العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▂ ⟰ ▆ ⟰ الديــــــوان ⟰ ▆ ⟰ ▂ > ⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰

⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-01-2014, 02:56 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
محمد السويجت
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


محمد السويجت غير متواجد حالياً


افتراضي رواية (روناك... دماء ودموع ) ح1 ـــ ح17

رواية ( روناك ... دمــــاء ودموع) ح1

(1)
من هنا تبدأ رحلة الشقاء
جرت العادة في وزارة المعارف (سابقا و التربية حاليا ) أن يعيّن العشرة الأوائل من خريجي الكليات كمدرسين في مراكز المحافظات أو حسب رغبتهم........ في عام 1959-1960م استثني الخريجون الأوائل جميعا وتمّ تعينهم وفق قاعدة المصلحة العامة وهذا ما حدث لمهند و هو الأول في قسم اللغة الانكليزية آنذاك ، صدر أمر تعيينه في محافظة السليمانية وقد خفّف من وطأة غضبه وحزنه ان زملاءه عيّنوافي محافظات القطر البعيدة كالموصل والبصرة وهم من أبناء بغداد أيضا ........استلم الأمر الوزاري وغادر بغداد إلى السليمانية برفقة مجموعة من زملائه الخرجين وهناك نزلوا في فندق (العراق ) ليقضوا ليلة هادئة هانئة وسمح لهم الوقت عصرا ان يتجولوا في أسواقها ومنتزهاتها وتمتعوا بطيب هوائها ، فيما يبدو ، كان مهند أوفرهم حظا في تقديراته أن يُنسب الى أحدى مدارس مركز المحافظة وليس هناك أيّ مسوغ لعدم تنسيبه فاذا حرم وسلب حقه في بغداد فلا بسلب هذا الحق في السليمانية ، لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه ...... عند الصباح توجه مهند وزملاؤه الى مديرية التربية وبعد أن قدّموا كتب الوزارة كانوا بانتظار كتب التنسيب ، لم يطل الوقت ، وكم كانت المفاجأة كبيرة ومؤذية لمهند عندما علم أن من زملائه من هو أقلّ منه معدلا في درجات النجاح نُسِب الى مدارس مركز المحافظة في حين نسب هو الى مدرسة في قضاء حلبجة في الشمال الشرقي وعلى مقربة من الحدود العراقية الايرانية ...... ثار وعربد وشرع يصرخ بين أخوانه :- ظلم ، ظلم ، هذا الظلم بعينه ، يا ناس لماذا أنسب الى حلبجة ؟ ... كاد ان يفقد الوعي بهذيانه ولم يهدأ له بال حتى ذهب متجاوزا سكرتير المدير. فتح باب غرفة المدير ، حاول السكرتير منعه لم يستطع ، وبصوت مرتفع خاطب المدير : استاذ هذه مو عدالة ...... ابتسم المدير بوجهه ليخفّف من حدة غضبه ثم قال له بهدوء :- تفضل ،تفضل يا ابني اجلس .استرحْ ....... جلس مهند ، تركه المدير قليلا ليهدأ بعد ذلك قال له :- ما المشكلة ؟ ... شعر مهند بالخجل لتجاوزه النظام ودخوله بلا أذن أجاب مهند :- عفوا ، استاذ ، انا أعتذر عن هذا التجاوز ، يا استاذ ، انا الأول في القسم بخسوا حقي في بغداد وجئت هنا لأحرم من التعيين في المركز وأنسب الى قضاء حلبجة ، الله يقبل ، هذي عدالة ، يا استاذ .......أجابه المدير العام ، (كان المدير يومذاك الاستاذ موسى ،كان رجلا في عقده الخامس طيب القلب وقورا يفرض احترامه وهيبته على الآخرين باسلوبه و تعامله الحسن ) :- هدّئ اعصابك ، كل مشكلة ولها حلّ ، ان شاء الله..... أعاد مهند ما قاله قبل قليل :- استاذ أنا الأول على دورتي في اللغة الانكليزية وأُنسّب الى حلبجة ..ما هو السبب ؟ هنا قال استاذ موسى :- انا أوضح لك السبب يا بني ، ولكن تسمح لي بسؤال واحد .قال مهند:- تفضل استاذ . قال استاذ موسى :- حلبجة قضاء عراقي أم لا؟ وأبناء حلبجة عراقيون أم لا ردّ عليه مهند:-بالتأكيد قضاء عراقي وأبناؤه عراقيون .
قال المدير : شهر ونصف مضى على العام الدراسي 60/1961م و ثانوية حلبجة ليس فيها مدرس لغة انكليزية ، و لا واحد ، ثق يا بني ، أمس كان مدير المدرسة هنا في الغرفة جالسا في مكانك وطلب مني إما إن أقيله من منصبه أو أن أنسب له مدرس لغة انكليزية ... الوجبة التي كنا بانتظارها والتي جاءت معك ليس فيها مدرس لغة انكليزية غيرك قلْ لي :- ماذا أفعل ؟ كن انت في مكاني ماذا تفعل ؟ ... حلبجة بعيدة صحيح ، لو كان الشاغر غير اللغة الانكليزية بالامكان تعويضه وايجاد له مدرسا ، من أين أأْتي بمدرس انكليزي لهذه المدينة البعيدة ؟
هل يرضى ضميرك ان أخوتك الطلبة الصغار يدخلون الامتحانات الوزارية النهائية ولم يقرؤوا حرفا واحدا في اللغة الانكليزية ..... خجل مهند كثيرا وقال كمن يدافع عن موقف خاسر :- استاذ ، لا يوجد مدرس آخر فقط مهند... ردّ عليه استاذ موسى :- والله ، لو جاء مدرس لغة انكليزية غيرك لأرسلته هناك .....وانا أعدك وهذا وعد مني اذا جاءني مدرس جديد آخر في الاختصاص نفسه أعيّنه في حلبجة وأنقلك الى المركز..... وبعد هذا الحديث الطويل أقتنع مهند بحديث مديره ووافق على الذهاب الى حلبجة لممارسة مهنته.....
قبل أن يخرج مهند من غرفة المدير خاطبه الأخير قائلا :- ابني مهند ، أيّ صعوبة تواجهك أنا حاضر تعال هنا وبشكل مباشر ، إضافة إلى هذا أنت تعفى مــن مراقبة امتحانات البكالوريا للدراسة المتوسطة والاعدادية ،مفهوم ، أجابه :- نعم ، شكرا استاذ .... شكره مجددا والتمس منه العذر لسوء تصرفه وتجاوزه وخرج ..... كان بانتظاره في أروقة المديرية مدرسان .. صدر أمر تنسيبهما معه الى مدرسة ثانوية حلبجة أحدهما في اللغة العربية والآخر في الجغرافية أخبراه بذلك واتفقا معا على ان يلتقوا غدا صباحا في مرأب المحافظة لينطلقوا منه الى القضاء .
ومن هنا بدأت رحلة الشقاء .......

(2)
في فندق القضاء
من مرأب المحافظة استقلّ الثلاثة سيارة أجرة الى قضاء حلبجة معهم عدد من الركاب ، قبل ان تنطلق السيارة جاء انضباط عسكري وبيده سجل كبير .
وقف عند باب السيارة وخاطب الثلاثة:- أخوان انتم موظفون ،أجابوا بصوت واحد :- نعم ، أعطاهم السجل وقال :- اكتبوا اسماءكم هنا ووقعوا ....... استغرب الثلاثة من هذا الأمر الذي لم يعهدوه في محافظاتهم ،قال أحدهم لماذا نكتب أسماءنا ؟ ردّ عليه الانضباط :- هذا ضمان لكم، على الأقل يكون لدى الحكومة علم بمغادرتكم السليمانية الى حلبجة .. خاطبه الآخر :- يا أخي نحن مدرسون جئنا لندرس ابناءكم،ما الغاية في كتابة اسمائنا ؟ ارتفعت أصوات الركاب قائلين لهم :- اكتبوا أفضل وأكثر ضمانا لحياتكم .. سجلوا أسماءهم وقلوبهم خائفة وأجسامهم تعتريها رعشة وجل من المجهول خشية تواجد السراق وقطاع الطرق الذين ينتشرون في القرى وعلى امتداد طريق سليمانية – حلبجة ... انطلقت بهم السيارة في طريق جبلي متعرج تعلو وتهبط في طيات أرضية لا عهد لهم بها . وكلما شاهدوا على الطريق رجلا كرديا يرتدي ملابسه الشعبية (الشروال ) خفقت قلوبهم ....ساروا والقلوب وجلة والعيون تراقب الطريق حتى لاحت لأعينهم أبنية القضاء، مال بهم السائق الى المرأب وهناك تقدم اليهم انضباط آخر وبيده سجل كصاحبه السابق بارك للجميع سلامة الوصول وقال :- الأخوة الموظفون يسجلون أسماءهم رجاء ،ثبتوا أسماءهم وتحركوا باتجاه السوق سائلين عن موقع المدرسة اهتدوا اليه بسهولة فليس في حلبجة آنذاك سوى مدرستين الأولى ثانوية وتقع قرب سوق المدينة ومركزها والثانية متوسطة للبنات تقع على طرف المدينة حيث تشرف على غابة كثيفة في عمق السلسلة الجبلية بعيدة عن أعين المارة ..... رحب بهم مدير المدرسة ايّما ترحيب والكادرالتدريسي فيها وكم كانت فرحة المدير كبيرة بعد قراءته كتاب تنسيبهم أن من بينهم مدرسا للغة الانكليزية وقد عبّر عن فرحته هذه سائلا :- من منكم مهند ؟ قال :نعم،انا مهند قال المدير :- انقذتني أنقذك الله من كل سوء شهر ونصف مضى على
العام الدراسي ودرس اللغة الانكليزية شاغر لا يوجد مدرس يشغله ...........بعد فترة قصيرة اصطحب المدير المدرسين الثلاثة معه ليعرفهم على الكادر الاداري العربي في القضاء ابتداءً من القائمقام ومعيته ومدير الشرطة واخيرا دكتور محمد "الطبيب الوحيد في مستوصف القضاء" وكادره الطبي.....وعند انتهاء رحلته هذه اجتمع مع المدرسين الجدد وقال:-
ــــــ لهم أخواني، لدينا في المدرسة غرفة تستخدم كقسم داخلي للمدرسين من خارج القضاء ولكن المشكلة هذه الغرفة تسع لشخصين فقط ،اما الثالث فعليه ان يحصل على سرير في فندق حلبجة الوحيد في القضاء ..
الثلاثة يرغبون في البقاء في المدرسة وليس باستطاعة ايّ منهم ان ينسحب ، أخذ ينظر أحدهم الى آخر، ولما لم يعلن أحد انسحابه ، اقترح المدير بان أسلم طريقة لحل هذه المشكلة القرعة وأجر ى القرعة بينهم لم يكن لمهند نصيب فيها وعليه حمل حقيبته وذهب الى الفندق ... سار بخطى وئيدة ومتعبة وهو يفكر في ذاته .. لماذا هذه المنعطفات السيئة في حياته وهذا الحظ العاثر ،لا حظّ له في التعيين في العاصمة ولا في مركز محافظة السليمانية وكذلك في الحصول على سرير داخل المدرسة .... دخل الفندق وطلب من صاحبه غرفة فارغة للايجار فما كان جواب صاحب الفندق :- هذا الفندق الوحيد في القضاء وليس فيه غرفة فارغة ، اذا أردت سريرا نعم موجود..... لا جرم ان التعب أخد منه مأخذا ولا مفر مما هو فيه ، رضي بالسرير... قال صاحب الفندق :-
ــــــ لدي غرفة فيها ثلاثة أسرة والثالث فارغ ، النزيلان يخرجان صباحا ويأتيان ليلا الغرفة لك وحدك طيلة اليوم ....
قبل العرض وصعد الى غرفته رقم (11).. بلغ التعب عنده ذروته والتعب الذهني فيما يبدو أشد وطءً عليه من جهده الجسدي ، رمى هيكله المنهك على أحد الأسرة وغاب في غفوة قصيرة خرج بعدها الى نادي الموظفين ليتناول وجبة العشاء تجوّل قليلا في سوق المدينة ثم عاد الى الفندق ليرتب وضعه ويهيئ نفسه ليوم غد ... أول أيام ممارسة مهنته التي أحبها واجتهد فيها .. عليه النهوض مبكرا امتد على سريره وهو بين الغفوة وعدمها خالط الوسن عينيه واذا بنزيلي الغرفة يأتيان وصوتهما يملأ الفندق لا الغرفة وحدها يتناقشان في أمور سياسية يعيشها البلد حيث يعيش مهند العام الدراسي 60-1961م ... أيقظه نقاشهما لكنه بقي على ما هو عليه مسجى على فراشه يوحي لهما انه نائم بل غارق في نومه ... استمر النقاش حتى ساعة متأخرة من الليل دون أن ينقطع وانما يعلو صوتهما بين الفينة والآخرى بعيدا عن الهدوء واحترام الآخرين، يتهم أحدهما الآخر قائلا :- انتم اناس لا تعرفون الرحمة تسرقون جهد الانسان وشبابه حتى اذا كبر رميتموه في المزبلة لا ضمير يؤنبكم ولا انسانية تردعكم لا يهمكم الا ما تسلبوه منه في حياته وهو قوي نشط فقط .اما ان يحترم في شيبته وكبره هذا لا يكون هل تعتقدون انكم تمتلكون أرواح الناس ... فيردّ الآخر عليه بقوة :- لما ذا انتم تعتقدون انكم فوق الآخرين وان عرقكم هو الأفضل. أخي كلنا من آدم وآدم من تراب ما هذه الشوفينية المقيتة التي تتبجحون بها؟! ... انت مثل غيرك من الناس لماذا هذه المفاضلة ؟ ويستمر الجدال عقيما هكذا وقد هجر النوم مقلتيه فاضطر الى الجلوس والتعارف عليهما أيقن أنهما ثملان اعتذرا ثم خلدا لنوم عميق لم يتمكن مهند من النوم حتى انبلاج ضوء يومه الجديد ... لم ينته المشهد عند هذا الحد بل تكرر في الليلة الثانية وما بعدها يعودان عند منتصف الليل وقد غلبهما السكر ويرتفع نقاشهما ليوقظ الرجل من نومه الى الصباح حيث يذهب الى المدرسة مرهقا تعبا لم يأخذ راحته من النوم وقد أثّر ذلك سلبا على ادائه المهني .......أدرك مهند ذلك ، ذهب الى صاحب الفندق وأبلغه ما يدور بغرفته ليلا وعندها أوضح له صاحب الفندق أن أحدهما مبعد من محافظة ديالى لانتمائه القومي والثاني مؤمن بالفكر الشيوعي..... طلب من مهند ان يغير له غرفته عسى أن يجد خيرا منهما وان بقاءه لن يؤثر عليه وحده بل يؤثر كذلك على عطائه للطلبة أوعده خيرا وانصرف.

يتبع

* صدرت قريبا رواية ( روناك ... دمـــــاء ودموع) للمؤلف محمد عبد اللطيف السويجت
سوف أنشرها هنا على شكل حلقات وفقا لشروط المنتدى، في كل اسبوع ننشر حلقة ،






  رد مع اقتباس
/
قديم 04-01-2014, 05:28 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
خالد يوسف أبو طماعه
عضو مجلس إدارة
المستشار الفني للسرد
عضو تجمع الأدب والإبداع
عضو تجمع أدب الرسالة
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الاردن

الصورة الرمزية خالد يوسف أبو طماعه

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


خالد يوسف أبو طماعه غير متواجد حالياً


افتراضي رد: رواية (روناك... دماء ودموع ) ح1

أهلا بك أستاذنا الكريم

محمد السويجت

في رحاب هذا الركن الجميل

قرأت الجزء الأول من الرواية

معاناة مهند وهؤلاء السكارى

المنفي منهم والشيوعي أيضا

ومهنة التدريس وموقف مدير المنطقة

وأسلوبه في امتصاص غضب مهند

نتابعك أستاذي


تحيتي والتقدير






حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
  رد مع اقتباس
/
قديم 09-01-2014, 11:22 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
محمد السويجت
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


محمد السويجت غير متواجد حالياً


افتراضي رد: رواية (روناك... دماء ودموع ) ح1

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل خالد يوسف
شكرا لمروك الطيب بهذا المتصفح
ومكوثك قليلا عند النص .. وفقك الله
تحياتي






  رد مع اقتباس
/
قديم 09-01-2014, 11:31 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
محمد السويجت
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


محمد السويجت غير متواجد حالياً


افتراضي رواية (روناك... دماء ودموع ) ح2

رواية ( روناك .. دمـــاء ودموع )ح2
محمد عبد اللطيف السويجت


فسحة أمل
حاول صاحب الفندق ان يحصل له على سرير في غرفة يجد فيها هذا الغريب راحته وان بقاءه بهذه الصورة لا شك يؤثر في اداء مهمته الدراسية - وفيما يبدو – ان الرجل جاد ومحب لمادته ......اهتدى بعد جهد ، في الغرفة رقم (5) رجلان بسيطان وفقيران جاءا من القرى البعيدة بحثا عن الرزق الحلال في القضاء ، هما لا يعرفان القراءة والكتابة ،امّيان في كل شيء . يخرجان الى العمل صباحا ويأتيان مساءً منهكين متعبين يخلدان الى النوم بسرعة ليس لديهما موضوع يناقشانه أو أمر يتحدثون حوله .....أبلغ صاحب الفندق مهند عن وضع غرفة رقم (5) وأثنى على الرجلين وسيرتهما اثناء تواجدهما في الفندق ، قبِل العرض ونقل أمتعته وملابسه الى الغرفة الجديدة...الغرفة كسابقتها من غرف الفندق لا شيء جديد فيها ...نظم ورتّب وسائله حتى اذا حلّ الليل جاء القرويان رحبا به أيّما ترحيب وكانا طيبين الى حد بعيد ارتاح لهما كثيرا وحمد الله أن أبعده عن صاحبيه السابقين اللذين لا يلجان الغرفة حتى يدخلا في نقاش عقيم ومعاد لا جدوى منه....تحدث معهما قليلا ثم اعتذرا ليخلدا للنوم فقد أجهدهما العمل طيلة النهار وما ان أخذ النوم منهما مأخذه حتى شرعا في شخير عال وصوت مدوٍ ونغمات موسيقبة متتالية ومتتابعة يجيب أحدهما الآخر وكأنهما يندبان سوء حظهما ويشتكيان لله الواحد الأحد آلامها وعذابهما .....لم تغمض لجارهما (مهند) عين وقد فضّل مرارا التخطي في أروقة الفندق ليلا نادبا حظه هو الآخر .... سأله صاحب الفندق فيما بعد :- كيف حال زميليك هذه المرة ،هل أنت بخير ..أجابه انهما طيبان ولكن شخيرهما فوق العادة ولا يمكن للقيلولة ان تعوض نوم الليل ....كان خجلا أمام صاحب الفندق ليس بامكانه ان يمنع أو يحدد سلوك وتصرفات النزلاء ثم الى متى ينقله من غرفة الى أخرى ... عليه ان يبحث عن مكان يأويه في هذا القضاء الواسع، الأرق يلاحقه والتعب يجهده ..كان الرد صلفا و وقحا ممن يطلب منهم مساعدته في مأساته أن يبحثوا له عن غرفة ايجار في بيت من بيوتات القضاء كان ردهم :- من يدخل شابا جميلا مثلك في بيته ويسلم من ألسنة الناس وهمزاتهم . لا تفكر في هذا الموضوع اطلاقا ، مستحيل أن يقبلك أحد في بيته .... ثم لا تنسَ انك عربي ... كل الأكراد يخشون ان يدخل عربي في بيوتهم في هذه الأيام بالذات يخشى من الأحزاب الكردية وسطوتها واذا ما حدث له مكروه دخل مع الحكومة في سؤال وجواب .... ضاق صدر مهند ذرعا مما يلاقيه .. حدث طلابه وطلب منهم مساعدته في البحث له عن غرفة فما كان منهم الا ان يضحكوا ويستهزؤوا منه ويميتوا الرغبة في نفسه ، لا أحد يقبله في بيته.. لم يدع مدرسا أو طالبا أو عاملا الا وشكى له حالته ولكن لا فائدة ....وذات يوم بينما هو في صفه يؤدي واجبه للطلبة واذا بفراش المدرسة يطرق عليه الباب ويطلب منه ان يكلمه خارج الصف ..... خرج من صفه استجابة لطلب الفراش وقال له :- تفضل ما تريد ؟ قال الفراش :- استاذ سمعتك تبحث عن غرفة في أحد البيوت ، انا وجدت لك هذه الغرفة ..قال مهند :- صحيح ( بصوت مرتفع كمن لم يصدق لعمق اليأس في ذاته ) ..أجابه الفراش :- نعم ، اليوم بعد الدوام الرسمي نذهب سوية لتراها...... فرح مهند بل كاد يطير فرحا وقال في نفسه :- حقا تنتهي هذه المأساة وأحصل على راحتي وبعد انتهاء الدوام الرسمي كان الفراش في انتظاره لينطلقا معا الى البيت الموعود ......

(4)
الى البيت الموعود
بفارغ الصبر كان ينتظر دقات الجرس للحصة الأخيرة لعله يجد مبتغاه ويحصل على غرفة عند ذوي كرم واصالة .......دق الجرس معلنا انتهاء الدوام الرسمي لذلك اليوم، كان الفراش بانتظاره ،بعد ان سلّم الأخير المدرسة الى حارسها 0 انطلقا معا باتجاه سوق المدينة ثم انحرفا الى الأزقة الضيقة سارا الى منتصف الشارع الداخلي ثم وقفا عند باب بسيط يبدو على مالكه العوز والفاقة ، قال الفراش :- استاذ مهند ، هذا البيت ( وأشار بيده) . طرق الفراش الباب بعد هنيئة خرج رجل طويل القامة أبيض البشرة علا الشيب رأسه ولحيته ذو وجه صبوح ،سلّم عليهما ردّا السلام ، قدّمه الفراش قائلا :- أبو مصطفى ، هذا الاستاذ بحاجة الى الغرفة التي تحدّثنا عنها..... قال الرجل :- أهلا وسهلا ، تفضلا ، تعال ، يا ابني ....... منذ اللحظة الأولى شعر مهند بحب والفة غريبة اتجاه الرجل قرأ المحبة والطيبة في وجهه، وأعاد به الى الوراء الى عالم ذكرياته غير ان صوت الرجل قطع عليه أفكاره :- تفضل ابني ،دخلا البيت ... توجد على يسار الباب الرئيسي غرفة أرضها رطبة توحي للناظر انها مكان استحمام العائلة وما هي بالغرفة المبتغاة ،وعلى يمين الباب غرفة مغلقة بابها قديم حطمت بعض أجزائه فتح الرجل الباب واذا بالغرفة خربة ملئت أرضها بالأتربة والحجارة ،حيطانها جرداء ليس في شباكها المطل على ساحة البيت الداخلية زجاجة صالحة .... بان على مهند عدم الارتياح وشعر باليأس وخابت أمانيه في التخلص من الفندق وعذاباته.. قال مهند :- ياعم ، هذه خربة لا أستطيع أن أخذ راحتي فيها ... قال الرجل :- والله ، يابني هذا ما أملك وليس عندي غيرها وأنت براحتك .. تدخّل الفراش قائلا :- أبو مصطفى ، ممكن استاذ مهند يرمم الغرفة ويصلحها ويحسب العمل من الايجار....
قال الرجل :- ما فيه مانع، انا أريد راحة الاستاذ يصلحها ويسكن فيها .... قال مهند :- هل تعرف عامل بناء جيد يرتبها ..... قال الرجل :- نعم ،خرج الرجل من الغرف ونادى أبنه ان يذهب و يأتيه بـ(كاكا حمه البناء)... قليلا عاد الطفل ومعه رجل كردي بزيه الشعبي المعروف (شروال ) لغته العربية صعبة بعض الشيء ... سأله مهند :- هل تجيد العمل يا أخي .. قال القادم :- نعم . طلب منه مهند ترميم الغرفة وأرضها و إصلاح الباب والشباك وكذلك أن يعمل له طريقا من الغرفة الى الباب الرئيسي وحبذا لو أصلح ما بين الغرفتين بالاسمنت . وافق الرجل وطلب مبلغا من المال قدره (15 دينارا) آنذاك على أن يستلم نصفها الآن والباقي عند تمام العمل ... دفع له مهند (8 دنانير ) ورجاه ان يسرع في اكمال عمله ما أمكنه ....
ما أصعب لغة الانتظار فقد انقضت ثلاثة أيام ولم يأته الفراش بخبر عن عمل الرجل والى أين وصل عمله .... في اليوم الرابع وعند نهاية الدوام الرسمي جاءه الفراش وقال له :- استاذ ، الغرفة انتهت ، تفضل معي اليوم الى بيت أبي مصطفى . فعلا ، أجاد عامل البناء مهمته فقد أصلح الغرفة وعمل فيها رفوف للكتب ومسند للملابس وهذا خارج الاتفاق ومن ابداعاته ، شعر مهند عندها بالارتياح لجودة العمل أعطاه بقية أتعابه وزاده دينارين اكراما لجهده واخلاصه في عمله، واذا بصاحب الدار يصرخ في وجه مهند :- لا ،لا يا بني ، لا تعطهِ شيئا زائدا، بينك وبينه اتفاق ، يأخذ اجرته فقط ، كل شيء خارج الاتفاق باطل ... ظنّ مهند بالرجل سوءً في حساباته بأن المبلغ سوف يضاف على عمل الغرفة المستقطع من الايجار .... ردّ مهند ،لا يا عم ، هذه هدية مني لا علاقة لها بالايجار....
قال الرجل :- لا يا ابني ، لا تسيء بي الظن .... انت رجل غريب تركت أهلك ومدينتك وجئت تعمل هنا ، هذا لا يعني ان تصرف راتبك بهذه الصورة. عليك ان تحرص على مالك ، والطريق أمامك طويل ، خجل مهند من الرجل واعدّ كلامه الدرس الأول في حياته العملية.. أخذ العامل بقية أجرته اضافة الى الاكرامية وذهب ... اما صاحب الدار ما زالت علائم عدم الرضا بادية على محياه .......بابتسامة حاول مهند أن يكسر غمامة الصمت التي خيّمت على الأجواء قليلا ثم قال :- يا عم لم نتحدث عن الاجرة لحد الآن، كم تريد أجرة الغرفة شهريا ؟ قال له أبو مصطفى:- أريد سلامتك في بيتي ، القليل منك كثير في نظري ، يا بني ، لا تفكر بشيء اسمه ايجار ،هذا بيتك ، قال مهند :- لا ، يا عم ، لا بد من تحديد وتعين الايجار قال أبو مصطفى :- لا يمكن ، لا أطلب شيئا .. قال مهند :- سوف أدفع لك ما كنت أدفعه من ايجار الى صاحب الفندق ... قال:- كم كنت تدفع الى الفندق ؟ أجابه مهند :- ثلاثة دنانير... ضحك أبو مصطفى وقال :- لا أصدق . سرير واحد في غرفة اجرته ثلاثة دنانير . تظنني كبيرا لا أفهم .. وطال بينهما الحديث والرجل لا يقبل بهذا الايجار ويحسبه عاليا وهذا ظلم والله لا يرضى به ، وبعد التي واللتيا تم الاتفاق على ان يعطيه دينارين بعد ان يستوفي مهند تكاليف ترميم الغرفة , وهذا يعني ان العام الدراسي ينقضي من غير أن يأخذ أبو مصطفى فلسا واحدا عن اجرة غرفته... أخيرا ، قال مهند :- انا ذاهب الى الفندق أجمع وسائلي وأأتي ، اسمح لي ان تأخرت بعض الشيء ......أجابه ابو مصطفى :- براحتك يا بني ، في أيّ وقت جئت ؟

(5)
عائلة أبي مصطفى
جاءت هذه العائلة من أطراف قضاء حلبجة الى المركز ، بعد نزاع ولي أمرها (أبو مصطفى محمد) مع أخوته في أمور عائلية تافهة بحيث أصبحت معاشرتهم صعبة لا تطاق.... طيبة محمد دفعت باخوته ان يعاملوه معاملة قاسية ويمنعوه حقه من أرض آبائه ...وحدث انه مرض مرضا شديدا وطال به الأمد فلم يزره أو يعنه أحد من أخوته أو أبناء عمومته ولم يكن من معين لهذه العائلة آنذاك سواه ، ابنه الأكبر مصطفى كان طفلا صغيرا لا يقدر على أيّ عمل ...... تزوج محمد ابنة رجل من حيّه القديم ذي سمعة حسنة غني أعانه هذا في مصابه.......وفي أشد الظروف التي مرّ بها كانت زوجته أم مصطفى قريبة منه تحنو عليه بعطفها وتعينه من بيت أهلها ما استطاعت ولم يسمع أحد منها يوما انها تأوّهت أو اشتكت جوعا أو سوء معاملة من أبي مصطفى بل متعلقة به تشدّ من عزمه وأزره في مواجهة صعاب الدهر........ رزقه الله منها ثمانية أطفال ( مصطفى ، روناك ، قمرية ، علي ، و..و.. ) في القضاء تمكن محمد من اقناع أحد أقاربه من كبار السن وكان صاحب دكان لبيع التبغ في السوق ان يسمح له بوضع ماكنة خياطة قديمة أمام باب دكانه ، هذه الحرفة الوحيدة التي كان يجيدها ، وليس له القدرة على تأجير أو بناء محل في السوق، يخيط لهذا وذاك من زبائنه وبأسعار زهيدة أشياء بسيطة مثل (شروال ، قميص ،ملابس داخلية ) وقد يحصل على قوت يومه من عمله وربما يزيد بقليل من هنا كان عليه أن يدخر ما فاض من اجرة اليوم الى غده... وهكذا تمرّ أيامه عسره ..... اعتاد ان يشتري من أفران الاعاشة الحكومية (20 عشرين رغيفا من الخبز) وباقة من البصل الأخضر في يوم وفي اليوم الذي يليه عدد الخبز لديه ثابت لا يتغير ويشتري معه كاسة لبن .هذا قوت العائلة اليومي وللوجبات الثلاثة كانت فرحة مقتنعة بما رزقها الله ....... استقر مهند في غرفته بعدما جلب لها من السوق كلما تحتاج اليه من سرير وفراش ومكتب صغير للقراءة وسجادة لأرضية الغرفة........ ووضع ستائر على الشباك كي لا يسمح لنفسه ان ينظر الى ساحة البيت الداخلية ......... وضع رأسه على مخدته في جو هادئ وحمد الله وشكره على تحقيق أمنيته ،هو بحاجة الى الهدوء لمتابعة مهمته وواجبه التدريسي أمام الله وذاته ....... يخرج مهند صباحا من غرفته للإفطار في أحدى المقاهي القريبة وعند الظهيرة قبل ان يعود الى البيت يذهب الى نادي الموظفين لتناول وجبة الغداء وبعد استراحة وغفوة قصيرة يذهب الى مقهى السوق القريب ليشرب الشاي عصرا اما عشاؤه ففي نادي الموظفين قطعا ... كان هذا منهجه وعليه تسير به الأيام ... مرت عليه ثلاثة أيام ولم يمر به أو يسأل عنه أحد من أفراد العائلة بل لا يكاد يسمع صوتا أو حركة يحطم هذا السكون ، عاد ليحدث نفسه هل ندم الرجل على فعلته أو ان جيرانه أو زملاءه من الأكراد رؤوا في ايجاره الغرفة لشاب عربي عيبا وعارا ... هو الآن في حرج من ذلك ثمّ تمتم قائلا :- ليس من عادات الناس وتقاليدهم الصائبة أن يسكن بينهم وفي بيتهم رجل غريب ويتركوه هكذا بلا سلام ولا حديث .. فكيف وأنا ضيف في داره ؟ ..... كان هذا هماً يثقله أحيانا – بيد ان ما يحسه من راحة يخف عنه ما يثقله ..... في الليلة الرابعة بعد عودته من نادي الموظفين وقد استقرّ في غرفته – طُرِق باب غرفته - قال مهند :- من الطارق ؟ أجابه أبو مصطفى :- انا أبو مصطفى ، ابني .... نهض من فراشه قائلا أهلا يا عم ، تفضل .. فتح الباب بدأ ابو مصطفى بالسلام ... رحب مهند به ايما ترحيب وأجلسه على مكتبه وجلس هو قباله على السرير ...سأله أبو مصطفى :- كيف حالك يا ولدي ، هل انت مرتاح ، هل في البيت من يزعجك أو يسبب لك متاعب .... أجابه مهند :- يا عم انا مرتاح جدا والحمد لله . بفضل الله وفضلك .قال أبو مصطفى :- انت من حقك ان تقول مرت أيام ولم يزرني أحد من أهل هذا البيت و بالتأكيد قلت مع نفسك ، أهل هذا البيت لا يعرفون معنى الضيافة . واقعا كنت خلال هذه الأيام أُراقبك عن بعد من البيت الى المدرسة واثناء ذهابك الى النادي أو تواجدك في السوق .. قاطعه مهند قائلا :- كيف وجدتني يا عم ؟ أجاب :- الحق يقال وللذمة وجدتك رجلا طيبا شريفا و من عائلة طيبة ونبيلة ..وانت من الآن يا بني، بمثابة ولدي مصطفى ، انت أخو مصطفى الكبير وانت أمين على هذا البيت بعدي أمانة الله ورسوله ، اما أم مصطفى اعتبرها ما شئت اختك ، امك أكرر كلامي انت من اليوم مسؤول عن هذا البيت بعدي ....... شكره مهند لزيارته أولا ثم لثقته به وقد شعر بشيء يقربه لهذا الرجل ربما هيأه القدر ليعوضه عن حنان الابوة الذي فقده منذ طفولته وقبل ان يخرج قال له :- انا ادعوك غدا ان شاء الله مثل هذا الوقت تشرفنا لتشرب معنا كوب شاي مع العائلة جميعا داخل البيت وأطلب منك المعذرة والحال لا تخفى عليك ,,,, خرج متمنيا له ليلة هادئة ونوما سعيدا .......

يتبع






  رد مع اقتباس
/
قديم 10-01-2014, 09:55 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
فاطمة يوسف عبد الرحيم
عضو أكاديميّة الفينيق
رابطة الفينيق / عمون
الاردن

الصورة الرمزية فاطمة يوسف عبد الرحيم

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


فاطمة يوسف عبد الرحيم غير متواجد حالياً


افتراضي رد: رواية (روناك... دماء ودموع ) ح2

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد السويجت مشاهدة المشاركة
رواية ( روناك .. دمـــاء ودموع )ح2
محمد عبد اللطيف السويجت


فسحة أمل
حاول صاحب الفندق ان يحصل له على سرير في غرفة يجد فيها هذا الغريب راحته وان بقاءه بهذه الصورة لا شك يؤثر في اداء مهمته الدراسية - وفيما يبدو – ان الرجل جاد ومحب لمادته ......اهتدى بعد جهد ، في الغرفة رقم (5) رجلان بسيطان وفقيران جاءا من القرى البعيدة بحثا عن الرزق الحلال في القضاء ، هما لا يعرفان القراءة والكتابة ،امّيان في كل شيء . يخرجان الى العمل صباحا ويأتيان مساءً منهكين متعبين يخلدان الى النوم بسرعة ليس لديهما موضوع يناقشانه أو أمر يتحدثون حوله .....أبلغ صاحب الفندق مهند عن وضع غرفة رقم (5) وأثنى على الرجلين وسيرتهما اثناء تواجدهما في الفندق ، قبِل العرض ونقل أمتعته وملابسه الى الغرفة الجديدة...الغرفة كسابقتها من غرف الفندق لا شيء جديد فيها ...نظم ورتّب وسائله حتى اذا حلّ الليل جاء القرويان رحبا به أيّما ترحيب وكانا طيبين الى حد بعيد ارتاح لهما كثيرا وحمد الله أن أبعده عن صاحبيه السابقين اللذين لا يلجان الغرفة حتى يدخلا في نقاش عقيم ومعاد لا جدوى منه....تحدث معهما قليلا ثم اعتذرا ليخلدا للنوم فقد أجهدهما العمل طيلة النهار وما ان أخذ النوم منهما مأخذه حتى شرعا في شخير عال وصوت مدوٍ ونغمات موسيقبة متتالية ومتتابعة يجيب أحدهما الآخر وكأنهما يندبان سوء حظهما ويشتكيان لله الواحد الأحد آلامها وعذابهما .....لم تغمض لجارهما (مهند) عين وقد فضّل مرارا التخطي في أروقة الفندق ليلا نادبا حظه هو الآخر .... سأله صاحب الفندق فيما بعد :- كيف حال زميليك هذه المرة ،هل أنت بخير ..أجابه انهما طيبان ولكن شخيرهما فوق العادة ولا يمكن للقيلولة ان تعوض نوم الليل ....كان خجلا أمام صاحب الفندق ليس بامكانه ان يمنع أو يحدد سلوك وتصرفات النزلاء ثم الى متى ينقله من غرفة الى أخرى ... عليه ان يبحث عن مكان يأويه في هذا القضاء الواسع، الأرق يلاحقه والتعب يجهده ..كان الرد صلفا و وقحا ممن يطلب منهم مساعدته في مأساته أن يبحثوا له عن غرفة ايجار في بيت من بيوتات القضاء كان ردهم :- من يدخل شابا جميلا مثلك في بيته ويسلم من ألسنة الناس وهمزاتهم . لا تفكر في هذا الموضوع اطلاقا ، مستحيل أن يقبلك أحد في بيته .... ثم لا تنسَ انك عربي ... كل الأكراد يخشون ان يدخل عربي في بيوتهم في هذه الأيام بالذات يخشى من الأحزاب الكردية وسطوتها واذا ما حدث له مكروه دخل مع الحكومة في سؤال وجواب .... ضاق صدر مهند ذرعا مما يلاقيه .. حدث طلابه وطلب منهم مساعدته في البحث له عن غرفة فما كان منهم الا ان يضحكوا ويستهزؤوا منه ويميتوا الرغبة في نفسه ، لا أحد يقبله في بيته.. لم يدع مدرسا أو طالبا أو عاملا الا وشكى له حالته ولكن لا فائدة ....وذات يوم بينما هو في صفه يؤدي واجبه للطلبة واذا بفراش المدرسة يطرق عليه الباب ويطلب منه ان يكلمه خارج الصف ..... خرج من صفه استجابة لطلب الفراش وقال له :- تفضل ما تريد ؟ قال الفراش :- استاذ سمعتك تبحث عن غرفة في أحد البيوت ، انا وجدت لك هذه الغرفة ..قال مهند :- صحيح ( بصوت مرتفع كمن لم يصدق لعمق اليأس في ذاته ) ..أجابه الفراش :- نعم ، اليوم بعد الدوام الرسمي نذهب سوية لتراها...... فرح مهند بل كاد يطير فرحا وقال في نفسه :- حقا تنتهي هذه المأساة وأحصل على راحتي وبعد انتهاء الدوام الرسمي كان الفراش في انتظاره لينطلقا معا الى البيت الموعود ......

(4)
الى البيت الموعود
بفارغ الصبر كان ينتظر دقات الجرس للحصة الأخيرة لعله يجد مبتغاه ويحصل على غرفة عند ذوي كرم واصالة .......دق الجرس معلنا انتهاء الدوام الرسمي لذلك اليوم، كان الفراش بانتظاره ،بعد ان سلّم الأخير المدرسة الى حارسها 0 انطلقا معا باتجاه سوق المدينة ثم انحرفا الى الأزقة الضيقة سارا الى منتصف الشارع الداخلي ثم وقفا عند باب بسيط يبدو على مالكه العوز والفاقة ، قال الفراش :- استاذ مهند ، هذا البيت ( وأشار بيده) . طرق الفراش الباب بعد هنيئة خرج رجل طويل القامة أبيض البشرة علا الشيب رأسه ولحيته ذو وجه صبوح ،سلّم عليهما ردّا السلام ، قدّمه الفراش قائلا :- أبو مصطفى ، هذا الاستاذ بحاجة الى الغرفة التي تحدّثنا عنها..... قال الرجل :- أهلا وسهلا ، تفضلا ، تعال ، يا ابني ....... منذ اللحظة الأولى شعر مهند بحب والفة غريبة اتجاه الرجل قرأ المحبة والطيبة في وجهه، وأعاد به الى الوراء الى عالم ذكرياته غير ان صوت الرجل قطع عليه أفكاره :- تفضل ابني ،دخلا البيت ... توجد على يسار الباب الرئيسي غرفة أرضها رطبة توحي للناظر انها مكان استحمام العائلة وما هي بالغرفة المبتغاة ،وعلى يمين الباب غرفة مغلقة بابها قديم حطمت بعض أجزائه فتح الرجل الباب واذا بالغرفة خربة ملئت أرضها بالأتربة والحجارة ،حيطانها جرداء ليس في شباكها المطل على ساحة البيت الداخلية زجاجة صالحة .... بان على مهند عدم الارتياح وشعر باليأس وخابت أمانيه في التخلص من الفندق وعذاباته.. قال مهند :- ياعم ، هذه خربة لا أستطيع أن أخذ راحتي فيها ... قال الرجل :- والله ، يابني هذا ما أملك وليس عندي غيرها وأنت براحتك .. تدخّل الفراش قائلا :- أبو مصطفى ، ممكن استاذ مهند يرمم الغرفة ويصلحها ويحسب العمل من الايجار....
قال الرجل :- ما فيه مانع، انا أريد راحة الاستاذ يصلحها ويسكن فيها .... قال مهند :- هل تعرف عامل بناء جيد يرتبها ..... قال الرجل :- نعم ،خرج الرجل من الغرف ونادى أبنه ان يذهب و يأتيه بـ(كاكا حمه البناء)... قليلا عاد الطفل ومعه رجل كردي بزيه الشعبي المعروف (شروال ) لغته العربية صعبة بعض الشيء ... سأله مهند :- هل تجيد العمل يا أخي .. قال القادم :- نعم . طلب منه مهند ترميم الغرفة وأرضها و إصلاح الباب والشباك وكذلك أن يعمل له طريقا من الغرفة الى الباب الرئيسي وحبذا لو أصلح ما بين الغرفتين بالاسمنت . وافق الرجل وطلب مبلغا من المال قدره (15 دينارا) آنذاك على أن يستلم نصفها الآن والباقي عند تمام العمل ... دفع له مهند (8 دنانير ) ورجاه ان يسرع في اكمال عمله ما أمكنه ....
ما أصعب لغة الانتظار فقد انقضت ثلاثة أيام ولم يأته الفراش بخبر عن عمل الرجل والى أين وصل عمله .... في اليوم الرابع وعند نهاية الدوام الرسمي جاءه الفراش وقال له :- استاذ ، الغرفة انتهت ، تفضل معي اليوم الى بيت أبي مصطفى . فعلا ، أجاد عامل البناء مهمته فقد أصلح الغرفة وعمل فيها رفوف للكتب ومسند للملابس وهذا خارج الاتفاق ومن ابداعاته ، شعر مهند عندها بالارتياح لجودة العمل أعطاه بقية أتعابه وزاده دينارين اكراما لجهده واخلاصه في عمله، واذا بصاحب الدار يصرخ في وجه مهند :- لا ،لا يا بني ، لا تعطهِ شيئا زائدا، بينك وبينه اتفاق ، يأخذ اجرته فقط ، كل شيء خارج الاتفاق باطل ... ظنّ مهند بالرجل سوءً في حساباته بأن المبلغ سوف يضاف على عمل الغرفة المستقطع من الايجار .... ردّ مهند ،لا يا عم ، هذه هدية مني لا علاقة لها بالايجار....
قال الرجل :- لا يا ابني ، لا تسيء بي الظن .... انت رجل غريب تركت أهلك ومدينتك وجئت تعمل هنا ، هذا لا يعني ان تصرف راتبك بهذه الصورة. عليك ان تحرص على مالك ، والطريق أمامك طويل ، خجل مهند من الرجل واعدّ كلامه الدرس الأول في حياته العملية.. أخذ العامل بقية أجرته اضافة الى الاكرامية وذهب ... اما صاحب الدار ما زالت علائم عدم الرضا بادية على محياه .......بابتسامة حاول مهند أن يكسر غمامة الصمت التي خيّمت على الأجواء قليلا ثم قال :- يا عم لم نتحدث عن الاجرة لحد الآن، كم تريد أجرة الغرفة شهريا ؟ قال له أبو مصطفى:- أريد سلامتك في بيتي ، القليل منك كثير في نظري ، يا بني ، لا تفكر بشيء اسمه ايجار ،هذا بيتك ، قال مهند :- لا ، يا عم ، لا بد من تحديد وتعين الايجار قال أبو مصطفى :- لا يمكن ، لا أطلب شيئا .. قال مهند :- سوف أدفع لك ما كنت أدفعه من ايجار الى صاحب الفندق ... قال:- كم كنت تدفع الى الفندق ؟ أجابه مهند :- ثلاثة دنانير... ضحك أبو مصطفى وقال :- لا أصدق . سرير واحد في غرفة اجرته ثلاثة دنانير . تظنني كبيرا لا أفهم .. وطال بينهما الحديث والرجل لا يقبل بهذا الايجار ويحسبه عاليا وهذا ظلم والله لا يرضى به ، وبعد التي واللتيا تم الاتفاق على ان يعطيه دينارين بعد ان يستوفي مهند تكاليف ترميم الغرفة , وهذا يعني ان العام الدراسي ينقضي من غير أن يأخذ أبو مصطفى فلسا واحدا عن اجرة غرفته... أخيرا ، قال مهند :- انا ذاهب الى الفندق أجمع وسائلي وأأتي ، اسمح لي ان تأخرت بعض الشيء ......أجابه ابو مصطفى :- براحتك يا بني ، في أيّ وقت جئت ؟

(5)
عائلة أبي مصطفى
جاءت هذه العائلة من أطراف قضاء حلبجة الى المركز ، بعد نزاع ولي أمرها (أبو مصطفى محمد) مع أخوته في أمور عائلية تافهة بحيث أصبحت معاشرتهم صعبة لا تطاق.... طيبة محمد دفعت باخوته ان يعاملوه معاملة قاسية ويمنعوه حقه من أرض آبائه ...وحدث انه مرض مرضا شديدا وطال به الأمد فلم يزره أو يعنه أحد من أخوته أو أبناء عمومته ولم يكن من معين لهذه العائلة آنذاك سواه ، ابنه الأكبر مصطفى كان طفلا صغيرا لا يقدر على أيّ عمل ...... تزوج محمد ابنة رجل من حيّه القديم ذي سمعة حسنة غني أعانه هذا في مصابه.......وفي أشد الظروف التي مرّ بها كانت زوجته أم مصطفى قريبة منه تحنو عليه بعطفها وتعينه من بيت أهلها ما استطاعت ولم يسمع أحد منها يوما انها تأوّهت أو اشتكت جوعا أو سوء معاملة من أبي مصطفى بل متعلقة به تشدّ من عزمه وأزره في مواجهة صعاب الدهر........ رزقه الله منها ثمانية أطفال ( مصطفى ، روناك ، قمرية ، علي ، و..و.. ) في القضاء تمكن محمد من اقناع أحد أقاربه من كبار السن وكان صاحب دكان لبيع التبغ في السوق ان يسمح له بوضع ماكنة خياطة قديمة أمام باب دكانه ، هذه الحرفة الوحيدة التي كان يجيدها ، وليس له القدرة على تأجير أو بناء محل في السوق، يخيط لهذا وذاك من زبائنه وبأسعار زهيدة أشياء بسيطة مثل (شروال ، قميص ،ملابس داخلية ) وقد يحصل على قوت يومه من عمله وربما يزيد بقليل من هنا كان عليه أن يدخر ما فاض من اجرة اليوم الى غده... وهكذا تمرّ أيامه عسره ..... اعتاد ان يشتري من أفران الاعاشة الحكومية (20 عشرين رغيفا من الخبز) وباقة من البصل الأخضر في يوم وفي اليوم الذي يليه عدد الخبز لديه ثابت لا يتغير ويشتري معه كاسة لبن .هذا قوت العائلة اليومي وللوجبات الثلاثة كانت فرحة مقتنعة بما رزقها الله ....... استقر مهند في غرفته بعدما جلب لها من السوق كلما تحتاج اليه من سرير وفراش ومكتب صغير للقراءة وسجادة لأرضية الغرفة........ ووضع ستائر على الشباك كي لا يسمح لنفسه ان ينظر الى ساحة البيت الداخلية ......... وضع رأسه على مخدته في جو هادئ وحمد الله وشكره على تحقيق أمنيته ،هو بحاجة الى الهدوء لمتابعة مهمته وواجبه التدريسي أمام الله وذاته ....... يخرج مهند صباحا من غرفته للإفطار في أحدى المقاهي القريبة وعند الظهيرة قبل ان يعود الى البيت يذهب الى نادي الموظفين لتناول وجبة الغداء وبعد استراحة وغفوة قصيرة يذهب الى مقهى السوق القريب ليشرب الشاي عصرا اما عشاؤه ففي نادي الموظفين قطعا ... كان هذا منهجه وعليه تسير به الأيام ... مرت عليه ثلاثة أيام ولم يمر به أو يسأل عنه أحد من أفراد العائلة بل لا يكاد يسمع صوتا أو حركة يحطم هذا السكون ، عاد ليحدث نفسه هل ندم الرجل على فعلته أو ان جيرانه أو زملاءه من الأكراد رؤوا في ايجاره الغرفة لشاب عربي عيبا وعارا ... هو الآن في حرج من ذلك ثمّ تمتم قائلا :- ليس من عادات الناس وتقاليدهم الصائبة أن يسكن بينهم وفي بيتهم رجل غريب ويتركوه هكذا بلا سلام ولا حديث .. فكيف وأنا ضيف في داره ؟ ..... كان هذا هماً يثقله أحيانا – بيد ان ما يحسه من راحة يخف عنه ما يثقله ..... في الليلة الرابعة بعد عودته من نادي الموظفين وقد استقرّ في غرفته – طُرِق باب غرفته - قال مهند :- من الطارق ؟ أجابه أبو مصطفى :- انا أبو مصطفى ، ابني .... نهض من فراشه قائلا أهلا يا عم ، تفضل .. فتح الباب بدأ ابو مصطفى بالسلام ... رحب مهند به ايما ترحيب وأجلسه على مكتبه وجلس هو قباله على السرير ...سأله أبو مصطفى :- كيف حالك يا ولدي ، هل انت مرتاح ، هل في البيت من يزعجك أو يسبب لك متاعب .... أجابه مهند :- يا عم انا مرتاح جدا والحمد لله . بفضل الله وفضلك .قال أبو مصطفى :- انت من حقك ان تقول مرت أيام ولم يزرني أحد من أهل هذا البيت و بالتأكيد قلت مع نفسك ، أهل هذا البيت لا يعرفون معنى الضيافة . واقعا كنت خلال هذه الأيام أُراقبك عن بعد من البيت الى المدرسة واثناء ذهابك الى النادي أو تواجدك في السوق .. قاطعه مهند قائلا :- كيف وجدتني يا عم ؟ أجاب :- الحق يقال وللذمة وجدتك رجلا طيبا شريفا و من عائلة طيبة ونبيلة ..وانت من الآن يا بني، بمثابة ولدي مصطفى ، انت أخو مصطفى الكبير وانت أمين على هذا البيت بعدي أمانة الله ورسوله ، اما أم مصطفى اعتبرها ما شئت اختك ، امك أكرر كلامي انت من اليوم مسؤول عن هذا البيت بعدي ....... شكره مهند لزيارته أولا ثم لثقته به وقد شعر بشيء يقربه لهذا الرجل ربما هيأه القدر ليعوضه عن حنان الابوة الذي فقده منذ طفولته وقبل ان يخرج قال له :- انا ادعوك غدا ان شاء الله مثل هذا الوقت تشرفنا لتشرب معنا كوب شاي مع العائلة جميعا داخل البيت وأطلب منك المعذرة والحال لا تخفى عليك ,,,, خرج متمنيا له ليلة هادئة ونوما سعيدا .......

يتبع
الأستاذ محمد

أسلوب سلس وأحداث تحاكي الواقعية في معاناة المعلمين من تدخل الوساطة في تحديد أماكن تعييناتهم

ولكن رب ضارة نافعة إذا اغترابهم داخل الوطن الواحد يضعهم في تجربة جديدة ويتعرفون على عادات

وتقاليد المجتمعات الصغيرة والبعيدة عن أطر العاصمة ، وتجربة هذا المعلم قد يتعرض لها الكثير على مدى

العالم العربي ولكن رأيي التعليم رسالة والهدف منها الإفادة

استمتعت بقراءة هذا لنص ومبارك إصدارك وإن شاء الله نتابع معك نواتج هذه التجربة

مع تقديري
ملاحظة : ما المقصود بكلمة "روناك"






  رد مع اقتباس
/
قديم 12-01-2014, 10:55 AM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
محمد السويجت
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


محمد السويجت غير متواجد حالياً


افتراضي رد: رواية (روناك... دماء ودموع ) ح2

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة فاطمة يوسف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روناك :- كلمة كردية ، وهي اسم فتاة .. وقد سألت عن معناها
الاستاذ سعد المزوري الكردي فقال ( انها تقابل تماما في لغتكم العربية
ضويّة أو نورا من اسماء الفتيات )
شكرا لك أختي الكريمة على هذه الزيارة الطيبة وأتمنى أن تنال
هذه الرواية اعجابك بعد اكمالها وانا ملتزم بنشرها وفقا لشروط المنتدى
ان شاء الله ... ان لم يكن هناك مانع ..... تحياتي وتقديري






  رد مع اقتباس
/
قديم 17-01-2014, 05:32 PM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
محمد السويجت
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


محمد السويجت غير متواجد حالياً


افتراضي رواية (روناك... دماء ودموع ) ح3


رواية (روناك ... دمــاء ودموع)ح3
محمد عبد اللطيف السويجت

(6)
دعوة الشاي
بعد تناوله وجبة العشاء في نادي الموظفين توجه الى عيادة الدكتور محمد (عربي من الموصل ، كان أقرب الموجودين اليه وقد دعاه أكثر من مرة الى بيته وتناول مع عائلة الدكتور بعض وجبات الطعام جميعا ، كان له خير صديق وأخ ، بثَّ له كل ما لقيه ويلقاه من هموم ومأساة طيلة اقامته في القضاء )عاد لمنزله بعد الساعة الثامنة مساءً دخل غرفته وأبدل ملابسه الرسمية بملابسه الشعبية حاول ان يرمي بجسمه المتعب والمثقل بأعمال ذلك اليوم واذا بفتاة صغيرة تقف عند الباب تطرقه قائلة :- استاذ، أبي يدعوك تشرب شاي معنا في البيت .. أجابها :- نعم انا قادم .أسرعت الى داخل البيت وتبعها على الأثر ...... نادت والدها :- جاء الاستاذ .. رحب الأب وبصوت عال :- أهلا ، أهلا تفضل ابني . البيت بيتك ... لأول مرة شاهد مهند الساحة الداخلية للدار " أوما يسمونه بالحوش"
كان فارغا وفي نهايته غرفة كبيرة تبدو هي غرفة العائلة وبجوارها غرفة صغيرة شاهد بداخلها أخشابا وأغصان أشجارٍ يابسة علم من انها مكان تتخذه العائلة لجمع الحطب أيام الشتاء القارص... كانت غرفة العائلة شبه مظلمة في أحد زواياها فتيل مشتعل ركّب على قنينة مشروبات كحولية فارغة وقد أبدلوا شرابها بالنفط .. أوسع الرجل لمهند صدر المجلس وطلب منه ان يجلس على السجادة الوحيدة في البيت ،واقعا كانت سجادة قديمة بالية وفُرِش حولها قطع من القماش خيطت بعضها الى بعض بشكل جميل وتسمى ب ( الجودلية ) وقد جلست العائلة جميعا حول موقد نار تجمعت جمراته قرب قوري أسود اللون لكثرة استخدامه في الموقد كسر الرجل صمتا قصيرا عاشته الاسرة بعد جلوس مهند :-استاذ أهلا بك وأتمنى أن يكون هذا بيتك الثاني أجاب مهند :- بفضلك يا عم ان شاء الله أجد الراحة .... قدمت أم مصطفى صينية الشاي لزوجها والأخير وضعها بين يدي مهند ليأخذ منها كوبا ، لم تكن أكواب الشاي نوعا واحدا بل كانت متنوعة الأشكال والأحجام ...عقب ابو مصطفى وهو يضع الشاي على الأرض :- ( اليد قصيرة والعين بصيرة ) هذا مثل تعلمته منكم ، لا يخفي عليك الحال يا ابني، أرجو ان تقدر موقفي – قالها والخجل بادٍ على محياه - كان مهند مقدرا موقف الرجل ودعوته له وما حضوره بين افراد اسرته الا اشعار منه بأن مهندا أصبح جزءاً من هذه العائلة ،أراد مهند ان يغير مسار الحديث ويتعرف على أبناء وبنات محمد أبي مصطفى توجه الى الرجل سائلا :- مصطفى ، هذا، هو ابنك الكبير أجابه الرجل :- نعم هو ابني الكبير ، هذا الولد مشكلة ،العام الماضي رسب في الصف الثاني والسنة ايضا ضعيف ، لم ينفع معه حديث و لم يتعظ بنصيحة ، قال مصطفى مبتسما :- استاذ ، والله ، أقرأ .. لا أفهم ، استمر الرجل في الحديث :- هذي ابنتي روناك طيبة وذكية نجحت العام الى الثاني متوسط ، هذي قمرية في الصف الخامس الابتدائي وأخوه علي أصغر من هذه الوردة وبقية صغار ..طلب مهند من مصطفى أن يأتي بكتاب أيّ ليقرأ أمامه،جلب كتاب التاريخ و حدّد مهند له فقرة وطلب منهُ قراءتها بعد ان أكمل القراءة سأله :- ماذا فهمت ؟ أجابه مصطفى لم أفهم شيئا أعاد عليه قرأتها سأله ماذا فهمت ؟ كان الجواب كسابقه.. أدرك مهند ان مصطفى كردي ولا يحسن العربية واذا قرأ يقرأ ألفاظا لا يفهم معناها... ومتى ما فهم المعنى سهل عليه حفظها حينها تكلم مع أبناء الرجل:-
ــــــ سوف أعمل لكم جدولا في أوقات فراغي أدرسكم اللغة الانكليزية وأي مادة تبدو عليكم صعبة ، هذا اذا كان لديكم رغبة في الدراسة ، انا حاضر مع موافقة العم على هذا المقترح ... فرح الرجل بما طرحه استاذ مهند .. وقال :-
ــــــ هذا فضل كبير منك يا ولدي ، وانا أقول لك من الآن وهم يسمعون ، انت مكاني في البيت وهم أخوانك الصغار ، أنت المسؤول عنهم بعدي ، أيّ واحد منهم لا يسمع كلامك ولا يدرس .... لك كل الحق في ضربه وبكل ما تستطيع واذا سمعت منهم شيئا يؤذيك فقط خبّرني..
وفي نهاية الدعوة شكره على ثقته به وعلى دعوته له ثم عاد الى غرفته مرتاحا هادئ البال تأخذة غفوة طيبة يجلس بعدها صباحا ليذهب الى مدرسته مؤديا رسالته الانسانية بما يرضي الله وضميره ....



( 7 )
العمل على تحسين الوضع
لم يكن مهند متوانيا ولا عاجزا عن الإيفاء بوعده بل وجد فيه سلوته ، يرى فيهم أخوة صغارا يرعاهم وينصحهم ويوجههم فيما يعملونه ، هو تربوي اضافة الى كونه مدرسا ، كان يؤنب مصطفى لوقوفه عند مدخل الزقاق ينظر للداخل والخارج من بنات الحي أسوة بأترابه من الشباب المراهقين وكان يدعوه الى المثابرة والجد كي يعين أباه والعائلة وينقذهم مما هم فيه من فقر وعوز ، استمر في محاضراته لهم عند عودته من المدرسة عصرا وليلا بعد عودته من النادي .كانت قمرية أكثر أخوتها مطالبة في الحصول على محاضرات ... وجد مهند في هذا البيت هوى يجذبه وحبا في الله ينفذ الى قلبه ، لا يعرف ما سر ذلك ؟ هل عوّضه أبو مصطفى حنان الأبوة الذي فقده ؟ كثر تواجده في البيت ولم يخرج الى النادي الا في وقتي الغداء والعشاء ولم يجلس في المقهى الا لماما .......وكم كان فرحا وهو يسمع ثناء أبي مصطفى وشكره له وفي الوقت ذاته سرور هذا الرجل وفرحه حين سماعه مدح اساتذة مصطفى عند لقائه بهم في السوق وتأكيدهم ان مستواه الدرسي يتحسن يوما بعد يوم وهو أفضل من بدء العام الدراسي وانه على يقين بفضل جهود مهند.. أدرك مهند أن أبا مصطفى رجل عزيز وأبي النفس لا يقبل من الآخرين عطفا أو صدقة مع عمق حالة الفقر والبؤس التي يعيشها وأطفاله .. فكر طويلا في أسلوب وطريقة المساعدة التي من الممكن ان يقدمها لهذا الرجل دون ان يثير حفيظته بأن توحي اليه بشيء من الذل والمسكنة بعد تفكير طويل اهتدى الى فكرة طيبة وارتأى أن يعرضها على أبي مصطفى وينفذها يشكل تدريجي كي لا يثير انتباه الرجل ويلفت نظره الى شيء يكره ...... ذات ليلة وبعد العشاء زار أبو مصطفى مهندا في غرفته شاكرا له ما يبذله من جهد في تعليم أولاده حيث أن اساتذة مصطفى عند لقائهم به في السوق أثنوا على مصطفى ومدحوه وذكروا أن مستواه الدراسي أفضل بكثير مما كان عليه في العام الماضي وفي بدء العام الدراسي الحالي ... بينما هما جالسان أخرج مهند حقيبته وشرع يجمع في داخلها ملابسا مستخدمة . سأله أبو مصطفى :- ما تفعل ؟ هل أنت مسافر غدا ؟
ــــــ هذه ملابسي المستخدمة ، كنت أعطيها الى امرأة في الفندق تغسلها وتعيدها لي نظيفة .
ـــــ (باستغراب ) عجبا ، أنت في بيتي وملابسك تغسلها امرأة بعيدة ، في الفندق ، هذا مستحيل ، ملابسك ــ يا ابني تغسلها أم مصطفى أو روناك .
ـــــ هذا يعني اني أكلفكم عملا جديدا ، تقوم روناك بنظافة الغرفة يوميا وهذا فضل كبير منكم ....
ـــــ هذا لا يمكن ، الملابس تغسل بالبيت يعني تغسل بالبيت .
ـــــ انا أوافق ولكن بشرط .
ـــــ ما هو الشرط ؟
ـــــ أعطيكم ما كنت أعطي المرأة .
ـــــ وكم كنت تعطيها ؟
ـــــــ لكل وجبة غسيل أشتري لها علبة تايت وأعطيها دينارا واحدا أجرة عملها .
ــــــ ملعونة ، دينار كثير ..... ابني ، نحن نستخدم في الغسيل صابون ثريا الرخيص وهذا لا يعجبك ولا ترغبه .. اشترِ لهم التايت اما ثمن العمل لا تتحدث به مطلقا .......
كثر الحديث والرجل مصرٌ على غسل الملابس في البيت ويرى من العيب ان تغسل خارجه ومهند يطالب بدفع ثمن مقابل الغسل..... أخيرا اتفقا على ان يشتري علب التايت فقط .... كان مهند يشتري (من 8 ــــ 10 عُلَبٍ) ويسلمها الى العائلة وهو على ثقة أن اثنين منها يكفيان لغسل ملابسه بل ويزيدان على ذلك وهي اشارة ان يباع الفائض منه لفائدة العائلة وكذلك بامكانهم استخدامه لنظافة ملا بسهم ...... وبعد فترة وجيزة واثناء زيارة أبي مصطفى له في غرفته أبدى مهند ضجره وعدم ارتياحه أمامه وأوضح بعض متاعبه في الذهاب والعودة الى السوق من أجل أن يشرب قدح شاي في المقهى وقال :-
ــــــ يا عم ، لدي موضوع وددت أن أحدثك به وأرجو أن تحملني محملا طيبا .
ــــــ تفضلْ ، تكلّمْ .
ــــ أشعر أحيانا بالإحراج ولكن مضطر للحديث ،يوميا أجلس في الصباح وأذهب الى السوق حتى أفطر هناك وأشرب الشاي في المقهى وعصرا ايضا أذهب الى المقهى للغرض نفسه..... وبصراحة أحيانا أشتهي شرب الشاي ويمنعني العجز والضجر من ارتداء ملابسي في الذهاب وخلعها في الاياب ..... أقول :- هل بالإمكان تكليف أم مصطفى أو روناك بهذا العمل ؟
ــــــ هذا شيء بسيط ــ يا ولدي ــ اشترِ الشاي والسكر ويعملون لك الشاي متى ما تريد ؟
فرح مهند كثيرا لموافقة الرجل على اقتراحه وفي الصباح ذهب الى السوق واشترى طباخا صغيرا يدخل البيت لأول مرة وكمية لا بأس بها من الشاي الجاف والسكر تكفي العائلة لشهر كامل مع علبة نفط أبيض وكذلك اشترى عدة الشاي كاملة من الأقداح والصحون والملائق وسلمها روناك التي أصبحت هي المسؤولة عن عمل الشاي وتقديم الفطور الصباحي واعداده وترتيب الغرفة بموافقة والدها ..... وبذلك تمكّن من ان يرفد العائلة بما يكفيها من هذه مادة . لم يقف مهند عند هذا الحد بل راح يفكر بما هو أبعد من ذلك ولكن يمنعه عزة الرجل واباؤه من أي تصرف يمكن ان يخدش مشاعر هذا الرجل الطيب وقد قال له أكثر من مرة:- ياعم ، لقد دعوتني ولبيت الدعوة وانا شاكر لك ذلك ، اسمح لي ان ادعوك والعائلة الى وليمة غداء . ابتسم ابو مصطفى لدعوته ثم قال له :-كيف تدعونا ؟ هل تطبخ لنا في غرفتك ؟ قال :- لا ، بالامكان ان أشتري الوجبة كاملة من السوق أو النادي .... ردّ عليه أبو مصطفى :- كثير من أهل حلبجة يعرفون من أنا ؟ ومن هو أبو مصطفى ؟ وما حالته؟ اذا لم أقل جميعهم ... اذا رأوك تحمل الأكل الى بيتي ماذا يقولون عني ، يقولون واحد من اثنين ،أبو مصطفى يأكل هو وعائلته ويشرب من كد وتعب هذا الرجل الغريب أو يقولون عنك تشتري لعائلته كل ما يريدون حتى يرضوا عنك وخوفا من ان يطردك أبو مصطفى ويرمي بفراشك الى الشارع .... لا ، لا ، اصرفْ نظرك عن هذا الموضوع .... شرع يتأوه وقال :- يكثر القيل والقال حتى تجعلني صغيرا في أعين الناس .. هل يرضيك هذا ؟ سكت مهند ولم يتمكن من الرد ورأى في أبي مصطفى ذلك الرجل العاقل الذي ينظر الى الأمور بتعقل وروية ويسبر غور الحدث ويقلبه على كل الوجوه .... من هنا عليه ان يعيد النظر ويفكر في موضوع آخر علّه يتمكن من توفير وجبة طيبة لهذه العائلة تشاركه ولو وجبة واحدة في الشبع ،فهل يتمكن مهند من تحقيق امنيته في اقامة وليمة لهذه العائلة ......

(8)
الموافقة على اقامة الوليمة
اعتاد نادي الموظفين في كل شهر ان يقدم لزبائنه (وجبة الشهر ) وهي وجبة ممتازة ومتنوعة .ذهب مهند وزميل له مدرس من أهل الموصل لتناول الوجبة الموعودة .. ما ان قدم النادل الطعام وانتشرت رائحته في فضاء الصالة حتى خطر أمام عينيه فلم تراجيدي حزين لتلك العائلة الطيبة والرجل الطيب الذي سخّر ابنته الشابة (روناك ) لخدمته فهي المشرفة على نظافة الغرفة وترتيبها ... يا له من ألم ومرارة الآن يملأ بطنه من نعم الله وخيراته وبجاوره آخرون لا يفصله عنهم سوى جدار غرفته يتضورون جوعا صفر الوجوه لما نالهم من سوء التغذية بيد انهم صابرون لا يشكون لأحد الا لله عالم الغيب والشهادة .... انتبه الموصلي الى حالة الذهول التي أعترته سأله مستفسرا عن حالته : استاذ ما بك؟ أين أنت الآن ؟ أجابه :- كنت أفكر بأمر هذه العائلة ، ثق ان قوتهم اليومي اما بصل وخبز أو لبن وخبز للوجبات الثلاثة ، طلبت من الأب ان يسمح لي بدعوة العائلة الى وجبة طعام رفض رفضا قاطعا وربما أنّبني بشكل غير مباشر، أجابه المدرس :- هم راضون بما رزقهم الله ، هذه منتهى القناعة ثم هذه مشكلتهم . ما دخلك في الأمر ؟ قال :- كنت اتمنى ان يشبعوا ويعرفوا معنى الشبع ولو مرة واحدة في حياتهم ...قلت لك دعوتهم رفض الأب بحجة ماذا يقول الناس عنه ؟.... الحق يقال :- أبو مصطفى يملك العزة والكرامة ولديه اباء عجيب ... قال الموصلي :- لديك رغبة لدعوتهم لحد الآن ؟ قال :- نعم ، قال الموصلي :- هذه ليست بمشكلة ، لدي فكرة ان تقول لأبي مصطفى ، المدرسون يطالبونني بوجبة غداء بمناسبة حصولي على الغرفة و يريدون ان يشاهدوا الغرفة فهل بالامكان دعوتهم لمشاهدة الغرفة وان تطبخ لنا ام مصطفى وجبة غداء ، فاذا وافقوا .. بقية الحكاية عليّ ولم يشر له ما الذي يفعله ؟ قال مهند في نفسه هذه فكرة طيبة أستطيع ان أحقق امنيتي وما أصبو اليه من تقديم وجبة طيبة للعائلة ... وافق مهند على هذا الاقتراح وليلا جاء أبو مصطفى الى غرفة مهند بينما كان الأخير يدرس أبناءه ليستفسر عن سلوكهم وتصرفاتهم وميلهم الى القراءة والمتابعة ، ترك الأولاد الغرفة وشرع مهند يُثني عليهم جميلا ، فكر مهند في استثمار هذه الفرصة ومفاتحة أبي مصطفى فيما أقترحه عليه زميله الموصلي قال مهند :- يا عم ، لدي موضوع بودي أن أحدثك به وأخشى أن تردني خائبا واقعا انا الآن في موقف حرج .. أجابه أبو مصطفى :- تفضل يا بني ، ما الموضوع ؟ تكلّم . قال مهند:- من اليوم الأول الذي جئت به الى هنا وسكنت هذه الغرفة وأصدقائي المدرسون يطلبون مني وبإلحاح ويكاد الطلب يكون يوميا وفي كل جلسة نجتمع فيها يرغبون زيارتي في الغرفة هنا ... قاطعه ابو مصطفى :- أهلا ومرحبا بهم فليأتوا ... قال مهند :- ليتهم يكتفون بهذا يا عم ، هم يريدون أن أعمل لهم وجبة غداء داخل الغرفة .. صمت قليلا وذهب في فكرة بعيدة ثم قال :- يا ابني أنت أعلم بالحال لو كنت قادرا ًعلى تنفيذ الوليمة لم أقصر ولبادرت أنا قبل أن تبدأ بها .... قال مهند :- انا أطلب فقط موافقتك على اقامتها في الغرفة ، اما الأكل انا مسؤول عنه بالمناسبة هل تستطيع أم مصطفى ان تطبخ لنا الطعام ؟
قال أبو مصطفى :- البيت بيتك وانا موافق وام مصطفى قادرة ان شاء الله على الطبخ مهما كان العدد .. قال مهند فرحا :- أعتبرها موافقة من جنابك ، أدعوهم (حرك أبو مصطفى رأسه علامة الرضا ) استمر مهند في حديثه :- ممكن ان تكون الدعوة يوم الخميس ظهرا لأن أغلب المدرسين يذهبون الى أهليهم عصر هذا اليوم قال أبو مصطفى :- أفعل ما تريد؟ ومتى تريد ؟ ولكن كم عدد المدعوين ؟ قال:- هم والعائلة (25 نسمة ) قال :- اترك العائلة .كم عدد أصحابك ؟ قال مهند :- يا عم ، كيف أترك العائلة والمرأة التي تطبخ الطعام أم مصطفى ثم الذين يحملون الأواني والصحون الأولاد أنفسهم ولا يأكلون ، هذا غير معقول يا عم ، يا ابا مصطفى .. سكت الأخير ولم يجب ..طلب مهند منه ان تعطيه أم مصطفى قائمة بما تحتاج اليه من مواد أولية في الطبخ لهذا العدد وكلف روناك في كتابة القائمة وجلبها له بعد حين ....استعارت العائلة قدرين كبيرين من جيرانها اما الأواني والصحون والملاعق و..و ... فقد تكفل بشرائها مهند لتبقى بعد ذلك من املاك البيت . أنجز جميع أعماله عصر يوم الأربعاء اما يوم الخميس صباحا فقد جلب اللحوم والخضار والفواكه وأكثر منها .... قبل ان يترك مهند البيت الى المدرسة سأله أبو مصطفى :- ابني ، متى يأتي أصدقاؤك ؟ أجابه :- بالتأكيد بعد نهاية الدوام الرسمي أي في الساعة الواحدة أو بعدها بقليل. قال :- حسنا ، سوف أترك البيت قليلا لأصلي في جامع القضاء وأعود بسرعة ، تجدني - ان شاء الله بانتظاركم. في نهاية الحصة الرابعة (الدرس الرابع ) جاءه زميله الموصلي ليقول له :- اذهب قبلنا - يا استاذ – الى البيت وهيّئْ الأمور ورتّب الجلسة ، استأذن من المدير وعاد مسرعا . وجد الغرفة قد رُتبتْ بشكل جيد وفرشت بسجّادات نظيفة واصطفت وسائد هنا وهناك على جدرانها كان الأب قد استعارها من الجيران ، كان منظر الغرفة جميلا ، وقد أودعوا سريره ووسائله الأخرى في الغرفة الثانية ..... في الوقت ذاته كانت رائحة الطعام تنتشر في أرجاء البيت والصغار كالفراشات تحوم حول القدور والأواني فلم يروا مثل هذا المشهد في بيتهم قط ٌّ ... جياع ونِعَم الله أمام أعينهم ....جلس الاثنان ينتظران القادمين وقد جاوزت أقارب الساعة الواحدة واذا بالباب يُطرق ، نهض أبو مصطفى لاستقباله ، فتح الباب دون أن يخرج
ـــــــــــــ تفضلوا ، تفضلوا ، أهلا وسهلا ، واذا بصوت القادم يجيبه :- شكرا ،ياعم، ممكن استاذ مهند .كان مهند واقفا خلف أبي مصطفى ، خرجا معا ، سأله مستغربا :- استاذ ، اين الأخوة ؟... قال وبمشهد تمثيلي رائع وببراعة متناهية أجاد فيها الدور:- استاذ، بعد ما تركت المدرسة بدأ استاذ حسين يتقيأ وقد سقط مغميا عليه من شدة الألم ارسلناه الى المستشفى وأكد لنا دكتور محمد، لديه زائدة دودية ويخشى ان تنفجر وقد أمر بارساله فورا الى المحافظة لاجراء عملية سريعة له والهيئة التدريسية جميعا بانتظاري وهم في حزن وهم يعتذرون لعدم مجيئهم ويشكرونك كثيرا والدعوة واصلة ... انا اعتذر في أمان الله . قال مهند :- انتظرني قليلا أذهب معك ... قال:- لا حاجة ، نحن ذاهبون بسيارة الاسعاف ، وهم بانتظاري ... ودّع مهند وذهب ..... دخل أبو مصطفى الى الغرفة ضجرا متألما ، أغلق مهند باب الدار وعاد ليرى أبا مصطفى يتخطى داخل الغرفة واجما ناداه بحسرة وعدم ارتياح :- الذي أردته يا بني عملته ، لماذا ؟. انت بعملك هذا جعلتني صغيرا في عيون أطفالي ..اولادي الآن يقولون :- انَّ هذا الرجل الغريب استطاع ان يقدم لنا ما لا يستطيع أبونا ان يقدمه .. الآن فتحت عيون أبنائي على شيء أو اشياء لا أرغب أن يعرفوها لسبب بسيط ليس لي القدرة على توفيرها .... هل شكى لك أحد منهم ، هذا رزقهم وهم راضون به .... ثم نادى بصوت عال :- ام مصطفى ،أجمعي الأكل في القدور الى يوم السبت ، ثم التفت الى مهند وقال له :- ادعوا جماعتك يوم السبت يأتون هنا ..... تحمل مهند بصبر تأنيب الرجل هو الذي دفعه الى ذلك ، ولكن هل مَرِض استاذ حسين فعلا ؟ كما ادعى الموصلي هذا ما لا يعرفه حتى هذه اللحظة ... قال مهند ،ياعم ، أقسم لك بالله لا أعرف ان كان استاذ حسين مريضا أو لا . وثق ، تركت المدرسة قبل نهاية الدروس لاستقبالهم .... ثم لا أحد منا يأكل طعاما طُبخ في الغداء يأكله في العشاء وكيف تريده أن يبقى من الخميس الى السبت ، أكلوه بالعافية ، وكثر الحديث بينهما وامتدّ وأخيرا اعتبره أمرا واقعا فقبله على مضض ..... فكان غداء العائلة وعشاؤها وما زاد منه الى يوم الجمعة .....ما فتئ مهند يفكر فيما قاله ابو مصطفى وكان يراه رأيا سديدا لرجل عصرته تجارب الحياة وصروفها ودرسا آخر من خبرته وبعد نظره للأمور مع انه تمكن من تحقيق رغبته في توفير وجبة أكل طيبة للعائلة ....

يتبع...






  رد مع اقتباس
/
قديم 23-01-2014, 11:12 PM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
محمد السويجت
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


محمد السويجت غير متواجد حالياً


افتراضي رواية (روناك... دماء ودموع ) ح4

رواية ( روناك ..... دمــاء ودموع )4
تأليف :- محمد عبد اللطيف السويجت

(9)
نهاية العام الدراسي
60 / 1961م
وجد مهند في بيت أبي مصطفى عطفا وحنانا كبيرين فقد أوقف أبو مصطفى ابنته روناك لخدمته ونظافة غرفته ،كما وانها أشرفت على تهيئة فطوره الصباحي .... أخذ مهند يُطيل المكوث في البيت ويزيد في عدد الحصص الدراسية التي يعطيها الى مصطفى وشقيقتيه وبالتأكيد كانت روناك تحظى بأوفر نصيب من الدروس ، استمر الحال هكذا حتى نهاية العام الدراسي 60/1961م وفي ختام اليوم الأخير لامتحانات الصفوف غير المنتهية رزم مهند حقيبته وتهيأ للسفر عصر ذلك اليوم بعد ان ودّع أعضاء الهيئة التدريسية وعائلة أبي مصطفى آملا ان يلتقيهم في العام القابل ..بناءً على وعد مدير التربية باعفائه من مراقبة امتحانات الصفوف المنتهية سبق اخوته المدرسين في انهاء العام الدراسي،عام بدأه بالأتعاب والمشاكل وانتهى بشي ء من الراحة والاستقرار ..... عاد الى بيته بعد غياب والتقى بأهله وأحبائه وأصدقائه في صباه وشبابه ، استوعبته بغداد بما فيها من مظاهر اللهو والتسلية فكان يخرج عصرا مع رفاقه تاركا مدينة الاعظمية " مسقط رأسه ومحل سكنه " الى الميدان فشارع النهر حتى ينتهي به الطريق الى شارع أبي نواس حيث يتناول مع أصدقائه وجبة العشاء هناك ويعود الى بيته في ساعة متأخرة من الليل أحيانا وكثيرا ما يجد والدته ساهرة بانتظاره وهي التي تفتح له رتاج الباب وتجلس معه قليلا في غرفته تحدثه بعدها تتركه ليخلد الى النوم .....لم يمر ذكر عائلة أبي مصطفى في باله ولم يجر على لسانه أمرهم الا لماما خلا الأيام الأولى من عودته فقد حدّث والدته عن هذه العائلة وطيبتها .... عصر ذات يوم خرج وزميل له في حيّه قاصدين متنزهات أبي نواس كالعادة اقتربا من تمثال الرصافي ثم عرجا ليلجا شارع النهر فهاله كثرة الناس وازدحامهم على المحلات للتسوّق حيث كانت الحركة في الشارع بطيئة جدا حيث تحتك أكتاف القادمين اليه بعضها بعضا ، سأل مهند زميله مستغربا : ما الخبر ؟ ماذا حدث؟ العراقيون كلهم اليوم في شارع النهر أجابه :- المسألة طبيعية يا أخي ، تسأل وكأنك لا تعرف السبب .. قال :- لا والله ، لا أدري لماذا هذا التجمع الضخم ؟ قال الزميل :- أخي بعد ثلاثة أيام يبدأ العام الدراسي وبعده بأسبوع أو عشرة أيام يحل ّعلينا وعلى أمة محمد (ص) عيد الأضحى المبارك......وعليه انّ القادمين الى شارع النهر يشترون لأبنائهم ما يحتاجون اليه من الملابس لهاتين المناسبتين ، هل فهمت ياأخي، لماذا هذا التجمع؟! قال الجملة الأخيرة بسخرية ..كأنّ شحنة كهربائية سرت في جسمه وهزت كيانه بشدة فقد غاب عنه ما كان يجب ان يحل في ذهنه وقد حصل فعلا واذا بعائلة أبي مصطفى ترتسم على مقلتيه وتجثو بقوة لتعيده الى ذكريات عام مضى .... بدأ بتأنيب ضميره على نسيانه فضائل هذا الرجل الذي جعله بمنزلة ابنه مصطفى ومنحه الثقة الكاملة كيف حالهم الآن وماذا سيقدم أبو مصطفى لأبنائه في هاتين المناسبتين بدء الدوام الدراسي والعيد ....شغله تذكّره العائلة عن النظر فيما حوله فقد كثر تعثره في السير واصطدامه بالمارة احيانا ، لاحظ زميله عليه هذا الشرود وقلة الكلام وابتعاده عن التعليق والفكاهة حول هذه وتلك من رواد الشارع ظن في البدء انه ربما يتابع بناظريه احدى الجميلات فكانت سببا في تعثره واصطدامه اثناء سيره بحث هوالآخر في عينيه والشارع فلم يجد لهذه الفكرة أثرا لدى مهند ،داعبه قائلا ان كان لديه موعدا أو هناك من يدعوها للقاء من حسناوات شارع النهر فزميله على استعداد ان يتركه وشأنه ، أقسم له مهند بأيمان ثقيلة ليس في ذهنه مما يظن شيئا ، قطع الزميلان سيرا بطيئا شارع النهر حتى اذا بلغا شارع أبي نواس أختارا أقرب المقاهي وجلسا معا تحت ظل شجرة وارفة ...شعر مهند بصداع وضجر فلم تطل اقامته وطلب من زمييله العودة بعد العشاء مباشرة فاستجاب لرغبته ...... عاد مهند الى بيته مبكرا على خلاف عادته ، طرق الباب وكان اذا فتحت والدته له الباب يداعبها ويمازحها و يدندن ضاحكا بوجهها بصوته الرخيم -- وكان ذا صوت حسن -- شيئا من أغاني المطرب محمد عبد الوهاب لكنه هذه المرة دخل البيت دون ان يتكلم ببنت شفة ، استغربت الحاجّة وأول ما تبادر الى ذهنها أن ابنها وقع في غرام فتاة ما ، من هي سعيدة الحظ التي عشقها مهند وصيّرته كما ترى ؟! مشت على أثره دخل الغرفة دخلت معه ثم جلست بالقرب منه على سريره. قالت له :- أمرك غريب اليوم يا ولدي ، هل في حياتك بنت كدّرت عليك راحتك ، كن صادقا معي ، هذا عهدي بك ، مهند ، انت انهيت واجبك وأكملت
دراستك ما عليك الا ان تتزوج وهذا حقك ، قل لي من هذه ؟ ان كنت تحبها أذهب أنا بنفسي وأسأل عنها.... ابتسم مهند بفتور وقال لها : يا أماه ، بماذا تفكرين؟ هذه المسألة بعيدة لم يأت وقتها لحد الآن .أخي الأكبر لم يتزوج بعد ، كيف أفكر أنا بالزواج ؟!... ضحكت الأم بصوت مرتفع بعض الشيء وقالت :- ليس هناك مشكلة ، انت عاشق ، نزوّجك قبله ..... قال :- أقول لك الحقيقة ، ذهبت انا وصديقي اليوم الى شارع النهر، كان مزدحما جدا سألت صديقي عن سبب الزحام قال ان الناس تشتري لأبنائها ملابس بمناسبة بدء العام الدراسي والعيد ...تذكرت العائلة التي أسكن معها في حلبجة ،هذه العائلة الفقيرة التي حدّثتك عنها وقلت في نفسي هل يفرح أبناء هذه العائلة بمجئ العيد؟ وهل يلبسون ثيابا جديدة كما يفعل الآخرون ؟ نعم سوف يرتدون ملابس العام الماضي في العام الدراسي الجديد والعيد ... الفقر ملعون ،هناك من يصطرع مع الحياة من أجل اللقمة فقط ... حدقت في عيني ولدها بعمق وخرجت صامتة من الغرفة وما لبثت ان عادت بعد دقائق حاملة معها (10عشرة دنانير ) وقالت :- ولدي، هذي مني ، خذها واشترِ لهم ، امتنع وقال لأمه :- احتفظي بها انا أدفع لهم بدلا منك . قالت :- لا ،يا ابني ، انا أرجو الثواب من الله ، هذا من مالي الخاص ، على فكرة ، انا دعوت أخوتك وأخواتك يأتون غدا على وجبة غداء ليرى بعضكم بعضا وتجتمعون قبل ان تذهب الى السليمانية ، اذا جاءوا انا أطرح عليهم موضوع العائلة ، دفعا للبلاء عنكم جميعا، خذ راحتك ... تمنت له ليلة هانئة وخرجت .... وفي اليوم الثاني اجتمعت العائلة بأبنائها وبناتها وأحفادها وشرعت أم مهند بشرح حالة العائلة وطلبت منهم مساعدتها والتبرع لها بمبلغ من المال وان الله يثيبهم ويحسن اليهم ويعوضهم بعشرات أمثالها . تبرع الجميع كل حسب طاقته ، جمع مهند المبلغ وعصرا ذهب الى شارع النهر ليشتري ما استطاع من ملابس رجالية ونسائية لأفراد هذه العائلة وفق تقديره هو وإشارته الى المارة في تحديد القياسات مع أصحاب المحلات عن كبر وصغر من يشتري اليه منهم .... اما الأحذية ليس له القدرة على معرفة قياساتهم بدقة فوضع ما بقي من النقود في ظرف ثمنا لشراء أحذية لهم من القضاء وكان الثمن في تقديراته أكثر بقليل من تكاليف الشراء حيث تكتمل معنى الهدية لديه .. بعدها هيّأ حقائبه وأمتعته للعودة الى حلبجة وبدء العام الدراسي الجديد 61/1962م

(10)
العام الدراسي 61/1962م
بعد يومين من لقاء أبناء العائلة وأحفادها جميعا لوداع مهند ترك الأخير بغداد متوجها الى حلبجة برفقة أصدقائه وفق وعد مسبق كان بينهم ... وعند وصوله القضاء سجّل مهند مباشرته في المدرسة ثم تركهم ليذهب الى غرفته في بيت أبي مصطفى .. ما ان وطئت رجلاه الزقاق حتى خرجت عائلة أبي مصطفى صغيرها وكبيرها لاستقباله ما عدا زوجة الأب التي لم ير قامتها اطلاقا منذ ليلة دعوة الشاي. دخل البيت وهم يحيطون به وكأنه الأخ الأكبر عاد من سفر بعيد كانت روناك قد هيأت الغرفة ونظفتها ورتبت وسائلها . دخل أبو مصطفى الغرفة مع أولاده وشكلوا حلقة نصف دائرية حول الرجل بدأ الأب يسأل مهند عن أسرته وعن صحتهم وأوضاعهم متمنيا الصحة والخير لهم ولوالدته ...اما مهند اول شيء تبادر الى ذهنه نتائج امتحانات العام الماضي واذا أبو مصطفى يجيبه عمّا أراد ان يسأل عنه :- بفضل الله وبفضلك كلهم نجحوا.... روناك كانت من الطالبات الأوائل.. جزاك الله خيرا . قال مهند متواضعا :- الشكر لله يا عم ، درسوا وتعبوا وجنوا ثمار التعب ، المهم هذه السنة ...الصف المنتهي الثالث المتوسط ، مصطفى وروناك يجب ان يدرسا أكثر (أمامهم امتحان بكالوريا ) قال أبو مصطفى :- التوفيق من الله وهمتكم ثانيا يا استاذ..... بعد ذلك أشار أبو مصطفى الى أبنائه أن أخرجوا :- أخوكم متعب اتركوه يأخذ راحته . جاء من سفر طويل . قبل ان ينهض أبو مصطفى من مقعده قال مهند :- انتظر قليلا ياعم . روناك، ناوليني تلك الحقيبه ناولته اياها وبينما هو يفتح الحقيبة استمر يتحدث :- يا عم ، الأهل في بغداد ارسلوا لكم معي هدية وأرجو ان تقبلها .... فتح الحقيبة وكان قد رتّب مفردات الهدية وفق العمر ابتداءّ من الأب ، أخرج قطعة قماش ثمينة قال :- يا عم هذه لك . بصوت مرتفع وهو عارف بقيمة القماش قال :- هذه غالية أجابه مهند هي لك وأخرج قطعة قماش ثانية وقال : هذه لأم مصطفى ، وأخرج قميص وبنطلون وأشار الى مصطفى وقميص وتنّورة الى روناك وهكذا الى آخر فرد بالعائلة .كل فرد من العائلة أخذ هديته وأسرع في أرتدائها لمعرفة قياسها و لحسن الحظ كل الهدايا كانت قياساتها مضبوطة سوى بدلة قمرية كان فيها طول قليل تكدّرت وبان عدم الارتياح في وجهها بيد انّ أباها أقنعها بأنه سوف يخيطها بشكل جيد وكان لها ما أرادت....الشيء الذي وقف عاجزا عن استيعابه في تلك اللحظة ان ثمن هدية روناك أكثر بكثير من ثمن هديتي والديها بل تقدّر بثلاثة أضعافها .... ما الذي دفعه الى شراء الهدية بهذا السعر لم يجد لذلك تفسيرا في حينها . بعد ذلك أخرج مهند ظرف النقود من الحقيبة قال :- يا عم ، الهدايا لا يكون لها معنى بل تكون هدايا ناقصة وبصراحة لا أعرف مقاييس الأحذية ـــ أجلكم الله ـــ اما طول القامة ممكن معرفته بالقياس الى الآخرين وقد أرسلوا بيدي هذه النقود لتشتري لهم من محلات القضاء أحذية على قياساتهم .. أبدى ابو مصطفى رفضا لاستلام الظرف في حين استمر مهند في كلامه :- انا ساعي بريد أوصلت الأمانة الى صاحبها واذا رفضت استلامها هذه دائرة بريد أعدْها اليهم ... أجابه :- لا يمكن ، ياولدي ، هذا كثير ...قال مهند :- قلت لك يا عم ، انا ساعي بريد ، الوالدة هي التي اشترت الهدايا وطلبت مني ان اوصلها فقط ..... بعد كلام طويل أخذ الظرف وشكر العائلة وتمنى للوالدة الكبيرة الصحة والعمر المديد .....


(11)
يوم العيد
كان العيد الأول في حياتهم، كم كانت فرحتهم به !! اليوم يخرجون بملابسهم الجديدة اسوة بالآخرين من جيرانهم قبل ان يؤدوا تحية العيد لوالديهما بدأوا بمهند وأول من حضر الى غرفته مصطفى ثم روناك وتبعهم بقية الصغار ، لم يبخل مهند في عطائه هذه المرة فقد أعطى لكل من مصطفى وروناك نصف دينارٍ هدية لهم (عيدية ) وأعطى لكل فرد من الأطفال ربع دينار..... مبلغ كهذا يومذاك كان كبيرا بامكانهم ان يعبثوا ويلعبوا ما شاءوا في مدينة ألعاب القضاء ومتنزهاتها ... قضوا وقتا طيبا وجميلا بهذا العيد بفضل عطاء هذا الرجل الغريب والضيف المؤجر وعائلته الكريمة ...... بعد انتهاء عطلة العيد القصيرة كان لمهند معهم جلسة عمل حيث نظم لهم جدولا تدريسيا يحدد فيه محاضرة كل واحد منهم ووقتها وكان حريصا على تنفيذ ما ألزم نفسه به يشرح لهم ما صعب وغمض عليهم من درس يومهم أو الدروس التي يحضرونها للغد ...... استمر مهند في برنامجه مع هذه المجموعة البريئة في تعاملها معه فقد تحسّن وضعهم الدراسي لاسيما مصطفى الذي برز بين زملائه كطالب مجتهد اما روناك هي الأولى في جميع الامتحانات والأنشطة المدرسية... شاء القدر ان يجد في شمائل روناك ما يجذبه اليها فقد أضفى عليها الخالق سبحانه فتنة وجمالا فبدت كالملاك في عينيه ، هي مع كل يوم يمر ينضج عودها وتزهو ملامحها ويشرق بالحسن محياها أخترقت هذه البانة الميساء شغاف قلبه هزّه الشوق اليها وهيّجت في ذاته عواطف كانت كامنة هادئة عصفت به بصوتها ورقتها وتثنيها ......روناك الفتاة التي جعل منها والدها مشرفة على خدمته، تعتني بغرفته ونظافتها وتعدّ له فطوره الصباحي وفق منهج رسمه هو لها حيث كان يعطيها مبلغا من المال اسبوعيا لهذا الغرض وتأتيه عصرا بعد يقظته من القيلولة لتقدم له الشاي ... ....في المقابل كانت تلميذته التي أهتم بها كثيرا وكان يدفعها الى المطالعة الخارجية فيما لديه من الكتب الأدبية والقصص كانت كتبه تحت يديها تقرأ فيما يفيض لها من وقت بعد اكمال واجبها الدراسي ...... وكثيرا ما كانت تجلس معه في غرفته لوحدها حتى ساعة متأخرة من الليل ، هي أمانة العائلة لديه ، يتركها تقرأ في غرفته حتى اذا أحسّت بسلطان النوم يغشاها تركته وذهبت ..... نشأ صراع في ذات مهند ، أليس من صالحه ان يتزوج هذه الفتاة الجميلة؟ روناك لا شيء يعيبها ولا يظنّ ان فتاة تباريها جمالا وكمالا اذا استقرت وهنأت وعاشت في بيت متواضع يوفر لها سبيل العيش الكريم.. ما أحلى أن يربيها على يديه ، هي فتاة لم تر عينها النور بعد ، هو الذي ينير لها الحياة ، هي الآن كالعجينة بين يديه يصيّرها كيفما شاء ؟ عيبها الوحيد ولا عيب فيها انها فتاة فقيرة وحسب ،ترى ، لو فاتح أهله في أمرها هل يوافقون على الزواج منها أم ان شفونية مقيتة تحرك مشاعرهم يرفضونها لأنها من الكرد ، نعم ، في بيته من يملك هذه النظرة بل وأنكى من ذلك ينظرون الى القبائل المجاورة لهم نظرة سلبية ،هذه القبائل أدنى منهم مقاما وشرفا يتعالون عليهم ولا يرتبطون معهم بنسب ثم يعود لنفسه ليقول هذه حياتي وانا حرٌّ في اختيار شريكتها ...ومع الأيام ينمو هذا الحب وتتسع دائرته في أفق وكيان مهند حتى بدأ يؤرقه ... كان مهند لا يرغب اطلاقا ان يظهر لها حبه وشوقه خشية مما يحدث ، المجهول غامض في تصوراته ، قد يفقد الثقة التي أولاها اياه أبو مصطفى. بقي هكذا والحب وقّاد لا تهدأ ناره اللامرئية في كيان الرجل ...... وقد أيقن مهند ان ما في قلبه هو الآن يتحرك بنفس المقدار وربما أكثر في قلب روناك ، هي تبدو له من حركتها وألفاظها ما يوحي بهذا الميل ... غير انه تغافل عنها وتعالى ولم يبدِ لذلك اهتماما بالتأكيد انها تشعر ببعد الهوة بينها وبينه، هي التلميذة وهو الاستاذ وهي بنت قضاء حلبجة وهو ابن بغداد أمن المعقول ان يخترق الحب هذه الحواجز ؟!! ذات يوم بينما هي جالسة على السجادة في غرفته تحضر مادتها الدراسية وهو مضطجع على سريره يقرأ قصة ( قصة مدينتين ـــ لتشالز ديكنز) أبعد الكتاب عن عينيه قليلا واذا به يرى روناك متّكئة على جدار الغرفة تاركة كتابها وقد سقط من يدها توا الى الأرض غارقة في تفكيرها وغائبة عما حولها محدّقة العينين فيه كمن يريد أن يستوعب من يهواه ،هالته هذه النظرة قال لها مستغربا :- روناك ، ما بك ؟ اضطربت واحمرَّ وجهها خجلا ولم تستطع ان تتكلم بشيء سوى انها قالت :- لا شيء ، لا شيء ، واسرعت في جمع أوراقها وكتبها وتركت غرفته الى عمق البيت وظلمته ........

يتبع






  رد مع اقتباس
/
قديم 30-01-2014, 10:07 AM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
محمد السويجت
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


محمد السويجت غير متواجد حالياً


افتراضي رد: رواية (روناك... دماء ودموع ) ح1

[font="arial"]رواية (روناك ...دمـــــاء ودموع )5
تأليف :- محمد عبد اللطيف السويجت
(12)
حكاية الورقة
بات من المؤكد انه يحب روناك فعلا فأنّ اسمها لا يفارق شفتيه وخيالها حاضرٌ في مقلتيه ولكن الذي هو يجهله هل في حياة روناك شخص آخر من أبناء عرقها وهي الآن في أوج حالات المراهقة لابد من معرفة شيء عن سيرتها وحركتها في الشارع اثناء ذهابها الى مدرستها تمرّ بها جارتها ريمان ليذهبا معا الى المدرسة ..اذن ، لا بدّ من المتابعة ، حاول مهند ان يجعل من نفسه جاسوسا عليها أخذ يقفو أثرها عندما تخرج الى المدرسة ويراقبها عن بعد، لم يقف على شيء من مثلبة وعيب في سلوكها يسيران بخفر وحياء وعينيهما الى الأرض لا ترتفعان ولم يتحدثا في الطريق كي لا تسمع المارة صوتيهما من البيت الى المدرسة وبالعكس هكذا هي في الطريق اما في المدرسة فقد سأل عنها ممن يحاضر في مدرستها فكان الجواب حسنا لا خدش في سيرتها ، سلوكها هذا قرّبها الى قلبه كثيرا . وكم راودته الخيالات والأوهام في خلوته من انه سوف يجهد نفسه على تعليمها حتى اذا اكملت الدراسة الثانوية اصطحبها معه الى بغداد لاكمال الدراسة الجامعية لتصبح فيما بعد مدرسة تربت على يده وتعلمت منه قوانين الحياة ..... وكعادته بعد اكمال برنامجه الليلي في اعطاء محاضراته لكل من مصطفى وروناك وقمرية يترك روناك في غرفته لتحضر ما تبقى من دروسها ، اما هو يأخذ كتابا من الرف ليقرأه كان قد وضعه على المنضدة البارحة فطالته يد روناك لتعيده الى مكانه في الرف عند ترتيبها وتنظيفها لغرفته ........ فتح الكتاب فاذا بداخله ورقة لم يكن قد عهدها من قبل ، رفع الورقة قرأها وقد كتب عليها بحروف واضحة " انا أحبك " لم يخامره الشك قطّ بل كان على يقين ، ان كاتب هذه الحروف روناك نفسها ، هذا هو خط قلمها كما عرفه من خلال محاضراته لها ..... راحت عيناه تطالعانها ، انها تحدّثت عما في قلبه حقا ، ولكن هل يتصرف مع الحدث بهذه البساطة وهل يشغلها بالحب عن دروسها .... رأى عليه ان يتغاضى عن حبها وان لا يظهر لها ذلك العاشق المتيم ويؤنبها على ما فعلت قال لها :- روناك ، هذه الورقة من وضعها في كتابي ؟ قالت هاربة من الاجابة :- ما أعرف ، عندي امتحانات وما وصلت يدي الى الكتب ابدا .... قال :- كوني صادقة معي ، هذا عمل صبيان عمل جهلاء ، انت فتاة ذكية ومن عائلة طيبة ، اتركي هذه الأفعال التافهة وتذكري انت طالبة صف الثالث المتوسط ( امامك بكالوريا ) عليك ان تدرسي وتجتهدي ، النجاح هدفك الأول ، عسى ان تجدي عمل تساعدين الوالد وتخففين عنه هذا الحمل الثقيل ،لا تزيدي عليه ثقلا وتعيدي الكرة راسبة في صفك ...... هذه المرة ، اعفو عنك واسامحك ، لو عدتيها ثقي بالله ، سوف ابلغ والدك وانا اترك البيت الى الفندق لأن هذا العمل ليس من أخلاقي ولا يكون من صالحي أبدا .. كمن أصيب بصدمة قوية لا يتمكن من ردها ، كانت روناك صامتة وقد خسرت الجولة واعتراها خجل كبير لما فعلته ...اين هي من هذا الرجل ؟ الذي ينظر الى قرص الشمس في علوها تُعمَى عيناه ، لم تستطع اكمال دراستها جمعت أوراقها وبعين دامعة تركت الغرفة تحت تأثير تهديد مهند بابلاغ والدها عن فعلتها الشنيعة .......

(13)
المرآة ومكر النساء
لم تكن روناك فتاة باحثة عن الحب تسعى لاهثة خلف سرابه في الأزقة والشوارع والنوادي بل جاء الحب اليها نقيا فناغته وشع ّفي كيانها نورا وأملا فحاولت جاهدة أن تلقي بشباكها عليه لتحتفظ به لوحدها لا تشاركها فيه أخرى بيد أن هاجسا كان يمنعها الولوج والغور في شطآنه بعيدا عن ساحل أشجانه وأحزانه لا شوقا الى أمنه وأمانه ومن أين لها القدرة في كشف أسراره وكنهه الذي أعيى روّاده و قاصديه والراغبين فيه ...... كان ذلك الهاجس يتمثل في اثنتين :- الطبقية ، ليس من حقها ان تتطلع لما هو أفضل .. هل كُتِب عليها ان تولد فقيرة وتعيش فقيرة وتموت كذلك ما ذنبها؟ وقد ارتعشت فرائصها وخفق قلبها حبا وشوقا لهذا القادم ، فهل غناه يمنعه ان يتزوج فتاة مثلها ؟ الثانية :-العِرْقية :- هو عربي وهي من الكرد ولو سلّمت جدلا أن أباها وافق وليس من أبناء عمومتها من يعترض على هذه الزيجة ، هل ترضى عائلة مهند زواجه منها ؟ ربما تعتبر زواجه منها خدشا في نسب العائلة وقد سمعت من أبيها وزميلاتها في المدرسة حكايات كثيرة في منع هذا النوع من الزواج ووضع العراقيل في عدم تحقيقه ومن ثمة فشله .... بعد حادث الورقة لم تتمكن روناك كبح جماح مشاعرها اتجاهه خوفا من تهديده وحسب بل جعلها أكثر تعقلا في تعاملها معه .... ركنت عواطفها جانبا وان لم تستطع واتجهت الى دراستها ممتثلة بذلك لنصيحته ، نعم كانت نيران الغرام تحركها بين الفينة والأخرى ولكن ما العمل ؟ لا سبيل الى جني ثماره سوى الصبر .... اشتد الصراع في ذات مهند وبلغ ذروته ، روناك الزوجة المناسبة في نظره ، ها هي تحلو وتنضج كأن ماء الشباب يتلألأ في وجنتيها ، ما أجملها ! كأنها صورة من صنع فنان بارع – سبحان خالقها - هنا راوده شك تغلغل في داخله ، هل تخلو روناك وهي في هذا العمر من فارس أحلام ومن ترى يكون سعيد الحظ هذا ؟ لابد من معرفته و البحث عما تخفيه .. مرت به أيام وهو يتابع حركاتها وسكناتها داخل البيت وخارجه ...جاعلا من نفسه جاسوسا عليها يقفو أثرها وتلاحقها نظراته من بعيد فلم يجد في سيرتها ما يريب وأخيرا قرر أن يفاتحها في حبه شريطة ان يجعل من الحب حافزا ودافعا لاهتمامها في دروسها والتفكير الجاد في اكمال دراستها تحت رعايته ونظره ...... بعد انتهاء محاضرات الاخوة الثلاثة ليلا في غرفته ترك مصطفى وقمرية الغرفة وبقيت روناك كعادتها تكمل دروسها وتهيئ مفردات منهج اليوم التالي حتى اذا سكن الليل وهدأت الحركة ومهند مضطجع على فراشه يقلب صفحات كتاب بيده وعيناه لا يفارقان روناك يحدق في وجهها بين الفينة والأخرى سائلا نفسه حان الوقت لمصارحتها قبل ان يخطفها فتى آخر قبله وقد انسل شك في ذاته يثير حفيظته من يدريك انها تفكر بشاب من أترابها ..... خاطبها بهدوء ورقة :- ــــــــــــــ روناك ، في ذهني موضوع بودي ان تسمعيه ،قالت :- تفضل ،يا استاذ ، قال :-
ــــــــ ربما انا ظلمتك وتجاوزت بعض الشيء في كلامي و ارجو ان تحمليني محمل حسن ثقي ان غايتي نبيلة هي من باب الحرص على أمانة الوالد .
أجابته بجفاف وعينها في كتابها لم ترفع رأسها اليه :-
ــــــــ هذا موضوع انتهى ،استاذ ، واعطيتك وعدا ان لا أكرره ثانية.
ــــــــ اسمحي لي ان أكون صريحا معك كأخ كبير. قالت :- تفضل انا أسمع .... قال :-
ـــــــــ روناك ، هل في حياتك رجل ؟
ـــــــــ لا أفهم ما تعني ، أي رجل ؟
ـــــــــ هل تعيشين حياة الحب مع شاب تعريفينه ؟
ـــــــ ( باستغراب) :- حب ما معنى الحب؟
ـــــــ عندك علاقة مع شاب ؟ .
ـــــــ انا لا أعرف أحدا وليس عندي علاقة مع أحد .
اجابتها لم تقنعه وأخذ يردد مع نفسه كلمات سمعتها روناك :- هذا غير معقول فتاة في عمرك لا تعرف الحب .
ـــــــ ( قالت بحزم) :- لا .
ــــــــ روناك ، افهميني ،انا أريد ان اساعدك ، وليس لدي أي نية سوء معك ، اذا كان في حياتك شاب انا مستعد لتقديم المساعدة لكما بقدر ما أستطيع من أجل زواجكما واحاول جاهدا اقناع الوالد وعائلة الشاب بالزواج........
أدركت روناك ان الوقت قد حان لصيدها المنتظر فلتُلقِ بشباكها عليه ولتثر فيه غيرة العشاق هو ذلك الشاب الذي ملك كيانها ولكنه تعالى ولم يعرها اهتماما وجاءها الآن سائلا مستفهما يدّعي مساعدتها لا بدّ ان تفهمه ان الحب لا يوقفه حاجز ولا تمنعه طبقية وتاريخ العشاق حافل بكثير من الحكايات بهذا الاتجاه . استمر يحدثها وهي غارقة في صمتها ، هذه هي نقطة البداية في حبها ، هل تتمكن من استثمارها بنجاح ...
ــــــ ـ( استمر في حديثه ) روناك ، كوني صادقة معي ان كنت تحبين شابا قولي سوف أساعدك ، والله ...
ـــــ نعم ، نعم ،يا استاذ ، انا أحب شابا ولكن ما الفائدة ؟
فعلت هذه الكلمة في كيانه ما لا تفعله نيران نيرون في فرنسا اشعلت الغيظ والحقد في نفسه ، احمرت وجنتاه ، لاحظت الارتباك الذي اجتاحه كالسيل ، تمالك نفسه قليلا ثم قال لها :- من هذا الشاب ؟ قالت :- شاب في المنطقة أحبه ويحبني ولكن ... قاطعها قبل ان تكمل جملتها :- تلتقين به وتكلمينه قالت :- نعم ، اكلمه وألتقي به دائما .. قال :- في الشارع ، في البيت قالت. بثقة :- في كل مكان حتى في بيته . لم تكن نظراته لها كما كانت قبل قليل ها هي تقدح نارا وغيرة راح يردد مع نفسه :- لا أمان لبنات حواء ، حتى انت ياروناك تعبثين بشرف وكرامة عائلتك وطال صمته ..... رأت روناك انها بلغت ما تريد ،كسرت الصمت بقولها :- اعتقد ،يا استاذ ، ان أمر زواجي منه صعب قال :- لماذا ؟ قالت :- انه رجل غني وانا فتاة فقيرة حتى اذا هو كان راغبا في الزواج مني ، بالتأكيد أهله يرفضون ذلك مع ايماني انه يحبني وانا احبه ...... دفعته الغيرة لمعرفة الشاب وكيف تمكن من اغراء روناك ؟ قال :- استطيع ان أتعرف عليه فالت :- نعم بامكانك ان تعرفه احيانا تجده في الزقاق أمام البيت في مثل هذا الوقت يأتي دائما ... ترغب في معرفته ؟ تعال معي . نهضت ونهض مهند طائعا من فراشه وكأن أمرا صدر اليه .... قادته وقد استسلم لها تماما. وقفت عند باب غرفته ، رجعت الى الخلف أوحت له انها لا تخرج من الباب قبله احتراما وهو الرجل والاستاذ ، ثم قالت :- تريد ان تراه الآن ؟ قال جادا :- نعم ، اريد ان أراه .... ببطء ورقة مسكته من كتفيه وجعلته باتجاه مرآة معلقة على جدار الغرفة جانبا ظهرت صورته على سطح المرآة قالت وهي مبتسمة :- ان كنت تريد ان تعرفه ، هذا هو (وأشارت الى المرآة ) .......خرجت من الغرفة بسرعة ضاحكة فرحة الى ساحة البيت الداخلية فقد حققت هي ما تريد ونجحت تاركة اياه لوحده يدمدم :- لعنها الله لقد خدعتني ، تركتني ساعتين وأكثر أحترق ، عاد الى فراشه وهو يسترجع ما دار بينهما وأيقن انه يحبها فعلا والا لماذا هذه الغيرة من رجل وهمي واتخذ مع نفسه قرارا ،وسلطان النوم يداعب جفنيه ان يفاتحها بحبه لها .......


(14)
رد الجميل
بدا الأمر جليا لمهند فقد سلبته روناك لبه من هنا لا مجال للتعالي والتكبر بل عليه ان يشرح لها هواه ويصارحها بمكنون سره .واذا جاءته غدا سوف ينشر أمامها أوراقه بصراحة .. ومثلها بهذا النقاء يجب ان يحافظ عليها وان يجهد نفسه في تعليمها وتثقيفها بما لديه من معرفة وكتب يفتح عينيها على أفاق واسعة مما حملته الينا البشرية من تجارب جمة ..ينقلها معه الى بغداد لتكون زوجته وحليلته يفتخر بما عملته يده من أجلها بحيث يجعل منها امرأة ناجحة بكل المقاييس .... أنهى ما ألزم نفسه عليه من واجب ازاء مصطفى وقمرية ثم جاء دور روناك حين اختلى بها لوحده .. قال :-
ـــــــ روناك ، انت ذكية أوصلت لي الرسالة مرتين ، انا أقول لك الآن بمنتهى الصراحة انا أيضا أحبك يا روناك .
طأطأت رأسها وبان الخجل على وجنتيها ولم تتمكن ان تجيب بشيء .... استمر مهند في حديثه:-
ــــــ أنا أكلت وشربت في بيتكم وأبوك حملني أمانة ثقيلة وانا ايضا عندي دين وضمير يبعدني ان شاء الله عن كل زلل وخطأ .. انا كل ما اتمناه ان تكوني لي زوجة المستقبل على سنة الله ورسوله ...
أجابته :- استاذ ،( قاطعها رافعا يده برفق في وجهها قائلا) :-
ـــــ قولي مهند ، اتركي كلمة استاذ، أحب ان أسمعها من هذه الشفاه الجميلة ....
ـــــ لا تنسَ،انا فقيرة ومن الكرد، هل توافق عائلتك على الزواج مني ؟ ــــــ الاختيار لي وأنا الذي أختار شريكة حياتي ( كلكم من آدم وآدم من تراب ) ما الفرق ؟ وما العيب في ذلك ؟
ـــــــ استاذ (رفع مهند يده معترضا ) بعض العوائل متعصبة في هذا النوع من الزواج، هل عائلتك منها ؟
ـــــــ لا تفكري كثيرا ، انا الذي أخطط لحياتي وأنفذ ما أريد . عليك ان تجتهدي وتدرسي الآن ، والزواج هدفنا البعيد ......
ضمت هذه الغرفة قلبين طاهرين نقيين يتطلعان الى مستقبل زاهر يحدو بهما أمل كبير الى تحقيقه ، امتزج الحب والعمل وشمرا ساعدي الجد ، ما اجتمعا يوما الا وذكّرها في مستقبليهما كان كثير المتابعة لها ساعيا الى توضيح ما غمض عليها من مفردات منهجها ..مرت بهما أيام ما أحلاها وأجملها ازدانت فيها روناك فتنة وجمالا .. هي كالبانة في حسن قامتها اذا تثنّت و لاشراقة خدها سحر يسلب القلب وفي فتور عينينها الناعستين ما يخجل الناظر اليها .... وهكذا يطويان أيامهما ويقتربان من نهاية العام الدراسي وقريبا ستواجه روناك الامتحانات العامة (البكالوريا ) وكل ما تسعى اليه ان ترضي مهندا بنتيجتها الامتحانية ،هذا ما تصبو اليه .. وها هي تتمتع بعطلة دراسية صغيرة قبل الامتحان للمراجعة والاعداد وعليه كانت تقرأ بجد و إمعان ليل نهار .... مع شعوره بصعوبة فراق حبيبته روناك الا انه بات يحنّ لملاقاة والدته واخوته وبشوق الى بغداد الجميلة وباقتراب الامتحانات النهائية للصفوف غير المنتهية تبدأ عطلته الصيفية اذ لا علاقة له بالمراقبة ولديه اعفاء من قبل مدير التربية ...... ها هي بغداد تلوح أمام عينيه وقد وعد روناك بموضوع خطبتها وان شاء الله سوف يعود في العام الدراسي الجديد يحمل معه هذه البشرى وعليها ان تريه ثمرة أتعابه .......... قبل مغادرته حلبجة الى بغداد بيومين جاءته روناك صباحا ناثرة شعرها مغبرة كئيبة باكية والدموع على خديها يرتفع صوت نحيبها بين لحظة وأخرى ...في البدء هاله ما رأى واذا بها تقول :-
ـــــ لا ،لا تذهب الى بغداد ، انا أخاف عليك ، أرجوك ، لا تذهب ،لا تركب السيارة ضحك مهند مستخفا من طلبها وقال:-
ـــــــ ما جرى ؟ كوني عاقلة ، أذهب مشيا على الأقدام الى بغداد ... ماذا أقول للناس :- حبيبتي روناك طلبت مني أن أمشي؟
قالت وقد ازداد نشيجها :- انا لست مجنونة ,مهند, افهمني ، أرجوك ان تسمع كلامي ، انا أخاف عليك ....
ـــــــ ما الموضوع ؟ أيّ شيء أبكاك ؟
ـــــــ انا لا أكذب عليك انا صادقة ، صدّقني يا مهند ،يا استاذ ، هذه حصلت لي مرتين ، الأولى تحققت ،والثانية حتما سوف تتحقق ، انا واثقة سوف تتحقق .... ليتها تحدث لي ولا تصاب بها انت .....
ـــــــ تكلمي يا روناك ، ماذا حدث حتى يتحقق ؟ ــــــ قبل سنتين جلست صباحا وقد انتابني خوف شديد هزّ كياني كنت أرتعش حتى أخمص قدمي انا خائفة من أين ؟ لا أدري ، أبكي وأصرخ وكأن شبحا مرعبا كامنا في ذاتي ،لا أعرف من أين جاء ؟ انه وهم بقيت هكذا ساعات الى ان هدأ روعي وذهب عني ما يخيفني ، وأهلي مجتمعون حولي يجهلون حالتي وليس بوسعهم ان يعملوا شيئا، كنت خائفة من أن يحصل لنا مكروه ، ولم ينته نهار ذلك اليوم حتى جاءنا خبر وفاة خالي في حادث سيارة ، كان خالي الرجل الوحيد من أقاربنا وقف الى جانبنا وساعدنا في محنتنا وفي فقرنا وفي مرض أبي... كان عطوفا وحنونا نحبه كحب والدنا وكان سند وعمود العائلة نعتمد عليه اذا اشتد أو مرت بنا أزمات حادة ولكن الزمن بخل علينا به وغادرنا الى عالم المغفرة رحمه الله ، البارحة عشت الحالة نفسها بل أشد منها وانا واثقة جدا ان مكروها سيقع لشخص أحبه أو يقع لي وليتني انا المعنية هذه المرة ولا يصلك ما يؤذيك .. أخاف عليك ان يصيبك مكروه ،وانت أملي ومناي ، أنت الذي منّ الله بك علينا ، أنت الآن بالنسبة لي كل شيء في حياتي (وبلهجة عامية متوسلة ) – فدوة - لا تركب سيارة ،أخاف ،أخاف ...... وبشيء من الجدية والعزم دون ان يخدش مشاعر هذه الفتاة الطيبة قال لها :- روناك ، اتركي هذه الأوهام وكوني عاقلة واستعيني بالله ..... تركها وذهب الى المدرسة يردد مع نفسه ما قالته ........ وفي ليلة المغادرة والوداع جاء أبو مصطفى الى غرفته حاملا معه هدية رد الجميل لعائلة مهند مما هو موجود في المنطقة " كمية من الجوز وعلبة كبيرة من العسل " بالتأكيد لم يكن أبو مصطفى نحالا ولا صاحب بستان لشجر الجوز ، تألم مهند ورأى انه أجهد نفسه .. بعزة و اباء لرد الفضل لمن ذكره بخير . قال له :- لا ، ياعم ، لماذا هذا كله ، قال :- لا يا ابني ، لعائلتك فضل كبير ، هم يستحقون أكثر واعذرني والحال واضحة أنقل تحياتي الى العائلة وبالأخص الوالدة أطال الله عمرها ،شكرَهُ كثيرا ...... في الصباح جاءته روناك تحمل فطوره وقد أكمل مهند رزم أمتعته وبعد تناوله افطاره ودع روناك قائلا :- نجاحك هديتي يا روناك ، استفيدي من الغرفة في القراءة ... قالت ودموعها على خديها :- أخاف عليك ، انتبه أكثر ، ابتعد عن السيارات .. ترك بيت أبي مصطفى متوجها الى مرأب القضاء قاصدا بغداد ....
[/font

يتبع






  رد مع اقتباس
/
قديم 07-02-2014, 11:42 AM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
محمد السويجت
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


محمد السويجت غير متواجد حالياً


افتراضي رد: رواية (روناك... دماء ودموع ) ح1

رواية (روناك ..... دمــاء ودموع)
تأليف :- محمد عبد اللطيف السويجت

(15)
الحلم والعام الجديد
لم تسمح له ظروف الدراسة وتصحيح دفاتر امتحانات نصف السنة من الاستمتاع واستثمار عطلتها القصيرة ...اما وقد انصرم العام الدراسي بكامله فمن حقه أن يعود من بعد غياب الى أهله وأقاربه ويلقي عن كاهله ثقل المسؤولية ويخفف ينابيع العمل والجهد الذي أثقله بين المدرسة وبيت أبي مصطفى ، نعم ، كان محبا لمادته واختصاصه ، نهاره في المدرسة يؤدي محاضرات نصابه او محاضرات اضافية وفي الليل اتخذ من غرفته صفا دراسيا متنوعا في المادة والمرحلة ........ جاء بغداد فاستوعبته عاصمة الرشيد بما فيها من روعة وجمال بشوارعها بأزقتها بحدائقها " كل ما فيها جميل ، هنا يلتقي بمن يحب من زملائه ورفاق الحي والدراسة . طالما اشتاق إليهم وتذكر أحاديثهم في حلبجة هو الآن معهم في غدوه ورواحه ..... ليلا مثواه شارع أبي نواس لا يتركه حتى ساعة متأخرة وفي الصباح قاطعا ساحة الميدان الى شارع النهر منتهيا بشارع السعدون ...... هكذا تمر به الأيام لاهيا عابثا ليس لديه الوقت في أن يفكر بمن تركهم في حلبجة ولم هذا التفكير؟!.... ربما يعكر عليه صفوة سلوته وحلاوة ما يعيشه من متعة ومسرة ثم لم يفِ لها بما وعد بأن يفاتح أهله لخطبتها فقد وجد أخاه الأكبر لم يتزوج بعد ولم يخطب فتاة أصلا فمن العيب أن يظهر رغبته في الزواج قبل أخيه الأكبر أمام العائلة .سكت ولم يذكر أمر روناك اطلاقا بل ذبلت تلك الذكريات في ذاته ولم تعد هي المحرك الأول لفتوته وشبابه . في بغداد الكثير الكثير مما يملأ الفراغ ويغلق أبواب الذكريات الفتية أمام عينيه وفكره .... كمرور سحابة ساقتها رياح عاصفة كحل عينيه برؤيتها غادرته عطلته الصيفية وقد استفاق يوما من غفوته على بدء عام دراسي جديد 62/1963م وعليه أن يعدّ العدة ويحزم أمره للعودة الى حلبجة من جديد ....واقعا ان مباشرة المدرسين والمعلمين في المدارس العراقية 1/9 من كل عام ولكونه غير ملزم بمراقبة الامتحانات النهائية بناءً على وصايا مدير التربية فقد اتفق مع مدير المدرسة أن يلتحق ويباشر في 17الى20/9/1962م ...... وعليه انطلق مهند لوحده هذا العام من مرأب النهضة قاصدا السليمانية وفي منتصف الطريق وفي منطقة متموجة كثيرة الطيات خالية لا أحد فيها أنفجر اطار السيارة الأيمن و كادت تهوي بركابها في الوادي لولا رحمة الله وقدرة السائق في السيطرة عليها ، ومن سوء الحظ لا يملك السائق اطارا احتياطيا مما دفعه الى اخراج الاطار المنفجر والذهاب الى أقرب قرية أو مدينة على الطريق لاصلاحه وقد أدت هذه العملية الى تأخر الركاب أكثر من ساعتين على قارعة الطريق وقد أخذهم العطش.... بعد انجاز عمله سار السائق بركابه بسرعة جنونية ليعوض ما فاته من وقت أو يرضي ركابه على الأقل ..... وما ان اقترب من المدنية وقد لاحت أبنيتها للناظرين وبانت من بعيد نقطة السيطرة المتقدمة في بوابة المدينة وبينما السائق لاهٍ في حديث مع راكبيه واذا بسيارة حمل كبيرة تزاحمه حاول ان يتخلص منها فلم يتمكن ،خرج عن الشارع المعبد لم يسعفه الحظ هذه المرة فانقلبت السيارة توفي واحد و أصيب الكثير من الركاب برضوض كانت اصابة اثنين منهم خطيرة ..... طلب الركاب من السيارات المارة ان يبلغوا نقطة السيطرة بالحادث لاسعاف المجروحين واعتمد آخرون ممن لم يتضرر كثيرا على السيارات المارة في نقلهم واحدا واحدا أو اثنين اثنين الى المحافظة وهناك من سار مشيا على الأقدام الى نقطة السيطرة حيث تجبر السيارات القادمة على مساعدتهم .... لم يكن مهند قد تضرر كثيرا في هذه الحادثة ، شعر بألم بكتفه الأيمن وساقه اضافة الى تمزق قميصه وتلف بنطلونه ..... في نقطة السيطرة أبدل ملابسه وحمد الله على سلامته .. وتذكر حينها ما قالته له ...روناك :- انها تخاف عليه من السيارة ، ما أشد رغبته الآن ان يصل بيت أبي مصطفى ويخبرها بصدق رؤياها وما حدث له كاد يودي بحياته فعلا . أوصلته أحدى السيارات العابرة الى مرأب المحافظة .. بعدها قصد فندق العراق ليقضِ ليلته ويصلح من أمره وقد غابت الشمس ولفّ المحافظة الظلام ، أخذ منه الجوع مأخذا فلم يذق طعاما منذ الصباح ... دخل الفندق فكان ما لا يتوقع ......


(16)
متهم بلا منافس
بعد رحلة شاقة وطويلة وطأت رجل مهند عتبة باب فندق( العراق) في السليمانية، واذا بصوت من داخل الفندق عاليا يصكُّ مسامعه كمن يبحث عن شيء مفقود وقد عثر عليه تواً ، كان ذلك الصوت لصاحب الفندق :- هذا استاذ مهند ، الآن وصل .... الحمد لله . دخل الصالة وسلّم على من في داخلها ، كان تعبا مرهقا يغالب ما يشعر به من ألم في ساقه باعتدال مشيته ..... سأل صاحب الفندق :- خيرا ، يا استاذ ، الحمد الله على سلامتك ...... أجابه مهند :- الحمد لله ، وقع لنا حادث، انقلبت السيارة على حافة الوادي لولا رحمة الله لانتهينا جميعا .... سأله صاحب الفندق :- هل حدثت اصابات ؟ أجابه :- توفي واحد وجرح آخرون اصابة بعضهم خطيرة .. قال:- وانت كيف وضعك ؟ اجاب : أفضل بكثير من الآخرين أشعر بألم في ساقي .... أعطاه مفتاح أحد الغرف وقال له :- قبل ان تخرج من الفندق تأتيني هنا ، لديّ معك شغل ، أمر مهم . سأله مهند :- تفضل ، قل ما لديك ؟ قال :- اذهب وغسل وارتاح بعد هذا نتحدث ..... ذهب مهند الى غرفته ،دخل الحمام وارتدى ملابسا أخرى في نيته الذهاب الى المطعم القريب من الفندق فقد بلغ منه الجوع مبلغا ... رجع الى الصالة ومعه مفتاح غرفته وضعه في مكانه على لوحة المفاتيح وهمّ بالخروج ولكن صاحب الفندق ناداه :- استاذ ،أين ذاهب؟ أجابه :- الى المطعم أأكل لقمة ما أكلت منذ الصباح ...
_ لا أسمح لك أن تخرج اطلاقا. اجلس هنا وكاكا حمه يأتي لك بالعشاء .. قال مهند مبتسما : هل عليّ حجز ؟
اجابه :- نعم ، يا استاذ من الساعة التاسعة صباحا حتى قبل ان تأتي بدقائق ودكتور محمد يسأل عنك لم يترك الفندق الا قليلا يذهب فيها الى المرأب وسرعان ما يعود بحثا عنك . طلب مني ان لا أتركك تخرج حتى يأتي هو وأنا أنفذ أمر الدكتور ...
قال مهند :- ماذا يريد مني ؟ أجاب :- والله ، لا أعلم ولكنه يريد ان يتكلم معك بأمر مهم كما يقول (وبلهجة آمرة ) اجلس هنا يا استاذ ، نادى على كاكا حمه – فراش الفندق – ان يأتيه بالعشاء .....
بعد لحظات يدخل دكتور محمد يسلم على مهند بحرارة ويعانقه ويحمد الله على سلامة وصوله سأله مهند مستفهما :- خيرا ، يا دكتور ،ماذا حدث ؟ قال الدكتور :- شيء بسيط ، لا داعي للقلق واستمر الدكتور في حديثه مخاطبا مهند :- في أيّ غرفة أنت ؟ قال مهند غرفة رقم (7) أخذ الدكتور المفتاح من اللوحة
وقال :- تعال معي نسترح قليلا . قال مهند :- انا جائع ما أكلت منذ الصباح .. صاحب الفندق من مكانه قال :- كاكا حمه يأتيك به الى الغرفة . قال الدكتور :- نفرين أنا واستاذ مهند بلا زحمة .. ذهبا معا الى الغرفة فتح الدكتور الباب ووقف جانبا ثم مدّ يده بسخرية واضحة ( وقد بدا عليه الغضب وعدم الارتياح ):- تفضل يا أصيل ، أدخل . غلق الباب من الداخل وتسمر واقفا ينظر الى مهند بغضب ، اما مهند فقد جلس على أحد الأسرة . وبلهجة عامية فيها من الندم والحسرة الكثير قال الدكتور :- ليش ، يا مهند ، انت الاستاذ المثقف المدرس مربي الأجيال تعمل هذا العمل المشين . مو عيب ، عملك الخسيس والدنيء هذا لا يعمله الواطي كيف تجرأت وعملت هذا العمل .....
مهند مستغربا :- أيّ عمل ؟
استمر الدكتور في كلامه :- استاذ – والله – كلمة استاذ أسمى وأنبل من ان تطلق عليك ، استاذ كلمة كبيرة . مهند ، انت غبي ام تتغابى ، لو تتصور انا قشمر ممكن ان تضحك علىّ، قبل يومين فقط سمعت بفعلتك القبيحة هذه وانا أشعر بالندم وأعض على أصابعي كيف سمحت لنفسي أن أُدخل رجلا وضيعا عديم الأخلاق مثلك على بيتي وان تأكل وتشرب وتتحدث مع عائلتي ، هذه غلطة كبيرة لا أغفر لنفسي ارتكابها ..يا حقير ، يا تافه قل لي :- كيف سوّلت لك نفسك ان تفعل هذه الفعلة الشنيعة ؟ ، ما أثرت فيك الكلمة الطيبة . كيف تواجه ربك غدا ؟ .....
ترك مهند الدكتور يتحدث وهو ساكت صامت لا يتكلم ببنت شفة ،شارد في فكره يراجع صفحات تاريخه لم يجد نفسه قد فعل أمرا عصى به الله تعالى أو خالف أعرافا أو تقاليد المجتمع.. والدكتور ما انفك يلصق به كل مفردة تحمل معاني الدناءة والحقارة والرذيلة حتى فاض كيل صبره ولم يحتمل المزيد عندها وقف بوجه الدكتور قائلا :-
ـــــــ دكتور ، لهذا الحد وكفى انا لا أسمح لك اطلاقا ان تنهال علي بالسب والشتم و الاهانة على شيء لم أعرفه ولا أدري ما هو . أرجوك قل لي ما الموضوع ؟ قال الدكتور باستهزاء :- مسكين ، ما تعرف أي شيء ، أي عمل قبيح فعلت ؟ والله أحقر الناس يربأ بنفسه ان يعمل كهذا العمل . والله ، لا أجد في قاموسي كلمة تعبر عن حقارة ما فعلت ...
صفق مهند مستهزئا و وقال :- دكتور ، تصلح ان تكون خطيبا .
قال الدكتور :- لعلمك لولا العلاقة الطيبة التي تربطنا – انا الآن نادم عليها – ولكن ما العمل ؟ أبناء القضا ء كلهم يعرفون مهندا والدكتور أصدقاء وأكثر من الأخوة انا الآن أستحي أن أواجه الناس أكثر منك يا نكرة ... قال مهند :- أرجوك لا تدفعني أن أقدم على عمل أندم عليه يكفي اِهانة ..قال الدكتور :- أنت لو تعرف الندم ما كان عملت
قال مهند :- أرجوك ما الموضوع ؟
ــــــــ اسمع . يا استاذ ، انا تركت اليوم الدوام الرسمي من أجل ان أبلغك كلمة واحدة وارجع فالعائلة والدائرة بانتظاري لمصلحتك وحفاظا على حياتك ..
ــــــــ أيّ كلمة ، أخرج هذه الدرة .
ـــــــ لا تصل الى حلبجة . تبقى في الفندق وغدا صباحا , ان شاء الله ، أأتي ونذهب سوية الى مديرية التربية ندبر أمر نقلك .
ـــــــ ما السبب ؟ هل أختلقوا عليّ مخالفة قانونية في المدرسة أو مع الطلبة .
ـــــــ لا ، رجعنا الى المناورة من جديد ، أنت تستغفلني ، انا دكتور وهذه مهنتي ،
ـــــــ عذّبتني يا دكتور ، قل لي أرجوك ماذا حدث ؟
ـــــــ مهند ، ليش دمرت حياة هذه البنت المسكينة .
قاطعه مهند قائلا : أي بنت ؟
ـــــــ البنت التي كنت تذكر لي دائما جمالها وحسن قوامها وعقلها وصفاتها الطيبة و تذكر حبك وميلك اليها ، ما حدا مما بدا ، تختم حكايتك معها بهذه الصورة القبيحة .
ـــــــ تقصد روناك .
ـــــــ نعم ، هي بعينها . لم يصبر مهند ليكمل الدكتور حديثه قال بألم :- ماتت
ـــــــ يا ليتها ماتت وأخذت معها عارها وتركت ساحة أبيها وامها شريفة نظيفة ناصعة .
ـــــــ وضح لي يا دكتور رجاءً
ـــــــ قبل يومين أسقطت روناك طفلا غير شرعي لقيط ، فهمت ، ولا يوجد أي شخص متهم بهذه القضية سواك .العائلة شريفة ملتزمة لم تقم علاقة مع أحد ولم يدخل بيتهم رجل غيرك والبنت رهينة البيت ليس لها علاقة بأي شاب ..أنت الشاب الجميل والوحيد في بيتهم ... ولو سألتني أنا من المتهم في هذه القضية أجبتك وأنا مطمئن :- انت صاحب هذه الفعلة الشنيعة انت المتهم الأول .
ـــــــ دكتور ، تعتقد أنا بهذه الوضاعة أسيء الى شرف عائلة ،انا أحد أفرادها .
ــــــ ومن يجرأ ان يفعل هذا غيرك ، انت شاب وهي شابة مراهقة تجلسان في الغرفة وحدكما حتى ساعة متأخرة من الليل (هزّ يده استخفافا ) والشيطان ثالثكم ، هذا انا الذي قلته أم انت . تراخى مهند في فراشه واتكأ على حافة السرير وشعر بطعنة غدر قاتلة تعبث في أعشائه ، فعلتها روناك لتجعله الضحية " لعنها الله " كيف وهو لم يفكر ولن يفكر ولو للحظة واحدة ان يخدش او يمس بسوء شرف وكرامة الرجل الذي آواه وفتح له بيته وأمّنه على عياله وأغدق عليه من عطفه وكرمه . كيف حدث هذا ؟
طال صمت مهند وأعيته الحروف ألجمت فمه كلمات زميله الدكتور ... لم يمهله الدكتور طويلا قال له :- انا على عجالة ، لا بدّ من عودتي الآن الى البيت. أكرر قولي ،عليك ان تبقى هنا في الفندق وسوف أساعدك بقدر ما أستطيع في نقلك الى مركز المحافظة ..
ــــــ لا ، يا دكتور ، يجب ان أذهب الى حلبجة غدا ، عدم ذهابي يعني اعترافي الضمني بأني انا المرتكب لهذه الجريمة وانا الفاعل - والله يشهد بأني بريء
ــــــ عجيب ، يا مهند من يفعلها غيرك ؟
ــــــ والله ، ما عملت سوءً ولا فكرت في ذلك .....
ـــــــ البنت اعترفت واعترافها وحده يكفي لادانتك .
ـــــــــ ما تقول ؟ اعترفت .
ــــــ نعم ، اعترفت بأنك انت صاحب الفعلة القبيحة هذه .
ــــــــ بالله عليك ، هي هي قالت لك .
ــــــــ نعم ، هي قالت ، ليس لي وانما للآخرين .
بأشدّ ما أمكن من الاستغراب قال مهند :- الآخرين !
ـــــــ قبل أربعة أيام دخلت غرفتي في المستوصف المضمدة صبيحة وطلبت مني أن أصرف لها ابرة اسقاط حمل ، استغربت لطلبها رفضت الطلب وزجرتها خرجت تردد كلمات لم أفهمها ، لكنها في اليوم الثاني أعادتْ الى الطلب من جديد ورفضتُ كالعادة بيد انها خاطبتني هذه المرة بلهجة فيها من التهديد والوعيد ما لا يخفى وقالت :- دكتور ، انقذ سمعة صديقك وربما يصلك شرار هذه الفعلة ــــــــــــــ مهند !!!
- نعم ، هو الذي أغرى هذه الفتاة المسكينة روناك وخطف شرفها، احتمال كبير أغراها بالمال والا من أين لها عشرة دنانير؟ أعطتني البارحة عشرة دنانير من أجل اسقاط الجنين .....وقع عليّ الخبر كالصاعقة أربكني...واستمرت صبيحة تسرد لي الحكاية قالت :- جاءت روناك وامها الى بيتنا أمس قبل الغروب في حالة تُبكي الحجر حالة تعسة مزرية الى أبعد الحدود الأم تصرخ وتلطم على وجهها والبنت مصفرة وكأن الموت يناجيها عن كثب وهنَّ يرجون مني ان اساعدهن في الخلاص من الطفل وقد اعترفت البنت أمامي وأمها بأن الفاعل مهند الخسيس.... لا أخفيك كنتُ حيران ، موافقتي على صرف الابرة بهذا الشكل يخالف شرف المهنة ولكن ماذا أفعل؟ بين انقاذ شرف العائلة وحياة صديق وبين المهنية ..واخيرا وافقت على مضض وأعطيتها الابرة وأخبرتها بأنه لا علم لي بالقصة اطلاقا وعصر ذلك اليوم بالتحديد جاءتني بالجنين وقد رأيته بعيني .......
سأله مهند :- كم كان عمر الجنين يا دكتور ؟
ــــــــ شهر ونصف الى شهرين لا يتجاوز ذلك اطلاقا .
قال مهند ( بعتب ):- يا دكتور تقول :-انا ذكي وصاحب اختصاص كيف تخطأ وتعتبرني أنا الفاعل وتكون عليّ وليس معي وانا صديقك ....
ــــــــ يعني انت بريء ، مستحيل كل الأدلة متوفرة ضدك اضافة الى اعتراف روناك نفسها ، كل هذا يؤكد انك الفاعل لا مجال للانكار
ــــــــ اذا كان عمر الجنين – كما تقول – شهرين كحد أقصى ، كيف أكون انا الفاعل وانا غير موجود في القضاء في هذه الفترة وأتحداك ان تأتي بشاهد واحد يؤيد بأنه رآنني في حلبجة خلال هذه الفترة ولديك سجلات الموظفين في كراج (مرأب) السليمانية والقضاء لتتأكد منها ..تركت القضاء يوم29/5/1962م قبل بدء امتحانات الصفوف المنتهية(البكالوريا) وبعد انتهاء امتحانات الصفوف غير المنتهية مباشرة وعدت اليوم 18 /9/ يعني أربعة أشهر أنا بعيد عن القضاء لو ان الأمر وقع في ليلة ذهابي .
ـــــــ ( بعد صمت قصير وكان يتحدث بصوت منخفض ):- بأيّ حال من الأحوال لا يتجاوز عمر الجنين على شهرين اطلاقا. لا يمكن ان يكون بعمر أربعة أشهر أبدا
ــــــــ اذن ، انا بريء يا دكتور .
ــــــــ البنت اعترفت انت الفاعل ،فلا تنفعك شهادة الدكتور ، وعلى افتراض اقتنع القاضي والدولة بما تقول فمن يقنع العشائر بفعلتك . على كل حال ، أأتي غدا لنكمل اجراءات النقل .
ـــــــ لا ، يا دكتور ،عدم ذهابي يعني اعترافي بارتكاب الجريمة يعني انا المجرم ، وهذا لا يمكن ، أذهب ولو قتلوني ... انا بريء والله أعلم .
كان كاكا حمه قد أحضر العشاء الى الغرفة وركنه جانبا ، أدرك الدكتور انه كان قاسيا جدا مع مهند غير ان حبه له واحترامه للعلاقة الطيبة والصداقة هي التي دفعته ان يتحدث معه بهذه الحرقة والألم وكذلك ان يترك عمله ويأتي الى المحافظة حرصا على حياته وليبلغه ما حدث لعلهما يجدان الحل للمشكلة . قرّب الطعام وقال :- نأكل الآن العائلة بانتظاري وقد تأخرت كثيرا وانت جائع ، تفضل .... حاول الدكتور حث مهند على الأكل ولم يعر مهند أهمية للعشاء وقد عزفت نفسه عنه تما ما وشعر بانقباض شديد واسى عميق لما لصقت به من تهمة لم يرتكبها . حياءً من الدكتور شاركه في الجلوس امام المائدة وأكل قليلا ...... قبل ان يغادر الدكتور الفندق قال لمهند :- اذا كنت مصرا على الذهاب الى حلبجة ، فلا تدخل بيت أبي مصطفى حتى تزورني سواء في المستوصف أو العيادة ، لا تنسَ .. ألتقيك هناك .... ثم ودعه على أمل اللقاء في اليوم التالي .......

(17)
رهينة الجن
عاد الدكتور الى بيته وهو في حيرة من أمره بين دليل مهند في عدم تواجده في القضاء خلال فترة الحمل وبين اتهام روناك له في حين أكدت صبيحة هذه التهمة بل كانت واثقة من صحتها فقد سمعتها من فم أم روناك وروناك ذاتها ومما يؤيد هذه التهمة ويعضدها ان مهندا يسكن معهم في البيت وكثيرا ما يختلي بها في غرفته ناهيك انه كان معجبا بها وأخلاقها وقد فاتحها في حبه ويرى فيها زوجة المستقبل المثالية . هذا ما كان يذكره مهند للدكتور قبل ذهابه الى بغداد..ان لم يكن هو الفاعل فمن الفاعل ؟ جاء مهند الى حلبجة وعاش أزمة نفسية حادة ضاق خلالها ذرعا باحثا عن سكن بدلا من الفندق وما فيه من متاعب وصعاب ولم يأوِه أحد سوى عائلة أبي مصطفى وهل عمله وجريمته رد احسان الرجل الطيب وفضله....... أغلق مهند عليه باب غرفته ورمى بثقل جسمه على أحد الأسرة يتقلب على فراشه تقلب السليم على جمر الغضا . طُعِن مرتين الأولى في حبه طعنةً غادرة لئيمة خانته روناك ولم تكن صادقة معه في حبها، تُرى ، من هذا الذي أغراها وأبعدها عنه بالتأكيد شاب كردي من قوميتها فضّلته عليه ربما هذا هو المسوغ لها في انصرافها عنه ...لماذا لا تتزوجه بعيدا عن العار والشنار .... أخذ يردد مع نفسه " عاهرة لا أمان لها ، هنَّ هكذا دائما".......... اما الطعنة الثانية ، التهمة التي نالت من شرفه وكرامته ، لماذا لصقتها به ؟ ثم كيف تجرأت روناك وامها ان يكذبا عليه وهنَّ على علم ويقين بانه لم يكن الفاعل؟ ......... لم يغمض له جفن تلك الليلة يصطرع مع الأفكار والأفكار في صراع معه هنا وهناك دامع العينين مجهد القلب ، ماذا يقول للناس لو أصرت روناك على تهمته ؟... وأيّ شخص لا يُصدّق هذه الفتاة البسيطة البريئة وهو الموظف العربي الوحيد الذي يسكن مع عائلة كردية ، عائلة طيبة محترمة يحترمها أهل حلبجة جميعا ويجلّها لمعدنها النبيل وحسن سلوك وتصرف أفرادها ؟....... وأي عاقل فيهم يفكر بعمق بحثا عن الحق ويقف عند عمر اللقيط شهرا كان أو أكثر ، لا شك ان أصابع الاتهام تشير عليه وحده لا غير . هذه ضريبة حصوله على غرفة ......
حلّ الصباح وأدرك مهند ان المواجهة بدأت عليه ان يثبت للجميع براءته ان كان هو المتهم بلا منافس " المتهم بامتياز" هو عازم على الذهاب الى حلبجة حيث يصطرع الخير مع الشر ويخلع الباطل ثوب برائته ليلبسه جريمة الزنا ... بقلبٍ منكسر نهض من فراشه وذهب الى الحمام وشرع يُرتّب حقيبته استعدادا لمغادرة مركز المحافظة الى القضاء الى مصيره المجهول . كان يتطلع في وجوه الركاب القاصدين حلبجة في المرأب هل فيهم من ينظر اليه نظرة شك وريبة،كان كل شيء طبيعي لم ير في نظرة الناس اليه او سلامهم عليه ما يريب . كل من صادفه من أهل حلبجة يبادره بالسلام وينحني له قليلا احتراما ، وهذا ما اعتاد عليه أخواننا الأكراد في تحيتهم . لم يلاحظ في مرأبها ما يثير قلقه بل على العكس كان يحظى باحترام وتقدير وقد انبرى بعضهم لمساعدته في حمل حقيبته بيد انه يرفض ذلك ويفضل حمل حقيبته بنفسه ... اتجه الى المدرسة وبعد جلسة قصيرة مع كادرها تذكر طلب الدكتور أن يزوره في المستشفى قبل ذهابه الى بيت أبي مصطفى استجاب لرغبة الدكتور ولم يكن المستشفى بالبعيد زار الدكتور ورحب الأخير به وأبلغ الدكتور بأنه لم ير لحد الآن ما يدعو للقلق ولا يدري ما مدى مصداقية ما سمع ....قبل ان يترك الدكتور متجها الى بيت أبي مصطفى أعطاه علبة أقراص مهدئة وقال له :- اذا شعرت بارهاق شديد وشد عصبي خذ قرصا واحدا فان لم ينفع فخذ الثاني .... وما ان اقترب من الزقاق حتى خرجت العائلة بما فيهم الأب لاستقباله ما عدا روناك وامها التي لم يرها الا في أيامه الأولى يوم دعوتهم اياه لشرب الشاي في غرفة العائلة ولم يكلمها اطلاقا. رافقوه الى ان ادخلوه غرفته كانت الغرفة مرتبة ونظيفة نسبيا أحاطوا به كالسوار بالمعصم سألوه عن أهله ووالدته وصحتهم شكرهم على ذلك .....بعد جلسة قصيرة سألهم عن نتائج الامتحانات النهائية للعام المنصرم فكان جوابهم ان الجميع نجحوا وان روناك كانت الأولى في القضاء .... فرح لذكرهم اياها وقال مستفسرا عنها :- اين هي؟ اين روناك ؟ .......سكتوا جميعا وقد طأطؤوا روؤسهم هنيئة ثم كسر الأب الصمت قائلا :- يا بني ، سوء حظ هذه البنت ، سقطت من سطح الغرفة وقت الغروب ،كانت تجمع الحطب ، أصيبت بجروح في رجلها اليمنى ورقبتها..... قاطعه مهند:- تحتاج دكتور ، انا أخذها الى المستشفى ، الى لمحافظة، الى أي مكان ، المهم شفاؤها ... استطرد الأب في حديثه :- لا ، يا ابني ، المسألة أكبر من هذا ، عندما سقطت وقعت على جن - هكذا يقولون – وتلبسها هذا الجن وهي الآن مجنونة ، حالتها يرثى لها تبكي ليل نهار تفزع من كل شيء،وتصرخ عند سماعها أي صوت أرسلناها الى الدكتور ولكن بلا فايدة ، (هي مو طبيعية ).. وضعها يؤذي المحب والعدو ، تتألم اذا رأيتها ...... طلب الأب من أبنائه ان يتركوا الغرفة ليأخذ مهند راحته ، بقي وحيدا يفكر بعمق لا يدري من الصادق الدكتور في اتهامه له ام أبو مصطفى الأب في حديثه عن ابنته ومرضها..ترك جفنيه يخلدان الى النوم قليلا ثم لينظر ماذا يخفي له القدر ؟!

يتبع






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:02 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط