العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▆ أنا الفينيقُ أولدُ من رَمَادِ.. وفي الْمَلَكُوتِ غِريدٌ وَشَادِ .."عبدالرشيد غربال" ▆ > ⊱ المدينة الحالمة ⊰

⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 04-12-2020, 05:49 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
إيمان سالم
فريق العمل
تحمل أوسمة الاكاديمية للإبداع والعطاء
تونس

الصورة الرمزية إيمان سالم

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


إيمان سالم غير متواجد حالياً


افتراضي نيجاتيف


نيجاتيف / إيمان سالم ( تجربة أولى في القصة القصيرة )
بعد التعديل وفقا للإشارات التي أكرمتني بها مبدعتنا الفاضلة الزهراء

حاول أن يتّخذ وضعا مناسبا ليظهر في الصّورة على أحسن وجه،
رفع رأسه و سوّى كتفيه غير مرّة حتّى أنّه شعر بتشنّج في الظهر و الرقبة،
بشيء من التوتّر، مرّر يده على شعره الكثيف، ففي طريقه إلى المصوّر تحرّكت ريح قويّة، خشي
أن تفسد تسريحته التي استهلكت منه وقتا و جهدا أمام المرآة .. هل حقّا تسريحة شعره هي التي
استهلكت كلّ ذلك الوقت، أم أنّ خياله هو الذي أضحى كالفرس الجامح كلّما وقف قبالة المرآة ..!

أعاد تمرير يده بلطف للتأكّد من أن خصلات شعره تحت السيطرة، ربما كان عليه أن يضع كميّة أكبر
من "جال"المثبت للشعر، و هكذا لن يخش أي عصيان مفاجئ ..

و الآن، سيجرب أن يبتسم، هل تكفي ابتسامة خفيفة !!
ماذا لو يوسّعها قليلا، فتصبح أعرض و تنبلج على أسنانه البيضاء المتراصّة بانتظام، ابتسم في سرّه،
لطالما حسده أصدقاؤه على أسنانه القويّة و الثّابتة في وجه الزمان، على عكس عينيه، فكّر بتحسّر،
فقد أخبره الطبيب في آخر معاينة بأنّ معدّلات تراجع بصره زادت بشكل ملحوظ، لذلك لم يعد
بإمكانه التخلّي عن النظّارات، هو لا يحبها و لم يحبها يوما، فهي تجعله يظهر أكبر سنّا و تضفي
عليه مسحة من الجديّة و التحفظ اللذين لا يتماشيان مع طبيعته،

خلع نظّاراته، مسحها بعناية، أعاد المسح .. ليجربها كلّ مرّة و يتأكد من نقائها و وضوح الرؤية عبرها ..

.. لكن أين ذهب المصوّر ؟ تمتم بانزعاج
لماذا تأخّر كلّ هذا الوقت ؟
غريب.. لقد استأذن لبضع ثوان و ها قد مرّت عشر دقائق و لم يظهر بعد !!

" عشر دقائق ..ربما أكثر .. ربما أقل !! " فكّر، و عيناه على المرآة العملاقة التي كانت تحتلّ
جانبا كبيرا من غرفة التصوير، وقف قبالتها يطالع ملامحه،"كأنّ وجهه شاحب قليلا ..!" ،
اقترب أكثر، هناك بعض السّواد تحت عينيه ، كيف لا و قد جافاه النّوم مؤخرا و أصابه الأرق،
فكان يصل الليل بالنهار ليحظى فقط ببعض إغفاءات متقطّعة يسرقها من حين لآخر من براثن نواقيس
التفكير التي لا تهدأ.. ،
" لحسن الحظ لون القميص كان مُوفَّقا و سينقذ الموقف و سيساعد بالتأكيد على إضفاء إشراقة على الصّورة" اختاره بنفسه و اعتنى بكيّه على مهل .. تعوّد على قضاء شؤونه بمفرده ..

والدته سيدة مسنّة، رغم حرصه و تشديده عليها بعدم إنهاك نفسها في أعمال البيت و تكفّله بكلّ ما يلزم،
لكنها تأبى دائما و تصرّ على رعايته و السّهر على راحته، مردّدة أنّ سعادتها تكمن في ذلك

" عندما ستصبح أبا ستدرك ذلك يا بني.."

تختم الحديث بابتسامة و عناق ينتهي دائما باسترجاع شريط ذكرياتها مع والده، تضحك عيناه و هو يتابع حماسها المتصاعد و بريق عينيها المتلألئ و هي تعدّد أوجه الشّبه بينه و بين والده..

والده .. ذلك الرجل الاستثنائي رغم كل الذي مرّ به و انتهى بوفاته ..

علا صراخ في الخارج قطع شروده، احتدم النقاش بين المصوّر و خصمه.. كأنّ أحدهم تدخّل
لإصلاح ذات البين .. خفتت الأصوات تدريجيّا .. ليعود و يغرق في دوامة التفكير
في ما يخبّئه له المستقبل ..

لوهلة، انقبضت روحه و عبس جبينه، كان الجميع يندهش من تردّده في المضيّ قدما نحو قرار السفر،
حتى أن بعض أصدقائه كانوا يصفونه بالجبن و الجنون، عاجزين عن استيعاب موقفه الصّارم و رفضه
مبدأ مغادرة أرض الوطن من الأساس، سعيا وراء تحقيق عيشة مترفة و أكثر رفاهية،

كيف ؟ و على حساب من و ماذا ؟ .. لا أحد يفهم

لم يهتم يوما للمظاهر و لا للحياة السهلة المرفّهة، و هذا بالضبط الذي كان يجعله محلّ انتقاد يصل حدّ السخرية ..

طال وقوفه، فشعر فجأة بالتعب، ارتمى على مقعد وُضع في ركن الغرفة في مواجهة آلة التصوير،
اجتاحته الحيرة و أثقل كاهله ركام أسئلة..

لا يشعر بالراحة، سفره في الحقيقة ليس إلا رضوخا لـــ.. لأجلها، لا لا .. بل لأجل تحقيق طلبات
أبيها التي لا تنتهي..

هاهو يقدم أخيرا على هذه الخطوة بعد إصرار والدته التي قرّرت عقب تفكير الانتقال للعيش
مع إحدى قريباتها لترعاها و تعتني بها إلى حين عودته، أكّدت ذلك و مطلوب منه أن يصدّق،
يطمئنّ، و يمضي .. دون أن يلتفت وراءه !!!

كان عليه أن يسافر و يشتغل ليل نهار حتى يوفّر كل ما طُلب منه،

إثر الأزمة التي مرّت بها الأسرة، نحت في الصخر و بدأ من الصفر بعد أن عرف العيش الرغيد..،
اشتغل ساعات طوال دون أن ينقطع عن الدراسة ليحصّل مصاريفه و يساعد والده.. أثبت جدارة وكفاءة
جعلتاه محلّ تقدير و احترام، لكن .. هذا لا يكفي

دخل المصوّر و لسانه يلهج بعبارات الاعتذار و الأسف للتّأخير الذي حصل، و الخارج عن إرادته
حسب ما كان ينوي أن يسرده من تفاصيل، لولا انقطاع التيّار الكهربائي فجأة، و الذي جعله يصمت
لوهلة ثم يندفع و قد انفجر غاضبا " هذا أكيد هو... ، فعلها الــــ .. @#$%"..
.
.
وقف وسط الغرفة ساكنا، يلفّه ظلام نجحت في اختراقه خيوط شمس الشتاء الباهتة، التي تسلّلت
عبر باب المحلّ .. تملّكه شعور غريب.. غيّبت المرآة ملامحه .. و بقي ظل سؤال محفور على
الجدار شاهدا على خيال .. صــورة.














  رد مع اقتباس
/
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:08 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط