء أن يتحكمَ فيما يختصّون به جلالتُهم المقدسة؟
- هناك ثمانُ بوابات سماوية بين الأرض والسماء،وإذا ما تسنى لي أن أفتح إحداها فعلت ما أريد.
- إذاً أنت تنكر سلطة الآلهة على ما في السماء!
- أنا من عبدة السماء...
- أنت ملحد!!

وقبل أن يسمع الملكُ المزيد،أخذ يصيح بقوة فصمت الطبيبان. قال الملك:
- لستم هنا لأسمعَ مناظرتكم الحمقاء..أنتم هنا لعلاج الملك،
وأي شيء يمكن أن يعالج الملك فهو مباح. هل فهمتما؟؟

كان يصرخُ وهو ينظُر إلى ابن العاصمة،والذي تلقى لتوه صفعة كبيرة،
فراح يجاهد نفسه كي يخفي تأثُّره بها،ولكن وجهه على أية حال لم يستطع الصمود
أمام قوة الصفعة، فالكلام موجه إليه يؤيد الساحر وينتصر لرأيه.
شحب وجهُه وتغيرت معالمُه فأطرق.. وقد لاحظ الملكُ ذلك بيد أنه لم يأبه،
أما قائد الحرس،شعر بخوف كبير.كان يراقب ما يجري منذ البداية،
وقد أحس الآن بتعاطف تجاه ابن العاصمة، فكلاهما قد أستغني عنه بعد انتهاء دوره،
ومن الواضح أن الملك لم يعد بحاجة إلى ابن العاصمة ولا إلى الطبيب الآخر.
الطبيب الساحر حل لكل مشكلة وبيده مفتاح يفتح جميع الأبواب..

كان قائدُ الحرس ينظرُ إلى ابن العاصمة،فشاهده شيخاً قد أزري بحاله،خيل إليه أنه يبكي،
وأن دموعَه تتساقط على بلاط الأرضية لتنقل إليها الإحساسَ بالقهر.
شعر أنه مذنبٌ أيضاً إذْ أحضر هذا الرجل المسنّ لكي يتلقى الإهانات هنا.
كم هو مؤلم أن تمس كرامة الرجل المسن !

لقد استشعر خوفاً كبيراً، ليس فقط لأنّ الملك قد غضب،أو لأن الطبيب قد أهين،
ولكن لأنه كان يرى ببصيرة عرافٍ مستقبلَه الذي يخشاه، ومجدداً عادَ يشعرُ أنّ عليه أن يتصرّف.
هذا الملكُ لا يصلح للملك، وتمرُّدهُ الجريء على السماء والآلهة سببٌ جديد لخلعه.
هناك عددُ كبير من السيوف ليقتل بها،ولكن لا أحد يجرؤ حتى الآن أن يستل أحدها..
وسوف يكون الناسُ سعداء إن فعل ذلك أحد ما ولا سيّما إن كان قائد الحرس هذا.

نظر إلى الملك فوجد الغضبَ قد أسكته كما أسكتت الصفعة المهينة ذلك الطبيب. أما الساحر،فقد انشرح وجهه بالارتياح.
قال الملك للساحر :
- إذا كان كلامك صحيحاً،فماذا تنتظر؟ أبعد هذا الألم عني للأبد.
أجابه الساحرُ:
- لا أستطيع.
قال الملك بدهشة:
- للتو قلت إنك تفعل ما تشاء!
- لو كنت أستطيع لفعلت من البارحة.
غضب الملكُ وأخذ يصيح:
- هل تسخر مني أيها المتشرد؟
- سيدي.. الجهدُ الذي يبذله من يفتح بوابة سماوية جهد كبير، لذلك فهو لا يستطيع التحكم
في العناصر إلا لمدة قصيرة جداً.البارحة حين ألقيت عليك النوم،تم ذلك بلحظات،وواصلت النوم لوحدك
أما إذا أردتُ أن أبعد عنك الألم، فسأفعل ذلك للحظات لكنه سيعود مجدداً.
كان الملكُ يقيسه باشمئزاز، ثم قال له بسخرية:
- هل تسمي نفسك طبيباً.. ألا تكون بائع سمك؟

أطرق الطبيبُ وراح الملكُ يواصل سخريته حادة الطبع.
- ماذا تستطيع أن تفعل؟ هل تستطيع أن تقطع رقبة هذا العجوز؟
كان يشير إلى طبيب العاصمة، الذي لم يفهم ما قاله الملك.

تفحص الساحرُ الطبيبَ بنظراته ثم أجاب بثقة:
- وأبقيه حياً.
قال الملك:
- وتفصل رأسَه عن جسده؟
قال الساحر:
- لكنني أحتاج لمساعدة كهنة المعبد ليمدوني بقواهم الروحية.

أخذ طبيبُ العاصمة يرتجف كطفل صغير،بينما راقت الفكرة للملك فأخذ يفكر بجدية،
ولم يلبث أن استغرق في التفكير.
كان ينظر بين الفينة والأخرى إلى الطبيب العجوز فيملأه ذعراً.
الجميعُ ظلُّوا صامتين، ولم يجرؤ أحدهم أن يتكلم مع الملك الذي غاص في التفكير إلى أعماقه..
احمرَّ وجهُه وكفَّت عيناهُ عن الحركة، وبدا كأنه انفصل عن حواسه الخمس، وبعد قليل
تسارعت أنفاسه إلى لهاث،ثم وضع مرفقيه على ركبتيه،وغرس أصابعه في شعره
وتسمرت نظراته في الأرض.
هنا، عند هذه اللحظات، أخذ قلب قائد الحرس يخفق بعنف غير طبيعي. لقد شاهد هذه الوضعية
من قبل، بل إنه يعرفها تمام المعرفة.
الملكُ عندما يتّخذها يمكن أن يفعل أيَّ شيء يتحول إلى كتلة مرعبة من الشر،ويتخذ بعدها قرارات مخيفة.
وسحبت الذاكرةُ قائدَ الحرس ثمان سنوات إلى الوراء، حيث حصل المشهد نفسه،
وقطّع الملكُ بعدَه جسدَ زوجتِه الملكةَ وابنَه وأحرقهما حتى صارا رماداً.
دبّ الرعبُ في ساقي قائد الحرس فامتنعتا عن حمله، فاستند إلى عمود بجانبه.إنّه يخشى قراراً
سيصدره الملك عندما يرفع رأسه.

وفجأة رفع الملك رأسَه ونهض واقفاً. كان مظهرُ وجهه يوحي بالتعب، لكنه كان على العكس
من ذلك ينضح بطاقة غريبة .
أمسكَ بمعصم الساحر وجرّه وراءَه بقوة.
ارتعدت فرائصُ الساحر وأخذ يستمهل الملك، ويسأله عن وجهته. لكن الملك لم يتوقف،
وإنما قال له بصوت مخيف:
- تعال... إلى المعبد.
- والطبيبُ العجوز؟
لكنّ الملك لم يلتفت حتى. واصل سيرَه ساحباً وراءَه هذا الطبيب الساحر.



***



بعد دقائق..كانت الحاشية تقف على أبواب المعبد الكبير. دخل الملك والساحر الخائف
وأمر أن تقفل الأبواب خلفهما.
بقيت الحاشيةُ تنتظر في الخارج، أمّا قائد الحرس، فقد تلاشى معظم خوفه ولم يعد يهمه ما سيجري،
لكنه مع ذلك توقع أمراً خطيراً .
المعبدُ بدا من الخارج هادئاً.. ساكناً. بواباتُه العملاقة،والتماثيل الضخمة،والرسوم الأسطورية..
كل ذلك يوحي بالهدوء، ويذكر بالطقوس الدينية ومراسم العبادة التي يؤديها الكهنة في الظلام.

جميع رجال الحاشية كانوا شاردين. ومن الصعب الجزم بما كانوا يفكّرون فيه. لكنهم على الأغلب،
كانوا يخمّنون ما يحصل في الداخل،ويستمعون إلى أصوات الطبيعة المنبعثة من كل مكان
حول هذا المعبد المنعزل عن ضجيج المدينة.
انفتح البابُ فجأة والتفت الجميع إليه. كان كاهناً شاباً، فتحه بصعوبة ثم سقط على الأرض.
أسرع الجميعُ إليه، وأمطروه بالأسئلة، لكنّه لم يستطع أن يجيب.كان يرتجف بشكل غير طبيعي..
سأله قائد الحرس:
- أين هم ؟
فأجابه قبل أن يفقد وعيه:
- في قاعة القرابين.

اندفع الجنود إلى الداخل،واجتازوا ممرات مظلمة،وشنقوا الصمت فيها بصوت خطواتهم السريعة
على الأرضية الحجرية. وحين وصلوا إلى القاعة وجدوا الساحر يخرج منها مترنحاً.
أمسكه قائدُ الحرس من تلابيبه وهزه بقوة، فنظر ببطء إلى وجهه وسقط على الأرض.
كان الكهان مرتمين في أرضية القاعة الواسعة جداً. حبات العرق تكاثفت على وجوههم الفزعة.
كانوا متعبين للغاية،حتى أن بعضهم بدا ميتاً.
أحدهم كان يزحف إلى الخارج.. أمسكه قائد الحرس وسأله:
- ماذا يجري؟
فأخذ الرجل يشهق شهقات مرتعشة، ثم انفجر ببكاء مفزع. كان وجهه مستسلماً كما لو أنّه عاش
ألف عام من الرعب. صاح قائد الحرس بعصبية:
- أجبني!!
ابتلع الرجل ريقه وقال:
- لا أدري! إنه...إنه...
وأشار بإصبعه إلى طرفٍ قصي في القاعة. كان الملك يجلس على كرسي مرتفع هناك.

انطلق الجنودُ مسرعين باتجاهه.كان يبدو طبيعياً جداً،لكنهم حين اقتربوا منه
توقفوا فجأة وارتدوا إلى الخلف.
كان الملكُ يجلس منتصبَ الظهر، واضعاً كفيه على ركبتيه، مسددا ًنظراته الثابتة تجاههم،
وبالتدقيق في وجهه بدا كل شيء واضحاً.
وأدرك قائد الحرس حينها مقدار الهلع الذي أصاب كهان المعبد.





يتبع............









ضاع عمري بين دمعات القدر .. ضاع قلبي تحت أقدام البشر
ضاع حلمي وطموحي والتفاتي خلف منسي القدر
مات قلبي وانكسر... مات قلبي وانكسر
  رد مع اقتباس
/
قديم 24-02-2011, 09:40 AM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


تسنيم الحبيب غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح .. الجزء(3)

نفس سردي طويل..يحمد الكاتب عليه
وأحداث مشوقة متصاعدة

بانتظار التتمة..

وخالص التقدير.






  رد مع اقتباس
/
قديم 24-02-2011, 03:31 PM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
معن البديوي
أديب
رابطة الفينيق / آرام
سوريا

الصورة الرمزية معن البديوي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


معن البديوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح .. الجزء(3)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تسنيم الحبيب مشاهدة المشاركة
نفس سردي طويل..يحمد الكاتب عليه
وأحداث مشوقة متصاعدة

بانتظار التتمة..

وخالص التقدير.





زميلتنا الراقية تسنيم الحبيب

شكراً على المتابعة والاهتمام

بانتظار آرائكم البناءة في النهاية
فلنلتق هناك

وليكن الود






ضاع عمري بين دمعات القدر .. ضاع قلبي تحت أقدام البشر
ضاع حلمي وطموحي والتفاتي خلف منسي القدر
مات قلبي وانكسر... مات قلبي وانكسر
  رد مع اقتباس
/
قديم 24-02-2011, 09:03 PM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
روضة الفارسي
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
تونس
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


روضة الفارسي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح .. الجزء(2)

الأديب العزيز معن

جزء آخر جميل وشوق وعميق

ألف شكر






  رد مع اقتباس
/
قديم 24-02-2011, 09:07 PM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
روضة الفارسي
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
تونس
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


روضة الفارسي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح .. الجزء(3)

الأديب العزيز معن

سرد ممتع وأحداث مشوقة

روح جميلة وفكر نيّر

ننتظر جديدك بتوق

تقديري






  رد مع اقتباس
/
قديم 25-02-2011, 04:23 AM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
ريم الأحمد
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


ريم الأحمد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح .. الجزء(3)

تصاعدت الأحداث وبلغت منعطفا مهما
وكلنا في فضول لأحداث النهاية
لكن الوقت لايزال مبكرا
شكرا لك أيها المبدع

مودتي






  رد مع اقتباس
/
قديم 25-02-2011, 12:58 PM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


زياد السعودي متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح ...الجزء(1)

الاديب البديوي
وارفة اشياء الكلام في سردك
نتابع اختلاجات سردكم بتوق
كل التقدير






  رد مع اقتباس
/
قديم 25-02-2011, 01:01 PM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


زياد السعودي متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح .. الجزء(2)

نتابع منجزكم الميمون
ونتمناكم بود هنا :

http://www.fonxe.net/vb/showthread.p...570#post557570

محبة






  رد مع اقتباس
/
قديم 28-02-2011, 08:49 PM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
معن البديوي
أديب
رابطة الفينيق / آرام
سوريا

الصورة الرمزية معن البديوي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


معن البديوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح ...الجزء(1)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياد السعودي مشاهدة المشاركة
الاديب البديوي
وارفة اشياء الكلام في سردك
نتابع اختلاجات سردكم بتوق
كل التقدير



عميدنا بكل جلالك وروعة حضورك
زياد السعودي

وجود اسمك بعدٌ جديدٌ لأيّ نص..

شكراً لاهتمامكم
ولما تحملونه دوماً من عبق..

ود لا ينقطع....

تلميذك إن سمحت






ضاع عمري بين دمعات القدر .. ضاع قلبي تحت أقدام البشر
ضاع حلمي وطموحي والتفاتي خلف منسي القدر
مات قلبي وانكسر... مات قلبي وانكسر
  رد مع اقتباس
/
قديم 28-02-2011, 08:55 PM رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
معن البديوي
أديب
رابطة الفينيق / آرام
سوريا

الصورة الرمزية معن البديوي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


معن البديوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح .. الجزء(2)

الزميلتان العزيزتان :
تسنيم الحبيب و روضة الفارسي

تقدير كبير للصبر الذي تملكانه لمتابعة عمل طويل..

شكراً دوماً!

ولنبق على الود جميعاً






ضاع عمري بين دمعات القدر .. ضاع قلبي تحت أقدام البشر
ضاع حلمي وطموحي والتفاتي خلف منسي القدر
مات قلبي وانكسر... مات قلبي وانكسر
  رد مع اقتباس
/
قديم 28-02-2011, 08:58 PM رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
معن البديوي
أديب
رابطة الفينيق / آرام
سوريا

الصورة الرمزية معن البديوي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


معن البديوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح .. الجزء(2)

السيد زياد السعودي المحترم


شكراً لك جزيلاً

والله الموفق لما نطمح






ضاع عمري بين دمعات القدر .. ضاع قلبي تحت أقدام البشر
ضاع حلمي وطموحي والتفاتي خلف منسي القدر
مات قلبي وانكسر... مات قلبي وانكسر
  رد مع اقتباس
/
قديم 28-02-2011, 09:04 PM رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
معن البديوي
أديب
رابطة الفينيق / آرام
سوريا

الصورة الرمزية معن البديوي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


معن البديوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح .. الجزء(3)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روضة الفارسي مشاهدة المشاركة
الأديب العزيز معن

سرد ممتع وأحداث مشوقة

روح جميلة وفكر نيّر

ننتظر جديدك بتوق

تقديري






الأديبة روضة الفارسي

أُسرُّ بإعجابكم أيها الكبار..

وفآنسونا بوجودكم الناقد.

ثم إنه التقدير...






ضاع عمري بين دمعات القدر .. ضاع قلبي تحت أقدام البشر
ضاع حلمي وطموحي والتفاتي خلف منسي القدر
مات قلبي وانكسر... مات قلبي وانكسر
  رد مع اقتباس
/
قديم 28-02-2011, 09:13 PM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
معن البديوي
أديب
رابطة الفينيق / آرام
سوريا

الصورة الرمزية معن البديوي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


معن البديوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: صداع روح .. الجزء(3)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريم الأحمد مشاهدة المشاركة
تصاعدت الأحداث وبلغت منعطفا مهما
وكلنا في فضول لأحداث النهاية
لكن الوقت لايزال مبكرا
شكرا لك أيها المبدع

مودتي



الأخت ريم الأحمد

أهلاً بك دوماً في مجالنا الأدبي

ومرحباً بك عضواً فاعلاً في اختلاجات سردنا.
علنا نستطيع أن ندب فيه الحركة .
ليكون بحجم غيره من أغصان الفينيق...

بشوقٍ لما ستبدعين أيتها الراقية

ودٌ وفيضٌ من التقدير.






ضاع عمري بين دمعات القدر .. ضاع قلبي تحت أقدام البشر
ضاع حلمي وطموحي والتفاتي خلف منسي القدر
مات قلبي وانكسر... مات قلبي وانكسر
  رد مع اقتباس
/
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:49 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط