|
⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
06-04-2017, 08:55 PM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
الحريق
كان نائما، مسترخيا. و قد تمدّد على الأريكة وسط الغرفة الفسيحة. خيّل إليه إنّه يحلم. أنه يسمع أصوات عالية و يشمّ روائح قويّة نفّاذة تتسرّب إلى أنفه و صدره فيشعر بالاختناق.
اختلط عليه الحلم بالواقع. تحرّك. تململ. فتح عينيه مذعورا. فرأى سحابة من الدخان تغطي الغرفة و قد تصاعد اللّهب في الفضاء. هبّ واقفا. النار تنتشر هنا و هناك. تراءى لهيبها يضيء المكان. النار تزداد عنفا و ضراوة. تلتهم كل ما يعترضها من أمتعة و أثاث. فتسمع لذلك طقطقة تقشعرّ لها الأبدان و تثير الرّعب في النّفوس. الحمرة تغطّي المكان. اللّهيب المستعرّ أحمر و أصفر. قفز سريعا نحو الباب ينشد منفذا للنجاة. لكن لا منفذ. الباب غدا كتلة من اللّهب المتّقد. جرى نحو النّافذة. فألفاها هي أيضا نارا. سعيرا ينذر بالنهاية المحتومة. ازداد الدّخان كثافة. تعذّرت الرّؤية. لا شيء إلّا السواد و الحمرة و قد تداخلا و امتزجا في لوحة سرياليّة بل في لحن جنائزيّ. النار تزداد اقترابا من الأريكة و هو يزداد تراجعا نحو الجدار. لفحته النّار. لسعت أطرافه. صهدت وجهه. ازداد التصاقا بالجدار. أراد أن يصرخ فلم يقدر. غاص صوته في أعماقه. أراد أن يهرب فلم يقدر. شلت أطرافه و تيبّست. استجمع قوّته و عدا نحو الشرفة. نظر، فصعق للمشهد: المبنى كلّه يحترق و يتداعى. الشرفات و النوافذ غدت كتلا متأجّجة حمراء و صفراء. الأبواب تداعت و تهاوت. النار تلتهم أطرافه. لم يتحمّل اللّفح. فقفز و ألقى بنفسه من الشّرف. طار الجسم اليافع الملتهب و ارتطم بالأرض الصلبة. تهاوى كرة من نار، شعلة مشعّة لهيبا، و الصرخات تمزّق الفضاء، صرخات دامية تنزّ ألما و وجعا. النار تزداد اضطراما في الجسم الفتيّ. نار على نار. نار تأكل نارا. نار تلتهم نارا. الجسم يتفحّم و الوجه قد اسودّ و الأطراف قد تيبّست. السّواد يغطّي المكان. النار خمدت. و لم تبق إلا خيوط الدّخان تتصاعد هنا و هناك و بقايا رماد تذروها الرّياح و تعبث بها. ذرات صغيرة تتطاير هنا و هناك. النار أحرقته. دمّرته. فغدا عدما و فراغا. رمادا منثورا. و احترق معه قلب زوجة ثكلى. يومها شكا من بعض الإرهاق، فتركته بعد الغداء يستريح قليلا و غادرت المنزل متجهة إلى عملها. تركته هناك في الغرفة الفسيحة ينعم بالرّاحة و الهدوء و السكينة و ما درت أنه كما الهشيم سيحترق. و أن بيتهم، وكرهم الجميل، فردوسهم الرّائع سيصبح يوما جحيما، فرنا يصهر فيه زوجها الحبيب. و أن ضحكاتهم و همساتهم بين أرجائه ستتحوّل يوما إلى صرخات ألم و ذعر تمزّق الفضاء. و تنعى قلبا كبيرا حنونا أحبّته و أخلصت له. و أنّ ذلك الأنس الذي طالما رفرف على البيت السعيد سيصبح وحشة تتغلغل في الأعماق و الأحداق. و أنّ تلك النّسمات الرّقيقة اللّطيفة التي طالما هبّت عليه تتضوّع شذى و حبّا و ألفة ستغدو هجيرا لافحا و سعيرا حارقا. و أن ذلك الصّدر الحنون الذي طالما ضمّها إليه برفق يحميها من غوائل الدّهر و يشعرها بالأمان و القوّة و الأمل سيصبح حطاما و هباء منثورا. |
|||
06-04-2017, 09:14 PM | رقم المشاركة : 2 | ||||
|
رد: الحريق
ملامسة أولية
نص زاخر أعجبني موتى لك
|
||||
06-04-2017, 11:16 PM | رقم المشاركة : 3 | |||
|
رد: الحريق
الشكر الجزيل للأخت فاطمة على هذا المرور.
ننتظر منك قراءة معمقة تزيد النص ثراء و بهاء. كل الود و التقدير |
|||
07-04-2017, 08:40 AM | رقم المشاركة : 4 | ||||
|
رد: الحريق
سرد ماتع ووصف دقيق لمشهد (الاحتراق) ومحاولات
الخلاص اليائسة والتي لم تفضي إلا الى ما هو أبشع. الأديبة المكرمة رشيدة الفارسي دمتم ودام المداد اجترامي وتقديري
|
||||
08-04-2017, 03:49 AM | رقم المشاركة : 5 | |||
|
رد: الحريق
الصديق الكريم الشاعر محمد البديوي
شكري بلا حدود على الحضور الوارف. سرني أنك هنا تشرف نصي بمرورك الحاتمي. كل الود و باقات الورد. |
|||
08-04-2017, 04:40 AM | رقم المشاركة : 6 | ||||
|
رد: الحريق
الحريق ..النار ..الدخان والرماد
قصة الانسان في مهب الموت
|
||||
08-04-2017, 12:06 PM | رقم المشاركة : 7 | |||
|
رد: الحريق
صور مرعبة مثيرة لمشهد من مشاهد الموت
نهاية مؤلمة ومستقبل مظلم لزوجة أحبت بصدق هي الأقدار والمكتوب تقديري العزيزة رشيدة ومودتي |
|||
09-04-2017, 02:36 AM | رقم المشاركة : 8 | |||
|
رد: الحريق
بين حلم وواقع نيران تشتعل ولهيبا يتأجج في الصدر
لوحة سردية تصف حريقا تتعايشه الأنفس في حلمها وواقعها الللدود فما تكاد تنطفئ نار حتى تشتعل نار اخرى نار لم تبق ولا تذر تأتي على الخمائل وتاتي على الجنان وتتركها رمادا تذروه الرياح نار يؤججها الجهل والحمق حتى بين اكثر الناس قربى فتشتتهم الاهواء والمناصب والرغبات نسائم يئدها الموج وظلام يفتق من ديجور العتمة سرديةثرية بلغتها وبنائها لكن الكاتبة اعتقد اسهبت في التفاصيل دمت بكل رقي ومزيدا من التالق احترامي |
|||
09-04-2017, 02:41 PM | رقم المشاركة : 9 | |||
|
رد: الحريق
أرى هنا تصويرا قويا لمشهد مؤلم و هو الحريق ، القاصة تمتلك لغة و القدرة الجيدة في الوصف الشديد و الدقيق مما جعل الوصف يطغى في النص ربما على حساب عناصر أخرى .
القديرة رشيدة الفارسي صباحكم جميل و حفظكم الله من الحريق مودتي و تقديري |
|||
10-04-2017, 09:07 PM | رقم المشاركة : 10 | |||
|
رد: الحريق
الصديق أحمد العربي
نعم هي مأساة الإنسان و عبثية وجوده يتردد بين الأمل و اليأس بين الخير و الشر بين الجمال و القبح ليعود في النهاية إلى التراب هباء منثورا. شكرا جزيلا على الحضور كل الود و التقدير. |
|||
10-04-2017, 09:10 PM | رقم المشاركة : 11 | |||
|
رد: الحريق
الصديقة الوارفة نوال البردويل
شكري بلا ضفاف على الحضور المتألق. دمت و دامت سعادتك كل الود و باقات الورد. |
|||
10-04-2017, 09:15 PM | رقم المشاركة : 12 | |||
|
رد: الحريق
الصديق الفاضل محمود قباجة
أجل صديقي لعلها نيران الشر و الأذى تسكن النفوس و تتأجج حقدا و بغضا تدمر كل القيم و تنفي كل مشاعر الحب و الود في عصر بات فيه المال قوام الرجال و الغاية تبرر الوسيلة. شكرا بلا حدود على القراءة الرشيقة. كل الود و باقات الورد و الريحان. |
|||
10-04-2017, 09:18 PM | رقم المشاركة : 13 | |||
|
رد: الحريق
الصديق الكريم إدريس الحديدوي
شكري بلا ضفاف على الحضور العبق و على التفاعل مع النص. كل الود و التقدير |
|||
10-04-2017, 09:22 PM | رقم المشاركة : 14 | |||
|
رد: الحريق
الصديق الكريم عوض البديوي
شكري الوارف على هذه القراءة العميقة الرائعة التي غاصت في النص و استنطقته. لقلبك البهجة و الحبور. مودتي |
|||
|
|
|