العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▆ أنا الفينيقُ أولدُ من رَمَادِ.. وفي الْمَلَكُوتِ غِريدٌ وَشَادِ .."عبدالرشيد غربال" ▆ > ⊱ المدينة الحالمة ⊰

⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-03-2017, 06:31 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
دليلة بونحوش
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


دليلة بونحوش غير متواجد حالياً


افتراضي زوروني كلّ سنة مرة...

زوروني كلّ سنة مرّة..
نامت الدّنيا ذات شتاء في قناديل الشّوارع المطوية بين أجنحة المدينة ... تلك الشّوارع التي كتبها إلهام السّنين الماضية بيوتا تطلّ على الدّنيا بشرفات تحمل أواني الونرد و تيجان الياسمين و أهداب اللّبلاب و تتثاءب في دروبها بأبواب خشبية تقابلت ، تجاورت ... تكاتفت لتنسج بكلّ الحبّ حارة ... لا حائر فيها غير الجمال ... جمال النّفس الكريمة و الطّقوس القديمة ... لا حائر فيها غير شذا كؤوس الشّاي المعبّقة بلثم وريقات النّعناع ... تتوسّط جموع جُلساء من زمن وردي*** ... تاهت الأحقاد في طيبة قلوبهم و غرقت الكراهية في لجّة حبٍّ ممّا يحملون ... و ذابت الصّراعات و النّزاعات في فناجين قهوة جذلى في غيبوبة من حبّهان .
نامت الدّنيا و سكنت الخطوات و تجرّدت من بهائها الشّرفات و ما بقيّ من تلك الحياة التي كانت غير أطلال تحكي و تبكي ... كانوا هنا ثم غادروا ... غيّبتهم أبراج المدينة و ساحات المدينة و أجراس المدينة... لم يبق من أهل المكان الذي كان غير عجوز بلغت من العمر عُتيّا ... و لكن ظلّ قلبها بهواها الذي كان نديّا ... لازالت تأنس إلى القنديل ... لازالت تنكت تراب أواني الورد ... لازالت تغنّي للصّباح مع قهوتها على كانون من جمار ... لازالت تحكي و تتذكّر ... و لكن هذه المرّة شعرت بقسوة في أنفاس الشّتاء و ضعف في البصر و وهن في القدمين و خدر في اليدين ..هذه المرّة لم تقوَ على مجاراة نحيب الريّاح التي أقتلعت جناح إحدى نوافذها ... لم تقدر على رطوبة غزت الجدران و نخرتها ... بل و تسلّلت إلى رئتيها لتحرمها غفوة الدّياجير الباردة فيهزّها السّعال ليجرّعها السّهاد ثم السّهاد ... تعِبتْ .. كَبُرتْ ... ارتجفت ... تزلزلتْ ... حينما اكتشفت وحدتها و غربتها ليس عن المكان و لكن عن ملامح الزّمان ... تأتيها الحمائم كلّ صباح تحطّ في الشّرفة لتطلق الهديل رسالة للّقاء و تطرق زجاج النافذة بجناحيها تبحث عن حبّات البُرّ ... فلا تجد غير الهدوء و السّكون و الجفاء ... جافتها العجوز المدثّرة بالبرد و العلّة و الوحدة ... من سيرسل أنّاتها تلك الموجوعة إلى بشر وراء أزقّة الحارة الآيلة للانهيار ... من سيخبرهم أنّ هناك بين أضلاع الماضي أسطورة تمّحي ببطء من سيحكي للدّفاتر و القلوب حكاية التي عشقت المكان حتى أضحى حيّا في عينيها في مسامعها تحت خُفّها ، في لمسات يديها و لهفة روحها إلى الرّجوع كلّما سافرت ... لتعود سيل شوق للجدران و الأرصفة و الحجارة و المئذنة و الطّريق من سيخبرهم أنّها تغفو غفوتها الأخيرة من سيرسم آخر دمعاتها تشقّ تجاعيد حفرَتها أيامّ من بهاء ... لا أحد ، لا شيء سيخبرهم ... أمّا الحمام فبقيَ يزور المكان حتى تغلغلت مخالب الجّرافات تقتلع الرّماد لتشيّد الفنادق و الملاهي و ما علم النّاس أن رفاتًا من صبابة عبّقت الحجارة و الثّرى....






  رد مع اقتباس
/
قديم 17-03-2017, 09:31 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ثريا نبوي
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل وسام الأكاديمية للإبداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
مصر
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


ثريا نبوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زوروني كلّ سنة مرة...

{نامت الدّنيا و سكنت الخطوات و تجرّدت من بهائها الشّرفات و ما بقيّ من تلك الحياة التي كانت؛
غير أطلال تحكي و تبكي ... كانوا هنا ثم غادروا ... }

ولا تبقى الدنيا على حال ؛ فهذا هو حالُها... ولكن:
يبقى حرفُكِ الذي يكتُبُها فريدَ الجمال
وفِكرُكِ الذي يلضُمُ خُيوطَها بِسنَّارةِ الخيال
ويُبدِعُ لنا مِنها مِعطفًا خُرافيًّا و شال






  رد مع اقتباس
/
قديم 19-03-2017, 03:11 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
دليلة بونحوش
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


دليلة بونحوش غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زوروني كلّ سنة مرة...

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ثريا نبوي مشاهدة المشاركة
{نامت الدّنيا و سكنت الخطوات و تجرّدت من بهائها الشّرفات و ما بقيّ من تلك الحياة التي كانت؛
غير أطلال تحكي و تبكي ... كانوا هنا ثم غادروا ... }

ولا تبقى الدنيا على حال ؛ فهذا هو حالُها... ولكن:
يبقى حرفُكِ الذي يكتُبُها فريدَ الجمال
وفِكرُكِ الذي يلضُمُ خُيوطَها بِسنَّارةِ الخيال
ويُبدِعُ لنا مِنها مِعطفًا خُرافيًّا و شال
أستاذتي الطّيبة / ثريا نبوي ...
نعم الدّنيا لا تبقى على حالها لكن يبقى الطّيبون ...
مرورك ربيع تزهر به القفار ... سلامي المختوم بعبق الجبال و قد لبست الربيع كسوة و النور حليّا ...







  رد مع اقتباس
/
قديم 21-03-2017, 07:03 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
محمد فتحي المقداد
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديمية للعطاء
سوريا

الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد

إحصائية العضو







آخر مواضيعي


محمد فتحي المقداد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زروني كلّ سنة مرة...

نامت الدنيا لتسفيق من غفوتها على هدير الاقتلاع
للماضي المتمثل بالأحياء الثديمة من المدينة..
المدينة ستفقد ذاكرتها، وفاقد الذاكرة ضائع تائه
منقطع عن ماضيه، مستقبله مترنحٌ بعرج بائن
لا يخفى على ذي نظر..
خاطرة جميلة منسوجه بأدبية احترافية ..
دمت بكل إبداع وتميز
تحياتي








مدرج بصرى الشام
  رد مع اقتباس
/
قديم 23-03-2017, 07:31 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عبد الكريم محمد
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
فلسطين
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


عبد الكريم محمد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زروني كلّ سنة مرة...

حالمه في بساتين المدينة

والذاكرة خانت الاقواس

وزرعت حنين مخبئ في ثنايا القلب

هنا تكمن المعرفه في ثنايا النص الموغل ترصيد الحياة الابية

ابداع مميز

تقديري واحترامي






  رد مع اقتباس
/
قديم 24-03-2017, 10:20 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
محمود قباجة
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع أدباء الرسالة
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
فلسطين

الصورة الرمزية محمود قباجة

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


محمود قباجة غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زوروني كلّ سنة مرة...

سرد ثري ماتع يتتبع قضايا انسانية ومؤلمة تتهاوى فيها الجدران المعتقة وتعلو واجهات الزيف وتندثر العراقة



دمت بكل خير






  رد مع اقتباس
/
قديم 24-03-2017, 10:45 PM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
دليلة بونحوش
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


دليلة بونحوش غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زروني كلّ سنة مرة...

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد فتحي المقداد مشاهدة المشاركة
نامت الدنيا لتسفيق من غفوتها على هدير الاقتلاع
للماضي المتمثل بالأحياء الثديمة من المدينة..
المدينة ستفقد ذاكرتها، وفاقد الذاكرة ضائع تائه
منقطع عن ماضيه، مستقبله مترنحٌ بعرج بائن
لا يخفى على ذي نظر..
خاطرة جميلة منسوجه بأدبية احترافية ..
دمت بكل إبداع وتميز
تحياتي
الأستاذ القدير
شكرا لمروركم العطر و قراءتكم الثرية...






  رد مع اقتباس
/
قديم 24-03-2017, 10:47 PM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
دليلة بونحوش
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


دليلة بونحوش غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زروني كلّ سنة مرة...

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الكريم محمد مشاهدة المشاركة
حالمه في بساتين المدينة

والذاكرة خانت الاقواس

وزرعت حنين مخبئ في ثنايا القلب

هنا تكمن المعرفه في ثنايا النص الموغل ترصيد الحياة الابية

ابداع مميز

تقديري واحترامي
أستاذنا الكريم
نشكر لك حضورك الجميل...






  رد مع اقتباس
/
قديم 24-03-2017, 10:49 PM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
دليلة بونحوش
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


دليلة بونحوش غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زوروني كلّ سنة مرة...

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمود قباجة مشاهدة المشاركة
سرد ثري ماتع يتتبع قضايا انسانية ومؤلمة تتهاوى فيها الجدران المعتقة وتعلو واجهات الزيف وتندثر العراقة



دمت بكل خير
شكرا أستاذنا و دمتم بخير و ممتنة لحضوركم البهي...






  رد مع اقتباس
/
قديم 25-03-2017, 12:25 AM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
بسباس عبدالرزاق
عضو أكاديميّة الفينيق
يجمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / أوراس
الجزائر

الصورة الرمزية بسباس عبدالرزاق

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


بسباس عبدالرزاق غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زروني كلّ سنة مرة...

رسالة النص محترمة جدا جدا ونبيلة
اعتمد النص على التساؤل لتوصيل الفكرة وما انتاب الشخصية البطلة
لغة طيبة
وبالاجمال نص طيب
بقي هنا أن نحتكم لميزة مهمة في القص
وهي الدراما، التي كانت خافتة والتي من شأنها أن تزيح أي نص مهما بلغ من جمال من تصنيف القص إضافة للتكثيف والوحدة
ينقص النص حسب رأيي الشخصي حدثا يعقد أو يوتر أجواء النص لشحن التعاطف وتوريط القاريء أكثر بمتن النص

رأي شخصي ليس أكثر

تقديري الكبير لجميل سردك






حين يغرب القلم في سلة المهملات، يطل برأسه الرصاص
  رد مع اقتباس
/
قديم 25-03-2017, 12:35 AM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
نوال البردويل
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع أدب الرسالة
فائزة بالمركز الثالث
مسابقة القصة القصيرة2018
عنقاء العام 2016
تحمل وسام الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية نوال البردويل

إحصائية العضو







آخر مواضيعي


نوال البردويل غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زروني كلّ سنة مرة...

صور رائعة مررت بها من خلال تجوالي بين زوايا
الماضي والذي هيمن على أوصاله الآن كل
ما هو خارج عن المنطق والمعقول
ويبقى الحب هو الشاهد على ما كان وكان
وتبقى القلوب الطاهرة في ذاكرة الزمن لا تغيب
سردية جميلة بكل تفاصيلها وملامحها
تقديري العزيزة دليلة
ومحبتي






  رد مع اقتباس
/
قديم 25-03-2017, 02:29 AM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
دليلة بونحوش
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


دليلة بونحوش غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زروني كلّ سنة مرة...

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بسباس عبدالرزاق مشاهدة المشاركة
رسالة النص محترمة جدا جدا ونبيلة
اعتمد النص على التساؤل لتوصيل الفكرة وما انتاب الشخصية البطلة
لغة طيبة
وبالاجمال نص طيب
بقي هنا أن نحتكم لميزة مهمة في القص
وهي الدراما، التي كانت خافتة والتي من شأنها أن تزيح أي نص مهما بلغ من جمال من تصنيف القص إضافة للتكثيف والوحدة
ينقص النص حسب رأيي الشخصي حدثا يعقد أو يوتر أجواء النص لشحن التعاطف وتوريط القاريء أكثر بمتن النص

رأي شخصي ليس أكثر

تقديري الكبير لجميل سردك
الأستاذ الكريم...
أعتقد أنّ النص آهل بالجانب الدرامي الملائم لسير الأحداث، و لا أظن أبدا أنّ قصة تلك العجوز ستحاج إلى وسيط وجداني إلى انفعالات القارئ أكثر من حضور الحمام و عشق المكان.
مشكور لحضوركم الرائع
عظيم التحايا






  رد مع اقتباس
/
قديم 25-03-2017, 02:33 AM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
دليلة بونحوش
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


دليلة بونحوش غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زروني كلّ سنة مرة...

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نوال البردويل مشاهدة المشاركة
صور رائعة مررت بها من خلال تجوالي بين زوايا
الماضي والذي هيمن على أوصاله الآن كل
ما هو خارج عن المنطق والمعقول
ويبقى الحب هو الشاهد على ما كان وكان
وتبقى القلوب الطاهرة في ذاكرة الزمن لا تغيب
سردية جميلة بكل تفاصيلها وملامحها
تقديري العزيزة دليلة
ومحبتي
أستاذتي الغالية /نوال
كلما حضرتِ بمكان شعرتُ برقّة تسيل رهافة في ثنايا المكان. كم أن مشاعرك تتّقد سحرا كجناح فراشة.
عظيم التقدير و جميل المحبة






  رد مع اقتباس
/
قديم 22-04-2017, 06:33 PM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
دليلة بونحوش
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


دليلة بونحوش غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زروني كلّ سنة مرة...

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عوض بديوي مشاهدة المشاركة
ســلام الله وود ،
ويا لجمال القص عندما تكون اللغة منتقاة منتخبة وسلسلة لا تعقيد فيها ...!!
نص من نفائس الحكي في المدينة الحالمة وأغبطكم عليه...!!
بين الواقع الجميل وبين الحلم ثمة قلوب ملؤها الحب والنقاء والصفاء..
هذا على مستوى الرسالة ...أما البناء فهندسة راقية ومحترمة من لدن مبدعة أنيقة...
لكم القلب ولقلبكم الفرح
بورك المداد
مودتي و محبتي
الأستاذ الكريم شكرا لمرورك الجميل و ثنائك السّخي .
عظيم التّقدير و الاحترام






  رد مع اقتباس
/
قديم 27-04-2017, 08:33 AM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
محمد خالد بديوي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / عمون
الاردن

الصورة الرمزية محمد خالد بديوي

إحصائية العضو







آخر مواضيعي


محمد خالد بديوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زوروني كلّ سنة مرة...

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دليلة بونحوش مشاهدة المشاركة
زوروني كلّ سنة مرّة..
نامت الدّنيا ذات شتاء في قناديل الشّوارع المطوية بين أجنحة المدينة ... تلك الشّوارع التي كتبها إلهام السّنين الماضية بيوتا تطلّ على الدّنيا بشرفات تحمل أواني الونرد و تيجان الياسمين و أهداب اللّبلاب و تتثاءب في دروبها بأبواب خشبية تقابلت ، تجاورت ... تكاتفت لتنسج بكلّ الحبّ حارة ... لا حائر فيها غير الجمال ... جمال النّفس الكريمة و الطّقوس القديمة ... لا حائر فيها غير شذا كؤوس الشّاي المعبّقة بلثم وريقات النّعناع ... تتوسّط جموع جُلساء من زمن وردي*** ... تاهت الأحقاد في طيبة قلوبهم و غرقت الكراهية في لجّة حبٍّ ممّا يحملون ... و ذابت الصّراعات و النّزاعات في فناجين قهوة جذلى في غيبوبة من حبّهان .
نامت الدّنيا و سكنت الخطوات و تجرّدت من بهائها الشّرفات و ما بقيّ من تلك الحياة التي كانت غير أطلال تحكي و تبكي ... كانوا هنا ثم غادروا ... غيّبتهم أبراج المدينة و ساحات المدينة و أجراس المدينة... لم يبق من أهل المكان الذي كان غير عجوز بلغت من العمر عُتيّا ... و لكن ظلّ قلبها بهواها الذي كان نديّا ... لازالت تأنس إلى القنديل ... لازالت تنكت تراب أواني الورد ... لازالت تغنّي للصّباح مع قهوتها على كانون من جمار ... لازالت تحكي و تتذكّر ... و لكن هذه المرّة شعرت بقسوة في أنفاس الشّتاء و ضعف في البصر و وهن في القدمين و خدر في اليدين ..هذه المرّة لم تقوَ على مجاراة نحيب الريّاح التي أقتلعت جناح إحدى نوافذها ... لم تقدر على رطوبة غزت الجدران و نخرتها ... بل و تسلّلت إلى رئتيها لتحرمها غفوة الدّياجير الباردة فيهزّها السّعال ليجرّعها السّهاد ثم السّهاد ... تعِبتْ .. كَبُرتْ ... ارتجفت ... تزلزلتْ ... حينما اكتشفت وحدتها و غربتها ليس عن المكان و لكن عن ملامح الزّمان ... تأتيها الحمائم كلّ صباح تحطّ في الشّرفة لتطلق الهديل رسالة للّقاء و تطرق زجاج النافذة بجناحيها تبحث عن حبّات البُرّ ... فلا تجد غير الهدوء و السّكون و الجفاء ... جافتها العجوز المدثّرة بالبرد و العلّة و الوحدة ... من سيرسل أنّاتها تلك الموجوعة إلى بشر وراء أزقّة الحارة الآيلة للانهيار ... من سيخبرهم أنّ هناك بين أضلاع الماضي أسطورة تمّحي ببطء من سيحكي للدّفاتر و القلوب حكاية التي عشقت المكان حتى أضحى حيّا في عينيها في مسامعها تحت خُفّها ، في لمسات يديها و لهفة روحها إلى الرّجوع كلّما سافرت ... لتعود سيل شوق للجدران و الأرصفة و الحجارة و المئذنة و الطّريق من سيخبرهم أنّها تغفو غفوتها الأخيرة من سيرسم آخر دمعاتها تشقّ تجاعيد حفرَتها أيامّ من بهاء ... لا أحد ، لا شيء سيخبرهم ... أمّا الحمام فبقيَ يزور المكان حتى تغلغلت مخالب الجّرافات تقتلع الرّماد لتشيّد الفنادق و الملاهي و ما علم النّاس أن رفاتًا من صبابة عبّقت الحجارة و الثّرى....


سرد مدهش ومؤثر جدا ووصف دقيق
وقفلة موجعة .. من الطرق بأجنحة الحمام
على زجاج النافذة الى مخالب الجرافات تقتلع
الرماد .... مؤلم هذا الواقع الذي نعيشه ولا نملك
تغييره...
أديبتنا المكرمة دليلة بونحوش

دمتم ودامت الروح محلقة
احترامي والتقدير






قبل هذا ما كنت أميز..

لأنك كنت تملأ هذا الفراغ


صار للفراغ حــيــــز ..!!
  رد مع اقتباس
/
قديم 30-04-2017, 10:39 PM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
دليلة بونحوش
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


دليلة بونحوش غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زوروني كلّ سنة مرة...

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال عمران مشاهدة المشاركة
الأستاذة الفاضلة . هنا وصف مرئي ومفردات تشبيهية عميقة .. شعرت بنبض القلم وتعبير الكلم ..بين البداية والنهاية كان هذا الفيض من تقلبات الصور..تحيتى
و لكم عظيم التحايا و وافر التقدير .






  رد مع اقتباس
/
قديم 30-04-2017, 10:40 PM رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
دليلة بونحوش
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


دليلة بونحوش غير متواجد حالياً


افتراضي رد: زوروني كلّ سنة مرة...

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بديوي مشاهدة المشاركة
سرد مدهش ومؤثر جدا ووصف دقيق
وقفلة موجعة .. من الطرق بأجنحة الحمام
على زجاج النافذة الى مخالب الجرافات تقتلع
الرماد .... مؤلم هذا الواقع الذي نعيشه ولا نملك
تغييره...
أديبتنا المكرمة دليلة بونحوش

دمتم ودامت الروح محلقة
احترامي والتقدير
شكرا لسخاء حضوركم ..
أجمل التحايا و عظيم التقدير






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:37 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط