|
⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
02-11-2016, 01:23 PM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
انتعاش
أمسكت بيدي براحتها الشبيهة ببستان كثير الثمار، ما أعذب ملمسها، يكاد يورق قلبي، حريرية البهاء، عذبة الاشتهاء، كأن من أمسكت بي حورية، هي الحوراء، شهية الوجه و الشفتين، أسيلة الخدين، ناعمة الإهاب، طويلة كخيزرانة، بضة و غضة، فأسلمت لها قيادي، طائعا، فمجلبة رضاها مطلب العشاق، فأنى لي أن أرفض أو أحرن و قد اختارتني أنا وحدي دون غيري، كما تختار الحياة السعداء، فسرت في جسمي رعشات من شهوة ولذة و..و سارت بي، و أنا مغمض العينين، مفتح القلب، إلى غرفة فارغة إلا من جدتي المسجاة بكل سلطانها، ممددة بعد اغتسال، و قد لفت في ثوب ابيض نقي كما حياتها، و كان الناس في الداخل ينوحون، و من العيون يذرفون الدموع على فقيدتنا التي تركتنا و حلقت بعيدة عنا، تاركة لنا فراغ الحكايات. دخلنا إلى الغرفة من الباب الخلفي المفضي إلى حديقة غناء، كانت جدتي قد اتخذتها محجها و محرابها، تتأمل السماء في تقلباتها، و الطيور في غنائها، سرنا إلى سرير فارغ كان قريبا من سرير جدتي، ثم شرعنا في نزع ثيابنا، أحسست و قد هممت بها، بيد دافئة تطببطب علي، فسرى في جسمي خوف دافئ، نظرت إلى حيث اليد، فرأيت جدتي قد نهضت، وسارت باتجاه الباب بخفرها المعتاد، و قد لفت الثوب حولها، و تمسكت به خوف السقوط، تاركة لنا الغرفة نلعب فيها كيف نشاء، و خلف خطوها تنبت الفراشات. ملأناه بضجيج لهفتنا، و نشرنا فيه عطر المحبة و تدفق في شرايينه ماء الحياة.
جدتي امرأة لبيبة، خزان حكايات، تعشق الحياة، و تسخر من مشاكلها، حكاياتها مليئة بالحكم، مليئة بالإشارات المستقبيلة، ملأتني بالقصص الغرائبية، فانتعشت روحي، و سعدت نفسي، كنت أراني وسط حقول خضراء محفوفة بالجمال، عامرة باللذة. جدتي كانت قد اختارتني من دون إخوتي لأنام في غرفتها ، لكني، في بداية الأمر، لم أستطع النوم لأن أقاويل نسجت حولها تقول: إنها تعاشر الجن، و منهم تستقي حكاياتها، لم أكن لأصدق تلك الترهات، فأنا مشدود إليها، غير أنني لما رمت النوم، وقد ساد الظلام، سمعت خشخشة آتية من سريرها، فتخيلت أنها ستخرج من تحته سحرا تريميني به فينتهي استوائي.. تخيلت بئرا شديد السواد، منه تطلع الأرواح الشريرة لتغتصب هدوء الأحياء، يا ويلي، سأكون ضحيتها الطرية. بقيت متأهبا حذرا، إلى أن أخذني النوم بقوة، لما استيقظت، وجدتها قد هيأت لي فطورا شهيا، وقد رسمت على محياها ابتسامة عذبة، لحظتها أدركت كم أنا محظوظ. حملنا نعشها إلى القبر، ودفنا الحكايات. قالت لي: اليوم صرت مسؤولا. و كنت المسؤول. |
|||
03-11-2016, 01:29 PM | رقم المشاركة : 2 | ||||
|
رد: انتعاش
اقتباس:
شكرا لك على اهتمامك الطيب، ودعمك المتواصل. أنتظر عودتك بشوق. دمت مورقا. مودتي |
||||
03-11-2016, 06:19 PM | رقم المشاركة : 3 | |||
|
رد: انتعاش
و أنا أقرأ النص شعرت أم بطل النص بين الحلم و يقظة، بين الماضي الجميل و المستقبل التعيس و ما رحيل الجدة إلا نهاية مرحلة منتعشة جميلة توسدها البطل الذي كان ما يأخذه أكثر مما يعطيه، و مرحلة ما بعد الجدة التي فضلته؛ بل هناك تفاهم حد التطابق بينهما، و هي مرحلة المسؤولية التي شعر بها البطل بعد وفاتها.
القارئ ربما سيتيه بين أحداث النص المتضاربة و ربما حسب ما توصلت إليه أن هناك ثلاثية منسجمة بل متطابقة و هي البطل و الجدة و الحياة.. لكن بعد وفات الجدة رحلت ربما معها تلك الحياة الجميلة المنتعشة و بقي البطل لوحده أمام حياة مغايرة و هي المسؤولية التي ربما تختلف كليا عن تلك الحياة المخضرة . أتساءل هنا إذا كانت المرأة نصف المجتمع فالجدة حسب النص ربما قاعدة المجتمع بكل ما تزخر به من حياة ندية، هذه القاعدة تبقى فقط في الذاكرة لدى البطل الذي من المفروض أن يستمر كشخصية صلبة فوق هذه القاعدة التي يمكن اعتبارها خشبة المسرح التي بدونها لا معنى لشخصياتها و تحركاتها.. نص غني بالدلالة و هذا ليس غريبا كلما تعلق الأمر بالجدة . مودتي و تقديري أخي عبد الرحيم |
|||
04-11-2016, 05:51 PM | رقم المشاركة : 4 | ||||
|
رد: انتعاش
اقتباس:
أشكرك على هذه القراءة القيمة، والتحليل الضافي. سعدت بتقبلك النص. لم أحظ بالجدتين، ماتتا قبل ولادتي بزماااااان... بوركت. مودتي |
||||
23-12-2016, 02:35 PM | رقم المشاركة : 5 | ||||
|
رد: انتعاش
كم تلهمنا الجدات بالأقاصيص ...لاننا كنا في ذاكرة طرية كنا نستمتع بطراوة القصص
وعند الكبر جيرت بأدبية رائعة ..نخلط الواقع بميتافيوقيا خيالهن الخصب جميلة هذه الإقتناصات من الماضي لجدات عشقناها ونحن اطفال ..وكبار تحياتي وتقديري |
||||
23-12-2016, 03:02 PM | رقم المشاركة : 6 | ||||
|
رد: انتعاش
اقتباس:
أكرمك الله ورعاك. شكرا لك على تحليلك القيم. سعدت بتفاعلك المثمر. بوركت. مودتي |
||||
29-01-2017, 10:56 AM | رقم المشاركة : 7 | |||
|
رد: انتعاش
انتعشت مع كلمات هذه القصة
و حلقت في عالمها الخصب اتابع الشخصية في حبها للحياة رغم الموت للحلم رغم الخيبة للفرح رغم الحزن عوالم السيد التدلاوي دائما خصبة مراوغة...عميقة نستمتع بدخولها جميل ما قرأت مودتي و تقديري |
|||
31-01-2017, 11:47 AM | رقم المشاركة : 8 | |||
|
رد: انتعاش
كلّنا ذلك الحفيد ! فبوركت الجدود و سلمت لنا تلك الذكريات الغالية معهم و لتدم لنا ذكراهم سلوى و نبراسا يغذّي فينا الجمال و الأصالة و الوفاء .
جميل ما نثرت هنا متين أخي عبد الرحيم فليدم لك الألق . مودّة لا تنتهي . |
|||
20-02-2017, 01:38 PM | رقم المشاركة : 9 | ||||
|
رد: انتعاش
اقتباس:
أكرمك الله وأسعدك. شكرا لك على قراءتك القيمة، وإشادتك المحفزة. مودتي |
||||
20-02-2017, 01:39 PM | رقم المشاركة : 10 | ||||
|
رد: انتعاش
اقتباس:
أشكرك على تفاعلك المثمر. سرني تقبلك النص. مودتي |
||||
|
|
|