العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-11-2009, 01:46 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


زياد السعودي متواجد حالياً


افتراضي الفينيق تيسير السبول يليق به الضوء " زياد السعودي "

سلام الله



تعودنا ان نضع نصا


تحت الضوء ومن خلاله نشتغل


هنا ووفاءً لتجربة فذة


نستميح روح تيسير الف عذر


لنضع السبول تحت الضوء


اذ به يليق الضوء


آملين رفدنا من خلال مشاركاتكم


وبما لديكم في أرشيفكم الخاص


من مواد أدبية وسواها تمت لصلة


بالراحل تيسير ونتاجه الأدبي ومراسلاته وصوره



نتمنى ان نصل الى موسوعة فينيقية


تلقي الضوء على تجربة الراحل تيسير السبول


علنا نسهم في اثراء المكتبة الرقمية


انصافا متواضعا ...واسهاما فينيقيا


لشاعر كان يحمل هما وحدويا


فعذرا يا تيسير عن اي تقصير



والشكر الشكر لكل من سيرفدنا


ولكل من سيعبر ويقرأ


وباسم الله نبدأ



**************************







الاديب الأردني تيسير السبول تحت الضوء






انا يا صديقي


اسير مع الوهم


ادري ايمم نحو تخوم النهاية


نبيا غريب الملامح امضي الي غير غاية


ساسقط لابد ، يملأ جوفي الظلام


نبيا قتيلا وما فاه بعد باية


وأعلم أن قد اختلفت بي طريقي


‏غداً حين يملأ جوفي الظلام‏


ستنسى لكم أنت تنسى‏


عليك السلام





**************************






كحلم متعجل في ليلة طويلة الأرق ، كصمت جبال الشراه وأسرار ضانا المتوارية بين الشقوق ، ككل الافكار العظيمة ولد تيسير السبول، كشهاب لامع يعبر عتمة الليل ، ففي العام 1939 م أطل على الدنيا من عمق مدينة الجبال الطفيلة ، ولد وعلى جبينه وشم لدولة عظيمة وبحلم على امتداد الزمن ، الوشم الذي أصبح طوق النجاة، ثم استحال طوق النهاية المؤلمة




**************************









السيرة


--------





ولد تيسير في مدينة الطفيلة الواقعة جنوب الأردن عام 1939. حياته وأسرته: عاش السبول في أسرة متوسطة الحال تتكون من خمسة أولاد وأربع فتيات هو أصغرهم سناً، وكان والده يعمل مزارعاً أسوة بغيره من أسر الطفيلة آنذاك، والذي سعى، رغم ضيق حاله، إلى ضم أبنائه وبناته ضمن صفوف الجامعيين. شخصيته ودراسته: تميّز السبول بشخصية قوية وبسرعة البديهة والذكاء والإحساس المرهف، ما جعله محط أنظار أساتذته وأقرانه الذين تنبأوا له بعلوّ الشأن، حيث كان منذ صغره مولعاً بالكتب فانكب على القراءة. واصل السبول دراسته المتوسطة والثانوية في مدينة الزرقاء بتفوق رغم أجواء القلق والاضطراب والحزن جرّاء سجن أخيه شوكت بسبب آرائه السياسية. واستطاع السبول وبسبب جَلَده وتفوّقه في الدراسة الثانوية الحصول على منحة دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة الفلسفة، إلا أن الحياة في تلك الجامعة لم ترق لشاب تشغله قضايا الأمة العربية وما يعج بالعالم العربي من أحداث سياسية.


تيسير وعائلته

**************************



بداياته الشّعرية
---------------[/CENTER]

دفعته الأحداث السياسية إلى ترك الجامعة ودراسة الحقوق في جامعة دمشق، والتي ظهر السبول فيها كشاعر ذي موهبة، ما زاد من اطلاعاته الواسعة على قراءة الكتب والصحف والمجلات اليومية والأسبوعية، لتبدأ مسيرته كشاعر في الكتابة ببعض المجلات والدرويات الشهرية الأدبية في دمشق وبيروت كمجلة الثقافة، والآداب والأديب. توقف السبول عن الكتابة لفترة وجيزة متأثراً بما يدور حوله من توالد للهزائم والنكسات، إذ باتت تشكل عبئاً عليه يرزح تحتها. حياته العملية: عمل السبول موظفاً متنقلاً من وظيفة إلى أخرى وتزوج وأنجب طفلين، عتبة وصبا ثم عمل في الإذاعة الأردنية.

في الثانية الا ربعا ،من مساء يوم 15 ـ 11 ـ 1973 سدد تيسير السبول رصاصة قاتلة باتجاه رأسه هرباً من شيخوخة اسمها "الهزيمة"، لازمت الامة وبالتالي انهكت روحه.انتحار تيسير سبول وضع الساحة الثقافية الأردنية في حالة من الذهول جراء قراره والذي لم يكن مفاجئاً حسب ما روى أقرانه .تيسير سبول كتب في مجالات أدبية مختلفة ، حيث كتب الرواية والقصة القصيرة والشعر والمقالة الصحفية والترجمة والنقد والدراسة بالاضافة إلى تقديمه لبرنامج ثقافي في الاذاعة الأردنية لمدة أربعة أعوام بلا انقطاع .وتعد روايته "انت منذ اليوم " الذي كتبها بعد هزيمة 1967 المريرة وفازت بجائزة مسابقة "دار النهار اللبنانية للنشر " مناصفة مع رواية "الكابوس" لأمين شنار من أهم الروايات العربية التي تقف في مصاف الروائع .






تيسير السبول شاهد عصره وشهيده



----------------------------------








رسالة زوجة الراحل / د. مي اليتيم الكتابة عن تيسير سبول الزوج والصديق والحبيب لا يمكن أن تكون محايدة..إنما تنزلق خارجة على المكان والزمان فتختلط المشاعر الشخصية بكل ما فيها من إرهاصات الحب والأحزان، فينكأ الجرح الهامد ينبض حيا، يتلجلج النطق فيهرب المرء من نفسه، أو يتكئ على الصمت محاولا إسدال ستار على آلامه الخاصة. وما كنت لأسجل شهادتي عن تيسير لولا إلحاح الأولاد والأصدقاء ومحبي تيسير.



سأحاول جاهدة أن أرسم صورة تيسير الإنسان الذي كان قدره أن يكون شاعرا مبدعا مجبولا بالشفافية والحساسية. صادقا مع نفسه ومع الآخرين. مثاليا، ورومانسيا وذا وعي حاد بكل ما حوله. ففي زمن انتقاء العواطف الكبيرة الحقيقية كان العام والخاص ينظمان وقع حياة الشاعر.

وكانت حياته القصير ة جدا، الخاطفة، سجلا مريرا لما مر من أحداث ووقائع في عالمه لعربي الكبير. صدمته الهزائم المتكررة فج نبع الحكمة وفقد القدرة على التحديد والصمود وانتقت لديه كل أسباب الحياة. في هذه العجالة سأحاول تقديم لمحة موجزة عن حياته المعاشة ومسيرتها بخطوطها العريضة وهي ليست سوى إضاءة بسيطة لمن لا يعرف تيسير سبول، وذكرى متجددة لمن عرفه وعايشه. ولن أتحدث عن أدبه. فالأدب يقدم نفسه دون وساطة. كما أن هناك أكاديميين يمكنهم تقديم دراسات عن أدب تيسير بشكل أفضل. على المستوى الشخصي كانت حياة تيسير السبول العظيمة المتوهجة خالية من الأحداث الهامة. فقد كانت حياته تسير بنفس المراحل التي مر بها معظم شباب جيله . وإنما كانت الأحداث الكبرى التي مر بها الوطن العربي هي المراحل التي أثمرت في مجرى حياة تيسير وشكلتها.

ولنبدأ منذ البداية. ولد تيسير سبول في مدينة الطفيلة في جنوب الأردن، مدينة يعتاش أهلها على الزراعة لتوفر الماء فيها، واقعة على أطراف الصحراء في 15/1/1939 لأسرة متوسطة الحال. يعمل والده بالزراعة، وهو شخص قوي الشخصية نافذ الكلمة محترما من أقرانه وكان لديه أسرة كبيرة العدد نسبيا إذ كان لديه خمسة أولاد أصغرهم تيسير وأربع من البنات وقد سعى رغم أميته إلى تعليم أبناءه وبناته حتى نال أكثرهم الشهادة الجامعية. كان لتيسير الحظ الأوفر من النباهة والذكاء مما جعله محط أنظار أساتذته وأقرانه الذين تبأوا له بعلو الشأن. مما أعطاه إحساسا خاصا بالتفرد والأهمية. وجعله منذ البداية واثقا من نفسه قوي الشخصية ذا حضور متميز. وانكب على الدراسة والقراءة. ينهل من منابع المعرفة وكان لأخيه العائد من بريطانيا (شوكت السبول) تأثيرا إيجابيا إذ غذى فيه حبه للتعلم وساعده ليقف على قدميه ويشتد عوده. بل ضمه إليه بعمان، وكان في كل مكان مجليا ومبرزا رغم اهتمامه بالشعر والأدب بعيدا عن المناهج المدرسية المقررة.
هذا الذكاء والشفافية والوعي الحاد بكل ما حوله رافقه نوع غامض من الحزن المبهم الذي يمس شغاف قلبه فكانت نجاحاته المدرسية ووضعه الاجتماعي غير كافيين لإرضاءه. كان دائم التألم لما حدث في فلسطين وما يحدث. فبعد نكبة فلسطين 1948 وضياع جزء هام من الوطن العربي تم تدفق اللاجئين بحالة محزنة من الضياع والتشتت إلى أرجاء البلاد العربية باحثين عن زوايا تلم شملهم وشتاتهم. تحت عيون العالم الصامت أمام قوة السلاح الذي يطرد شعبا أعزل من بلاده وما اهتز الوجدان العالمي للمأساة وما نبس بكلمة. بل إن بعضهم بارك اليد الملوثة بالدماء وصفق لها.

كانت النكبة الجرح الأول في قلبه، شاب ما غادر بعد مرحلة الطفولة وتحولت إلى هاجس يرجو النصر على مر الأيام، كم جرب بعد ذلك الحب وفشل فيه فبعد أن كتب قصائد لا تعد عن الحب بدأ يمزق أوراقه بحثا عن الأجدى لأمور لا تجري كما يريد. ولكن أسمه كان قد لمع في المدرسة كشاعر مهم يلقي شعرا بين الفينة والأخرى من منبر الإذاعة في برنامج مع الطلبة. وبرامج أخرى منوعة. ومن منابر المدارس التي كان يدعي إليها. أنهى تيسير دراسته الثانوية بتفوق رغم القلق والاضطراب والحزن الذي سببق سجن أخيه شوكت بسبب آراءه السياسية ولكن آلام تيسير جعلته يتحدى الوقائع المؤلمة وينجح نجاحا باكرا أهله للحصول على منحة دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة الفلسفة ولكن الحياة في الجامعة الأمريكية في بيروت لم ترق لشاب تشغله قضايا الأمة العربية وما يعج بالعالم العربي من أحداث.




ترك الجامعة الأمريكية وقرر دراسة الحقوق في جامعة دمشق. وفي دمشق برز تيسير كشاعر شاب موهوب وأوسعت له الصحف اليومية والأسبوعية صدرها لاستقبال أشعاره وكذلك الدوريات الشهرية الأدبية في دمشق وبيروت كمجلة الثقافة، الآداب والأديب. وكان لاسمه توهجا خاصا لفت إليه الأنظار. ثم جاءت الوحدة بين مصر وسوريا فكانت فاتحة أمل لأحلام ما فتئت تداعب صدور الشعوب العربية المؤمنة برسالتها وقوميتها، وسرعان ما تبعها الانفصال فكان شرخا كبيرا وهزيمة ساحقة فبتدد الحلم وتجلت الهزائم اليومية الأخرى على مستوى الأصعدة الثقافية والاجتماعية فقد كان الشعب العربي يمر بمخاض مؤلم من تغيير في وجهه الحضاري.

لقد حدث تخلخل في التاريخ وما كان هناك تفسير يوضح ما جرى ويجري. توقف تيسير عن الكتابة حينا من الزمن فالشاعر الذي عاش وقائع زمنه بكل حواسه وبمثالية حالمة أصبح يرزح تحت عبء الإنكسارات المتوالية. التفت آنذاك إلى الحياة اليومية فعمل موظفا متنقلا من وظيفة إلى أخرى. وتزوج وأنجب طفلين، عتبة وصبا، وبدا وكأن الزمن قد أبرأ جراحه. جاءت هزيمة حزيران لتتكأ الجرح القديم وتزعزع ما استقام من حياته. الضربة قوية مؤلمة وفي الصميم. بكى الهزيمة ولا عزاء. ذهب إلى الجسر المهدم ليلقي بنظرة وداع على جزء عزيز على قلبه قد ذهب ربما إلى غير رجعة. أعلن موت الشعر. وبدا عاكفا على قراءة تاريخه القديم مستلهما من الماضي ما يعينه على مواجهة مستقبل غائم غامض. عكفت على كتابة روايته (أنت منذ اليوم) والتي حازت على جائزة النهار الأدبية لعام 1968 محللا ما يجري في عالمه، متخذا من العنوان نفسه شعارا لما سيأتي.. محاولة لغفران الماضي ونداء لبداية جديدة. مستصرخا شعبه العربي لينهض ويبدأ من جديد منذ اليوم... ولكن الأمور لم تجر كما يريد وما نيل المطالب بالتمني. وكانت حرب تشرين 1973 انتصارا في البداية أعقبه تراجع وهزيمة في الدفرسوار. ثم استسلام وصلح مجحف. لقد خانته رؤياه فالعربي استسلم لهزائمه الماضية واستراح خارجا عن نطاق الزمن. وما كان لصوت شعر واثق أن يحرك الهمم. في ذلك الحين لم يعد تيسير يحلم بالمستقبل إذ بدا له غاية في السواد والغموض. انطفأت شعل الحياة في أعماقه. أحس أن الهزيمة هزيمة شخصية له. وما كان له أن يقف موقف المتفرج الصامت في معمعة الحياة. وما طابت له الحياة المعاشة العادية. ولعله في لحظة خاطفة وفجأة قرر الانسحاب من الحياة معلنا تمرده ورفعته لمنطق الصمت والهزيمة.
وزعقت رصاصة جانية بصرخة مدوية فلم يبق شيء يمكن أن يقال بعد الآن. وهكذا رحل تيسير في اليوم الخامس عشر من تشرين عام 1973. ولعل دوي الرصاصة القاتلة لا تزال تستصرخ يوما يأزف فيه النصر النصر على ذواتنا الضعيفة الداكنة.



**************************







تيسير السبول منجزات في زمن قياسي


-------------------------------------





[sor2]http://www.aljazeera.net/mritems/images/2009/8/11/1_933357_1_23.jpg[/sor2]



تيسير سبول يكتب «على أمواج الأثير»


زياد أبولبن


----------------------------------------------------


كتب تيسير سبول رواية"أنت منذ اليوم"، وشاع أمرها في الأوساط الثقافية العربية، بل اقترن اسم تيسير باسم روايته "أنت منذ اليوم"، وهي الرواية التي فازت بجائزة جريدة النهار في بيروت مناصفة مع رواية "الكابوس" لأمين شنار، بل دفع بالبعض الاعتقاد بأن تيسير لم يكتب شيئا غيرها، في حين كتب البعض دراسات عن ديوانه"أحزان صحراوية"، وكتب قصصا ومقالات وأحاديث إذاعية، قام بجمعه بعد وفاته فوزي الخُطبا، ونشرها في كتاب بعنوان: "حديث الأثير، وصدر أخيرا مجلد بعنوان :"تيسير سبول: الأعمال الكاملة"من منشورات البنك الأهلي الأردني" عام 2005 ، وقدّمت له زوجته الدكتورة مي اليتيم، وقد توقفت عن الأحاديث الإذاعية التي كان يُذيعها تيسير سبول في برنامج بعنوان: "على أمواج الأثير"، وهي أحاديث في الشعر والرواية والقصة والمسرح والفكر، وهذه الأحاديث منشورة في الأعمال الكاملة، لما لهذه الأحاديث من قيمة أدبية تدخل في باب النقد مرة، وباب التراجم مرة أخرى، وثالثة في باب الدراسات.

في القسم الأول من أحاديثه الإذاعية لبرنامج "على أمواج الأثير" في مواقف في الشعر، حديث عن كتاب لصلاح عبد الصبور بعنوان "قراءة جديدة لشعرنا القديم"، فالسبول يعرض لمحتويات الكتاب في فصوله المختلفة، ويراه محاولة للاتصال بالتراث العربي القديم واستخراج النفيس من قيمه الفنية والإنسانية، ويثبت الكتاب أن الشعراء الحديثين ليسوا مقطوعي الجذور عن أدبهم وتراثهم، بل هم في طليعة الحريصين على هذا التراث وإحيائه في أطر من الفهم العصري القريب للقارئ الجديد.

كما يتوقف السبول مع المتنبي العربي في رحلة مع الشعر، وقوف المتذوق للشعر، معبرا عن اختياره للأبيات الشعرية التي فيها أنفة العربي وتحديه للشدائد، وهذا ما تمثل في شخصية المتنبي، وتطابق مع شعره، ويختم بقوله:
"إنه الشاعر الحق، يعيش عمره على مستويين، مستوى من الواقع، ومستوى من الكونية، ويتمزق بينهما"، ونردد قول المتني:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا
تمنيتها لمّا تمنيت أن ترى صديقا فأعـيا أو عـدوا مداجـيا

كما له وقفة مع الشاعرة كلثوم مالك عرابي في ديوانها: النابالم جعل قمح القدس مرا، ويبدأ بحديث عن تعالق الشعر مع النثر، أو اقترابه منه، وبهذا الاقتراب بدأ الشعر يفقد الكثير من خصائصه، وحدثت أزمة الشعر، فهناك المدافعون عن خصوصية الشعر، ويرون أن المحافظة على المميزات التي تمنحه قوة خاصة: الخيال والعاطفة والإيقاع، ويرى غيرهم بأن هذه العناصر نسبية، تتراوح بين زمن وزمن، وليس الشعر بمتميز عن سواه من الفنون المتطورة المتغيرة أبدا بتغير واقع الإنسان وهمومه ولون حياته.

يقرر قبل الحديث عن المفردة الشعرية في الديوان، بأن هذا الديوان يتزاوج الحلم والواقع فتتلاشى الحدود، ولا يعود الحلم نقيضا للواقع بل يتبادلان العطاء أحدهما للآخر. يكون الحديث قصيرا عن الديوان وهو حديث واع بالشعر وما يحمله من صور، وتشكيل في اللغة، ومن شعرها: ويقال عن النجمة إذ عشقت لون الأقمار هي بعض طفولة قيثار تتجاوز مرماها في سحر الأحلام وتحن إلى ما بعد الشمس ويقال الصبح تمارض فينا وبأن الأنداء تهاوت في قلب الصيف وماتت والنابالم قناع أحمر لم يتمزق بعد.

ويقف السبول عند مرثية "أبو ذؤيب الهذلي" لأولاده، وهي من عيون الشعر العربي القديم، وتعدّ من شعر المراثي، الذي تصدق فيه العاطفة، وينتقل الشعور الشخصي إلى شعور إنساني، بل إلى شعور بالحيوان الذي يواجه الموت، كما جاء في القصيدة وصفا لمصرع الحمار الوحشي على يد صياد، ومصرع ثور بري في صراع مخيف مع الكلاب، وفي القصيدة مواجهة مع الموت الذي أفقد أبا ذؤيب أولاده الخمسة في عام واحد، وأول مطلع القصيدة:
أمًن المنون وريبها تتوجعُ والدهر ليس بمعتبً من يجزعُ

كما يقف عند أبيات من شعر الحبّ، فكانت رحلة إلى أفق الحب، ووجدت أن تلك الأبيات تصور لوعة العاشق، والفراق، والألم الذي يعتصر الأفئدة، ولم يُشر السبول إلى قائلي الأبيات، وإنما اختار ما يُناسب ذوقه، وختم وقفته عند صورة غريبة، خاصة عن الحب، كما قال، ويظنّها من جوهر فريد:
فإن تمنعوا ليلى وحسن حديثها فلن تمنعوا عني البكا والقوافيا
فهلا منعـتم إذ منعتم حديثـها خيالا يوافيني على النأي هاديا
ويقف مع ديوان "ترجمان الأشواق" لابن عربي، ويتساءل إن كان هذا الشعر في العشق الإلهي أم في العشق الإنساني، وفي الديوان جواب ابن عربي بقوله:
إن كل إشارة وكل اسم صبوة إنما تجيء جميعا تكنية عن العشق الإلهي، وفي جانب أخر يكشف ابن عربي حجاب الغموض عن ديوانه، فقد قدمه له بمقدمة غريبة حقا، فأشار إلى فتاة عرفها، ووصفها بكلماته كالتالي:
من العابدات العالمات، ساحرة الطرف، إن أسهبت أتعبت، وإن أوجزت أعجزت.

ووقف مع الشاعر فلاديمير ماياكوفسكي في قصيدته "غيمة في بنطال، تلك القصيدة التي تعبر عن رائحة الموت، فيترك فلاديمير كلمات حزينة بعدما أطلق على نفسه الرصاص، يقول:
زورق الحب الذي تحطم على صخور الحياة اليومية، ورجاء لأمه ألا تبكي وللناس ألا يتقولوا عليه".
ووقفة أخرى مع الشاعر الإسباني "غرستاف ادولف بيكر"، الذي توفي عن أربعة وثلاثين عاما، وترك ديوانا أسماه "قصائد"، وشعر بيكر ذاتي ولكنه لا يفتقر إلى النزعة الإنسانية، فهو شاعر يؤمن بالجمال والشعر والحب، ومن شعره:
أعرف نشيدا ضخما غريبا ينبئ في ليل الروح عن فجر
ويقف مع الشاعر الفرنسي "لامارتين"، مستعرضا سيرته، ونجد في هذه السيرة أديبا ترك بصماته الواضحة في التراث الإنساني، وكان مثقفا فريدا، ومتجولا في الشرق، فزار سوريا ولبنان وفلسطين، وقد تعلق بالمرأة، وكتب قصيدته المشهورة "البحيرة" كتبها من أجل "الفيرا" التي توفيت شابة، وفي نهاية حياته نكب بثروته التي لم يحسب لها حسابا، فقد تجاوزت ديونه خمسة ملايين فرنك، فعرض مؤلفاته للبيع، وقد كرمته الدولة بمعاش سنوي، كمكافأة وطنية لقاء خدماته.
ويقف مع الشاعر الألماني"غوته"، في قصيدة على لسان الفتاة الصغيرة "مينون"، وقوفا تحليليا لأبيات القصيدة، كاشفا عن مضمونها، ومن أبياتها:
حيث الريحانة الساكنة وشجرة الغار العاليةهل تعرف البلد البعيد؟إلى هناكإلى هناكأود أن أمضي معك يا حبيبي".وآخر هذا القسم من مواقف في الشعر، يقف عند وليم شكسبير وعالمه المسرحي، فيقف عند الخلاف القائل بالتشكيك في نسب المسرحيات لشكسبير، أم للسير فرانسيس بيكون أم للشاعر العظيم مالرو، بل وصل الشك إلى إنكار وجود شاعر اسمه شكسبير، ويبقى القول أن المسرحيات تلك من المسرح العالمي بغض النظر عن نسبتها، وتوزعت المسرحيات بين المسرحيات البطولية، كما في تراجيديا الثأر، وكما في المسرحيات التاريخية، والمسرحيات الكوميدية. ويقال إن باكورة إنتاج شكسبير مسرحية "تيتوس اندرونيكس"، وأول مسرحياته التاريخية مسرحية "الملك هنري السادس"، وأول مسرحية كوميدية "كوميديا الأخطاء".

نجد تيسير سبول في القسم الثاني من أحاديثه الإذاعية لبرنامج" على أمواج الأثير "في مواقف في القصة والرواية" ، يتحدّث عن "اختلاط الحدود بين الرواية والشعر"، وهذا الاختلاط كما يراه يتمثّل بالمعنى الاصطلاحي للأجناس الأدبية مثاله:
الصورة الشعرية، هيكل القصيدة وبناؤها، القصيدة النثرية، الرواية الشعرية، فيرى أن الشعر استعار مصطلحا من الرسم (الصور)، وأن الشعر استعار مصطلحات النحت وفن المعمار (هيكل القصيدة وبناؤها) ، وأن مصطلح القصيدة النثرية ومصطلح الرواية الشعرية يبدو فيهما تناقض، في حين أن هذا التفاعل المتبادل بين الرواية والشعر بحاجة إلى عنصر موجود في اللون الآخر، مفتقد في ذاته، فالمخيلة والواقع موجودان (القصيدة النثرية) ، كما أن الواقع والمخيلة أيضا موجودان (الرواية الشعرية) ، ويضرب أمثلة بنماذج عالمية من الكتابة في أشعار (أودن) ، و (جاك بريفير) ، ومسرحيات (إبس) ، وروايات (جيمس جويس) ، و (فرجينيا ولف) ، و (د.ه.لورنس) ، و (ويلز) ، و (شو) ، و (بنيت).
كما نجده في حديث عن "موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح"، فيقدم تلخيصا موجزا لأحداث الرواية، ثم يحلل هذا التلخيص، فنجده يعرض للعلاقة بين الشرق والغرب من خلال أحداث الرواية، من خلال شخصية مصطفى سعيد الشخصية الرئيسة في الرواية، وهذا العرض ما هو إلا تلخيص أخر للحدث نفسه، دون أن الوقوف على فنيات الرواية وجمالياتها، وهذا ما يقر به في نهاية حديثه، باعتبار أن ما قام به تحليل للعمل الروائي، ويستشهد برأي الناقد رجاء النقاش ، ويطلق حُما تعميميا عندما يقول:
ولكن الطيب يقدم عملا فنيا بديعا، لقد استطاع الطيب صالح أن ينفذ من بين جميع الأشكال الروائية، إلى شكل خاص يجمع بين دقة ووضوح الكلاسيكية، وحرارة ورشاقة الأعمال الحديثة، وفي الوقت ذاته، قدم معاناة فكرية صادقة لإشكال فكري سيظل قائما لسنين طويلة".
وفي حديث له عن "الكبار والصغار" وهي مجموعة قصصية للكاتب المصري محمد البساطي، يقدم فهما للواقعية في الأدب والفن، باعتبار الأدب والفن يصور الجانب الوظيفي الاجتماعي، وأن الواقعية تعنى بإعادة تصوير للواقع، وإعادة ابتكار، وإن حل أزمة الأدب الواقعي تكمن في نتاج الأدباء أنفسهم، أكثر مما يمكن في آراء النقاد، ويقرر من منطلق فهمه للأدب "إذ على حصيلة إبداع الأدباء تحيا النظريات التقدمية، حتى وهي تستشرف مستقبل الأدب، وحتى وهي ترسم الحدود".
وتأتي مجموعة محمد البساطي "الكبار والصغار"، في مرحلة اضطراب الرأي حول واقعية القصة العربية، كما يرى تيسير السبول، وهذه المجموعة محاولة للخلاص من بين فكي أزمة الواقعية، فك الجمود والميكانيكية عندما يتحول الأدب والفن إلى جانب وظيفي اجتماعي ، وفك عدم التحديد، وتداخل كل المدارس الأدبية. نجده هذه القراءة أكثر نضجا ووعيا في استخدام أدواته النقدية، مما حلله في رواية الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال"، فقد قام إلى جانب التلخيص بوقفات حول الفن القصصي وجمالياته، وأطلق أحكاما نقدية على العمل، فقال:
ميّز محمد البساطي نفسه عن عدد كبير من كتاب جيله، الذين تدور قصصهم في إطار الذاتية المغرقة والمغلقة، التي لا تتصل بهموم المجتمع إلا بقدر ضئيل لا يكاد يلحظ، من هذه الزاوية تستطيع أن تطلق على مجموعة محمد البساطي وصف (الموضوعية) بجلاء".
وقد اعتبر عمل البساطي عملا واقعيا يعبر عن مشكلات الإنسان في العالم الثالث، فهو يلتقط الشخصيات الهامشية في المجتمع، ولذلك رأى في مجموعة البساطي الفنان الواعي الذي يمتلك أدوات فنه، والواقعية لديه تتسم بالإيجاز العميق المعبر، وقد استفاد من فن السينما بالتقاط الصور الجزئية وتنسيقها وربطها، كما استخدم المنولوج الداخلي في قصصه، كل هذا جعل من أدب البساطي أدبا واقعيا مبتكرا، وهكذا تحقق للكاتب أن يقدم قصصا إنسانية وواقعية عميقة، وفي الوقت ذاته أدبا رفيعا، كما يراه تيسير سبول.وفي حديثه عن مجموعة نجيب محفوظ "تحت المظلة" نرى عمق التحليل ، والوعي النقدي لدى تيسير السبول، فهو متابع لأعمال نجيب محفوظ، حيث نجده يقول:
تتسم قصص هذه المجموعة بالتجريد والرمزية، وفي الغالب الإيجاز الشديد جدا، والناظر إلى تطور أدب نجيب محفوظ لن يستغرب هذه النتيجة، فالمرحلة الواقعية من قصص نجيب محفوظ، والتي توجت بثلاثيته الشهيرة، كانت بداية في طريق من التطور، نستطيع القول بأن سمته الأساسية تكمن في الابتعاد عن الأسلوب الواقعي في القصص شيئا فشيئا، والميل نحو الرمزية بتسارع يكاد يكون منتظما". كما أننا نلمح وقفاته النقدية في الحديث عن الترابط القصصي داخل المجموعة، ووجد عدد من المسرحيات التجريدية ذات الفصل الواحد في المجموعة نفسها، ففي مسرحية "النجاة" ومسرحية "مشروع للمناقشة" يبدو تأثر نجيب محفوظ بـ (بيرانديللو) ، خاصة اقتران الفكرة بين مسرحية "مشروع للمناقشة" ومسرحية "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" لبيرانديللو. ويختم القول تيسير سبول برأيه:
ان نجيب محفوظ يبدو قد اندفع بعيدا جدا عن عالم الواقع في هذه المجموعة، وتحولت قصته إلى طلسم غامض جدا بعض الأحيان"، أي أنه غادر الواقعية، وسيعود بعمل أخر يخاطب الواقع بأسلوب أقل تجريدا.وفي رواية نجيب محفوظ "بداية ونهاية".
قسّم تيسير سبول نتاج محفوظ إلى مراحل ثلاث:
المرحلة الأولى تاريخية، كما هي في روايات: عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة.
المرحلة الثانية اجتماعية، كما هي في روايات: بداية ونهاية، السراب، زقاق المدق، خان الخليلي، القاهرة الجديدة، الثلاثية: بين القصرين وقصر الشوق والسكرية.
المرحلة الثالثة تبدأ برواية اللص والكلاب، وتشمل بقية نتاجه اللاحق، ونلحظ أنه لم يصنف تلك المرحلة وتركها دون تحديد صفة مرحلية. يعود تيسير إلى تلخيص أحداث الرواية، ويكون له وقوف سريع بقوله:
لقد اتّهم نجيب محفوظ بالتشاؤم في هذه الرواية بالذات، ولكنه في الحقيقة كاتب واقعي، كشف القناع عن الآلام المعيشة، والزيف الروحي لقطاع هائل من المجتمع"، أي أن نجيب محفوظ واقعي يصور معاناة الهامشيين في المجتمع.يقف السبول عند مجموعة يوسف إدريس "الندّاهة" وعنوان المجموعة عنوان قصة في المجموعة يشير إلى نداء المدينة للآخرين من القرى، وغيرها، فالمدينة جنية تدعو إلى أحضانها، ويتخلى هؤلاء عن مبادئهم وقيمهم وأخلاقهم، كما حدث مع حامد وفتحية اللذان قدما المدينة من القرية، وهي قمة نجاح المجموعة، كما يرى السبول، في حين أخفق الكاتب في قصة "العملية الكبرى" فهي تفتقر لعنصر الإقناع، كما أن الكاتب لم يوفق في الأقصوصتين القصيرتين جدا "المرتبة المقعرة" و" النقطة"، فقد افتقدتا للشروط الفنية الخاصة بالأقصوصة.
ويقف السبول "حول مسألة الإيمان في شعر اليوت"، فيستعرض بعضا من مقاطع شعره للتدليل على أن "اليوت" يمثل حضارة فقدت الإيمان، ويخلص "إلى أن شعر اليوت لا يحمل فرح الإيمان، ولكن يمثّل الاستسلام للمشيئة التي تسألها النهاية فقط، وأن افتراض مرحلة إيمان في شعره لا يخلو من التعسف، إن شعر اليوت وإن بدت نغمة الصلاة في أغواره لهو نسيج واحد من روح تتحسس عمقها ونهايتها"، وهذا ما يقرنه السبول بشعر الصوفية المسلمين مثل رابعة العدوية، وابن الفارض، وغيرهما، الذي تجد فيه روح الإيمان الذي يسرع نحو الذات الإلهية، في قول رابعة:
أحبك حبّين: حب الهوى وحبا لأنك أهل لذاكا
على عكس ما تجده عند اليوت بالنسر الذي لا يود أن يمدّ جناحيه، فيعبر عن الاستسلام للمشيئة، لم يغادر حدود هذه الأرض، ولم يخترق الروح، في قوله:
علمنا أن نكترث وألا نكترث صل من أجلنا، نحن الخطاةالآن وفي ساعة موتنا".
وأخيرا يتوقف السبول عند فيلم سينمائي بعنوان "العار" وهو فيلم ضد الحرب، يخاطب العقل ويخضع الكاميرا للرؤيا - كما يرى السبول - وقبل أن يلخص الفيلم ويحلله يدعونا لحفظ هذه المقولة في أذهاننا، وهي: "لا بد أن نبدي تحفظا هاما، فبرغم أن هنا ضد الحرب، إنه يتجاهل حقيقة أساسية وهي أنه في كل حرب يوجد طرفان: معتد ومعتدى عليه، ومن البداهة أن الحرب العدوانية مشجوبة، بينما الحرب الدفاعية حقّ مشروع، ترقى إلى الواجب المقدس". وبعد ذكره لأهم أحداث الفيلم، يطلق حكما حول أسلوب مخرج الفيلم "برغمان" من الناحية الفنية، فيرى أنه أسلوب كلاسيكي، خال من الحذلقة واستعراض الكاميرا، أو اختيار الزوايا المثيرة، فالكاميرا عند برغمان خادم لرؤياه، تعرض وتعبّر ولكنها لا تقصد الإبهار.



**************************





تيسير السبول والرواية



-----------------------






تألق السبول في الرواية بجانب شاعريته الفذّة فكان أن نقش بعميق فكره تلكم الروايات:ومنها:- ـ القارىء مبدعاً
- صياح الديك
- هندي أحمر
- أنت منذ اليوم

تحميـــــــــــل

تعد روايته "انت منذ اليوم " الذي كتبها بعد هزيمة 1967 المريرة وفازت بجائزة مسابقة "دار النهار اللبنانية للنشر " مناصفة مع رواية "الكابوس" لأمين شنار من أهم الروايات العربية التي تقف في مصاف الروائع الروائية العربية .
بطل الرواية "عربي" وراويها يحمل الكثير من سمات تيسير سبول حسب رأي الكثير من النقاد ، فعبر الرواية يقدم سبول صورة لعلاقته مع أبيه ، وعلاقته بحزبه الذي فصل منه لأنه رفض وصية أحد فكره .
رواية تيسير سبول بالاضافة لقولها عن علاقته بأبيه وبأسرته وبتنظيمه الحزبي تصور الهزيمة العربية بكل تجلياتها المادية والمعنوية لتدين المجتمع العربي بأكمله وتحمله بالتالي المسؤولية .
لا يمكن ان نقول عن رواية "انت منذ اليوم " انها بكائية على وطن ضاع ، ولكنها تعري المجتمع وتفضح المسكوت عنه من ظلم وبطش .
وللسبول من القصص القصيرة "قصة هندي أحمر " التي تروي قصة شاب يرث عن أبيه كرهه للهنود الحمر ، وحبه للنساء البيضاوات وصالات السينما وعندما يموت الأب يحصى الابن التركه ويرحل إلى بيروت حيث يجد هناك ما يبحث عنه .
أما في قصته الاخرى "صياح ديك "والتي تقع في ست وعشرين صفحة من المقطع الكبير فانها تعالج قصة مسجون مفرج عنه يستقبله صديق له في وقت الافراج عنه ليكتشف بعد خروجه من السجن الدنيا بشكل جديد وان كل شيء قد تغير ويدين سبول في قصته الجري وراء الدعاية الرأسمالية والمظاهر الخادعة .





تيسير السبول والشعر
-----------------------






واضافة لما كتبه سبول من دراسات وانطباعات نقدية وسياسية وترجمات يقف الشعر في صدارة ما كتبه فديوانه " أحزان صحراوية " الذي نشر عام 1968 فان الحزن لا يترك أي حرف من الديوان دون ان يسكنه .
ولأن تيسير سبول شديد الحساسية لما يكتبه فان رغبته في انهاء حياته مبثوثة على صحفات الديوان ويعبر عنها من خلال اليأس وعندما توقف سبول عن كتابة الشعر علل ذلك بقوله :
" جميع الشعر الذي يكتب لأمة مهزومة ، هذه الأيام هو غثاء ، ولا أريد ان أزيد على أكوامه غثاء آخر " .
الاديب سبول على الرغم من كثرة النقاد والباحثين الذين ولجوا ادبه وشغلوه،الا ان الباب المتعلق برسائله ما زال بكرا تماما ،وكما هو حال خلوّ الساحة الثقافية العربية والاردنية من كتاب متفرد حول ادب السبول الروائي يبين من خلال كم الدراسات التي كتبت عن روايته الوحيدة اوجه التجديد ومواطن قوتها،فكذلك الامر فيما يتعلق بمراسلاته التي تكشف نظرته بجذرية لمنظورات ومفردات الحياة التي اغلقها السبول وراءه ،وهو اهم من حمل سفينة الادب الاردني لشاطىء التجديد بلحظة تراجيدية ما زالت متوقدة في ذاكرة كل من عرفه،وتلك اللحظة هي لحظة انتحاره.



**************************





مراسلات تيسير السبول



-----------------------


مراسلات تيسير السبول لاصدقائه ولزوجته ، تعددت عبر اسفاره التي يمكن ترتيبها على هذا النحو: «بيروت ، سوريا ، بيروت ، السعودية القاهرة ، وفلسطين» ، وابرز تلك المراسلات مع صديقه وتوأم روحه الاديب صادق عبدالحق ، الذي صادقه منذ العام 1955 ولم تنقطع صداقته واخلاصه له حتى بعد غيابه الذي اختاره السبول بطلقة لم توقظ الموتى على حد تعبير د. مي اليتيم زوجة تيسير سبول..

من رسائل المرحوم تيسير السبول لصديقه صادق عبد الحق



الرسالة الأولى


----------------


"فليدق الله عظامكم وليحسن الدق "




عمان في 9 ـ 10 ـ 1967



ايها الصديق المرمي بعيداها ان حلقة الشيطان تطبق يسمونها بالانجليزية Vicious Circle الحلقة الشريرة ، نعم ، عمان في 9 ـ 10 رسالة حزينة وبعد غد الكويت في كذا او الخ رسالة حزينة - ان الله القدير وحده عندما يتكفل بقصف رقابنا الهشه غير الجيدة الحياة ، نعم وحده ينهي فراغ خلقه الشر.

عندما كنت في البحرين كنت دائم التأثر بمنظر قارب مهجور على شاطئها حيث كنت اتسلى - لا بل اسلي النفس وفي ذهنك ان لم يكن في مقلتك عجل كاوتشوك على شاطىء وذات امسية كئيبة في الرياض اجهش صديق بغصة حلق فقال: قال الصديق:بكل تداوينا فلم يشف ما بناعلى ان قرب الدار خير من البعدويعلم الله ان الحزينة التي وعدت بيوم تفرح فيه فقدت اوانها ويعلم الله ان الشيخوخة على الابواب فهلا اعطتها الحزينة الوعد الحق.

استقالتك (1) قبلت ، هكذا اخبرني فاروق الذي قابلته بعد قليل من استلام رسالتك - رئيسك يرغب في ان يرسل جوابها لك مباشرة في الكويت ، ها انني احاول بدوري الانتقال الى جهة ما في العالم - ربما الى الكويت حيث لا ذباب في المطار ، الحمد الله يا ربي اذن على اللاذباب الذي انعمت - مرسي((2يا ربي. ربما الى جهنم العراق التي كانت امي تتمناها لي في شقوة طفولتي ـ اعتقد ان السيدة العراق مناسبة جدا.

المشكلة يا سيدي الاخ الحزين والحبيب انها امسية شتائية - وفي الشتاء تبدأ قدمي تتفكر ورأسي يقوم باعمال اخرى والله لا ادري كنهها تماما انما هي من فصيلة: احلام - تأمل - كسل - دور الركود الشتائي عند الضفادع وما شابه.انت ترى، اكتب لك متأقلما مع كونك غائبا. متأقلم تعبير سخيف ، اعني انا اكتب وانت حضور غائب معترف به ، في فمي - انا لا اتحدث عن غيابك بل انني لا اتحدث الا عن غيابك فبعد رحيلك الذي تموضع نهائيا ورحيل قطعة كبدي الجيدة المذاق الصغيرة محمد زيدان وبعد تلك الكوكبة الممتازة من فرسان الحزن الشجعان الذين عبروا بسنابك خيلهم طريق قلبي البري ، بعدكم ها ان الحياة كلمات كلمات. فليدق الله عظامكم وليحسن الدق يا ربي. احب ان تحملني عاصفة فتطوف بي فوق حقول الزيتون المغبرة - لا ارض لقدمي المفكرة العظيمة.وبعد: فإن شهادة حسن السلوك قد ارسلها جودت (3) ، ها انت فتى حسن السلوك وحسن الطلعة ولكن: حسن طلعتك ايه من غير صديق يهواك (4)؟الشتاء يدق الباب - اقتربوا ايها الاصدقاء - الواحد من الاخر اقتربوا اقول - صادق ومحمد لكما حبي مدفأة





الرسالة الثانية
----------------

وجودنا كله مر.. مر يا الله ما اشد مرارته"

[/CENTER]
أخي الحبيب صادق

تحية لقلبك الكبير

بعد قراءتي رسالتك الاخيرة بدقائق كتبت لك رسالة من تسع صفحات لا تزال معي ـ وسأمزقها لانها وتر مشدود قاس.واما الآن فلعلي في لحظة تعادل. فالاحرى اذن ان اكتب لك نموذجا مختلفا لا حبا في التجديد بل سأما من التكرار.احزنتني رسالتك في وقتها.. بدوت لي جد بائس رغم انك لم تكن متوترا.. والآن يا صادق في هذه اللحظة بالذات - والساعة تقارب العاشرة مساء - وانا استمع الى موسيقى كلاسيكية لا اعرف اسمها. الآن افكر بقليل من العمق بحياتي وحياتك اعني الجانب المرتبط منهما... فأجد ان تلك الصداقة الرائعة التي شدتنا الى بعض ، تلك المحبة النادرة الوجود ، كلها كانت اشبه بسمفونية شوبرت التي لم تتم. ولاعد الى ذهنك ان سمفونية شوبرت الناقصة لم تترك هكذا بدون نهاية لان الموت عاجل شوبرت - كما يظن كثيرون - بل لانه هو لم يرد ان يتمها... ولكن على اي ضوء احكم بأن صداقتنا الرائعة لحن لم يتم؟لقد كنت اتوقع واريد من اعماقي ان تكون خاتمة تلك المحبة هي حياة مشتركة... لا يهم جزيرة سعادة او مكتب محاماة مشترك - او مزرعة مشتركة - او دكان اقمشة او خضراوات مشترك غير ان الواقع انحسر عن غير هذا.. انا ادرس الحقوق هنا ، وانت تفكر في الدراسة بالقاهرة او المانيا او من يدري.. لقد استسلم كل منا لواقعه وسار في الطريق اللاانتمائي رغم انه في جوهره متطرف في لا انتمائيته.. نحن ادركنا من غير ضلالة او تزييف كم هي تافهة الحياة - والامل والسعي الدائب لتحقيق النسبيات - ورغم ذلك نحن نسعى وراء حياة من التي يسمونها كريمة او متوسطة او... الخ"قال المذيع الآن ان الموسيقى الكلاسيكية هي لباخ"آسف لهذه الجملة المعترضة واعود:ان الامل جد ضئيل في ان يجد كل منا شخصا يعوض الآخر... ومن هنا سأظل اشعر بالاسف - وهذا الاسف تنقصه الايام - لفقدي لك ، واظن الحال معك تشابه.

اذن: فقد التقينا ذات مرة - وكان لقاؤنا حادثة لها اهميتها عند اثنين في حالة سقوط مريع ، وهذا ما شدهما بعنف.. وعندما اموت اعتقد انني سأتذكرك واتمنى بشدة لو انك عندي تلفظ انفاسك معي..لماذا؟ نعم الا تتساءل: لماذا بقي هذا الالتقاء السقوطي المريع سمفونية ناقصة؟استطيع ان اجيب على القسم الذي يخصني من السؤال ولست واثقا من ان جوابك مشابه ام لا.كنت ولا زال على استعداد كلي لرفض المستقبل كله ، والدراسة واحلام الزوجة والفيلا والسيارة الخ...لو انني وجدت في وضع خاتمة للسمفونية خلاصي الكبير.. ولكن يا صادق - يا اروع الناس واحبهم.. انت قلتها.. سيدخل السأم حتى الى جزيرة السعادة..رغم كل هذا فإن تحقيق حياة مشتركة يبقى من اعز امنياتي.قلت في مطلع رسالتي انني شبه متعادل - غير انه من الصعب عليّ ان اكتب لصادق وابقى متعادلا - لان صادق ليس شخصا عاديا في حياتي ، حتى حينما يسخف فلست ادري لماذا احاول ان اعطي سخفه معنى عميقا واتأمل بمحبة واسف محاولا تمثل وضعه وهو يقرض شعرا يا رب سيجارة اشعلتها بيدي طارت وفي القلب دخان.هكذا كانت سمفونيتنا يا صادق الحبيب - وهي قصة مهما تآكلت بفعل السنين فسيبقى منها ذكرى لانها ليست بالمأساة اليومية العادية التي يمكن اعطاء حلول لها - انها كابوسنا المريع الذي فتحنا اعيننا عليه دون ان يفيق منه:الحياة ليست احب العبارات التي مسخها العشاق بتفاهاتهم - لكن الفراق مر

والموت مر

وكل ما يسرق الانسان من انسان مر

والحياة مرة

والملل - والليل - والوحدة - والضياع اشياء مرة

وجودنا كله مر.. مر يا الله ما اشد مرارته.

وريقي هو الاخر في حلقي مر.

لا يحق لاحد ان يحكم - ان الرب هو الذي يجرجرنا في الدروب التي يختارها. هل قرأت هذا؟ هل يمكن لنا ان نحقق راحة الاستسلام واليأس.. ونترك ذواتنا للرب؟؟ لقد فشل تفكيرنا كليا فهل يمكن لحواسنا ان توصلنا الى الحقيقة التي وراء كل ظاهرة: فلأردد جملا موسيقية واقول مع وليم بليك: «حين تطبق الكهوف على الفكر فإن الحب سيبعث جذوره حتى في اعمق اعماق الظلمة... من يدري؟»

كل الفاظ الوداع مرة

والموت مر

وكل ما يسرق الانسان من انسان مر

كم رددت مرارة حجازي وبدلت كلماتها

الكراهية مرة.. والحب مر... الفراق مر - مر - مر - مر - من حسن

حظنا اننا نموت يا صادق لان الموت آخر مر نتذوقه.. ثم... اللاشيء الكبير..فليوفقك الرب يا صادق.. وليحفظك لسن الستين ليقلل الرب من ضياعك - ويساعدك على تحمل وحدتك وبأسك المتغلغل - وليخفف من تمزيق انياب الوحشة لك.. ولينق المساء امام عينيك من الدخان والغبار.. واعذرني يا صادق الحبيب لقسوة الفاظي.

المراسلة مرة

والموت مر

وكل شيء مر .






الرسالة الثالثة
----------------

"لا شيء في القلب سوى الريح المعولة في الخارج"[/CENTER]

الحبيب صادق

تماما وكما يمكن لقلبك المشعشع بالصفاء ان يعي يكتب المرء لصديقه الطيب حين يفتقد ما هو رمزه.ولو كان الحزن عميقا - او لو كان في القلب قدر جيد منه لكتبت اذن بحنو زائد.ولكن.. لا شيء سوى الريح المعولة في الخارج - اتلمس بعض صدى ولكن لا انه لا يوجد.لو كان الحزن يخيم (يزرع خيمة) في جناح روحي الهادئة لكتبت لك عن الندم ازاءك... ولكنك ايها الغالي (الغالي في المآل ، رغم النسيان الذي يبتعد بك كثيرا.. والصفاء غير المشعشع الذي تسير اليه روحي الان والذي هو ضد ذكراك) ـ ايها الغالي قلت واقول - انادي بخفوت دون مس من اللهب للتو ، او بعد ساعات من خصام مع الاحمق (رسمي طبعا).جلست هادئا ساكنا صافيا دون شعشعة.والريح معولة في الخارة ولا صدى. اقول ان ذكراك يطيب لها ان تأتي هادئة هي الان.وانت صغير الحجم تنسل في مجال العقبة الغريب وتدفىء نفسك ولا بد تنسى وننسى نحن ـ وهكذا ايها الصديق فمحور الخلاف بيني وبين الاحمق كامن في هذه الزاوية بالذات.هل نسير طائعين مع الآنية ـ بمعنى ـ هل لأننا ننسى الان يجب ان لا نستسلم لداعي التذكر الذي يهيب بنا ان نبقى ممهدين الدرب امام الاشياء الحبيبة حينما يخطر لها ان تفقد ـ هو ـ يقول لا... اعني ضميره الاحمق يقول ـ لا ـ .والآن بدأت قطرات من المطر تتشكل مع النافذة وكما وددتُ ان اكتب ـ على نافذتي ـ ولكن تنبهت ونكصت. وانني اهدي لشفتيك الارجوانيتين النضرتين بذكراي ـ حبي ـ عن ـ السيد ـ هدوء قلبه.






الرسالة الرابعة
----------------
جلست الى مكتبي واستوعبت حياتي كلها في برقة واحدة"[/CENTER]

الصديق الطيب صادق

انما في وضح الظهيرة تسقط علي رسالتك ، حيث يكون التعاطف سائخا لا يحبه احد. وكان العطاء الوحيد امنية لو انها جاءت في امسية الحياة البدائل وهذه الامور الشديدة الدقة. عجبا والله.تأتي رسالتك على حين اخيك (انا) اتخبط في سلسلة من القرارات المفاجئة المربكة ، حيث اضناني التفكير الممنهج بسبل الدَيْن لانني لن استمر في حياة معلقة ، لانني اكره كل هذا واحب كل ما هو سواه نكاية والله من بعد قصة عذاب سخيفة طويلة مملة. وهكذا ستراني عندك في مطلع الشهر القادم وقد بدأت منعطف حياة جديدة محملا بمشاكل ظهيرية بالدين والعمل الجدير غير المحدد. لتحل اللعنة على عظامي ان كان قد عذبني امر في العمر كما عذبني الظهر وامور الظهر التافهة في ابيضاضها.النغمة الحبيبة الاسيانه التي تنسل من سطورك الحزينة يا قلبي افضل الف الف مرة من صفاقة البحث عن النقود واشباهه - ستقول لنفسك تراه هذا الرجل نسي طعم الحسرات كي يتحدث بهذه الطريقة؟ لا والله يا اخي - انما الضيق الضيق يفجر دماغي.انت قد وعدتني وقد اقتنع دماغي الملعون ان عليّ ان اتأخر شهرا اخر ، وفيما بعد جلست الى مكتبي واستوعبت حياتي كلها في برقة واحدة ، كان المكتب امامي اسود اللون ملعونا - الى متى؟ الى متى؟ ما الذي تفعله انت يا هذا؟ لو انك فيما بعد ترى الى الطرق التي اتبعتها لكي احصل على بعض النقود... وبسرعة لكي انسف الجسور من ورائي قدمت طلب اجازة هو في الحقيقة استقالة وبدأت استدين..ان افهم تماما اين هو الصواب واين هو الخطأ... ولا زلت هكذا انا.ويا اخي ليت الصفاء يفرش قلبي الان.. انني لا اعرف كيف اكتب لا اعرف البتة والله.. استودعك الله. ربما اكتب لك ثانية.. اكتب لي انت وعفو قلبك من اجل رسالتك المسكينة.





الرسالة الخامسة
----------------
" يبدو ان سوء افتراض عام مفاده ان ما يكتب يجب ان يكون حارا او عظيما او ما شابه"

اخي العزيز

كتابة الرسائل مهمة عسيرة على كل الناس. هكذا لاحظت اخيرا حول نفسي وحول اصدقائي - وغيرهم. لكن - يبدو ان سوء افتراض عام مفاده ان ما يكتب يجب ان يكون حارا او عظيما او ما شابه - هو المشكلة وهذا خطأ.انني اكتب لك الان وليس في ذهني اي شيء تقريبا ، ما عدا انه غير معقول ان نظل هكذا صامتين. امس قرأت رسالة من محمد الى جودة يقول بها انك تخشى ان يراك احد في الكويت فيسألك (لماذا انت هنا؟). احدى ملحك الجميلة. وكان محمد يتحدث بطريقة هادرة حول تعقيد الحياة والعمل - الامر المفهوم جدا طبعا - وكان اجمل ما في كلامه الحديث حول بقالية ما امتلاكها خير من وظائف العالم كله - وهذا ضمن الصورة العامة لماضي الاحلام وحقيقة اللاانسجام مع الحياة امر وارد للغاية. عودة الى جزيرة السعادة. لقد فكرت بان احثكما على جمع مبالغ من المال تكفي لحكاية ما من هذا القبيل. والحق انني كنت افكر في تجارة الارانب. ومعها طبعا بعض الدجاج والبقر وما شابه.حدثني عن مثل هذا بأقل بلاغة ممكنة ارجوك.. حبا بأخيك بأقل بلاغة ممكنة حدثني عن مثل هذه الامور.اظن بانك قادم في شهور - اليس كذلك؟.. انني مشتاق لك ولمحمد ولرسمي - والمؤسف انه شوق بلا لوعة.. ولكن فعلا مشتاق ، واكتب لي عن حياتك اليومية ومشاريعك الفكرية والشعورية فأنا بعد اتعامل بهذه الاشياء.عن شخصي ، فان الاكلين بعد ان ينهشوا من حقيقتي. وانني بعد محسوب متدربا عند صليبا (8) ولكن عنواني في الحقيقة عمان ص.ب 6165 ودعك من حكاية مركز البلدة فهل كل الوقت للدعابة.انني احبك كثيرا وتعلم ذلك جيدا..




الرسالة السادسة
----------------
" من يعطيني رصيدا مطلقا من الغفران"

ايها الصديق

هذا المساء - احبك واذا وفدت عليّ رسالتك في الغروب الرمادي ان احسنت وفادتها ، انني احب اللغة ، هذا المساء ايضا.وقديما ، اذكر ، كنت استشعر الحنين للحزن عندما ارى جمالا ما يعبر - وهكذا فأنت تدرك حزني هذا المساء. لا ليس هذا هو الامر تماما رغم انني حزين وموحد هذا المساء.كان رسمي معي عندما وفدت رسالتك في الغروب وكانت زوجة - ابو وليد(10) الذي حمل رسالتك فقرأتها بصوت مرتفع دون تردد للجميع - سعد الجميع - ولسبب ما بدأ الحزن يقطر ثانية اذ نزلت الشارع وعدت.انهم يحبونك طبعا - جميعهم - دون استثناء وعلى درجات كما تقدر تماما انهم لطيفون جميعا وحزانى ايضا لعلهم.بالطبع ان في رأسي افكارا مسبقة كانت تجتمع متهيئة لتخلق عبر العضو المفكر فيّ اذ عدت من الشارع عازما على الكتابة.كنت اتذكر مقولتك: لا بد ان يفترق كل اثنين يوما ما. شيء من هذا.انك مخطىء ايها الصديق لا في المقولة ذاتها ، ولكن للنتائج النفسية شبه الموضوعية المحملة بالخيبة لهذه الحقيقة.ان في رأسي لفكرة جوهرية:اقول: ان خطأ لا مرئيا هو الاهم عبر هذه السخافة المسماة حياة.

ان الامكانات هي المهمة على كل نحو قلبتها. ان هذا ليسعدني بحزن ، فاذ يفترق وهكذا ترى.اثنان محبان على منعطف ما (حتى بالمعنى الآخر الذي تفكر به) فان امكانات محملة بالجمال الحزين الملحاح المبهج المبكي ستولد - وسيكون هذا كله جمالا في جمال - ان كل شيء جميل تحت السماوات ايها الصديق ولعلي مخطىء ولكن: قليل من الخطأ لا بد منه دائما.خرج رسمي شبه مدحور من منزلي - منزلي الجليل له جنينة وله فرندات ايضا - اذ خرج رسمي في عتمة المساء المتكاثفة - انت تعرف تقطيبة رسمي ذات الحركة المألوفة المدحورة وخرج الجميع وعدت وقلت لنفسي: اريد ان اكتب.اقول: بالطبع احب رسمي كثيرا ، لا استطيع ان لا اكون الا محبا له وانني لا سر لك ما لا يجرح قلبه العاني المسكين - احبه واشعر ان جزءا من تكويني الخاص المحبوب قد لصق به - ربما الى الابد. لا خير في قبلة طاهرة كهذه اليس كذلك؟لا اقصد شيئا والله ولكنني اغفلت ان اقول بان مسكني الجديد هو في عمان في جبل اللويبدة وله جنينة كما قلنا.قحطان كان معي هذا الصباح. لعلي اغضبته اذ ودعني في الظهيرة. هي ذي قصة لعينة لا تنتهي.

اغضابي للناس اعني يا من يعطيني رصيدا مطلقا من الغفران فأشرح له قلبي هدية متواضعة.كانت معه فتاة وكان يود ان يتسلى وبدوري كنت محتاجا للتسلية فلعلي اغضبته ، مجمل الحكاية تحدثت غامزا عن الزواج ملمحا لضرورته فأخذته البنت الملعونة قصة جدية - وقحطان من هو ليتحمل هذه السفالات؟انني لارغب في الانعتاق قليلا من اسار هذه اللحظة الملهوجة لأكتب شيئا مستقرا.اخبار مثلا: رسمي قدم فحص الاذاعة وكذلك انا وكنا من الناجحين - هذا يعني ان نعمل معا حسنا ان زوجتي ترى غير هذا ولا ادري نهائيا ان كنت سأقبل في الجامعة خلال اسبوع لأحظى بعمل.ابو صخر(11)عندي كان امس واول امس. ان سلوكي المرخي دون اكتراث لا يرضيه ـ ان بقاء حبه لي مشروط بأن نبقى بعيدين لان عالم روحي قد تشكل وانتهى ومنذ الازل كما تعلم - انه ليرضيني جدا ان يستلمني كيميائيو الحياة ويصيغوني امرءا رضيا مرضيا عنه فالحق انني سئمت كوني محبوبا لجلسة او جلسات متباعدة. ان توحيدي لا حد له انك واحد من بعض صوى قليلة تلوح في الافق كأنها تومىء لحد ما - وبالطبع فانت تدرك ان هذا هو سر كل الحكاية ولكن بحق السماوات الن تنتهي هذه اللوحة الابدية. اقصد القول لا تنزعج اذ تدرك هذا في لحظة اطراق مطلقة (وكنت دائما على صلة بالحقيقة اياها). فالعلماء الممتازون (تعبيرك) يقولون ان حزن المساء مفهوم كالمعادلات الحبرية. وانت اذ تبكي امام الجمال المطلق - المرأة - اقصد اذ تستشعر البكاء فليست هناك ظلال اضافية حول هذه الحقيقة ايضا نعم ، نعم ، اقول ولكنني احب الحزن النبيل احبه جدا.هذا يثير في ان اقول: بودي لو اهداني زيدان تحياته (اشكر محمد رشيد لتحياته طبعا) ولكن تحيات زيدان لماذا هي ربما؟ الا تراه؟ ان زيدان لواحد من افضل خلق الله الماضين والمستقبليين.فعلى درب رسالتك الطويلة هذه اضعت حزني - انني اتماثل للتعادل - لم اقل شيئا عن ليدا، كتبت لها رسالة تافهة؟ هو كذلك لا تأسف كثيرا حول هذا الموضوع. فانا ننتظرك مشوقين - واليوم قبل رسالتك كنا نعد اياما ونتساءل: متى يعود صادق وكما نقول لقد شاقنا صادق وشقناه - كنا نقول.عمْ ظهرا ايها الصديق.. انه اليوم التالي وفي الظهيرة تاريخ 11 الجاري بعد كل ما اسلفناه من قول نعتقد ان ما قلناه هو حق ولا يتلبسنا ايما ارتياب حوله.

ان ظهيرتنا هذه هي حق ايضا وامامنا 25 سنة قادمة وربما تريد في كل واحدة منها 360 ظهيرة ذات خصوصية ولو لم تكن مميزة جميعها.رأيت قحطان صباح اليوم وكان يفكر انه عليه تحديد هدف ما خاص بحياته ونصحته بالدراسة الجامعية. كان عليّ بعد ذلك ان اتركه بحثا عن نجار ليصلح ما فسد من اثاث البيت بسبب الرحيل.واذ اسر اليك انني اضعت تعاطفي بسبب البحث عن النجار فغفلت عن قحطان الحق ان انسانا بالغا راشدا مثلك ، لا يقيم كبير وزن لهذه الامور والامور الكثيرة الاخرى المماثلة.ايها الصديق: انني انصح قلبك الطاعن في السن بمزيد من اللااكتراث وفي نفس الوقت بمزيد من الدراسة (12) انصحك وليقبل الحب نفسه خديك.والله الموفق





الرسالة السابعة
----------------
"هل نملك خلاصاً روحياً مشتركاً؟ هل نملك ان نعمل معاً شيئاً من جزيرة السعادة؟"
[/CENTER]
اخي الحبيب

23 ـ 12 عمان

وجدت بطاقتك على مكتبي. كنت عائدا من القاهرة. استمر واثقاً من ان بطاقاتك وكلماتك لها دائما اثر عميق جداً في نفسي.. ومنذ فترة طويلة وانا اخشى انك قد تسيء فهم صمتي وربما مرة اخرى يخطر ببالك شيء مثل (وتعلم انك لم ترحمني قط..) تلك الجملة التي احزنتني وتظل تفعل. اريد ان اقول فقط انني متعب ، انني مفترش ومن الصعب عليّ حصر القضايا والمشكلات التي تتعاور قلبي هكذا. ان غيابك بعض من الاسف الثقيل الذي يستقر في روحي ، وانني كما تعلم مفرد تماما - اعني روحي..في القاهرة التقيت بمي طبعاً ، بالاطفال الاعزاء طبعاً وبصديقي فؤاد التكرلي وتعرفت الى عدد من الادباء ، وعدت منذ اربعة ايام للاسف فقد مرضت آخر يومين وما زلت نهب الانفلونزا..رسمي هنا. لقد آذى روحي جيدا وبتخطيط. رأيته ثلاث مرات وكنت اريد ان يؤذيني ففعل ثم انقطع عني. اننا ضحيتان بائستان لقوى غامضة رهيبة واشعر الآن انني لا احبه ، ولا احب نفسي بشكل كاف ولو كنت انت هنا فانك الوحيد الذي يمكنه ان يقيم لنفسي شيئاً من العزاء الضروري.ارجو ان تشكر عني الاخت نوال (14) لتحياتها وارجو ان تبلغها احترامي ، وبالنسبة لك فلا تسىء قط اي صمت آخر قد يبعدني عنك. اذا كنت مرتاحاً فاكتب لي. ان ذلك أمر حسن.

اخي الحبيب

مؤكد ان صمتي لا يغتفر وكذلك صمتك والآخرين..والمشكلة ايها الاخ ـ ولا بد انك تعرف ـ ان المرء بات يخجل من الشكاة حتى للصديق الذي يعرف ان هناك شكاة ومرة جداً.والمشكلة الاخرى انني وانت ورسمي نعرف اشواقنا المشتركة ونعرف التيه وانا اعتقد انك تعرف سلفا كل ما يمكن ان ازجي من مرارة وتوحد.. الخ ففيم اذن؟هل نملك خلاصاً روحياً مشتركاً؟ هل نملك ان نعمل معاً شيئاً من جزيرة السعادة؟ هذا فقط هو التساؤل المهم ومطلوب الاجابة عليه ـ لأن العمر بدأ بالاختفاء.. ام ان هذا الكلام يبدو عاجزاً ومضحكاً لرجال جاوزوا الثلاثين او يكادون.الانسجام مع الحياة اليومية، تلك قصة غير معقولة بالنسبة لي ، اين هو ذلك الزنبرك الفلتان؟ الله وحده يعلم.. ولكن ما الذي يمكن عمله؟ هل تعلم؟ مزرعة مشتركة، ما رأيك؟؟ بقالية؟؟ فندق؟ صياغة؟ وطبعاً هناك المشروع ذو الجلال المضحك اعني العبور الى مملكة الموت الاخرى - جزيرة سانت باول الاخرى؟ ها؟ اين هو صديقي رسمي واين انت؟ كيف هو محمد هل يعمل معنا في المزرعة او الفندق او الخ...طبعاً هناك اخبار عتبة (15) ورواية صغيرة كتبتها واخرى اكتبها وانقطعت عنه ، وعيني المريضة اشرت لمحمد عنها ، اكتب لك الآن مغمضاً العين اليمنى ، انها مسائل عجيبة لا علاقة له بالموضوع - الذي هو المزرعة او الفندق او الخ..شجعني بالكتابة مزيداً ، واكمل نقص هذه الرسالة مما تعرفه في قلبك عني وفي ذهنك الحبيب طبعا.

الله يحفظنا جميعاً ويوفقنا




الرسالة الثامنة
----------------
[/CENTER]

صادق الحبيب

اذا استمريت امزق كل ما اكتب اليك فان قطيعة غريبة ستمد ظلها فوق كلينا. هذا ما يملؤني تصوره اشمئزازا.مرتين. رسالتين طويلتين ثم امزق..ما هو كائن يجب ان يكتب بطريقة ما تعيد حالته في ذهن صديقك الذي سيقرأ كما انه شاهد على ما هو كائن.وصديق ابن عبدالحق شكا من ان «اين دمك يا تيسير» والحق ان تيسير لن يستطيع ان يجعلك تتنفس نكهة دمه ربما.. ربما.. هو لا يدري."الفو سافوا" (17) ذلك خير ما جاء في رسالتك والله هذا رائع رائع بحيث لا يصدق. شيء من هذا القبيل دائما. واللذيذ ان لا احد يعرف لماذا في قلب سوزان بكاء فهي كما ترى سويسرية نشيطة الملامح وشاعرة وتخرج في الامسيات مع boy friendوتحتسون من البيرا ما قدر الله.ومع ذلك ، ذلك كله في قلبها بكاء يا حرام.الحكاية طبعا ليست سوزان ، فهي تبقى مجهولة بالنسبة لي اولا واخرا ولكن قلبها هذه القطعة المدللة من اللحم المبلل بالدم فيه بكاء. المهم قلب فيه بكاء وعليه ان يضحك «الفو سافوا».. وفي المآل لتذهب سوزان ان ارادت الى الجحيم لكن تاركة - هذا القلب الصغير الشجي.. يا مغرورا - .والحق انني احببت «داريل» اكثر مما استطعت ان احب دزينة من عشيرتي وذوي طيلة عمري ، والحق ان في قلبه نشيجا اكثر اخلاصا مما حملت قطعة اللحم المدللة الخاصة بالانسة سوزان.. وشكرا لقصيدة «المدينة» الرائعة بالانجليزية اكثر منها بالعربية او هكذا احسست.

Ah don't you...?

Yes I do, I swear I do

ولكن.. «الفو سافوا» قالت الانسة suzan واما ما كان من السيد والسيدة

ماكبث فانت تعرفه.

What is done is done

What is done is done can not be undone

كل هذا يعني نفس الشيء. يعني ان في الخاطر الما ما لسبب ما او لغير ما سبب ما.. هكذا المهم هو الاسى او الشيء الذي من هذا القبيل وليس شرطا ان يقترن باليأس او السخط فهو قد يمطر مع الصباح المولود حديثا وقد ينغل في عظم البهجة اللاكاملة وقد يداهم في اية لحظة وقد يغيب اسبوعا او شهرا او عاما ولكن يعود وجهه مشفقا وممروضا غير انه رقيق صاف كأنه عصير اله مقطر..

No other please always this

هذه حقيقة الاسى الذي حاولنا دائما الامساك بعرفه لنذبحه في عيد الصغار الممجدة جباههم حاملي امانة التاريخ ، ابنائنا. هو عصفور صغير ليس مهما بذاته بل بجنسه مهما ذبحته فهو عائد باذن سلالة خالدة من دمه عائد بنفس الوجه المشفق الرائق الصافي الحنون والملوح..لا تظن ان الحكاية بعمومها انني مسحوب خلف داريل في كل هذا.. لا... هذا دم يا عزيزي دعني فقط اسألك: هل انت آسف لهذه الحكاية؟بالنسبة لي: انا فقط احيانا اسف من اجلها.. اما عموما فاتقبل بنوع من الرضى كل ما كان وسيستمر.. بحيث تصبح «الفو سافوا» بحاجة الى تعديل ما... لانه: صحيح ان في قلبك بكاء.. ولكنه بكاء بائت منذ امس امس ، فهو ليس تماما كالبكاء ، وانما شيء من هذا القبيل.. تصبح الاغنية "تعلم ان تضحك وفي قلبك

شيء كأنه البكاء..".
اليك احدث قصائدي..
"من؟"
كان المساء
نهنهة طرية تنسل في مجاهل السماء
وواحدا مثلت فوقه ضجعة الخليج
للحظة منسية بغير ما يقين
تراشقت في خاطري اصداء
كأنما نشيج
انا الحزين ام هي الاشياء؟
خطوة خطوتان
اسفت ان وطئت فوقه مهجة السكينة
اعود والزمان للوراء
من قبل الف دورة وقفت والمساء
نهنهة طرية تنسل في مجاهل السماء
عيناي اين كانتا؟
تناءتا
تناءتا
كنقطتين في الظلام غاصتا
لكنما الفضاء
ينصب - كي يكون - عبر مقلتين
قد كانتا
ما عادتا
ومن بعيد ارجع الظلام نقطتين
ما كانتا
من الذي يرى
ترى انا
ام تلكم الاشياء






صادق عبد الحق يقزم الغياب امام عملقة التيسير


-------------------------------------------------





الرسالة الاولى التي تم استكتاب صادق عبد الحق لكتابتها


ليقول مشاعره عن يوم انتحار صديقه الأعز تيسير سبول


------------------------------------------------------------


15 ـ 11 ـ 1975


اخي الحبيب

ها نحنُ امام حالة جديدة تختلف عن كل ما اعتدنا على الحديث عنه في رسائلنا السابقة:حالة من تلك التي صادقنا فيها «كافكا» و«كولن ولسن» و«ولز» وبقية رفاقك الممتازين... ها نحن مع فعل دموي «انجزته حقا يا للدهشة» ، وبرم بالحياة حتى الموت.. مع موت فعلي. حضر مصرع «كامو» كاللطمة ، ما عاد قراءات وتحليلا، جن الخيال فصار واقعا جسدا مدمّى ، جنت فكرة الموت فها انك مت فعلا ها انت ميت ، غائب.. ابدا ابدا.. ايها الصديق الغائب ابدا...هي المرة الاولى التي اكتب اليك منذ رحيلك ، وها اني اجد صعوبة في التوجه اليك ولكني اعلم انك هناك تسمعني.. تنظر الي... تدركني على نحو ما اخر ، واعلم انك لست عاتبا عتبك ايام زمان واكره ان تكون معرضا عني...بعد سنتين ، ها انت ذو جسد تذوبه الرمال - وياللحسرة - تطلع من وراء حضورنا المادي الاجوف فأكتب اليك.. ولا يقع في يقيني انك لا تعني ما اكتب بل انت تعي ، وها انت تبتسم كعادتك: مغمض العينين في الارجح..ولا بد ان نتناقش يوما في الامر.. ليس بالطريقة الدنيوية بالطبع لكنه سيكون نقاشا على نحو ما... ومن ذلك النقاش بيننا الذي لا مثيل له ابدا.لا اسألك لم فعلت ذلك؟ الا ان اندهاشاتي الدائمة «على رأيك» تجعل لي الحق في معرفة «مشاريعك» قبل الاقدام عليها... الم يكن تعاهدنا العقلي قائما دائما؟على كل حال... اخباري ، وتعلم من قديم كم احب الحديث عن نفسي «ربما الجميع كذلك» مرمي امام عائلة: طفلانہ ايجوز الانشغال عنهما بالحلم او بالشعر؟ لا يجوز يا سيدي.. هما قطرتان من براءة.. نغمان من ذرى همس الوجود... شيئان لا بد انك تدرك كم احبهما.. وكم تقع نفسي مرتعدة خوفا امام عالمهما الصامت الابيض مرتعدة باللايقين الاسود.. قبل ان اتوجه اليك بالكتابة ، الآن كانا ينامان.. ذلك النوم العميق المليء بالسلام: فكرت في الامر.. كم ان هذا السلام .. هذا الصمت مليء مليء مليء بالاحتمالات الشقاء، مليء ليس بالاحتمالات فقط ، بل وباليقين ايضا: بيقين ان ثوانيهما الطاهرة البيضاء تضيع كحبات الماء الصافي من ثقب الزمن الخفي.. وانت ايها الصديق.. ماذا بوسعك ان تفعل؟ تمسك بيدك الماء؟ اتحدث اليك عن ذلك لانه مسألتي الوحيدة هذه الايام ولا شيء.. لا شيء اخر ابدا.

محمد صديقنا العزيز الممتاز مرسوم على لوحة الزمن بجانب جدول صافي هوذا لذلك فان دماءه تتوهج بالصحو ، وتنساب مياه الجدول حوله باعتدال.. وخبر عن جودت. اتصوره مكلوم الخيال شبيه بجراحي انا او ربما على نحو اسوأ وليس غير اولئك هنا فيما احسب من تهتم بأخباره.. هناك هذا البلد اللعين وهذه الغربة الشمطاء ، وذكرى الاهل ووالدي المسكين ووالدتي الحبيبة.لم ار طفليك ، لم ارهما،، وتعلم اني افتقر للوسائل المادية العملية للوصول اليهما.. الوسائل بالمعنى الواسع... هل سأظل اشرح لك مقاصدي من عباراتي حتى بعد الرحيل؟ «يا عجبا.. انك لحاضر عندي الان كحضور يدي هاتين». ذهبت مع صالح اليهما حين كانا قد تركا عمان للتو ، ثم ان اهداب الزمن اخذت تنسدل بيني وبينهما... انا المقهور بالزمن قهرا. لو انهما طفلاي انا.. وكنت انا الذي رحل وانت ا لذي بقيت بعدي؟؟؟ اعلم انك كنت جعلت منهما بعضين مقدسين عندك.. لما اطبق لك هدب... لما نسيت قط.. ايها الرصاصة المتوهجة

دائما.بعد رحيلك انفرط الاصدقاء الذين نعرفهم معا بأصدقاء تيسير ، تبعثروا عن هذه الصفة تدريجيا ووجدتهم يذهبون لاعمالهم بهمة وحيادية تأمين.. انك تبتسم ـ ولا شك - ولكني طيلة الوقت كنت اراهم كذلك ولم يخطر ببالي ان يتغيروا بسبب رحيلك.لن اسألك لم فعلت ذلك ، فهو سؤال غبي ، الا اني ، المندهش دائما على رأيك ، احس منك خيانة «هل تضحك؟» انك لم تخبرني مسبقا. ، ها نحن ، انا ومحمد هنا ، وجودت ومي هناك ، ياللبعد القاسي ، نلم كلماتك ونقرؤها وترددها الشفاه كالتسبيح ، لا نطلب منك تصحيح الاخطاء المطبعية: كلماتك التي اصبح جسدها مكفنا بظهيرة 15 ـ 11 ـ 1973 لا يمكن ان تجاورها في ذلك الغلاف القاهر اية كلمات اخرى لك.نتوجه اليك والى حضرة الاب الاعلى المحتفظ بروحك الثاقبة ان تغفر سعينا القصير، وان تبارك «وانت المعطاء» ارواح اصدقائك العديدين المعفرين بعدك: بغبار الدنيا... عليك السلام

اخوك صادق

15 ـ 11 ـ 1973





الرسالة الثانية التي تم استكتاب صادق في ذكرى تيسير سبول لكتابتها


----------------------------------------------------------------------




أخي الحبيب

رحل شوكت ، رحل سليمان عرار ، شاخ جودت تماما وظل رسمي وعدي وراكان وفايز والجمل وزيدان يسعون في الدنيا.. هل اقول فسادا؟ ام عبثا سيزيفيا؟، كلاهما يصح. رأيت قبل ايام فايز محمود ، الذي اظنه ولد شيخا فكيف تحسبه صار اليوم؟، شفيق «حارق اعشاب اللغة في رأيك» تكرس خوريا في ضواحي بوسطن او غيرها ، وغاب في ابدية دنيوية لا نسمع منه ولا نراه. وعمن تراك تسأل ايضا؟ عن المرأة الوردة؟ «او الامة السوداء كما سميتها سامحك الله» رحلت.لا ارى عتبة وصبا، رأيت مي من سنتين ، ولا زالت غير راضية عنا "انا وبعض اصدقاء تيسير".. صالح يُرى احيانا بلا مشكلة ، الكيالي رحل مذعورا منذ سنوات: صارت عائلته تخشى عليه في اخر ايامه من الخروج وحده.. شكا لي ولرسمي ولم نكن نستطيع عمل شيء.. قحطان لا زال غائبا وأسأل عنه الطير الطاير بلا نتيجة.. وهلال بطرس؟ ما حكاية هلال؟ اين هو؟ نعم أسألك انت ، فأنا لم ار هلالا منذ اربعين عاما نعم قبل رحيلي للكويت ، ولا اظنه جاء اليك بعد.عرفت - ولا شك - ان صديقك خليل حاوي رحل.. فعل ما فعلت تماما بعد دخول اسرائيل الى لبنان.. نعم هي دخلت بيروت ، ولو انك بقيت الى اليوم لحسبت ان ما كان غاظك على الكيلو والخيمة «101» ، وان كان اساس كل ما تلا - لم يكن ببشاعة ما جرى ويجري في بغداد الجريحة.. لقد سقطت بغداد.. نعم سقطت تحت حكم ولد عايق كذاب ذو شاليش اسود بل وصار يوم سقوطها عيدا في العراق، ورحل او غاب صدام.

هاني الراهب رحل رحيلا «نظاميا» وحيدر لوحق من الشعب «وليس فقط من الحكومة» ولكنه صمد.وماذا اخبرك ايضا؟ لم ازر قبرك في ام الحيران منذ دفن ابو صخر وقرأت لك الفاتحة ، وتحسست الشاهد واردتك ان تسمعني.الطفيلة صارت محافظة، ماذا يعني ذلك؟ يعني ان «اللعبان» الذي احببت صار قريبا قائمقامية، احمد القرعان لم اره منذ زمان بعيد ، ورحل ابو عودة ، وتحاوطت ليث العيون والاذان حتى صحت او كاد ، وسليمان القوابعة تكرس روائيا حقيقيا ثم ان اسرابا «كالذر» تسلقت اعمدة الصحف ، وملأت زوايا الاعلام والاذاعة والمهرجانات فعاثت خرابا ، وقدمت اسراب اخرى من القانونجيين توزعت في ردهات المحاكم ومنصات التشريع والبرلمان ومنابر الفتاوى وتنادى الناس: انج سعد فقد هلك سعيد.. حتى ان صديقتك الجميلة المثقفة توجان شكت امرها اخر الامر الى الحكومة من الحكومة فبهدلوها وحرموها من السعي الى البرلمان،

اخي الحبيب

بعدك جاءني كثيرون ممن اذهلتهم قوة احتجاجك ورفضك ، ويستعلمون عنك: عن كل صغيرة وكبيرة خبرناها معك ، كيف كنت تتصرف؟ تأكل تشرب ، تحب... جاء سليمان الازرعي من الحصن حاملا زوادته «على طريقة الاصمعي» في جمع الاخبار» وكتب عنك اكثر من كتاب.. وكذلك نادي الطفيلة ومؤسسة شومان ، ورابطة الكتاب وغيرهم.. حتى جاءني قبل حين قريب شاب صحفي وشاعر يطلب نشر رسائلك اليّ.. قرأتها ورأيت انك قد لا تمانع في نشرها ، واذ انا «مهدود الحيل» كما تعلم ، وجدت ان ليس افضل لذكراك من تسليمها لشاعر صحفي شاب ومتحمس وله من اسمك نصيب ليقوم بنشرها ، وبالمناسبة او بغيرها ، فلم ا درك كما كانت "انت منذ اليوم" بهذا الجمال والابداع، بعد قراءاتي التالية لرحيلك: اني اراها اعجازا يستوحي الاعجاز الخلاق،لا اعرف ، على وجه التحديد ماذا يفيد نشر هذه الرسائل ، لكني اراها على كل حال شهادة على حين من الدهر التقت فيها روحانا الكارهتان للزيف ثم فرقتهما الى حين زلازل الكون والصراع الانساني.بعد رحيلك رحل او غاب احباء كثيرون ، ورحلت او غابت احلام وآمال جميلة ، ولا ارى الان املا في حارات العالم العربي غير فتية شعثا غبرا يقولون لا اله الا الله ، وفي نبوءة شبنجلر مما صدقته انت في التصدع الكبير في سد الكذب الامريكي الصهيوني «العالمي حاليا للاسف» وعرابوه الذي يكذبون كما يتنفسون: على الله وعلى الناس بل وعلى حيوانات ونباتات الكون.

اخي تيسير: في تطواف روحك الدائم قد تلتقي طائرنا الجميل «محمد» فقبله وتقبل منه بر ابيه ومحبته ، وليكن الله معك ومعه ومع محبي الحق والجمال.
اخوك
صادق






وتغنى شعره



-----------------------




أنا يا صديقي ::: ملاّح ::: يا صديق الرياح

غناء غازي الشرقاوي كلمات تيسير السبول
http://www.tayseersboul.com/Music.html








[SIZE=5][COLOR=#ff0000]
خياميات السبول


------------------



(1)


‏قام خزاف عجول ,


طينة يدحو أمامي


يضرب الأعضاء بالأعضاء في غير اهتمام


بلسان غير مرئي سمعت الطين يضرع


‏\"يا أخي الحي تمهل وترفق بعظامي\".


‏(2)


‏شفة الكأس علت ودنت من شفتي


‏قلت: يا أخت ,عظيني قبسا من حكمة


همهمت بي (لا تكن أحمق , خذني


وارتشفني عندما تبرح صدر لأرض


ما من عودة).


‏(3)


‏امتط العمر وطوّف وأطع داعي الرغاب


وأجل كفك في اللذات قطفا وانتهاب


فغدا تهرق كأس الحب واللحن سيفنى


عندما تهوي ترابا مودعا تحت التراب.


‏( 4 ‏)


‏امتط العمر وطوّف وأطع داعي الرغاب


وأجل كفك في اللذات قطفا وانتهاب


فغدا لا ‏أغنيات, لانبيذ, لا قبل


‏وغدا تهوي ترابا مودعا تحت التراب.


‏( 5 ‏)


‏لحظة لا غير لاحت في قفار عدمية


لحظة لا غير في الحلق -


مذاق الحيويه آفلات أنجم العيش وتمضي القافلة


‏نحو لا شيء - فعجّل واقتطف كل شهيه


‏(6)


‏وعلى كل لسان، أين أمضي بعد موتي ؟


ضلّ من يسأل والكأس أجابت دون صوت:


\"من فراغ لامتلاء لفراغ سارعمري\"


وكذا الإنسان في دورته يمضي ويأتي.


‏(7)


‏لو ملاك الدفتر المحفوظ بالانسان يحفل


‏لو بصوت الحب والإنسان يعنى -كان يقبل


‏أن نذري في مهب الريح ما خط ,


ونملي باتئاد, عالمأ أقرب للقلب وأجمل.


‏( 8)


‏نخب ذكراهم. على أرواحهم منا السلام


الأحباء الأحباء . قليلا ما أقاموا


‏دارت الكأس عليهم دورة أو دورتين


وهوت حباتهم تترى فمالوا ليناموا.


‏(9)


‏يا أخي حين نوارى، يسدل الموت الحجاب


من يبالي بحضور نحن منه أو غياب


يستمر الفلك الدوار والأكوان تجري


نحن لا اكثر من وقع حصاة في عباب.


‏(10)


‏أنت هبها جلسة.. هب شراب العمر خمرا


وتدور الكأس - لا بد - تدور الكأس قسرا


آه, سيان ألاحت عذبة أم علقما


‏خمرة تنفد حتما, قطرة في إثر قطره.


‏(11)


‏أنت هبها جلسة.. هب شراب العمر خمرا


وتادور الكأس – لا بد - تدور الكأس قسرا


آه, سيان أ لاحت عذبة ام علقما


خمرة تنفد حتما, قطرة في إثر اخرى .


‏(12)


‏لو مطال اليد أن تملي لهذا الكون صوغا


أو لو أن الخالق الجبار، قبل الخلق أصغى


لابتكرت الكون معقولأ جميلا غير هذا


‏أو لفظت الحكم لا ريب بأن يمحى ويلغى.


‏(13)


‏يا أخي المنكب فوق اللغز والطالب سره


قيل لي يفصل بين النار والجنة شعره


إن تكن تلك تخوم الله قل وتعجل


‏كيف في الأرض سنجلو طيب الأمر وشره.


‏(14)


‏خبرى تحمله الرمح وما تنفك تجرى


وعلى كل لسان يلغط اليوم بسرّى


‏فأنا بالروح ثمّنث حبيبا باعني


اه كم أرخص - إذ ثمن - سعري.


(15)


‏املأ الكأس حبيبي. املأ الكأس المصفّى


ألق اليوم ما بعينيّ من ندامات وخوف


وأزح عني غدا، فغدا حيين أسجى


أستوي في أبد الصمت وميتا قبل ألف.


‏(16)


‏املأ الكأس حبيبي. املأ الكأس المصفّى ألق


اليوم ما بعينيّ من ندامات وخوف


دعك من ذكر غد يأتي,غدا حين اوارى


أستوي في أبد الصمت وميتا قبل ألف.


(17)


من مهاوي الظلمة الصماء، صوت جاء يرقى


صاح في أذن معنّى. بهموم العمر يشقى


وانثنى نحو تقيّ باع دنياه لأخرى


‏لكلا الأذنين ألقى كلمة لاغير (حمقى).


‏(18)


‏شيخة العقل تزوجت.. وكانت لا تطاق


ثم آليت عليها وثلاثأ بالطلاق


‏بعدما بدلت زوجي بابنة الحان الصبية


أصبحت كل ليالي نجاوى وعناق.


‏(19)


‏فليكن ما كان. ما بي ندم يرجو براءة


وهو إن يقض فإني لست بالشاكي قضاءه


وجبان كل من يشكو.. وفي الحان الجبان


إن يشاهده الندامى يغلقوا الباب وراءه


‏(20)


‏في شتاء الندم القارس خذ كأسا لتدفأ


وعليل أنت فاعبر لربيع القلب تبرأ


‏ماء بهجتك أسقيت عصفور الزمان


أفيبقى بين أضلاعك إذا ما الموت اومأ؟


‏ظاميء أنت وتسقي طائز العمر وتدري


أنه منفلت عنك إذا ما الموت أومأ.


‏(22)


‏خبئى عيني في صدرك إن القمر القاسي بدا


حبنا طرفة عين وهو يجري أبدا


‏وإذا نحن انفككنا يبتلي الارض عماء


‏وسدى يطلع هذا القمر القاسي سدى.


‏(23)


‏آه حقا، آه ولتعلن خفيات الحقيقة


‏آه حقا أن قلبي ضل في الحب طريقه


إذ رآها قال \"يا أخت\" فردته بطعنه


‏من لقلب حينما يطعن من كف الشقيقة.


‏(24)


‏حينما ينفخ في الصور ويدعى للحساب


ويقال اليوم يوم لعقاب وثواب


‏فاستعد وعثاء دنياك وخاطب عدله


أفلا يكفي عذاب البدء عذرا في المآب.


‏(25)


‏قبل أن ينضو طفل الفجر طرفا من ردائه


خلتني أسمع شيخ الحان يعلو بندائه


‏\"أيها السادر نوما وإله الراح صاح


‏إن فرض الفجر كأس، كيف تغفو عن أدائه\".


‏(26)


‏طائر غنى قليلا فوق غصن ثم طار


‏قلت: هذا طائر العمر إلى الافق استدار


للمدى الأرحب قد أسلم جنحيه، ونهبا للمدى


سوف يغدو..ويل عمر هو كالثوب المعار.


‏(27)


‏طائر غنى قليلا فوق غصن ثم طار


ولدن صفق جنحاه وللأفق أستدار


راحت الصورة والصوت انتهابا في المدى


قلت: يا رب


‏لماذا كل ما تعطي - معار.


‏(28)


‏أنت كأس سكب الله بها بعض الجمال


‏وجب الشكر على العبد وشرب للثمال


فإذا ما فرغت كأسي واشقت لأخرى


فأنا ظمآن والأخرى لظمآن حلال.


‏(29)


‏استفق وانظر فنصر الشمس في الآفاق جهر


حسمت معركة الليل وجند الليل فروا !


تنطوي قلعة السلطان في هذا النزال


‏(نالها منه شعاع عرضا كان يمر).


‏(30)


‏استفق وانظر فنصر الشمس في الآفاق جهر


حسمت معركة الليل وجند الليل فروا !


تنطوي قلعة السلطان في هذا النزال


‏بشعاع ضربتها الشمس اذ كانت تمر


‏(31)


‏هاجس أم هاتف ؟ قد رن في نومي صداه


بل نداء الحان قبل الفجر يادعو للصلاة


فنضوت النوم والصوت بأذني يتردد


(معبد الندمان يصحو والمصلون غفاة).


(32)


‏قيل لي أنظر تباشير الصباح


‏فتحت للكون آلاف الأفاحي


‏حسن أن رياح اليوم زهرا فتّحت


وزهور الأمس - قولوا - أذبلت اي وياح


(33)


ربما خلت بأن الحشر لا بد اقترب


وإذا مت فإن \"النور\" عنها يحتجب


لم ؟ والساقي الإلهي الذي ألقاك يوما


كلما شاء سيلقي بملايين الحبب.


‏(34)


‏إن في الخمرة نفعا وبها أيضا مضره


صدق الشارع إذا شدد بالتحريم أمره


صدق الشارع لكن في هوى كل الأنام


كلما حرم أمر لاح في الأمر مسره.


‏(35)


‏حم هذا القلب حبا وتشكي للحبيبه


‏وهي تشكو حب غيرى وهو في إثر غريبه


‏فعليل كان يشكو


.. .. .. ! من سيرى من.. .. ..









عن...وفي تيسير ...


-------------------




---------------------





مشوار البدايات لــ تيسير السبول


----------------------------------




سليمان القوابعة ( روائي أردني)


على منحدر يطل على دغل زيتون، وفي بيت ريفي متقن كانت اطلالة تيسير السبول على الحياة. ولا أدري كيف توضع طيف ذلك الشاب في دماغي. أعرف انه سبقني للحياة بخمس او ست سنوات وأعرف ان هنالك علاقة صداقة بين والدينا، وكانت هذه هي البدايات، تيسير درس المرحلة الابتدائية في الطفيلة، كانت مشاعره الرومانسية سابقة لمرحلة المراهقة بوقت ادركت ذلك فيما بعد عندما عاد لي التذكار وهو يأتي الى والدي مرسلا من أبيه ليلتقي الرجلان في مهمة وفي وقت سهر.

يقرع تيسير بيتنا ليوصل الدعوة ثم يتوارى على مهل، وحوله الاصحاب وهم يتحدثون ويتسامرون في الطريق ويطلبون من تيسير ان يقول شيئا من دواخل الوجدان فتصلني أبيات القصيد ويتغزل.. انه ابن الثانية عشرة الذي يطارح زملاءه الشعر، وهم يتلذذون، ويقترن ذلك بحسن هندامه ولطف محياه وبراعته في الحوار.

وحين ألتف باطراف عباءة أبي خجلا في مشوار طارىء نحو بيت رزق السبول - والد تيسير - أرى سارة وهي تترقب مجيء ولدها تيسير، او تسأل عنه بحميمية عجيبة، فيرد عليها والدي.. «يا أم سعود أنت تخصين تيسير بحنان عجيب وتعطفين عليه حتى وهو يكبر ويتجه نحو رجولته».

كانت تجيب. «يا أبا فلان» ان تيسير عزيز على الروح.. أخاف عليه من عوادي الزمن، ولا أدري عن هواجسي التي لا استطيع تفسيرها، فكما الله يعطي.. الله يأخذ». لا أدري كيف ظلت عبارة ام تيسير هذه محفورة في دواخلي، وهل هذا استشعار جاءها ليخيفها مما سيحدث حتى وهي في اعتام القبر؟
أعرف تماما ان تيسير اخذ رقة مشاعره من والدته «سارة بنت ابو محيسن»، هذا ما وصلني من عفوية طفولتي ايضا، وكأن خزين الطفولة يضاف الى ما يأتي من تجارب الحياة.

اما والد تيسير فكان رجلا صارما، ينازل القضايا التي تواجهه بذهنية المحامي، وإن كان رجلا أميا.. ألم يستوقف هذا الرجل بشدة عزائمه ابنه تيسير - عربي - في (أنت منذ اليوم) وهو يجلد او يتحدى، او يقتل القطة التي تناولت قطعة الكتف؟؟ الوالد كان شديد المراس، والام رقيقة الخواطر، وبينهما يقف تيسير في حياته واحزانه الصحراوية.




تيسير الذي ما تزال تسكن مرآته أحزاننا الكبرى
----------------------------------------------



تيسير النجار


تيسير ومن خلال رسائله تتضح لنا اكثر حالاته صدقا مع نفسه ومع من حوله لانه كان بطبعه وطبيعته صادقا كل الصدق، فهو بخلوته عبر الرسائل كان اصفى ما يكون للبوح النقي الصافي.

في الثانية الا ربعا من عصر يوم 15 ـ ١١ ـ 2006 يكون قد انقضى ثلاثة وثلاثون عاما على انتحار الاديب الأردني تيسير سبول في 15 ـ ١١ ـ 1973 الذي سدد رصاصة قاتلة باتجاه رأسه هرباً من شيخوخة اسمها «الهزيمة»، لازمت الأمة وبالتالي انهكت روحه. انتحار تيسير سبول وضع الساحة الثقافية الأردنية في حالة من الذهول جراء قراره والذي لم يكن مفاجئاً حسب ما روى أقرانه.

تيسير سبول كتب في مجالات أدبية مختلفة، حيث كتب الرواية والقصة القصيرة والشعر والمقالة الصحفية والترجمة والنقد والدراسة بالاضافة إلى تقديمه لبرنامج ثقافي في الاذاعة الأردنية لمدة أربعة أعوام بلا انقطاع.

وتعد روايته «انت منذ اليوم » الذي كتبها بعد هزيمة 1967 المريرة وفازت بجائزة مسابقة «دار النهار اللبنانية للنشر » مناصفة مع رواية «الكابوس» لأمين شنار من أهم الروايات العربية التي تقف في مصاف الروائع الروائية العربية.

بطل الرواية «عربي» وراويها يحمل الكثير من سمات تيسير سبول حسب رأي الكثير من النقاد. فعبر الرواية يقدم سبول صورة لعلاقته مع أبيه، وعلاقته بحزبه الذي فصل منه لأنه رفض وصية أحد فكره.

رواية تيسير سبول بالاضافة لقولها عن علاقته بأبيه وبأسرته وبتنظيمه الحزبي تصور الهزيمة العربية بكل تجلياتها المادية والمعنوية لتدين المجتمع العربي بأكمله وتحمله بالتالي المسؤولية.

لا يمكن ان نقول عن رواية «انت منذ اليوم » انها بكائية على وطن ضاع، ولكنها تعري المجتمع وتفضح المسكوت عنه من ظلم وبطش.

ولسبول من القصص القصيرة «قصة هندي أحمر» التي تروي قصة شاب يرث عن أبيه كرهه للهنود الحمر، وحبه للنساء البيضاوات وصالات السينما وعندما يموت الأب يحصى الابن التركه ويرحل إلى بيروت حيث يجد هناك ما يبحث عنه.

أما في قصته الاخرى «صياح ديك »والتي تقع في ست وعشرين صفحة من المقطع الكبير فانه يعالج قصة مسجون مفرج عنه يستقبله صديق له في وقت الافراج عنه ليكتشف بعد خروجه من السجن الدنيا بشكل جديد وان كل شيء قد تغير ويدين سبول في قصته الجري وراء الدعاية الرأسمالية والمظاهر الخادعة.

واضافة لما كتبه سبول من دراسات وانطباعات نقدية وسياسية وترجمات يقف الشعر في صدارة ما كتبه فديوانه « أحزان صحراوية » الذي نشر عام 1968 فان الحزن لا يترك أي حرف من الديوان دون ان يسكنه، ولأن تيسير سبول شديد الحساسية لما يكتبه فان رغبته في انهاء حياته مبثوثة على صفحات الديوان ويعبر عنها من خلال اليأس وعندما توقف سبول عن كتابة الشعر علل ذلك بقوله: « جميع الشعر الذي يكتب لأمة مهزومة، هذه الأيام هو غثاء، ولا أريد ان أزيد على أكوامه غثاء آخر» .

الاديب سبول على الرغم من كثرة النقاد والباحثين الذين ولجوا ادبه وشغلوه،الا ان الباب المتعلق برسائله ما زال بكرا تماما،وكما هو حال خلوّ الساحة الثقافية العربية والاردنية من كتاب متفرد حول ادب السبول الروائي يبين من خلال كم الدراسات التي كتبت عن روايته الوحيدة اوجه التجديد ومواطن قوتها،فكذلك الامر فيما يتعلق بمراسلاته التي تكشف نظرته بجذرية لمنظورات ومفردات الحياة التي اغلقها السبول وراءه، وهو اهم من حمل سفينة الادب الاردني لشاطىء التجديد بلحظة تراجيدية ما زالت متوقدة في ذاكرة كل من عرفه،وتلك اللحظة هي لحظة انتحاره.مراسلات تيسير السبول لاصدقائه ولزوجته، تعددت عبر اسفاره التي يمكن ترتيبها على هذا النحو: «بيروت، سوريا، السعودية القاهرة، وفلسطين»، وابرز تلك المراسلات مع صديقه وتوأم روحه الاديب صادق عبدالحق، الذي صادقه منذ العام 1955 ولم تنقطع صداقته واخلاصه له حتى بعد غيابه الذي اختاره السبول بطلقة لم توقظ الموتى على حد تعبير د. مي اليتيم زوجة تيسير سبول.

عبر الرسائل مع صادق عبدالحق، نجد ان السبول قد تعامل مع الصداقة كشكل من اشكال المطلق التي اكتشفت العالم ولم يكد يكتشفها احد، وبالتالي جسد ما فيها من اشجار متشعبة عبر الرسائل التي لم تستطع ان تنجي الجسد من فرط الهزيمة والخذلان.وتكشف الرسائل المكانة الخاصة للاديب صادق عبدالحق، الذي تساءل وهو يتصفح الرسائل مجددا: «هل كان ممكنا ان تكون كلماته بعد رحيله بعض ذكرى لفارس من فرسان الحياة الحارة؟».

خلال رسائل تيسير سبول تتضح لنا اكثر حالاته صدقا مع نفسه ومع من حوله لانه كان بطبعه وطبيعته صادقا كل الصدق، فهو بخلوته عبر الرسائل كان اصفى ما يكون للبوح النقي الصافي.

الرسائل جسدت فرار السبول من قسوة العالم المحسوس من خلال نوع من الاختبار الصوفي المقصود تجلى باغماضه عينيه عن العالم لكي يفتحهما على عالم جديد دائما، كما وتكشف الرسائل مدى القلق والصراعات الداخلية في شخصية السبول وتدلل على مدى اقتراب الراحل السبول من متطلبات الروح وآلامها ومسافاتها، وكيف كان الليل يملأ تلك المسافات بأسراره وحرارته بلا هوادة.صرخات ويأس وعدم سكنت الرسائل كأنها المكان الناجي من الاخطار، وكأنها الفضاء الاخضر من الليل.. من الاسرار. ومن هنا فرسائل تيسير السبول لصادق عبدالحق كشجاعة الصداقة التي ضمتها، انها الكراسة الدافئة الممتلئة بالمحفورات والرقم والارفف والصهيل، وبالاحزان المرئية التي تفتح فاها باتساع مثلا لمغنين في الاوبرا.لقد جسدت الرسائل مقامات واحوال الكشف عن الروح المشروخة، دائمة المناجاة للصداقة باعتبارها الشاطىء اليانع من الحياة: «الان افكر بقليل من العمق بحياتي وحياتك، اعني الجانب المرتبط منها، فأجد تلك الصداقة الرائعة التي شدتنا لبعض، تلك المحبة النادرة الوجود، كلها كانت اشبه بسمفونية شوبرت التي لم تتم».ويتضح عبر الرسائل رفض السبول لأي اطار او قالب يمكن ان يحد من ذاته الباشقة والراكضة صوب الحرية والكرامة، كما يتضح بجلاء حنينه للأمكنة التي احبها وسكنها.الرسائل رسخت حياتها المباشرة وهي تشكو الغياب، ليس غياب الصديق فقط، وانما غياب الانا عن الاحلام التي تطلبها وتنشدها للامة، اما المباشرة «الواقعية» في الرسائل فقد جسدت القرار والانفعال في شخصية السبول لا المنطق، وعلى الاخص حين نجد ان الرسائل دعت الاشياء والاماكن الى التحدث والقول عما تعرفه عن كائنه المشروخ بمحبة وفلسفه كما حوله، ومن هنا فالرسائل تتساءل وتكشف اكثر مما تطمئن، وتستقر في ترتيب سأم الاسفار وضياع احلام الامة.

ان السبول اراد ان ينفتح على اللانهاية حول يقينه من الوجود الى فكه، وذلك من خلال انصهاره في وحدة الكون ولوحته الواحدة، لذا نجده في الرسائل يعتصر الحقائق حبة... حبة للحد الذي يجرح المحبوب الذي يطمئنه على محو وجوده، وعل في محبة السبول لفكرة الصداقة اولا ومن ثم تجلياتها ما يعيد الكثير من المتعلقات في ادبه وانتحاره، وعل في ذلك، ايضا، ما يفسر كثرة المدعين لصداقته بعد انتحاره، والسبب يعود في ذلك لمعرفتهم عشقه المتجدد للصداقة.وعلى الرغم من الفرق في المكانة الادبية بين الاديبين، الا ان عرى الصداقة بينهما كانت الاشد بروزا، وان كشف رسائل السبول عن قلقها يضم بعض الملامح والاسباب التي ادت به لرؤية الطريق اقصر مما يجب.

ان رسائل تيسير السبول مع صادق عبدالحق هي تماما بمثابة بوح لتيسير مع ذاته، وهذا ما يؤكد اهمية هذه الرسائل التي تكشف العديد من الجوانب الدقيقة في شخصية تيسير السبول، وهذا ما يدعو الى اخذ تلك الجوانب من جديد في ادوات النقاد العرب والاردنيين على السواء.

رسائل تيسير السبول مع صادق عبدالحق تعد ابرز رسائل السبول مع اصدقائه، لان الرسائل مع غيره متناثرة وقليلة واصحابها لم يكونوا بذات المنزلة والعلاقة كما هو الحال بين السبول وعبدالحق، عدا رسائل السبول لزوجته مي اليتيم ذات الاهمية الشديدة وصاحبة المنزلة الخاصة والمنفردة حين نشرها.صادق عبدالحق يقول عن معرفته بصديقه تيسير سبول كنت اواخر الدراسة الثانوية لكلانا في كلية الحسين بعمان سنة ٥٥/٦٥ وكنت اسبقه بسنة دراسية وسمعت باسمه لأول مرة من استاذ اللغة العربية الاستاذ عبدالرحمن الكيالي الذي ذكره وذكر كتابته في موضوع الانشاء ومحاولاته الشعرية باعجاب، وتنبأ له بمستقبل لامع. برغم زمالتنا الطلابية في الحسين وسكن كلانا في معسكر «الزرقاء» انذاك لم نكن نتبادل الاعجاب ولا الحديث الخاص.. كان منطويا او متعجرفا، وكان يقال انه قومي وبورجوازي، كنت قرويا و«دينيا»، وكان قد جمعنا مكان سكني واحد هو «الزرقاء» ومكان دراسة واحد هو «كلية الحسين» في عمان وكان انذاك يذهب معنا في الباص الذي ينقلنا الى المدرسة: طاهر حكمت، صدام حابس المجالي، علي مشعل، حسين علي رشيد.. وغيرهم، واول رؤيتي له كانت في الباص الذي ينقلنا من الزرقاء وكنت انظر اليه على انه منطو ومنعزل واقرب الى الاكتئاب.وبعد انتهاء التوجيهي عام 1956 التقينا ـ يقول صادق ـ على جسر سكة الحديد «مدخل الزرقاء» وفوجىء باهتمامي الخاص بالادب والشعر الحديث وبمجلة الآداب اللبنانية، وتحدثنا عن خليل حاوي وكنت معجبا به جدا جدا، ومن هنا كانت الآداب التي ضمت قصيدة حاوي سبب التعارف واللقاء بيننا والذي لم يتوقف فيما بعد، وبعدئذ لم نفترق تقريبا، وكان الاصدقاء يطلبونه عندي او يطلبونني عنده، ومن اصدقائه آنذاك: هلال بطرس، عدي مدانات، رسمي ابوعلي، وكان معجبا بطالبة كانت تسكن ايضا في معسكر الزرقاء، تغزل بها شعرا ونثرا دون جدوى وسنراه يلتقي بها في جامعة دمشق فيما بعد ويصوغ من علاقته الافلاطونية والراغبة بها قصيدته الممتازة «غجرية» التي نشرها في «الآداب» وبعد انتهاء عبدالحق من الحديث عن المرحلة الاولى قال: في المرحلة الثانية: انتقل «تيسير» الى الجامعة الامريكية في بيروت مبعوثا باعتباره من اوائل الطلبة في الدراسة الثانوية وبعد اشهر مزق كتبه وقلب طاولة الجامعة الامريكية في وجه الحياة الامريكية البيروتية الصاخبة، سألته لم يا تيسير؟ كيف بوسعك ان ترفض نعمة الحياة البيروتية؟ كان غامضا وكانت اجابته دائما حول ذلك بكلمات قليلة: «انها لا شيء يا صديقي.. انها كذب...كذب... وزيف وتمثيل صدقني انها لم تكن الا كذبة: اشباه رجال وبنات فارغات»...الخ. ثم كتب اليّ ـ يقول صادق عبدالحق ـ من دمشق، حدثني عن اصدقائه: هاني الراهب، زكريا تامر، علي الجندي، وعن فتاة لم يسمها، تحدث عنها بمحبة ورومانسية في رسالة له: «وحدها يا صادق جاءت وشدت على يدي وابدت اعجابها برأيي في الشعر الحديث... سأحدثك عنها فيما بعد».. وفيما بعد هو لم يفعل.. كتب اليّ عن شريكه في السكن فالح الطويل، حدثه عني وجعله يكتب اليّ دون معرفة سابقة، كان يعود في الصيف الى عمان والزرقاء نلتقي، عدد كبير من الاصدقاء: محمد زيدان محمد الجمل، فايز الصياغ، عبدالعزيز المعايطة، راكان المجالي، عدي، قحطان، رسمي وغيرهم وغيرهم.كنا نحب اغاني ام كلثوم وقصائد خليل حاوي وفلسفة نتشه «القوة» وفي اوائل تلك الفترة كنا نختلف مع تيسير حين عاد من دمشق يهاجم عبدالناصر اثناء الوحدة، وحين حدث الانفصال فقط فهمنا ما كان يتحدث فيه، في تلك الفترة ايضا نشر قصيدته «غجرية» و«وداعا غجرية» في الآداب، لفتاة لم يستطع ان يكسبها في الزرقاء..ثم لفت انتباهها في جامعة دمشق ولكنها كانت- شأن الصبايا الفاتنات - ترغب في تعذيبه فعلت بكل ما لديها من قوة التعذيب.في تلك الفترة، ايضا، كتبت له مقاطع من قصيدة لي «جنين الوادي» فأثارت حماسته وجاءني من دمشق اكاد اقول خصيصا- ليهنئني.. التقينا «بقحطان هلسه» في «معان» اياما متصلة وحين ودعناه الى الطريق الصحراوي سرنا مشيا في مدى رملي شديد الاتساع وبلا معالم ننقل خطواتنا اللامجدية في ذلك المدى... تحدثنا عن كيفية يقطع البدوي تلك الامداء الشاسعة من الرمال عبر كل الازمان الماضية... وان خطواتنا تبدو بلا نتيجة... وحين عاد الى دمشق جاءتني رسالته ومعها قصيدته «احزان صحراوية» التي سمى بها ديوانه الشعري وفيها المقطع العذب «بدوي خطت الصحراء لا جدوى خطاه».في تلك الفترة- ايضا - جاءنا خبر دخوله المستشفى في دمشق بعد محاولة انتحار.. كان قد احب وعانى وشرع في الانتحار ولكنه خرج سليما وتزوج زوجته الحالية الدكتورة الطبيبة «مي يتيم» البحرينية الاصول الدمشقية الاخوال، في تلك الفترة ايضا زار لبنان مرارا وتعرف الى ادونيس «علي احمد سعيد» وبزوجته «خالدة» «وقد زاره فيما بعد في بيته بعمان» وحليم بركات وخليل حاوي نفسه وكتب في تلك الفترة اقاصيصه القصيرة: «صياح الديك، «وهندي احمر» ومترجمته «الخطيئة»» لادوارد مكارثي وفي الاقصوصتين يسخر من المجتمع البيروتي المتأمرك الذي سبق ان رفضه تيسير منذ الجامعة الامريكية، وفي تلك الفترة - بختام دراسته الجامعية - كما ارى - وصل الى ذروة عطائه الشعري. فلم يكتب بعد رجوعه من الجامعة شعرا بمستوى قصائده في «احزان صحراوية» التي كانت حصيلة سنواته الجامعية الاربع الى جانب «ليسانس الحقوق» الذي رجع به من دمشق، ولقد زرت وتيسير - فيما بعد - دمشق فعرفني بأصدقائه الكثيرين هناك من النجوم الادبية المعروفة اليوم، كان متألقا محبوبا ومعترفا به في الوسط الادبي الدمشقي اعترافا تاما. وتحدث صادق عبدالحق عن المرحلة الثالثة بقوله: تزوج «تيسير» وسافر الى البحرين مع زوجته، وثم الى السعودية للعمل وتعرف بأصدقاء والتقى في جدة بصديقه سليمان عرار وكاتبني: حدثني عن رواية يكتبها باسم «التراب العقيم» عرفت فيما بعد انه مزقها، لم يطق غربة الخليج الا شهورا معدودات فعاد الى عمان تنقل بقلق بالغ بين ضريبة الدخل ومأمور للتقدير والمحاماة متدربا في مكتب صليبا الصناع، ومستقلا بمكتبه في الزرقاء لبضعة شهور، ثم موظفا في ادارة «عالية» الخطوط الجوية، ثم مستضافا في الاذاعة ثم موظفا فيها، وهنا كما يحب ان يقول تيسير بطريقته - وقعت حرب الـ ٧٦ كان ممرورا وساخرا: في اليوم الثالث من حزيران نزلنا «تيسير» وفايز صياغ ومحمد زيدان وآخرون الى الجسر وشاهدنا جميعا تلك اللوحة البائسة لحرب حزيران تلك التي رسمها فيما بعد في روايته «انت منذ اليوم» حين كنا عائدين نصعد مرتفعات السلط عشرة او اكثر في سيارة واحدة قديمة كان تيسير يردد بلا كلل من نشيد وطني لازمته «انت منذ اليوم لي يا وطني» - كما قلت مرارا - مبللين بالحزن والعار، ومن هذه اللازمة لذلك النشيد الوطني اختار تيسير عنوان روايته «انت منذ اليوم» مضمنا اياه: «توقفه عن الانصياع او الاقتناع بكل ما سبق والبدء من جديد». رفض الانصياع لسلطة الادب الجاهل، والحزبي المتسلق، والاعلامي الكذاب والغوغاء الجهلة، والدينيين من انصاف المتعلمين والمحتلين العنصريين كل تلك السلطات اعلن انه لن ينصاع لها ولا يقتنع بها، وعليه ان يجد مرجعية اخرى لسلطة اخرى مقنعة ومحترمة.

ويتذكر عبد الحق من اصدقاء تيسير في تلك المرحلة: فاروق منصور، خالد الساكت، سليمان عرار، عائشة التيجاني، فريال زمخشري، توجان فيصل، جمال ابو حدان، والاخرون. في المرحلة التي سبقت قيام «تيسير» «صفق باب العمر وراءه» كما كان لا بد، يحب ان يقول تيسير، كنت وصديقه محمد زيدان في الكويت، وجاءنا الخبر هناك وقد عهدت الينا عائلته بأوراقه وبعد حين احتفظنا بنسخ منها واعدنا اصولها الى زوجته «مي» التي عملت على طبع ونشر آثاره كاملة. وختم الاديب صادق عبدالحق لمجلة نزوى بملامح من حياة تيسير كما شهدها ووضعها في نقاط محددة واوصاف اتصف بها تيسير كما رآها. نشأ تيسير في طبقة وسطى او اعلى من الوسط، ضعيف البنية لكنه لم يكن معظم حياته يشكو من مرض معين، ذكيا بل شديد الذكاء، صادقا لا تبغض نفسه شيئا اكثر من الكذب والرياء، كان يشرب ويدخن، لم يكن مدمنا، كان محبا للنساء، والنساء كثيرا ما اعجتهن شخصيته وجرأته ومظاهر اخرى في رجولته، كان يلعب الشطرنج والطاولة والورق.. وكان يكره العجز والشيخوخة فرفضهما، كثيرا ما كان يصحبني، ولعله صحب اصدقاء اخرين له، في سيارته الصغيرة على طريق الجامعة، ثم كان يبدأ لعنة العبث، ويدوس البنزين «تيسير .. تيسير ايها الاحمق ماذا تفعل هنا... لماذا انت هنا الى الان».. كان معجبا بميتة «كامو» حين ارتطمت دراجته بشجرة فقضي عليه ومثله ما كان يرويه كذلك عن لورانس ومصرعه، وبميتة همنغواي حين انقذف رصاص بندقيته في جوفه، وبميتة الشاعر ماياكوفسكي، ولو عاش لأعجبته ميتة صديقه خليل حاوي الذي لم يفعل الا ما فعله تيسير تماما، كان يراها كارثة ان يعيش المرء في العجز والشيخوخة ويرى ان عليه بدلا من ذلك ان يتجنبهما بارادته ويمتنع عن الوقوع في مصيدة الستينات والسبعينات، هكذا كما يقول دائما ويردد ما في لا منتمي «كولن ولسن»: العيش في اقصى حدود الاحتمال. ولقد تجنب «تيسير» العجز والشيخوخة ورفضهما لقد مضى بارادته كما احب: شابا في الرابعة والثلاثين فقط، وهوذا يبعث فينا اليوم كذلك.







الصديق الأكثر قربا


-------------------





[sor2]http://blogs-static.maktoob.com/userFiles/y/a/yahyaalqaissi/images/rasmi2.jpg[/sor2]



القاص رسمي أبو علي


متحدثا عن تيسير...


في حوار خاص لمجلة نزوى قال القاص رسمي أبو علي حول انتحار صديقه الأكثر قرباً تيسير السبول: قد لا تكون المسألة متعلقة بالارادة أو الفلسفة التي يعتنقها الانسان لتقرير فيما اذا كان سيستمر في الحياة أم لا. بقدر أن المسألة متعلقة اساساً بأمر أكثر بساطة وهو الجينات والجهاز العصبي للانسان والتي هي سمات تولد مع الانسان أو تتشكل - وخاصة جهازه العصبي - في السنوات الاولى من العمر.. تيسير السبول واجه مشكلات في حياته وهي مشكلات ربما واجهها الجيل جميعه وخاصة فيما يتعلق بهزيمة 67 وتداعياتها على الصعيد الموضوعي - كما أنه واجه مشكلات شخصية وأهمها مسألة مرض عينيه الذي كان يخشى ان يودي به الى فقدان البصر.ويضيف رسمي أبو علي: هنا نقول بأن هناك من يواجه مشكلات أعمق وأخطر. فنحن نعرف أن هناك من أصيب بالسرطان مثل عدد من الكتاب نذكر منهم سعدالله ونوس والذي كان رد فعلهم هو تحدي المرض والاصرار على العطاء والابداع في ذروة الألم والمعاناة..ويؤكد ما يريد قوله: أن تيسير لم يواجه مشكلات استثنائية بشكل خاص تدعو حتما الى الانتحار بالمقاييس النسبية التي نعرفها.. ولكنه ، مع ذلك ، انتحر ، والسبب في رأيي هو حساسيته البالغة وهشاشة جهازه العصبي التي كانت تجنح الى تضخيم المشكلات بشكل مرضي..ويقارن أبو علي بينه وبين السبول بقوله: بالنسبة لي - فقد سبق أن قلت بأنني لست من النوع الذي يفكر في الانتحار.. ان تكويني النفسي والوجودي والفيزيائي هو مضاد للانتحار الذي لا أعرف ان أمراً مهما كان جديراً ، يدفعنا اليه - أي الانتحار - لكن كل هذه مسائل نسبية - فلا أحس بالمجد والرفعة لأنني لم انتحر ، كما أنني لا ألوم تيسير على انتحاره.. فهذا هو سرّه العظيم والكبير الذي يجب أن نحترمه وأن نكف عن التنبيش في محاولة ايجاد اسباب اضافية لانتحاره.. وخاصة أن بذرة الانتحار كانت موجودة في أعماقه منذ البداية - وقد كتبت مرة أنني سمعته يتحدث عن الانتحار بطلقة مسدس على الصدغ الأيمن عندما تعرفت اليه لاول مرة في عام 1958 في مطار ماركا القديم حيث قام بتعريفنا صادق عبدالحق الذي كان يعمل راصداً جوياً في تلك الفترة.وذهب أبو علي مبرراً انتحار تيسير السبول بقوله: في لحظة معينة فان الحياة تصبح عبئاً ثقيلاً - وهذا أمر اختبره كثيرون - لكن هناك من يحاول تجاوز الامر وهناك من يرى انه بات عاجزاً عن ذلك.. تيسير وصل الى تلك النقطة وقرر ان الانتحار هو أخف وطأة من الاستمرار.. هذا هو مقياسه وهذه هي قيمه الداخلية - وعلينا أن تحترمها تماماً وأن نكف عن تمحيصها أو الحكم عليها الى ما لا نهاية - تيسير لن يكون سعيداً بهذه الحشرية التي لا مبرر لها.وحول تيسير الان والمسكوت عنه في العلاقة فيما بينهما قال رسمي أبو علي: بعد عودتي الى عمان قبل حوالي خمسة عشر عاماً وبعد غياب حوالي عشرين عاماً عنها ، كان تيسير لا يزال حارّاً في داخلي - وقد استيقظ بقوة عندما كنت أسير في الشوارع نفسها التي كنا نسير فيها قبل اكثر من خمسين سنة من الآن ـ وبالفعل كنت أحس انني سأراه أمامي في اية لحظة - كان هذا احساساً قوياً لدرجة أنني لو رأيت تيسير لما اندهشت كثيراً.الآن وبعد ثمانية عشر سنة من عودتي فان احساسي بتيسير قد اختلف وأصبح أكثر شفافية وحناناً - فقد غفرت له بعد أن اندملت بعض الجروح العميقة التي سببها لي في فترة شبابنا الباكر.. لكن ما ساعد على اندمال تلك الجروح انه ظل يعتذر بحرارة لسنوات طويلة واصفاً نفسه بأنه سيء.. ولكنني رغم حبي له لم استطع ان أغفر له الا في السنوات الأخيرة باعتبار أن ما حدث لم يكن أكثر من "طيش شباب" كما كان يحلو له ان يصف العديد من الامور التي لا يمكن هضمها من هذا الصديق أو ذاك...وتلك المرأة التي سببت ذلك الجرح بيني وبينه تلاشت في داخلي منذ زمن بعيد كان كثيراً ما يردد أمامي بأن تلك المرأة سوف تدّمر حياتي رغم أنه تعلق بها لفترة قصيرة على الأقل..هذا هو الجانب المسكوت عنه في علاقتنا والذي أكشفه لأول مرة ولكن لا أنوي ارواء فضول أحد اذا ما سأل عن اسم تلك المرأة او تفاصيل ما حدث.

وينوه رسمي: لقد ظلت هذه «النقطة السوداء» في علاقتنا تنغص عليّ لسنوات طويلة.. غير أنني لم أكره تيسير حقاً وان كنت غاضباً منه ومحتقناً وغير مصدق كيف أن صديقاً مثله يمكن ان ينزلق الى أمر حساس في تلك الليلة الملعونة.. لقد ذهب كل ذلك الآن ولم يعد في قلبي الذي عرف كل شيء.. لم يعد فيه الا الحب والحنان والرحمة لتيسير الذي بدأت أنظر اليه الآن كأنه أخي الأصغر الجدير بالحب والاعجاب والمغفرة..ويختتم مقرراً: لقد سامحته من قلبي منذ سنوات - والآن يرقد نقطة ضوء باهرة في أغر مكان في قلبي - فلترقد روحه المعذبة في سلام.وتالياً نص الرسالة التي وجهها رسمي أبو علي لتيسير سبول:"كل سنة وفي ذكرى رحيلك يتنادى اصدقاؤك لاحياء ذكراك كرائد من رواد الثقافة وكانسان استثنائي المناقب وكأديب طليعي سبق الجميع في اكتشاف تشطيات الواقع العربي الذي رفضته مبكراً ، والذي عرفت انه بات واقعاً مأساوياً لا سبيل الى اصلاحه وخاصة بعد الهزيمة الدولية في عام 67 والتي حطمت احلامك القومية وايمانك الصوفي بالامة العربية.أنا اتحدث عن سبب انتحارك الأعمق.. لكن ، بالطبع لا أسمع لنفسي بتجريدك من انسانيتك ومن دوافعك الشخصية الحميمة التي لا يعرفها سواك مهما اجتهد المجتهدون في محاولة النفاذ الى هذه الاسباب.قيل مثلا انك اصبت بمرض في العينين بات يهددك بعمى محتمل، لن بورخيس اصيب بمرض مماثل ولم يفكر في الانتحار.. وقيل انك عانيت من خيبات عاطفية.. لن من منا لم يعان من خيبات اذن يبقى او تبقى اسباب انتحارك خاصة بك وحدك.. وعلينا الا نحاول ان نحشر انوفنا في قمرك العميق.. احتراماً وحباً.مع ذلك ولانني أعرفك فانني أظن أن السبب الحقيقي هو أنك لم تكن «ابن حياة» لم تستطيع ان تكون ابنا لهذا الواقع العربي الذي كشف عن مدى زيفه وانحطاطه منذ البداية والحق - انك كنت زرقاء اليمامة التي رأت ما لم ير الآخرون.. ادركت ان هذا الواقع سيسير من سيء الى أسوأ وأدركت انك لن تستطيع ان تتحمل كل السفالات التي سيفرزها هذا الواقع ، وخاصة ان لك اعصاباً نارية متقدة وحساسة فريدة تستطيع ان ترى الابتسامة وراء عيون الأرملة ادركت يا صديقي ، ان الواقع سيعطيك أقل من القليل في كل شيء.. وأنت الذي كنت طامحاً الى امة معافاة تتسم بالعظمة ويتسم ابناؤها بالكبرياء والحياة الصحية.كثيرون ايضاً ادركوا هذا الواقع - لكنهم لم يذهبوا الى المدى الذي ذهبت اليه.. لقد غضضنا النظر عن أشياء كثيرة وقمنا بتسويات واحتيالات ورتبنا نوعاً من الفلسفة التي تجعل الحياة ممكنة أنا كنت عنيداً ورفضت أن اسلم بالواقع ، وظللت أحاول وأحاول على مدى الثلاثين السنة الاخيرة ، معتبراً ان الحياة وان كانت فرصة متواضعة اصلاً فيجب ان تستنفد بالكامل ، ولا أزعم انني كنت على صواب فالحصاد لم يكن وفيراً وحجم الا لم كان كبيراً فنحن الان ندفع موتنا ثمناً لحياة «تشبه الموت» وأنا اشير هنا الى ظاهرة جديدة نسميها «الانتفاضة» وهي الثانية التي تجري احداثها في فلسطين الآن .وسأقول لك باختصار ما هي الانتفاضة - اطفال وأولاد وفتيان يلعبون لعبة دموية مع الجنود الصهاينة.. هم في طرف يرشقون الحجارة والجنود متمرسون مدججون بالاسلحة في الطرف الآخر.. وأقول لك يا تيسير ان هؤلاء الاولاد بحجارتهم واندفاعهم الذي لا يمكن استيعابه يخيفون الجنود.. كما هو أن قطيعاً من الخراف يطارد قطيعاً من الذئاب.. ان هؤلاء الاولاد يثيرون الاعجاب. والدهشة ويثيرون هلعنا ايضاً فهم في عمر الورود لا يحسون بأنفسهم ، عشاق مجانين ملك يؤمنون ببساطة أن الحياة اذا لم تكن حياة عز فهي لا تستحق ان تعاش.. انهم الأمل الأخير يا صديقي.. وان كان املاً مراً مخضباً بدمائهم.أنا واثق ان روحك النبيلة معهم ، فهم اخوتك وابناؤك الذين ضربت لهم مبكراً مثلاً في معادلة الكبرياء والموت.. سوى أنهم يوجهون حجارتهم الى العدو وأنت لفرط نيتك وحساسيتك آثرت ان توجه الرصاص الى صدغك






تيسيـر السبــول ...انحنـى .. وظلـت مشـاغلـه
--------------------------------------------




بسـام الهلسـه
كاتب اردني [/CENTER]


طائرّ غنى قليلاً .. فوق غصنْ.. ثم طار قلت: هذا طائر العمر إلى الأفق إستدار للمدى الأرحب ، قد أسلم جنحيه ، ونهباً للمدى سوف يغدو .. وَيْ لَعُمرْ هو كالثوب المُعار ،.

من ترجمة "تيسير سبول" لرباعيات "عمر الخيام" .

لا أذكر تماماً متى التقيته أول مرة.. ربما في بدايات العام 1973م.. كان ذلك في مكتب الشاعر "عز الدين المناصرة" في مبنى الإذاعة ، عندما دخل تيسير سبول ، وقدمني له المناصرة كفتى شاعر واعد،، رمقني تيسير بنظرة ودودة ، وتناول الدفتر الذي كنت أحمله وفيه محاولاتي الشعرية الأولى ، وأخذ يقلب صفحاته ، ليدعوني من ثم إلى مكتبه ، طالباً أن يحتفظ بدفتري لبعض الوقت ، ليختار منه ما يقدمه في برنامجه الإذاعي "الأدب الجديد" على ما أذكر... عندما زرته في المرة الثانية ، أعاد لي الدفتر وقد وشّاه بتعليقات وملاحظات مكثفة على عدد من القصائد.. إن جاز لي تسميتها كذلك؟

وربما لا زال هذا الدفتر موجوداً لدي ، إذ إحتفظت به أمي - بين ما احتفظت به من أشيائي القديمة - بعدما غادرت الأردن في خريف م1974 ، لأعود إليها في أواخر التسعينيات من القرن الماضي.

فيما بعد ، التقيت تيسير (أبو عتبه) في لقائين خاطفين كتعليقاته.. وقد بدا لي حيوياً ، لماحاً ، يفيض بالحماسة.. على تباين مع الصورة التي إرتسمت في ذهني عنه عند قراءتي لديوانه "أحزان صحراوية" ، الغنائي الرومانسي الحزين ، ولقصته "أنت منذ اليوم" ، المتوترة الساخطة ، التي كتبها غداة هزيمة حزيران م1967 الساحقة المذهلة ، والتي تركت فيَّ إنطباعاً قوياً إستحضرته في الحوار التلفزيوني الذي أجرته معي المخرجة "ربى عطيه" ، قبل سنوات قليلة ، ضمن برنامجها "مئة كتاب في القرن العشرين".

بناءا على الصور والإنطباعات التي كونتها عنه ، ذهلت حينما سمعت بنبأ اختياره الرحيل ضحى يومْ عَمَّاني خريفي في الخامس عشر من تشرين ثاني - نوفمبر - .3791.

بدا لي انتحاره محيراً ولم استوعبه ، رغم ما قرأته وسمعته مما كتبه وقاله أصدقاؤه وعارفوه المقربون.. لكنني إحتفظت بتفهم وتقدير له ، عبرت عنه في مقالة كتبتها أواسط السبعينيات الماضية ونشرتها جريدة "الوطن" الكويتية ، وكذلك في الندوة الاستعادية التي كُرًّست لذكراه السادسة عشرة (خريف )1989 وأقيمت في مقر "الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين" بدمشق ، وتحدثت فيها إلى جانب الراحلين العزيزين: "غالب هلسا" و"فواز عيد".

في كلمتي في الندوة ، التي وسمتها بـ"محنة الوجود المنتهب.. والذات المُضَيَّعة" ، سعيت لتقديم مقاربة لما فهمت أنه "تيسير سبول".. أقول: (مقاربة) لاعتقادي بأن "الانتحار" يظل إختياراً شخصياً شديد الخصوصية ، استثنائياً وخارقاً للعادة ، يصعب كثيراً إعطاء رأي قطعي بشأنه.. خصوصاً عندما يتعلق الأمر بشخصية "مركبة" متعددة الحضور مثل تيسير.. فهمتُ إنتحاره ، الذي حدث مباشرة بعد وقف إطلاق النار في حرب "رمضان" (تشرين الأول - أكتوبر - )1973 العربية - الإسرائيلية ، كفعلْ إحتجاجي عنيف لمثقفْ عربي مرهف ، متوتر ، شغله منذ بواكير وعيه ، الوجود والمصير العربي ، وعاينه بحساسية عالية ، كوجود منتهب ، مُهان ، مبدد ، يسحقه غزاة طامعون وطغاة قامعون... مثقف إمتلأت روحه شوقاً لرؤية قيامة وخلاص أمته.. وتطلع مثلها لدور كبير ينهض به.. وهو ما يمكن تتبعه واستقراؤه في حياة تيسير وكتاباته الأدبية والفكرية.. ومع خيبة آماله وتبددها.: تكثف الشعور بالفجيعة والإنكسار لدى "العربي الغريب"... وإذ لم يكن لديه ايما عزاء - وكانت الطريقة الاحتجاجية الدامية التي إقترحها الأديب الياباني "يوكيو ميشيما" - ماثلة أمامه ، تناول تيسير المسدس.. وضغط على الزناد.. مصوباً إلى الرأس ، لينحني ويصمت إلى الأبد...
فيمــا لــم تــزل كتــابــاتــه - وإنشغـالاته خـاصـة - قـائمـة حيـة علـى جـدول أعمـال المعنييـن.. وربمــا بــإلحــاح أكبــر..






اضاءات ادبية من وحي التجربة التيسيرية


-----------------------------------------





الرمز في شعر تيسير سبول


-------------------------------





د لقمان شطناوي / الأردن

مــدخــل :
يسعى هذا البحث إلى تقديم محاولة متواضعة لدراسة ظاهرة من الظواهر التي غلبت على شعرنا المعاصر ألا وهي ظاهرة الرمز.
وقد تلمسنا دراسة الرمز لدى شاعر غلب على شاعريته الطابع الوجداني وراح يستخدم الرمز في محاولة للدخول إلى عوالم نفسه وهمومها الذاتية. وهو الشاعر الأردني تيسير سبول
وليس من شك أن في استخدام الرمز والابتعاد باللغة عن المألوف واليومي والمباشر ما يحقق قيمة فنية وجمالية ، وقد عبر مالارميه عن قيمة ما يحققه الرمز والغموض من لذة الكشف التدريجي بقوله " تعيينك للشيء هو حذف ثلاثة أرباع لذته، لأن اللذة الحقيقية تكمن في الاستكشاف التدريجي ".
والرمز الذي نجده في شعر تيسير سبول هو ذلك النوع من الرمز الذي يدور حول مواجد النفس وأحوال الذات الباطنية ، وإذا حاولنا كشف المدارات التي تسير فيها رموزه وجدناها تحوم في أعماق الحياة الإنسانية عامة وتسكن في مناخات الحزن والحب والبحث الدائب عن الحقيقة ، رموزه صور من قلق رومانسي ونظرة تشاؤمية تدفعه إلى بحث محموم عن الموت أو عن طريق الخلاص من غابات التيه والضياع ولقد كان العثور على ملاذ آمن وعالم نقي غير ملوث ولا مزيف عالم عابق بالحرية لا قائم على الخوف والسير مع الجدار أو الحلم بالبقاء لليلة هو المسعى الذي لازم الشاعر في حياته ، لقد ظلت محاولاته الدائبة إلى الحرية تدفعه إلى البحث عن اليقين ، لكن بحثه لا يلبث أن يتحول وبالتدريج إلى إحساس مفجع بالوحشة والضياع إلى قهر ومرارة ليمتد هذا الإحساس فيصبح حزناً ينقض نسج القلب ويمتد منه إلى ما لا نهاية ، ويصبح الموت بعد ذلك وقبله آخر المغامرات المنتظرة .
لغة سبول في التعبير عن مشاعره لغة حادة متوترة والفكرة لديه تتحول مع ما يغلفها من رمز إلى فكرة عابقة بالعمق والإثارة يحاول بها الشاعر أن يصل إلى الذات ويقف على تفاصيل الواقع ويثور على ما فيه من فساد وتخلف ، أما اختياره لرموزه فيقوم عن طريق التفاعل بين الذات والواقع .

الـرمــز :
مـفهـومـه ومـعـناه :
ورد في لسان العرب أن الرمز هو تصويت خفي باللسان كالهمس ، ويكون تحريك الشفتين بكلام غير مفهوم باللفظ من غير إبانة بصوت إنما هو إشارة بالشفتين والفم ، والرمز في اللغة كل ما أشرت إليه مما يبان بلفظ بأي شيء أشرت إليه بيد أو بعين
ولا تختلف هذه الدلالة عند بقية المعجميين العرب القدماء ، أما في معجم دوزي وهو من المعاجم الحديثة فانه يعرف الرمز بقوله " رمز ، أومأ وأشار ولم يصرح ، وهي من صّرح ومنه قصيدة مرموزة وهي يؤمأ فيها إلى الأشخاص والأشياء إيماء خفياً… ورمز : كناية تلميح مجاز استعارة وحكمة ومثل يعبران عن فكرة أو عاطفة تلميحاً، ورمز رقم علامة ورمزي مجازي استعاري تصوفي "
أما الرمزية كمذهب أدبي فإن له دلالته المعاصرة فهو مذهب أدبي ظهر في أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر واندثر مع بداية الثلاثينات من القرن العشرين .
فما المقصود بالرمز وما هي دلالته ومفهومه ؟.
لقد تعرض مصطلح الرمز لكثير من الاضطراب والتناقض والعمومية ووردت له تعريفات عديدة .
أصل مادة الكلمة رمز symbol في اللغة اليونانية هو sumbolein التي تعني الحزر والتقدير وهي مؤلفة من الكلمة sum بمعنى مع و boleinl بمعنى حزر .وكلمة رمز مشتقة من الفعل اليوناني الذي يعني "القى في الوقت نفسه " أي "الجمع في حركة واحدة ، بين الإشارة والشيء المشار إليه " .

والفعل اليوناني يوحي بان فكرة التشابه بين الإشارة وما تشير إليه عنصر أصيل في بناء الرمز وهي تعني " شيئاً ما يشير إلى شيء آخر مع عدم إغفال مستوى الدلالة الحقيقية فيه" وللرمز تعريفات عديدة وفق مستويات عديدة ؛ مستوى عام ومستوى لغوي ومستوى نفسي ومستوى أدبي.
أما المستوى العام فهو المعنى العام الذي عرفته دلالة الرمز ، وقد قسم بيفان الرموز إلى نوعين : الرمز الاصطلاحي ، وهو نوع من الإشارات المتواضع عليها كالألفاظ باعتبارها رموزاً لدلالتها " والثاني الرمز الإنشائي ويقصد به نوعاً من الرموز لم يسبق التواضع عليه
أما الرمز بمفهومه اللغوي فيعد أرسطو أقدم من تناول الرمز وعنده أن الكلمات رموز لمعاني الأشياء الحسية ثم الأشياء التجريدية المتعلقة بمرتبة أعلى من مرتبة الحس … يقول " الكلمات المنطوقة رموز لحالات النفس والكلمات المكتوبة رموز للكلمات المنطوقة
ويقسم ستيفن اولمان الرموز إلى تقليدية كالكلمات منطوقة ومكتوبة ورموز طبيعية وهي التي تتمتع بنوع من الصلة الذاتية بالشيء الذي ترمز إليه
أما المستوى النفسي فهو يشير إلى أن قيمة الرمز إنما تكمن في مدى دلالته على الرغبات المكبوتة في اللاشعور نتيجة الرقابة الاجتماعية الأخلاقية ، ويقول فرويد إن الرمز نتاج الخيال اللاشعوري ، أما كارل يونج فهو يرى أن الرمز مستمد من اللاشعور والشعور ممتزجين .
ويعرف الرمز وفق المستوى النفسي بأنه "أفضل طريقة للإفضاء بما لا يمكن التعبير عنه ، وهو معين لا ينضب للغموض والإيحاء بل والتناقض كذلك
أما على المستوى الأدبي فقد كان جوته أول من حدد بطريقة أدبية وحديثة مفهوم الرمز وهو يفهمه على انه "امتزاج للذات بالموضوع والفنان بالطبيعة ".
وفي مطالع القرن العشرين بدأت محاولات تهدف إلى تحديد مفهوم الرمز ، وحصر بلليزييه خصائص الرمز في ثلاث :
*الرمز هو الطريق لملاحظة الشبه بين ما هو وجداني وما هو مادي .
*الرمز لا يتطلب ذهناً على درجة عالية من التجريد .
*الرمز تلقائي ذاتي وأساسه أن يتعقب الشاعر العلاقات الخفية بين أفكاره ومشاعره بوصفها


عناصر ذاتية من ناحية ، والأشياء بوصفها عناصر موضوعية من ناحية أخرى .
وجاء في موسوعة دائرة المعارف البريطانية الطبعة الرابعة عشرة ،م21 أن الرمز "عبارة تطلق على شيء مرئي يمثل للذهن شيئاً غير مرئي لعلاقة بينهما هي المشابهة".
ومن جملة التعريفات العديدة والكثيرة للرمز يمكن أن نخلص إلى أن الرمز يمر بمرحلتين هما : * مرحلة العطاء المباشر الذي يقدمه الرمز وعناصره مستمدة من الواقع ، ألفاظه وعلاقاته اللغوية ذات دلالات سابقة .
* مرحلة تلقي الإيحاء الرمزي والاستسلام له ، الرمز ليس محاكاة للواقع الجامد بل هو استكناه له وتحطيم لعلاقات الطبيعة حتى تغدو فكرة مجردة من أوشاب المادة .
والرمزية حين ظهرت في الشعر الغربي سعت إلى تحقيق أهداف عديدة ولعل أهمها إعادة الفكر إلى الشعر بعد أن اصبح الشعر زخارف وضعية في شعر البرناسيين وإضاءة الأشياء بالفكر العميق ، ثم إن الشعر الرمزي معبر عن تغير تقدمي وهو تغير اجتماعي أولا فهو تمرد فكري فني ينفجر داخل المجتمع وليس مجرد حركة احتجاج ، فعندما تسد أمام الكاتب والقارئ كل منافذ التعبير والتلقي تبدأ الرمزية والرمز تعمل على تخصيب الرؤية ويمكن الشاعر من استبطان التجارب في الحياة مما يمنحه القدرة على استكناه المعاني استكناهاً عميقاً
والرمز يمكن الشاعر من التخاطب مع المتلقي بشيفرة ذاتية خاصة لا تحدها حدود ولا تضبطها ضوابط تقليدية ، عن طريق الدلالات الرامزة التي تفتح قنوات عديدة لإثراء الانفعال الذي لا ينفصل عن الفكر المصقول
والرمز بمفهومه العام يعني فن التعبير عن الأفكار والمواقف بطريقة غير مباشرة .
وما لا يمكن في وسائل التعبير الأخرى يمكن في الشعر الرمزي لذا فإنه فن التمكن من اللاممكن


الـرمز فـي شعـر تيـسيـر سـبـول
رمـوز سـبـول الـشعـريـة ….
عندما تطالع ديوان أحزان صحراوية نجد أن هناك قوتين تتجاذبان الشاعر وتغلبان على ديوانه وهما قوة الحزن الشديد الظاهر من خلال صور قصائده وإيحاءاتها وقوة الحب الذي أومضت به قصائده ، ولقد شكلت هاتين القوتين الرموز الشعرية التي طفح بها الديوان وظهرت مستمدة من عوالم النفس الذاتية ومتشحة برداء رومانسي ممتزج بنظرة سوداوية متشائمة ، وجملة هذه القوى لا يكاد ينفصل بعضها عن بعض إذ إن الحب متصل بالحزن والحزن متصل بالنفس المرهفة الحس المتأثرة بكل ما يحيط بها ، ولم يكن سبول يعيش بمعزل عن محيطه بل كان يعاني من معظم ما عاناه الشباب العربي من شعور بفقدان للحرية والمرارة العميقة نتيجة المؤثرات السياسية والاجتماعية، ولذا فان سبول حاول أن يعبر عن كل ما كان يعتور نفسه الشاعرة ويصوغه شعراً وشعوراً يجسد الألم وجملة الأحاسيس التي كانت تطارده وتضيق على نفسه .
ومما يميز سبول أن لغته حادة متوترة فيها شفافية وانسياب لكنه انسياب الفلسفة العاطفية اللاذعة حينا والساخرة حيناً، والواقفة على حقائق الأمور والمطالبة بالثورة على مظاهر الجمود والتخلف .
وإذا نظرنا في رموزه وجدناه يستقيها من التراث الديني والتاريخي والشعبي والأسطوري والأدبي ، ولكن سبول يركز على استخدام رموز شخصية ، وفي ذلك يقول "استخدام الأسطورة كرمز أراه مفتعلاً لأننا غير متصلين حقيقة بتلك الأساطير ثمة هوة زمنية وهوة أخرى أهم حضارية تفصلنا عن أسطورة الآشوريين مثلاً … واعتقد انه قمين بالشاعر أن يخلق رموزه الخاصة بصفته خالقا بدلاً من أن يترجم ويتكئ على موروث ميت "

ورغم هذا الرأي إلا أننا نجد سبول يستخدم الأسطورة ويوظفها ولكن بصورة أقل مما نلحظه في اعتماده على رموزه الخاصة ومن ذلك الرموز المستقاة من الطبيعية كما يتخذ من المرأة رمزاً إضافة إلى ميله إلى الرمز عن طريق الألوان والرائحة كما يستخدم مفردات اللغة استخداماً رمزيا وسبول في تركيزه على عوالم ذاته الباطنة وربطه التجربة الرمزية بالجانب الإنساني ، يستخدم الصورة الرمزية ويعتمد تبادل معطيات الحواس في التعبير عن مشاعره وأحاسيسه .
وسنحاول أن نعرض لأبرز الرموز التي ظهرت في شعر سبول في محاولة لتبيان كيفية توظيفه للرمز ومدى قدرة رمزه على حمل الرؤيا الداخلية والتعبير عنها .

الـرمـوز الـشـخصية …
الرمز الشخصي هو ذلك الرمز الذي يبتكره الشاعر ابتكاراً محضاً أو يقتلعه من حائطه الأول أو منبته الأساس ليفرغه جزئيا أو كليا من شحنته الأولى أو ميراثه الأصلي من الدلالة ثم يشحنه بشحنة شخصية أو مدلول ذاتي مستمد من تجربته الخاصة
ولقد سعى سبول إلى محاولة خلق رموز شخصية خاصة به جاعلاً منها محوراً للتعبير عن انفعالات نفسه ورؤيته تجاه الواقع وظهرت هذه الرموز إما من خلال كثرة دورانها في شعره أو حين يتم التركيز عليها في قصيدة معينة .
ومـن الرموز الشخصية التي يستخدمها سبول الرموز المنتزعة من الطبيعة ومن أكثرها دوراناً ؛ رمز الشتاء والربيع والقمر والرياح والجدب والأمواج والشاطئ والبحر والملاح والنسر والكهوف والليل .

• رمـز الـشـتاء …
في قصيدته شتاء لا يرحل نجد الشاعر يستعير جزئيات الرمز من الواقع لكنه لا يبقيها على واقعيتها بل يقوم بتحطيم علاقاتها الطبيعية حتى تغدو فكرة مجردة من أوشاب المادة ويصبح الرمز المحوري الشتاء ذو دلالة مختلفة …وفي هذه القصيدة تتكرر كلمتي (تناهى / الشتاء ) وهاتان اللفظتان تعتبران مدخلاً لفهم النص والنفاذ إلى الفكرة التي تسيطر على الشاعر ويمكننا أن نلمس ذلك من خلال النظر في النص الذي يبدأ متثاقلا بطيئا مؤذنا بزوال الشتاء …
على أفقنا تتمطى الغيوم
تجوب ببطيء تخوم السماء
وتوشك تهمس أن الشتاء تناهى
وودع أيامنا
وخلف في الأرض أحلامنا
وعودا بخصب ..ثمارا لحب
وعاه ضمير الثرى والمطر
تناهى الشتاء… تناهى الضجر ..

ولفظة الشتاء في هذا السياق ليست إلا إيحاء بما يعتمل في نفس الشاعر من ضيق وألم وشعور بالضياع ؛ فالشتاء رمز للأيام الخاوية الباردة ورمز لبيات المشاعر والأحاسيس ولذا فان الشتاء تناهى ليفرح الشاعر بمجيء الخصب وزوال الضجر …
تناهى الشتاء ..تناهى الضجر
قريبا يطل علينا القمر
ينقل فوق التلال خطاه
ويسكب من عمقنا في ضياه
تناهى الشتاء … تناهى الضجر

أن فرحة الشاعر بزوال الشتاء الضجر القاسي هي نظير فرحته باستقبال النور والضياء ؛ فالقمر رمز للخير والسعادة وهو نقيض الظلمة التي تجلب القسوة والوحشة وهو يفرح بزوال الشتاء بقدر ما يخيفه مجيئه ولذلك يبدو التحول في البنية اللفظية تحولاً فنياً بارعاً .
واعلم أنى احب الربيع
وأصبو إليه صبو اشتهاء
ولكن قلبي يعاني شتاء
يلوح بلا موسم منتظر
والربيع دلالة على الخير والعطاء والإشراق والتجديد لكن الشتاء وما فيه من ضجر وخمول لا يزال الوجه الذي يطارد الشاعر ويسيطر على نفسه ،وتبدو جزئيات الرمز مفصحة عن هذا الشعور بالضيق ؛ فأمطار الشتاء دموع وللرياح صوت كالخواء..
أحس الدموع به تنهمر
واسمع فيه خواء الرياح
شتاء ..شتاء
أرى للغيوم
وأنصت في خاطري للخواء
وأعرف أنى ما زلت ذاك القديم
وعمري شتاء

ومثل هذا الرمز الذي يتكرر كثيراً على يد الشاعر يعد رمزاً نموذجياً فالشتاء يعتري مظاهر الطبيعة ليحيلها معالم شاحبة ، ولكن الشتاء لم يكن إلا قالباً رمزياً لأحاسيس الشاعر وهو شتاء عاطفي فيه الخوف والقلق والشعور بالوحشة والضيق فصل لبيات المشاعر وجمودها وموعد للحزن والإحساس بالضياع وليس مجرد فصل من فصول السنة .

وفي قصيدته "عودة الشيخ "يجرد سبول من الشتاء رجلا شيخا ثم يصف هذا الشيخ رجلاً هائلاً اغلق الأفق وأخذ ينقر بعصاه الشارع وراح يخرج ألوانه وريشته ليرسم أقواساً ولم يكن البرق إلا ضوء زناده والغيوم هي بعض ما يخرج من غليونه وصار مجيء الشتاء حدثاً أسطوريا يتطلب الوقوف والتأمل من خلال ما يثيره من إعجاب .
وتصويره الشتاء على هذا النحو يكشف عن موقف الشاعر منه إذ يوحي بالقدرية التي ينبغي للمرء أن يخضع لها ولا يملك إزاءها إلا أن يصمت ويترك لغو الكلام .
هو ذا شيخ الشتاء اغلق الأفق وجاء
هو ذا ينقل في الشارع نقرات عصاه
قادم يحمل في سر إهابه
أدوات من فنون السحرة
ريشة ترسم أقواسا على عرض السماء
وزنادا يشعل البرق
وغليونا لتصعيد الغمام
فقفوا .. ودعوا لغو الكلام
واهتفوا مرحبا شيخ الشتاء


رمـز اللـيل….
ويحتل الليل مكانا رئيسيا في الرموز التي تستأثر باهتمام سبول فيتجلى بصور مختلفة ليعبر عن الحزن المستمر والمقيم في نفسه؛ والليل مثير للشجون ومجدد للمخاوف والظنون ومجيئه رهين ببعث الحزن واستحضار الذكريات المضيئة الممضة، والليل نقيض للحب ورمز للجفاء وجفاف العواطف .
في قصيدته "المستحيل " يظهر الحب رغبة غامضة خطرت في ذهن الشاعر في إحدى الليالي وينظر الشاعر لليل على أنه جالب للأفكار الغريبة الغامضة المتعلقة بالحب وهذا مناقض لحقيقة الحب الذي هو عاطفة إنسانية نبيلة وتجربة قد تتهيأ لمعظم الناس باختلاف مستوياتهم الثقافية. ولكن حب الشاعر كان تجربة مؤلمة ألقته في مدّ المحال وصارت عنوانا لمأساته …
حينما أنسلت إليه خلسة إحدى الليالي
رغبة غامضة ألقته في مد المحال
أن يطول القمرا
وبكى مذ شعرا
أن سيبقى أبداً في أسر صدري
بعدها لون بالمأساة عمري

والليل في قصيدته "من مغترب " رمز للوحدة والوحشة ففي النهار نقيض الليل يهرب الشاعر من وحدته ويغدو الصباح طريقا للحلم باللقاء واستحضار الذكرى والأمل المشرق باستعادة الحب ، وليس الخوف إلا من مجيء الليل بأحزانه وآلامه …
صديقتي في المنتأى أغالب العياء
أنسج في الصباح من ذكراك أمنيه
أحلم بالمعاد إذ يضمنا لقاء
أروغ من توحدي سحابة النهار
لكنما يدركني المساء
أخاف يا صديقتي من أوبة المساء
غيومه تعبرني مثقلة نشيج
مواكب الأحزان فيه تملأ الدروب

والليل رمز للضياع والقسوة والخديعة وجمود العواطف كما يظهر في قصيدته "ثلاث أغنيات للضياع"..
ظلام
عيناك ظلام .. عيناي ظلام
ما جدوى ..ما جدوى البسمه
والقلب تغلفه الظلمه
صدئين سيظهر قلبانا
عيناك ظلام

وفي الليل يضيع الحب الصادق الصافي وتحل مكانه اللقاءات العابرة واللذة العجلى..
جمعتنا الصدفة ذات مساء
ثرثرنا الليل تواعدنا
والآن سئمت حكاياتي
كل منا سئم الآخر

وفي الليل يضيع الصدق ويحل المكر والخداع والكذب وتتوارى المشاعر والحقيقة خلف قناع الزيف والظلمة …
الليل أغان تنتحب
أشواق تهدأ تضطرب
تتضور روحي فأنادي
لو أنت تمهلت الليله
كنا ثرثرنا وكذبنا
وزعمنا خيط العتم شعاع






الرمز في شعر تيسير سبول/ الشطناوي



رمـز الـمرأة ..
لقد أكثر الشاعر من الارتكاز على رمز الليل رابطا بينه وبين مشاعر نفسه ، لكنه ظهر بشكل خاص في التعبير عن مواجد الحب أو في الإشارة إلى العلاقة بالمرأة على اختلاف صورها .
ولم تكن المرأة عنده امرأة بمفهومها المجرد كمخلوق حيّ بلحم ودم لكنها غدت رمزاً ذو دلالة غنية ومكثفة كذلك.
في قصيدة "غجرية" تفتتح القصيدة بالإشارة إلى الليل في التعبير عن القسوة واللؤم والغموض الماثل في تلك الغجرية رمز المرأة اللعوب ..
وحشة الليل على العينين تجثم
ونداء الغاب في البؤبؤ مبهم
غجريه
كعمود النار قدّ يتلوى
وشفاه مترعات عنجهيه

إن موقفه من هذه المرأة يجسد موقفه من جملة النساء اللائي يعشن هذه الحياة العابثة، وهي كذلك صورة من صور التردي الذي يعيشه المجتمع ، ويستخدم سبول المفردات التي توحي بموقفه من هذه المرأة ؛وحشة الليل ، نداء مبهم ، عمود النار ، عنجهيه .
ولكنه بالرغم من هذا الموقف مشدود نحوها يعلم أنها تهدم نفسه ولكنه لا يحاول الخلاص منها بل يطلب إليها أن تسرقه من واقعه المضني وتنسيه الألم ولو كان بألم آخر يتمثل بهدم قيمه ..
غجريه
قدم تضرب صدر الأرض تعلو
وتدق الأرض دقا
زوبعات من غبار ودوار
أمطريني أمطريني
من سديم الغيب زخات سخيه
ألصقيني بالتراب

الشاعر يسعى نحو الحياة الفطرية البسيطة والبعيدة عن جفاف الدينة وجدبها وتلك نظرة مثالية تهرب من دنيا الواقع التعس إلى عالم وهمي ، هي رحلة رمزية إلى الحياة الفطرية الخالية من الآثام والمفاسد وهي فرار من برودة الحزن إلى دفء العاطفة .
وتكمن المفارقة في أن الشاعر في هروبه إلى هذه الغجرية يقف أمام ما هرب منه فتتجسد أمامه معاناته في واقعه ؛ وقد عبر عن ذلك بقوله .. قدم تضرب صدر الأرض تعلو .. وتدق الأرض دقا.
إنها قدم الاستعباد والحرية المصادرة .. القدم التي هرب منها يجدها أمامه في صورة هذه المرأة التي تدق بقدميها الأرض وهي تدق الأرض ولا تضربها وكأنما تحفر فيها لتترك أثراً أو تقيم أساسا ولو قال تدق القلب دقا لما اختلف المعنى وموقفه من هذه الغجرية يجليه قوله .. ألصقيني بالتراب ، ومع أن لفظة التراب تحمل دلالات عديدة لكن سياق القصيدة يشير إلى أن فيها ما يجلب العار ويلوث النفس وهي نظير للقول تمرغ في التراب أو تمرغ وجهه في الوحل ..
لقد خرج الشاعر باحثا عما يبعده عن الحياة التي يعيش يبعده عما فيها من ماس وتناقض ، فكانت النتيجة أنه عاد بخيبة أمل حينما وجد نفسه في صورة تعكس واقعه..
أنا من خلف ليل المدنيه
ظامئا لم يسقني إلا السراب
غجريه
جثث تهوي تموت
مثلما ينتفض الطير الذبيح
مثلما تعصف بالأوراق ريح

ويكشف الشاعر عن موقفه الذي دارت حوله القصيدة بقوله ..
غجريه
هارب يحملني مدّ الدروب
قدري الأسود مجهول رهيب
وتناهى بي مطافي
عند عينين هما مقبرتا كل الخوافي

وفي هذه القصيدة يظهر الرمز في مفارقة واضحة فالغجرية المرأة التي لجا إليها الشاعر اختارها رمزا للنقاء والطهر والبراءة وأصبح اللجوء إليها نزوعا نحو البساطة والفطرة والنقاء …
أمطريني أنت ما زلت غنيه
لم يلطخ شفتيك الطين بنيا وأخضر
لم تخوني منحة الشمس فهذا الوجه أسمر
ما كسته حلل الوجه المزور

ولكن التحول الذي نلمسه بعد ذلك هو تعبير عن شعور الشاعر تجاه المرأة والذي يكشف كذلك عن تجربة حب مفعمة بالألم والمرارة ، ففي بحثه في المرأة (المحبوبة) عن النقاء والطهر صورها إلها يمنح العفو ويعطي الخلاص ، ولكن حلمه لا يدوم فهو سرعان ما يصطدم بالواقع الأليم الذي يحيله إلى الفراغ والوحدة.
ونزوعه نحو الحب ثم تشبثه به هو آخر المحاولات التي يواجه بها الواقع فيحاول التمسك بعلاقة يشكل الحب ظاهرها ولو كان ذلك إيهاماً للناس ..
رغم أن الحب مات
رغم أن الذكريات
لم تعد شيئا ثمينا
ما الذي نخسر إن نحن التقينا
ابتسمنا وانحنينا
ليس يدرى ما الذي نضمره في خافقين

وعلى الرغم من هذه المحاولة إلا أنه يفشل مجددا في إقامة مثل هذه العلاقة فيزداد شعوره العميق بالشك والمرارة ويتحول الحب الجارف الذي كان يحمله إلى عداء لما يجسد الحب (المرأة) فيهجره ويهجر معه الحياة ، ثم ينكفئ على ذاته متخليا عن آمال الحب وأحلامه ويعلن أنه لم يعد أهلاً للحب بعد أن لاقى الأسى والألم مما جره عليه فؤاده ، ويستعين الشاعر بقيس بن الملوح وليلى العامرية رمزا للتعبير عن الحب العذري النقي والصادق ..
لا وعمق السر في عينيك ما كان غراما
وانكفاءاتي ونزفي وأناشيدي اليتامى
لم تكن صرخة قيس خلف ليلى
ففؤادي لم يعد للحب أهلا

ولكننا لا نفهم كيف لا يكون غراما وحبا ذلك الذي دفع الشاعر للانكفاءات والنزف والبكاء والحزن والعذاب ، والحقيقة أن ذلك هو الثمن الذي دفعه في بحثه عن الحب النقي ، ولذا فإننا نجد أن الحب عنده يتحول إلى فكرة رمزية تمثل طريقا هي النهاية الحتمية لكل من يسلك دروبه .
حينما انسلت إليه خلسة إحدى الليالي
رغبة غامضة ألقته في مد المحال
أن يطول القمرا
وبكى مذ شعرا
أن سيبقى أبدا في أسر صدري
بعدها لون بالمأساة عمري

لقد حملت المرأة في قصائد سبول رمزاً دالا على الشعور بالاغتراب وصورة المرأة جسدت ألم الاغتراب كما كشفت عن مظاهر البهرجة والزيف.
في قصيدته "عودة إلى الرفاق المتعبين" يستخدم سبول رمز الغجرية للتعبير عن النقاء الأنثوي والبساطة ، وفي سبيل البحث عن الحب الصادق والنقاء الفطري يلجأ إليها..
غجريه ..يا لهاث الرمل يا إنساني الضائع
في أصداء موال حزين
فأعيدي كل ما كان
ولا تقسي على جساس
من أجل خيانه
كلنا كان يخون

ثم تتحول الرؤية من جديد وتنتهي إلى ما انتهت إليه المحاولات السابقة ..
غجريه ..
كذب من قال في عينيك أسرار خفيه
مثلما تسعى على الأرض الديادين الغبية
أنت تسعين
خواء ملء عينيك بلاهه
وغباء مطبق يقعي وسقم وتفاهه

ويكون لجوء الشاعر إلى الحب هو طريق الخلاص والنجاة من الواقع الذي يعيش فيه ، لكن الحب يخفق في تخفيف الحزن وإخراجه من الألم وتحقيق الخلاص.
وهذه الصورة الرمزية التي تظهر للمرآة في كل حين تغلب على ديوان الشاعر لكنه يتناولها بإيحاءات رمزية متعددة وهي تصادفنا كلما توسع الرمز وأصبح أكثر تركيبا وأوسع دلالة فهو يتمثل من خلال الرمز الأسطوري والرمز اللوني والرمز المشموم.

ويستخدم سبول المرأة رمزا للتعبير عن الأرض فتصبح المرأة رمزاً للأرض التي تتجسد أما رؤوما حانية على أبنائها حاضنة لهم ومهدهدة لآلامهم وأوجاعهم أو حبيبة وعشيقة يخاطب الشاعر من خلالها أهله ووطنه وتاريخه ، وهي كل ما يمثله الموطن من أهل ومعشر وحنينه إليها حنين إلى بلده ..
صديقتي
تحية من متعب حزين
تحية ترعش بالحنين
للمسة لكلمتي عزاء
صديقتي.. في المنتأى أغالب العياء
أنسج في الصباح من ذكراك أمنيه
أحلم بالمعاد إذ يضمنا لقاء

في قصيدته "شهوة التراب" يتناول الشاعر المرأة تناولا رمزيا وتتجسد الفكرة فيها من خلال الحديث عن خلق المرأة من ضلع الرجل وهي دلالة تشير إلى اللحمة القوية بين الرجل والمرأة …
هنا معي
يا ضلعي المقدود بين أضلعي
مفقودتي
هنا معي هنا معي

وهذا المقطع وهو يعتمد على التكرار في التأكيد على الرابطة اللحمية التي تجمع الذكر بالأنثى فإنما تشي كذلك بإحساس الخوف الذي سيطر على الشاعر من فقد حبيبته..
يظهر ذلك من خلال المفردات … مفقودتي .. ضلعي المقدود. وتظل بنية القصيدة في ارتفاع وتصعيد لتصل في النهاية إلى التوازن الذي هو انعكاس للتوازن النفسي الذي أحس به الشاعر ..
يدفق حبا قلبها
أغنية لا تنتهي ، لا تنتهي
هنا معي
يا ضلعي الأحب بين أضلعي




الرمز في شعر تيسير سبول/ الشطناوي




رمز الفكرة .. والتجربة الرمزية..
أما ما نجده في الديوان من ميل إلى تمثيل القصائد تمثيلا رمزيا فإنه يظهر عن طريق تكوين الصورة الشعرية على أساس من تراسل معطيات الحواس مما يضفي على الصورة مسحة من التجريد تحول فيه المحسوس إلى فكرة ، كما يستخدم التعابير التي تقوم على تشبيه اللامحسوس بالمحسوس واستعارة المادي للمعنوي ، كما يميل سبول إلى استخدام الحوار والقصص الرمزي متخذا من الأشخاص والموضوعات والحركة الحوارية والقصصية رموزا لأفكاره ومشاعره..
ونجد في قصيدته "لحظات من خشب" والتي يظهر من عنوانها هذا التجسيد للزمن مما جعلها تكتسب دلالة الجمود وانعدام المشاعر .
وفي قصيدة "قطعة قلب للبراءة " نجد معينا للصور الذهنية والرمزية التي يوظفها سبول في سبيل التعبير عن الأبعاد النفسية لتجربته العاطفية …
تخنقني أصابع الندم
تجتثني تحيلني شريحة من الألم
لأنني بريء

والصورة السابقة تكشف عن الحالة النفسية وهي صورة تبرزها المشاعر والانفعالات التي توحي بالفكرة فهي صورة تعبر وبتلقائية عن الإحساس بالألم والحزن والوحدة والسكون والضعف.
ويرسم سبول صورة كلية ورمزية للتعبير عن إحساسه بالحزن وتقوم على التشخيص..
صديقتي .. كل العيون ها هنا حزينه
فالحزن قد غزا المدينه
جنوده الأقزام قد تسلقوا البيوت
تشي الوجود ها هنا بأننا نموت

والصورة هنا ومن خلال تعبيرها عن فكرة الحزن بالإيحاء والرمز فإنها تضيء في الفكر معان ومشاعر ، هذه المعاني والإيحاءات تظهر حين يبدو الحزن في صورة الجيش الغازي وله جنود من الأقزام الذين يتسلقون البيوت وهذه الصورة الغريبة للحزن والتي تصوره جيشا تكوينه غريب وأفعاله غريبة هي صورة معبرة عن إحساس مماثل بغرابة الحزن الذي سيطر على الشاعر بل على الناس جميعا.
أما في قصيدة "مرثية الشيخ" فإننا نجد صورة رمزية تعبر عن مسيرة والده أو مسيرته هو في هذه الحياة بل هي تشير إلى الموقف الشعري والتجربة التي عاشها وعانى مرارتها ، فيشبه تجربته بكل ما قاسى فيها من بؤس ومرارة بسفينة واجهت غضب الأمواج والحيتان متحدية رافضة حتى ملّت في النهاية كل شيء وفقدت الإحساس بطعم البحر ونكهته فاستسلمت أخيرا بعد أن فشلت فمالت لتنام ..
إن هذا الهيكل الملآن أصداء
سنينا ومرارة
ذا الجبين الناتئ المشرع للأنواء
يومي بجساره
فلنقل: كان سفينه
مثلت أضلاعها للريح في عرض البحار
وتحدت مغضب الأمواج والحيتان
عاما بعد عام
وتناهت نكهة البحر وسر البحر فيها
فلنقل : داخت أخيراً
وتداعى برجها الآن ..فمالت لتنام

يتناول الشاعر الفكرة من خلال صورة رمزية كلية تمتد أحيانا لتطغى على مجمل القصيدة ، وفي هذه الفكرة الرمزية تظهر رموز جزئية عديدة تتضافر للتعبير عن الصورة الكلية للرمز ، فما دلالة الريح أو الأمواج والحيتان والبحر ، وما علاقة عنوان القصيدة "مرثية الشيخ" بالسفينة ، ولنحاول أن ننظر في المقطع الأول والذي يسبق المقطع الذي أشرنا إليه ولنحاول إيجاد رابط بينهما ..
كان صوتا شاحبا أعلن
أن الله أكبر
فحملنا الجسد الهش وسرنا
ثم فوق الأفق الغربي لاح .. القرص أصفر
سورة الإغماء شدت وجهه العاني عميقا
وبدا دغل من الزيتون أغبر
فوقفنا
للأصيل المجهد العريان ننظر

الصوت الشاحب إشارة الانكسار والحزن والفجيعة والسبب موت الشيخ ، الشيخ الذي يرمز للإرث القديم والمجد الغابر ،أصبح جسدا هزيلا مسجى في رقدة الموت ، فتغيرت لموته مظاهر الحياة ؛قرص الشمس أصفر ؛والصفرة دلالة الخوف والمرض والإيذان بالزوال والغروب ،وشجر الزيتون تغير لونه واغبر والأصيل كذلك مجهد وعريان.
هذا التغير في مظاهر الكون يعني أن الشيخ لم يكن شخصا عاديا وحياته لم تكن حياة عادية ، ولذا فالشاعر في تقريبه لصورة الشيخ ، يقول ..فلنقل كلن سفينه ..ولكن هل تستطيع السفينة التدليل على قيمته ومكانته الحقيقية ، صحيح أن السفينة تحدت المصاعب وقطعت الآفاق لكنها لا تكاد تبلغ التعبير عن صفته فيقول.. فلنقل : سيف جليل نائم ، والسيف كالسفينة جاب أمداء وخلى أثرا ولم يكن سيفا جبانا ، ولكن نهايته كانت كنهاية السفينة..
أغمدوه
الآن يستلقي مسجى في الغماد
في جدار المنزل الأرحب صدرا
علقوه
وليكن عالي النجاد
حق بعد اليوم ألا يشهرا

لقد كان الشيخ سيفا جليلا لكنه الآن موضوع في غمده ومعلق في جدار لمنزل رحب وكتب عليه ألا يرتفع بعد اليوم ، السيف رمز الكرامة العربية أو التاريخ العربي الذي كان مليئا بالإصرار والتحدي والانتصارات والمفاخر، نجده اليوم معلقا في جدار المنزل مجردا من الفعل.
وبازاء رموز الخير السيف والسفينة والشيخ والهيكل والقرصان المغامر وقرص الشمس والزيتون تقف رموز الشر الممثلة بالأمواج والحيتان والريح والمعول الذي ينهش الأحشاء والمعول هو آخر القوى الشريرة التي واجهتها القوة العربية فماذا كانت النتيجة ..
وحين رنّ معول
ينهش أحشاء الصفاه
أصخت
من يصرخ (وافجعتاه)
سمعت ريحا
في الذرى تولول

والشاعر في الحديث عن السفينة (الهيكل اليابس) والسيف يشير إلى الحال التي أصبحا عليها فماذا كانا قبل ذلك أو كيف كانت الأمجاد العربية قبل هذا الوقت..
ربما قبل عصور
كان هذا الهيكل اليابس يوما
سنديانه
شمخت تستشرف الوديان
مدّت جنبات
عششت فيها نسور من عل

هكذا بدا المجد العربي بشموخه واستشرافه كسنديانة تعيش فيها النسور رمزاً للقوة والعلو،تحملت وتعالت فوق الجراحات ، وقاومت بيأس وصلابة كل ما جابهها من عدوان..
راقبت الذئبان تقتات بحملان
فهزت عطف غصن مطمئنه
ألف فأس جرّحتها ..قطّعت أوصالها
سالت نسوغا.. دون أنه
مدّت القشرة من فوق جراح الكبرياء

لكنها ضعفت وتهاوت ثم صارت إلى الحال التي وصلت إليه السفينة ..
هي ذا الآن تهاوت
بعد أن برحها طول اعتوار
من شموس وصقيع
كتلة جرداء ملأى .. بغضون العمر
توقيع زمان

وتكشف القصيدة عن جزء من الرمز من خلال قول الشاعر ..
لا تقولوا (لم تكن)
كانت
وهذا الهيكل اليابس
من نفس الأرومه بورك الشيخ سليل السنديان
ذلك الشيخ الذي يغفو
مليئا بالزمان

الهيكل اليابس هو الشيخ والهيكل من نفس أرومة السنديانة والشيخ سليل السنديانة والسنديانة كانت تعيش في عزة وقوة رمزا للشموخ العربي والشيخ الذي هو من سلالتها رمز للإنسان العربي الضاربة جذوره في أعماق التاريخ ، فهل رثاء الشيخ يعني موتا للإنسان العربي وموتا لكرامته وانتهاء مجده .والشاعر لا يعلن ذلك فهو عاد ليقول إن الشيخ يغفو مليئا بالزمان وإغفاءة الشيخ تعني أن هنالك وقتا للاستيقاظ ، وإذن فكيف يتم استيقاظه وما سبب الغفوة التي هي أشبه بالموت ثم إلى أين يمضي إن هو أغفى ..
أي سر سحيق
أنت والكبرياء
آن أن ترحلا
فالمسا ينتظر .. والشجر
مدّ أيديه عاشقاً
سائلا أن تعود
لنسوغ الجدود

إنها العودة إلى دماء الجدود وجذورهم ، فالشيخ في رحلة العودة إلى نسغ الجدود إنما يتسلح بالمجد الغابر والكرامة العربية فهما السبيل للعودة للحياة.
ومن الأشكال التي يوظف سبول الرمز فيها هي توظيفه عن طريق البناء الدرامي واستخدام الحوار معبرا عن الفكرة بأسلوب رمزي يعتمد تجسيم الموقف واستخدام الحركة ورصد المتناقضات ..
ويعرض سبول مشهدا حيا يمثل التجربة الذاتية وبأسلوب رمزي ..يقول
أنا والمذياع والليلة عيد
والمغني يمضغ الفرحة في مط بليد
ولفافاتي استقرت
جثثا بين الرماد ..
كنت أشتاق لو أني
لي بهذا العيد أفراح صغير
لو أني لي به فجعان مأتم

إن هذه المقطوعة التي تستخدم الحوار الداخلي وسيلة من وسائل التعبير الدرامي تنقل لنا قطعة واقعية من الحياة فيها تصوير للصراع والتأزم الذين يمر بهما الشاعر عارضة الموقف من خلال التناقض وتجسيد المحسوس وتشخيص الجمادات كذلك.
والموقف الذي يريد الشاعر التعبير عنه أنه يعيش وحيدا دون أن يجد مؤنسا يشاركه أفراحه أو أحزانه ، ولكن الشاعر لا يعبر لنا عن هذا الموقف تعبيراً مباشرا بل يلجأ إلى تلوين الموقف وإعطائه هذه القيمة الدرامية ليخلق التوتر في نفس القارئ الذي يبقى مشاركا الشاعر في حواره الداخلي .
ونلمح صورا عديدة من صور التوتر الناجم عن الشعور بالتناقض ، ونشعر بحرارة الجو الدرامي من خلال تحديد الشاعر للإطار الزمني "الليلة عيد" ، فليلة العيد مناسبة سارة لكن الشاعر الذي يبدأ بقوله "أنا والمذياع" يوحي لنا بسيطرة الوحدة والعزلة عليه في مناسبة العيد التي تجمع الأصدقاء والأحبة ، ولتثير الوحدة مشاعر الحزن والضيق بدلا من الفرحة ، فيعبر الشاعر عن مدى حزنه العميق حين يتصور أن الحزن قد انتقل إلى كل ما يجاوره ، فيبدو المغني حزينا "يمضغ الفرحة في مط بليد"، فالمغني يبدو عنده غير صادق وإن كانت كلماته توحي بالفرحة بمقدم العيد ، وبذلك فإن غناء المغني أصبح صورة من صور التناقض بين الكلمة والحقيقة .
وتمتد الوحدة والموت إلى كل شيء حتى يرى الشاعر لفافات التبغ جثثا بين الرماد ، وهذه الصورة إنما هي تجسيد للتلاحم القائم بين الفكر والشعور .
ويستثير هذا الموقف موقفا آخر "كنت أشتاق لو أني ، لي بهذا العيد أفراح صغير.. لي به فجعان مأتم " واستخدام الشاعر الفعل الماضي الناقص "كنت" ثم لحرف التمني "لو" يدل على إحساسه باستحالة تحقق أمله ، فهذا العيد قد أقبل والشاعر وحيد لا يجد الخلاص ولن يجده ،وهذا هو سر الحزن في نفسه ؛ إنه الحزن الناجم عن المعرفة ..
كنت أعلم
أن عيدا بعد عيد بعد عيد
سوف تأتي
ثم تمضي
وأنا أحرق تبغا
ونفايا ذكريات




الرمز في شعر تيسير سبول/ الشطناوي




ومن الأساليب الدرامية التي لجأ إليها الشعراء أسلوب البناء القصصي أو استحضار بناء القصة المألوفة ، إذ وظفوا عناصر هذا البناء وأدواته التعبيرية على شكل نمط درامي بهدف التعبير عن الموقف تجاه الحياة والواقع.
ومن القصائد التي تطالعنا كمثال على البناء القصصي الدرامي قصيدة "ما لم يقل عن شهرزاد" لتيسير سبول ، وفيها يقول ..
شهرزاد
لم أسرت بي حكاياك إلى أمس دفين
عبر سرداب من الأوهام يفضي ليقين ..
فإذا بي مثقل أحمل في جنبي سرا
ليس يدرى
عن خفيات لياليك الطويلة

هكذا تبدأ القصيدة عبر صوت داخلي في أعماق الشاعر الذي يستحضر شخصية شهرزاد من قصص الأدب العربي القديم ، وتظهر أول ملامح للصراع في داخله من خلال السؤال الذي يطرحه "لم أسرت بي حكاياك إلى أمس دفين" ، ثم يتعمق الصراع من خلال التناقض " سرداب من الأوهام يفضي ليقين" ، فهو يرى في أحداث هذه القصة الخيالية جزءا من واقعه (اليقين) ونلحظ أثر ذلك عل نفسه حين نراه مثقلا بالهم، هم المعرفة واكتشاف السر ، فشهرزاد المرأة التي طالما جلبت الفرحة والمسرة لنا بحكاياتها الجميلة وقصص الجن ، والتي طالما أحببناها ..
وسهرنا ليلة في إثر أخرى
لهفة تسأل عما
كان من أمر أخيرا..
وعفا من بعد ألف شهريار
ففرحنا
في بلادي حيث عين الطفل والشيخ سواء
دعوة تحيا على وعد انتصار

إن هذه المرأة ليست كما كنا نظن ، إنها ليست تلك المرأة القوية التي تصدت للظلم والجبروت المتمثل بشهريار بل هي امرأة أفنت عمرها في خدمته آملة أن تتحرر من قيده ، فيما كانت عيون الأطفال والشيوخ "دعوة تحيا على وعد انتصار"
إن صورة هذه المرأة الخائفة أوحت للشاعر بصورة مماثلة هي صورة الأمة الخائفة لقد رأى في قصة شهرزاد ما يتشابه مع الراهن مع حال الأمة العربية التي عاشت لياليها الطوال في خوف دائم ..
ألف ليله كل ليله
حلمك الأوحد أن تبقي لليله
فإذا ما الديك صاح
معلنا للكون ميلاد صباح
نمت والموت سويا في فراش

ولذا فإن دعوات النصر والأمل بالخلاص ليست إلا محض أوهام…
شهرزادي
خدعة ظللت الآذان عمرا
ورست في خاطر التاريخ دهرا

وهذه هي بؤرة الصراع ومحور التأزم الذي يعيشه ،إنه ينطلق من إحساسه بتناقض المشاعر واختلاطها ، ثم لإدراكه الحقيقة ، لذا فإنه في استحضاره لهذه القصة إنما يريد منها أن تكون خلفية تعبر عن مشاعره وأحاسيسه تجاه واقعه ، متسائلا في نهاية القصيدة هل سنبقى ننتظر وهل سنكون كشهرزاد التي أفنت عمرها دون انتصار..
وسنبقى كلما دل على الأفق شتاء
نتسلى بحكاياك الشجيه
ونغني لانتصار
لم يكن يوما ولا يرجى انتصار
تحت عيني شهريار

وهكذا نجد سبول يعمد إلى استحضار هذه القصة ضمن قالب رمزي لتعبر عن الواقع الحاضر ، فالشاعر يرى في الماضي صورة مماثلة للواقع
ويميل سبول إلى استخدام القصة الرمزية في إطار النمط الدرامي كما في قصيدته" أحزان صحراوية" حيث تبدأ القصيدة في جو من الأجواء الأسطورية التي نعيش معها مرحلة البدء ، ويقص علينا الشاعر هذه الأحداث لبطلها الذي لا يطالعنا باسمه ، مفسحا المجال للتأويل والتشويق معا..
من زمان…..
من تجاويف كهوف الأزليه
كان ينساب على مدّ الصحارى العربيه
لينا كالحلم سحريا شجيا
كليالي شهرزاد
يتخطى قمم الكثبان ، يجتاز الوهاد..
من زمان…
شربت حسرة ذاك الصوت حبات رمال
مزجته في حناياها ، أعادته إليا..

ويتجلى الجو القصصي في هذه القصيدة من خلال استخدام الشاعر للأفعال التي تفيد السردية والحركة معا ، ولعل بدء القصيدة بقوله "من زمان" قد أوحى لنا بهذا الجو الدرامي ، والشاعر الذي لم يتأكد إذا كان قد بعد بنا بالفعل إلى الزمن الذي يريده يقوم بتحديده مكانيا .."من تجاويف كهوف الأزلية "، هناك كان ثمة شيء ينساب على مدّ الصحارى والانسياب يحمل معنى للخفة والخفية كما يوحي بالتوحد ، ثم نتابع الأفعال التي تفيد السرد والحركة ( يتخطى ، يجتاز الوهاد، شربت، مزجته، أعادته)… ثم لنعرف أن هذا الشيء هو صوت يسمعه يتردد دون أن يعرف مصدره،فيبقى سائراً خلف هذا الصوت يترصد مصدره حتى يظفر به أخيراً…
فكأني قد تنفست شجونه
وكأن الصوت في طيات صدري
رجع اليوم حنينه
فأراه
بدوياً خطت الصحراء لا جدوى خطاه
موحشا يرقب آثار الطلول
من زمان

إن هذا الصوت المنبعث من ذات الشاعر إنما هو تعبير عن حقيقة المشاعر التي تعمر نفسه تجاه الإنسان العربي الذي عاش على هذه الصحراء منذ الأزل.
لكن الشاعر لا يبسط لنا مشاعره لنتلقفها جاهزة بل يترك الرمز وتداعيات القص يعبران عن موقفه النفسي، ويمكننا أن نعود إلى بداية القصيدة لنصور الموقف على هذا النحو، فنقول .. إن الشاعر قد أحس بصوت يتردد حوله يسمعه فيشعر بقدمه، صوت منبعث من تجاويف الكهوف، قطع الأمداء وسار عبر الصحارى متخطياً الكثبان والوهاد، هكذا يبدو الصوت عميقا أزليا لكن الشاعر لا يكتفي بذلك فهو يضيف إلينا رموزا تصور المأساة التي يجسدها الصوت "شريت حسرة ذاك الصوت.. حبات رمال…" ، فهو صوت حزين تجرع صاحبه الحسرة والألم ، وهنا يربط الشاعر بين الصوت وما يتداخله من حسرة وبين حاله هو ".. مزجته في حناياها.. أعادته إليا".
وينبعث الصوت مجددا ولكنه يكون متوحداً مع الشاعر ، فيخرج من طيّات صدره ليرى عندئذ صاحبه.. " بدويا خطت الصحراء لا جدوى خطاه" .
لقد حاول سبول في هذه الأسطر الشعرية أن يقيم علاقة لحمية بين الماضي والحاضر؛ تجربة الماضي ممثلة بالأمجاد العربية تشاركه حاضره ونفسه فيحاول الوصول إلى اكتشاف ذاته ومعرفة هويته.
وهذه القصيدة يمكنها أن تقول على المستوى الفكري شيئا كثيرا ، حين تأخذ دلالة الرمز معاني مختلفة وزاخرة ما كانت لتتهيأ لو لم يستخدم الشاعر هذا البناء الدرامي ويفعّل عناصره من حركة وصراع وسرد.

ومن أبرز القصائد التي قالها عقب النكسة قصيدة "مرثية القافلة الأولى" وهي قصيدة يتضح فيها عمق الأثر الذي خلفته المأساة في النفس العربية حين حمل إنسانها جرح الإحساس بالهزيمة ، إحساس المصدوم بمرارة واقعه ، والمخذول المخدوع بما كان يؤمل من نصر … فحين طلع الصباح اتضحت معالم المعركة ، ولم يكن ثمة نصر بل عيون طيبة مطبقة ونساء فقدت الدفء بموت أزواجها…
طلع الصباح على العيون الطيبه
ومع الظهيرة أطبقت
عشرون ألفا مطفأه
عشرون ألف يد ممددة ولا
دفء يوسد امرأه
دع عنك قولك في الغداة النصر آت

وفي خضم الإحساس بهول الكارثة ، يفقد الشاعر الإيمان بجدوى أي خطوة ؛ فلا يفيد البكاء ولا استحضار الأمجاد أو الاستعانة بالعرب؛ فحين لاحت سحب الهزيمة وذبح الرجال دون جولة ، ونقر العقاب العيون، عندها غاب النور وساد الظلام وصارت أصوات النصر مجرد هذيان….
أدري بأني لو بكيت مصير شعبي
لو أعارتني ثكالى النوق حنجرة .. سدى
أزجي لسيناء العجوز نحيب شعبي ..لا صدى
عشرون ألف مقلة نقر العقاب
لا تهذ بالنصر الملفق
إنني أنبيك.. خذ ..
النور غاب
والليل أطبق
فليكن ليل وكان

إن الشاعر يعبر لنا عن تلك الخيبة التي عاشها وجيله ، وهم سادرون في انتظار قرع طبول النصر.
لقد أحس الشاعر بألم النكبة وعانى مرارة الهزيمة ، فكان صدى صوته نشيجا داميا مرا وسوطا يجلد به ذاته قبل أن يجلد الآخرين ، وفي غمرة هذا الإحساس بالألم كان في بحث دائب عن أي تفسير صادق لما حدث ، وعندئذ تهدأ لغته الانفعالية ، ويحاول تلمس الأسباب بعيداً عن الهذيان ؛ فيأتي التفسير بعد قوله "لا تهذ بالنصر الملفق .. إنني أنبيك" وقوله "دع عنك ما يهذي الجهول وما يلفقه المخاتل" .
وتكون هذه الوقفات بداية التحول ؛ ليعود الأمل بحتمية النصر العربي ، وهذه المرة على يد جيل آخر يستمد القوة من كل الذين ضحوا بأنفسهم ومضوا…
باسم الذين تجندلوا
في أرض سيناء العجوز
زند سيبرق
كف جيل سوف تلتقف العنان

ويعود في نهاية قصيدته إلى التأكيد على أن الحرب مع الأعداء لم تنته ، وأن أولئك الذين قضوا في سبيل بلادهم قد حملوا شرف الريادة ، لتكون دماؤهم شعلة النور التي يستضيء بها الذين يواصلون الدرب فيستفيدون من الهزيمة ويجعلونها سبيلا لمستقبل أكثر فخارا..
هذي بعد آخر قافله
فلتحفظي شرف الريادة
في ضمير الرمل سرا
حتى إذا شقت سجوف الليل فجرا
تدرين أن دماءنا
زيت يضيء على مناره
ويقال أن هزيمة، خطّت إلى الآتي فخاره

وهذه النهاية إنما تأتي في انسجام تام مع ذلك التصور الذي كان يحمله سبول عن حتمية انتصار العرب على الصهيونية العالمية المعاصرة والذي عبر عنه بقوله في أحد كتبه المخطوطة بقوله " الصهيونية العالمية نهاية قصة ستعيش عقودا ثم تنهار أمام العملاق العربي الذي بدأ يستيقظ من غفوته مع نهاية القرن التاسع عشر "







تيسير سبول.. المسافر إلى البلد البعيد
---------------------------------------




د.محمد عبيد الله*


شاعر وناقد وأكاديمي أردني


تيسير السبول الشاعر والروائي والإعلامي الشاب المولود في الخامس عشر من شهر كانون الثاني عام 1939، ما زال حاضرا رغم مرور أربعة وثلاثين عاما على غيابه، بعدما أطلق النار على نفسه يوم الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1973، متبعا طريق المبدعين المنتحرين أو الغائبين في شبابهم، من مثل فلاديمير ماياكوفسكي الشاعر الروسي الذي انتحر في سن السابعة والثلاثين، وتوقف سبول عند شعره وانتحاره، وكتب متسائلا في سياق تحليل قصيدة (غيمة في بنطال) التي سبقت انتحار صاحبها بخمسة عشر عاما "لقد حمل ماياكوفسكي مشاعر الناس جميعا في قلبه، وعصرها في صوته الشعري العظيم.. ولكننا سنلتقي به بعد خمسة عشر عاما من القصيدة، يطلق النار على نفسه مخلفا وصية قصيرة بضع كلمات حزينة عن: زورق الحب الذي تحطم على صخور الحياة اليومية، ورجاء لأمه ألا تبكي وللناس ألا يتقولوا عليه.

ما هي الخطوط التي نسجت فاجعة نهايته؟ هل تعاظم لديه الشعور بأن الكون أصم كما أعلن في ختام قصيدته؟ أم فاجعة حب كما قيل؟ يظل الجواب معلقا في سجف المجهول". ولا ينتظر سبول طويلا ففي سن الرابعة والثلاثين وبعيد حرب تشرين 1973 يختار نهايته الفاجعة التي تحولت إلى حدث ثقافي عربي يستحق المراجعة المتكررة، فما الذي يدفع أديبا موهوبا وشابا متفتحا نحو الانتحار؟؟ ليس في حياة تيسير المباشرة دافع قوي للانتحار، ولذلك ذهبت الآراء نحو التفسير الأشمل بوصف انتحاره صيحة احتجاج يخسر فيها المرء أعز ما يملك من حياته ودمه..

لقد انتحر محتجا على تكرار الهزائم وقسوتها بعدما اختلط لديه الموضوعي بالذاتي والعام بالخاص وصار هو أو بطله عربي ذاتا تخبئ أحزان الجماعة وإخفاقاتها المتتابعة.

أحزان صحراوية
ترك سبول ديوانا شعريا وحيدا عنوانه: أحزان صحراوية، كتبت قصائده في الفترة من نهاية الخمسينيات وحتى عام 1967، وهو ديوان حميم في مذهبه العاطفي الرومانسي، وفي إيقاعاته العالية التي يتداخل فيها إيقاع التقفية مع الإيقاعات الداخلية المتأتية من حساسية خاصة للغة والموسيقى. معظم قصائد الديوان تذهب نحو النزعة الغنائية العاطفية، فترثي الحب الخائب أو تعرض لصور من الغياب والفراق والبكاء على الراحلين وما أشبه ذلك من تفصيلات الموضوع العاطفي:


دمعتان
طفتا فوق دخان
وعلى رأس لساني
صبّتا طعم الألق
عندها أحسست قلبي
كنسيج من حرير يحترق.


وهو شعر لا نتبين الجديد فيه بالقياس إلى ما وصلت إليه القصيدة العربية الجديدة في عقد الستينات الذي يمثل تفجّر الحداثة واتساع آفاقها وتفاعلها مع الثقافة العالمية، أما تيسير فلا شك أنه يحسب ضمن الحداثيين على المستوى الثقافي والفكري، ولكن وعيه الحداثي لم يتح له أن ينعكس انعكاسا ساطعا على شعره، فبدا أقرب إلى اتباع رواد الحداثة، وخصوصا السياب في غنائيته وأحزانه، وصلاح عبد الصبور في بساطته ولغته اليومية.

ومع كل ذلك فموهبة تيسير سبول موهبة منطلقة، وطاقته الشعرية طاقة غامرة متدفقة تنبئ عما هو مختزن في روحه من وعود الشعر والكتابة مما لم يتحقق بسبب النهاية الفاجعة التي اختارها. ولا شك أن قصيدته (مرحبا) تظل حتى اليوم قصيدة دافئة مؤثرة في بساطتها وحرارتها وتدفق موسيقاها:


رغم أن الحب مات
رغم أن الذكريات
لم تعد شيئا ثمينا
ما الذي نخسر إن نحن التقينا
ابتسمنا وانحنينا
وهمسنا مرحبا
ومضينا
ليس يدرى ما الذي نضمره
في خافقينا
مرحبا كاذبة نسكت فيها الناس حتى لا يقال
آه يا عيني على الأحباب
عشاق الخيال.


وبشكل مجمل يسير شعره وفق هذا النظام الغنائي المتدفق الغامر، ولكنه في خلاصته لا يمثل الريادة الأهم في تجربة تيسير سبول. وعلى المستوى المحلي تبدو تجارب: عبد الرحيم عمر وأمين شنار وحتى حكمت العتيلي وسليم دبابنة متقدمة بعض الشيء على منجز سبول الشعري. ولكن ينبغي أن نتذكر أن معظم قصائد هذا الديوان مكتوبة وهو في سن العشرينات قبل إنجاز روايته الأهم: أنت منذ اليوم، فهي قصائد شاب متفتح متعدد المواهب، ولا شك أنها تكشف عن خبرة جمالية وثقافة مميزة بالقياس إلى عمره وإلى الحقبة التي كتبت فيها.

أنت منذ اليوم(أنت منذ اليوم) هو عنوان الرواية القصيرة التي كتبها سبول في النصف الثاني من عام 1967 وبدايات 1968، فهي تأتي على ذكر حزيران وتحاكم الهزيمة وتعرض لمقدماتها عرضا نقديا تحليليا يمتد من عام 1948، عندما كان عربي ـ بطل الرواية طفلا في القرية، واستمع إلى أحاديث شقيقه العائد من الجبهة عن نفاد الرصاص وعن أوامر الانسحاب. ثم يتتبع عبر لقطاته الدالة مظاهر فساد الواقع وخرابه على مدى السنوات التالية التي أوصلت الأمة إلى هزيمة عام ,1967 ويتوقف عند صور من خراب الحياة الثقافية والأدبية، ومشاهد من خراب السياسة الرسمية والحياة الحزبية والعنف الذي يتكشّف في ممارسات الحزبيين والسياسيين ورجال المباحث الذي عرفهم عربي في غير عاصمة عربية.

وتتسع الرواية على كثافتها لوجوه من تعرية الواقع في عواصم ومدن بلاد الشام ويشير فيها إلى تأرجح تلك المدن بين وجوه الانقلابات والقمع وخراب الواقع المجتمعي على مستوى الأسر ومستوى التكوينات الأعقد. كما صور سبول معاينة بطله المأساوي عربي للجسر المهدم على نهر الأردن ووصف جثة الجندي المرمية قرب الجسر التي تشير إلى رائحة الهزيمة، ولكنها لا تخلّ ببسالة الشهداء وتضحياتهم. حظيت هذه الرواية القصيرة بقراءات شتى فهي أثر لكاتب منتحر ولا بد أن لانتحاره معنى، أي أن الانتحار أضفى على الرواية وصاحبها فعل السحر، وحتى اليوم نحن عاجزون عن تجريدها من كاتبها ومن سيرته، ولذلك فإن القراءات في معظمها قراءات متعاطفة ابتداء ولا يمكنها أن تكون خلاف ذلك، خصوصا وأن الرواية نفسها رواية شديدة التميز واضحة التجديد قياسا إلى نهاية الستينات.

وهي من أوائل الروايات التي تمردت على الواقع عبر نقده وتعريته، مثلما تمردت على تقاليد النوع الروائي فكسرت انتظام الزمن وخرجت على العناصر التقليدية لتميل إلى نمط شفيف من الكثافة والاختزال ، بحيث تغني اللقطة والصورة عن الحكاية الممتدة، أو عن السرد التفصيلي المتتابع. وهكذا انفتحت الرواية على أنماط من التقنيات المتداخلة الجريئة:

من استخدام الكوابيس والأحلام إلى تفتيت المكان والزمان، وتوظيف المفارقة والسخرية والتناقض، واستخدام التقنية السينمائية عبر فعالية القطع والحذف والتجوال بحرية بين الصور والمشاهد.

إضافة إلى محاولة استيحاء التاريخ وتوظيف مواقف تراثية تضيء رؤية الكاتب وكتابته، ولا يغيب عنها لمحات من الخصوصية المحلية التي تتمظهر في عدد من الأمثال والأقوال الشائعة أو في تعبيرات محددة تعيد الرواية استعمالها مع الوعي بدورها في السياق الروائي.

كذلك تمتاز الرواية على قصرها بانشغال الكاتب بلغته الروائية التي تميزت بتعدد طبقاتها ومستوياتها: من اللغة السردية إلى لغة الشعر، وحتى اللغة الإعلامية التي تتضح عندما تتعرض الرواية للإذاعات ووسائل الإعلام، وكذلك تغدو الرواية معرضا للغات طوائف وطبقات من البشر:

من المثقفين والسياسيين والعسكر ورجال المباحث والطلبة والحزبيين والعشاق وبنات الليل....وهو في كل موقف يسعى إلى تناسب اللغة مع سياقها وكأنه ينظر إلى ما نعرفه اليوم باسم تعدد اللغات والأصوات.ومن اللافت أيضا استخدامه المبكر لتقنية: (الميتا سرد) ، في الموقف الذي تحدث فيه عربي مع بعض أصدقائه عن الشيء الغامض الذي يكتبه. كما اعتمد أيضا على تنويع الراوي بين الراوي المتكلم (عربي يروي عن نفسه) بما يقترب من حدود السيرة الذاتية، وبين الراوي العليم أو كلي المعرفة الذي يروي بضمير الغائب، وقد مزج بين الطريقتين في مواقف ومشاهد متقاربة متداخلة على نحو تجريبي لا تخطئه القراءة الواعية.

ورغم كل هذا الكم من التنويع في التقنيات ظلت الرواية محتفظة بلمسات من العفوية والتدفق، ولم تبد مصنوعة أو مركبة لأداء تلك التقنيات الهامة، ولعل القارئ الذي لا تعنيه لعبة السرد في مستواها التقني يتوقف عند تلك العفوية وذلك التدفق، بما يمنحانه للرواية من يسر القراءة وكثافتها الانفعالية على نحو تأثيري يشبه تأثير الشعر لا السرد. لفتت (أنت منذ اليوم) رغم أنها نوفيلا قصيرة وليست رواية بالمعنى التجنيسي الدارسين والنقاد والقراء على اختلاف طبقاتهم، فهي عندما تقرأ قراءة عامة تبدو رواية مؤثرة ممتعة رغم بنائها المفكك، لأن هذا البناء جاء قصديا واعيا، وليس نتاج غياب الأدوات السردية أو الجهل بقوانين الرواية، كما وفرت للنقاد والمتخصصين فرصة معاينة صور شتى من التقنيات السردية واختبار قيمتها ومدى ما يمكن أن تقدمه للرواية العربية الجديدة.

وقد ذهب كثير من النقاد أنها في طليعة روايات الحداثة، وذهب بعضهم إلى ما هو أبعد، أي إلى أنها رواية ما بعد حداثية، بالنظر إلى فكرة التفكيك والتفتيت المهيمنين على منطوقها دون هوادة. وفي كل الأحوال يظل تيسير سبول وتظل روايته وشعره وسائر كتاباته وأحاديثه الإذاعية مادة ثقافية مميزة تشير إلى أديب مبدع مر مثل نيزك وخلّف كل هذا الضجيج.


تيسير السبول..حلولية
---------------------


فايز محمود*


كلما مضت السنين على ذكرى رحيله، وافتقدته في قنايا الأيام التي لاتني تكر وتتعاقب، ازددت جفاء لهذا الزمن البالغ القسوة الذي يجرني في شتى الأمكنة التي جمعتنا، وقد استحالت اطلالا.. بل وحتى غابت عن الوجود، خلا بعض الملامح وقد اتشحت بالبهات بينا درست معالمها..

وما بين انني مصدق منادرته، وغير مصدق ذلك ، تمتلىء ليالي بحضوره الصادق ، أطياف من احلام اليقظة ورؤى المنام، «وأفيق الغداة» على موعدي واياه معظم ليالي الاتية، فالنهارات غشاها ليس كسوف وداعه المرير فحسب، وانما ما ثقلت به أقداري من بلاء لا أدري كيف تسلل الي العمر فصدع أركاني، ولا ادري كيف يكون الخلاص الحاسم، فيبهظني المزيد من الصبر الذي أبديه والسعي المرهق حتى أظل موجوداً.. موجوداً أترقب سانحة استعادة ذاتي المأسورة من ربقها المرئي واللامرئي، احتمل صنوفاً من الغربة، وأشكالا مذلة من المواقف..

لا أجد أحداً يرمقها ببعض الجلاء، وقد كان إبان اللقاء الصديق الكامل صدقا وقوة ووداعة ما اعظم توازنها.فبينما تمضي الحياة بعد هذا «الانكسار» أحمل روحه في نفسي، بصمت مفعم بالأسى وبالأمل وبحكمته التي ارتضت السكوت.. السكوت اذ كف عن صيرورة الوجود، وعن الحوار قولا وكتابة.. اعتزلنا اثر فورة حماس الهبته بالسرعة، لكأنه على موعد مع الزبدية حان أوانها، ففقد حتى ان يضيف شيئا لما يعتلج في وجدانه، لا اقول انه لم يتلبث قبل ان يطير، فقد حط على سلسلة من مرتفعات القيم: حاول التوقف، وهب نفسه بالكامل للمطالعة والكتابة ردحاً طويلا من الشهور قبيل الهاوية، بحث عن دور مؤثر في محالات الثقافة والاعلام والنشاط الاجتماعي العام، بل اقدم على بعض المغامرات العاطفية لعلها تثير في شخصه الرغبة في البقاء..

جرب ما في حياتنا من مغريات، والتجأ الى التاريخ ينقذه مما يخنقه من عدمية.. كل شيء وجده جثة باردة، وكان يستعر بلهيب تأججه وقد بلغ ان يأكل بعضه بعضا.. فتعمق شعوره «بالحلولية» وتوسع احساسه بالوجود والعدم، فانجذب دون رجعة نحو مصيره الانساني المتفرد، فسقطت كل الاوراق التي اصفرت واحترقت في هويته الفردية، الحزب والامة وكذا الوظيفة والامتيازات وعلو الشأن فجمع ما سلف ان كتبه ومنحها اعتباره الراضي.. قال هذا يكفي، ثم قرر بحزم انه يكفيه ما عاش من عمر.. وليس في الغد الا الأوهام والحسرة، فولج تخوم النهاية ، حيث لا ملمح تشي افاقها، ولا يقين يبدد وهمها المستحيل:


أسير مع الوهم أدري
أيمم نحو تخوم النهاية
نبياً غريب الملامح
امضي الى غير غاية
سأسقط لا بد يملأ جوفي الظلام
نبياً قتيلا
وما فاه بعد باية.


لكم كان بليغاً في مقطوعته «الرثاء» هذه، اذ يرثي نفسه.. وقد حكم عليه بالقتل ولما يفه بعد ولو بآية، لكم كان بليغاً في نصه الذي تضمن كل ما بلغه من اعباء لفرط معاناته، ولكم أشرق ذلك بالجمال وسط ما يكتنفه من بشاعة، وما يحوطه من بلادة الواقع وضياع الاخرين عن أنفسهم في حومة الوجود الأصيل.أحمل في بؤس الزمن الذي يتلاطمني ذكراه حية في الروح والضمير، وفكرة تزداد مع الأيام شفافية ونصوعاً..

احتمل اغترابي المتبقي في الدم، وقد تشرب دمه المعدور، تستحيل الذكريات فكرة تزداد رهافة في الفكر، وتنحل الوقائع والأحداث طيها الى شعاع ينبض في الشرايين.. ولشدة خلوصي الى استثنائية التجربة التي لن تزول على طول المدى، احتمل لأجله الذي أخال انه لم يفهمه احد مثلي، ولم يفهمني سواه حقاً، احتمل حتى ان أوافق على سوء الظن وأي افتراء يبديه متذاك فيما يطرحه من تحليل وتفاسير.. لقد كانت علاقتنا ثمار خمس سنوات اخيرة من عمره، لكنها تفجرت بالصدق.. ومواكبة الادراك المتحفز.. والتوق الى الكمال.. ومزايا الشباب في عنفوانها الرجولي..

ووعود المعرفة الخصبة.. لم يتئد وسافر وحيداً، وسفرنا مهما استطال ينشد في طبيعته ذات الوجهة، ولما نصل تتساوى الأزمان المديدة والقصيرة، وإبانها اثناء ما تطويه من آجال، ليس ثمة لقاء داخل النفوس.. انه زحام يلهث نحو غاياته المحصورة بالأنانية، فليس غير الحب يجمع النفوس، وليس الاح حياة صدقنا، ولهذا كان يزداد تجهمه أويقات شهوره الأخيرة، ويمتلىء حنقا، ويقطع علاقاته مع من كان قريبا منه حين يصطدم باللاصدق.. وبالغرور..وبالشهوات المبتورة عن نور الروح.

ولهذا أجد انني ازداد حباً له كلما اضناني العثور على الحب المستكن في نفوس الرجال لبعضهم البعض، ولهذا - اعترف - اظل اجد ان كتاباته لم يعلق عليها غبار الزمن، وانها تعلو فوق اي نقد يرمي الى ازاحتها قيد أنملة، ولا تحمل دنيانا عزاء لفقدان قوة المحبة وصدقها الانساني حينما يخر احد نجومها، مهما توامضت السماء ببقايا ما فيها من أضواء.






الصورة في ابداعات تيسير السبول
----------------------------------


غسان أبو لبن
الرواية - أنت منذ اليوم[/CENTER]

"ترك الفلاحون قراهم. ربات البيوت خرجن بملابس النوم. الرجال والأطفال بعضهم دون أحذية... خرجوا جميعاً... كانت الأنوار مطفأة، وجعلوا يتكاثرون. وكانوا يصيحون أكثر، فانخرطوا يبكون." أنت منذ اليوم، المشهد قبل الأخير.
كنت أقرأ في الرواية وفي الشعر لأبحث عن اللون، عن مشهد مرسوم ومعلّق كما اللوحة. لكن اللون في أعمال تيسير لا يأتي صريحاً ومجاناً، والصورة مشهد مركّب، يوارب به من خلال التشكيل الدرامي؛ فوقع المشهد في أذهاننا ملوّن وإن لم يأت النصّ بمفردة تلوينية، والصورة أقرب إلى التقطيع السينمائي، التقطيع السريع المكثّف، الذي يتداخل مع النص من حين لآخر، ويتحد في بنيته، كي ندخل، كقرّاء، في مزاجٍ يطابق المزاج الذي يرسمه النص بسرده وحكايته.
والجمل القصيرة المتتابعة تؤدي دور ضربات الفرشاة السريعة والعريضة التي تملأ سطح المشهد وتوصل الفكرة دفعة واحدة. نستطيع عبر هذه الجمل أن نحس بحركة الكاميرا المتنقلة من كادر إلى كادر في صورة درامية مدروسة، تصعّد الموقف النفسي للمشهد بأقل المفردات.
"على الجسر المحطم كانوا يعبرون. الجندي لم يعبر معهم، الجندي ميّت منذ ثلاثة أيام. الجندي ملقىً بكامل ملابسه الرسمية الصفراء بجانب الجسر. حذاؤه الثقيل لا يزال يلمع. ثلاثة أيام. رائحته فظيعة. غير أن حذاءه الثقيل يلمع".
وكأنه هنا قام بحركة زووم على الحذاء الذي يلمع. والرائحة الفظيعة هنا هي جزء من الصورة وتقع في حاسة البصر لا السمع، فهي النقيض للمعان الحذاء.
والرواية كلها مبنية على المشهد السريع المكثف، فتيسير وكأنه ممنتج يعمل على صورة كبيرة، قطّعها إلى وحدات صغيرة وأعاد توزيعها ليرفع من درجة الإيقاع الدرامي، فهو يسلط الضوء تارة على جزء محدد، صمن زمن محدد، ويعتم على بقسة أجزاء الصورة، ثم يتنقل بين بقية وحدات الصورة، ونحن معه نلاحق إيقاعه، ونستدل على مشاهد الحكاية إضاءة خلف إضاءة، وهو يعطينا على جرعاتٍ ما يكفي لتلك اللحظة التي يرسمها بالتحديد قبل أن تنفتح لنا كامل الرواية.
وبعض الصور التي يقدمها تيسير تنمو لتأخذ في أجزاء الرواية التالية شكلاً مغايراً، ينسجم مع نموّ المشاهد الروائية نفسها كما يعيد ترتيب الذهنية العامة للرواية؛ كما في مشهد القطة في بداية الرواية، وعلاقته بمشاهد أخرى لاحقة ترسم صورة واحدة، لكن بدلالة مغايرة، أكثر إعتاماً.
الصورة الأولى: "ارتدّت إلى النافذة الثانية تموء عالياً، واحتكّت مخالبها بالزجاج. وعاجلها على الرأس بضربة أخرى. سمعت صوت تنفسها المختلط بسائل الدم. وانتفضت انتفاضة سريعة واستلقت ووجنتها على الأرض.
ونفض أنفها مزيداً من الدم، قم سكنت.. عيناها ظلتا مفتوحتين"
" في صباح اليوم التالي، كان رأسها مفصولاً عن جسدها ومسلوخاً"
الصورة الثانية:
".. وسرّ كلما قال مذيع بأن في مكان ما في العالم قام أناس بذبح حكامهم. ولم يهتم بجلود رؤوسهم، بل إن بعض الجلود سلخت"
".. وقال المذيعون .. إن الذين ذبحوا اعداء الشعب هم أنفسهم أعداء الشعب، وأن جلود رؤوسهم حريّة بالسلخ. واعتقد عربي أن هذا سخيف"
".. لولا أنه قرأ قصيدة لشاعر مشهور منهم تقول: سنصنع من جماجمهم منافض للسجاير.وقال عربي إن التفكير بمنافض من هذا القبيل، أسوأ بكثير من سلخ رأس قطة"
في كل موقع في الرواية يعيد إلى أذهاننا صورة القطة التي ماتت بشكل قاسي، وتوقفت الصورة على عينيها المفتوحتين، يتم تقديم صورة مشابهة لكن بمستوى مغاير من ناحية القسوة أو الدلالة. فنعيد إنتاج مشهد القطة دون وعي لتقل حدّتها في أذهاننا وتصبح مقبولة مقارنة بالصور الأخرى.
وقد استخدم تيسير تقنية أخرى في تقديم المشهد على أكثر من دفعة، كما في صورة الجندي القتيل، ففي مشهد في منتصف الرواية يأتي على ذكر جثة الجندي في صورة واسعة، تستعرض تفاصيل الجندي القتيل كاملة، وكان هو محور الصورة. لكن لاحقاً، ضمن مشهد أوسع يتحدث فيه عن وقوفه على الجسر، ذاكراً تفاصيل كثيرة مرتبطة بالعابرين عليه، ثم يخطف لمحة سريعة لصورة الجندي الميت: " وقفت على آخر نقطة صالحة للوقوف على الجسر. رأيت النهر، ورأيت قمم الجبال العالية البعيدة. لم أر جنوداً.. هنا رأيت تحت منخلٍ مشبّكٍ جندياً ملقىً بكامل ملابسه" انتهى الحديث عن الجندي.
الصورة الآن اكتملت وأخذت كامل إضاءتها، ورأيناها في امتدادها الحقيقي إلى جانب الصور الأخرى، أو المشاهد القصيرة الفلمية الكثيفة، المشغولة بحس بصريّ عالٍ، لا يقل إمتاعاً عن بصريّة المشهد المصوّر بالكاميرا المتحركة، فالحِرفيّة واحدة وإن اختلفت الأداة.






الصورة الشعرية في شعر تيسير السبول


---------------------------------------




[sor2]http://www.fonxe.net/vb/image.php?u=4&dateline=1243588442[/sor2]




سلطان الزيادنة / الأردن


تعتبر الصورة الشعرية من أهم أدوات التعبير في الشعر المعاصر, فهي بالإضافة لما تحدثه من أثار عاطفية للمتعاطي مع النص, فإنها كذلك
تجسم الإحساس أو الشعور أو الفكرة، هي إذن- اي الصورة الشعرية-حلت في الشعر المعاصر(الحديث) مكان التعبير المباشر في الشعر القديم، اسوق هنا من قصيدة "رعب" ..لتيسير هذه صورة تستوقف، فلنحاول تلمسها وتتبع انبعاثاتها:

في زاويةٍ يقعي الصمت
الصمتُ نذيرٌ بالموت
فأسرع
أسرع
اطلق صوت.

تيسير اعتمد التجسيد في صورته الشعرية, حيث جسد الصمت حيواناً يقعي، -استعارة مكنية- وفي قوله"الصمت نذير بالموت"استخدم التشبيه البليغ, و من اجتماع هاتين الصورتين البيانيتين وتمازج ايحاءاتهما النفسية تكونت صورة شعرية أوسع.ومن قصيدة أخرى "قطعة قلب للبراءة"
يقول:-

تخنقني أصابع الندم
تجتثني, تحيلني شريحة من الألم.

هنا شخص شاعرنا الندم إنساناً ذا أصابع تخنق الشاعر وتقلعه من أرضه كأنه غرسة او شجرة ، كذلك زاد من جمالية هذه الصورة تجسيده للألم عندما يحيله الندم إلى شريحة من الألم, فالألم وهو شعور غير مادي حاكته هذه الصورة ليصبح مادياً محسوساُ-شريحة-،ألا ترى معي أن مجموع هذه الصور المتراكمة أوحت لنا بحالة الشاعر النفسية وجعلتنا جزءً من هذه الحالة؟.اختم مروري السريع هذا بصورة مبدعة من قصيدة "مغترب"

صديقتي
كل العيون هاهنا حزينة
فالحزن قد غزا المدينة
جنوده الأقزام قد تسلقوا البيوت

هنا شخص تيسير الحزن -وهو شئ معنوي- فجعله غازياً وجعل له جنوداً اقزاماً-يذكرنا بالتتار- تشعرنا الصورة بعدوانية وعنف الحزن, فهو يغزو ويعتدي بشرسة مقاتل لا مكان في قلبه للشفقة او الرحمة....يتسلق البيوت ويدخل عنوة. فأي صورة منفرة أكثر للحزن القبيح القاسي من
تصويره قزماً غازياً معتدياُ.

اتمنى ان اكون نجحت في تسليط بعض الضوء على جمالية من جماليات شاعر الاردن الراحل تيسير سبول وربما سيكون لي وقفات اخرى قادمة .






قراءات


-------------





دلالـــــــــــــة القطــة


في


" أنت منذ اليوم"


لتيسيـــــــــــــــر سبــــــول



[sor2]http://www.aleftoday.info/images/stories/-الغول_samer_1.jpg[/sor2]



بقلم : نعيم الغول / الأردن


مقدمة
الشخصية في العمل الأدبي السردي ( قصة، رواية) والدرامي ( مسرحية) تحتل مكانة بارزة كركن أساس من أركان العمل. بل هي كما يقول ليزلي لويس ولين اولتبنريرد " أكثر عناصر القصص أهمية." ورغم ان " تمثيل او تصوير لأشخاص من بني الإنسان" إلا أن أهمية الشخصية ودلالاتها لا تتضاءل أو تختفي " حتى وان كانت الشخوص من الحيوان فهي تكاد تمثل أو تصور أناسا أو تعوض سمات بشرية." وبهذا المعنى يمكن النظر إلى القطة في رواية تيسير السبول "أنت منذ اليوم" على أنها الشخصية رقم 55 و56 و57 و58 إلى جانب شخصية (عربي) أيضا حيث لم تكن هي هي في كل مرة كانت تتقمص شخصية القطة في كل دور على مساحة الرواية.
ومما يعزز أن القطة كانت إحدى شخصيات الرواية أمران: الأول أنها حظيت بطريقة التشخيص المسماة تفسيرية او كمية حيث كما يقول الدكتور روحي سمر الفيصل " تتضح الشخصية عادة في بدايات الرواية من خلال المعلومات التي يقدمها الروائي عنها سواء أكانت المعلومات وصفا لمظهرها الخارجي وطبيعتها ومزاجها أم كانت تحديدا لعلاقاتها الروائية. فقد وصفها الراوي في المشهد الافتتاحي للرواية:" بيضاء منسابة الخطو " و " سار نحونا فعرفت أن القطة قد دخلت.." و " هنا التقينا الثلاثة.." .
الثاني أنها لعبت دورا كاشفا لطبيعة الصراع ومواقع طرفي الصراع في الرواية.
وإذا نظرنا إلى القطة من هذا المنظور سنجد أنها حملت دلالات واسعة وأنها وظفت بمهارة من قبل الروائي السبول بحيث اختلفت دلالاتها وفق النمط التقطيعي للرواية فخدمت في خلق نوع من الترابط بين أجزاء تبدو غير مترابطة.
وليس من الغريب أن تجد حيوانا أو شيئا يقوم بأدوار مختلفة. فلدينا قميص يوسف عليه السلام الذي كان يقوم بدور مختلف في كل مشهد جديد من مشاهد القصة مع أنه في الجوهر ظل يستخدم كدليل على مدى القصة وذلك على النحو التالي:

دليل إثبات وفاة يوسف بأكل الذئب له قدمه إخوته " قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين * وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون* "
دليل إثبات براءة يوسف من التهمة بكونه قد من الخلف "وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين* فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم*"
دليل إثبات وجود يوسف حيا من خلال رائحته التي يحملها القميص ( اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين * ) و ( فلما أن جاء البشير ألقه على وجهه فارتد بصيرا قال الم اقل لكم إني اعلم من الله ما لا تعلمون

دلالة القطة ورمزيتها

تفتتح الرواية بمشهد والد عربي وهو يتربص بالقطة ليقتلها لأنها أكلت قطعة من لحم كتف الشاة ويحشرها في الصالون ويقتلها على مرأى من عربي الذي يظل طوال الرواية " يراقب" القتل يمارس دون أن يفعل شيئا لمنعه مما يرتب في لا وعيه إحساسا مرا بالهزيمة.
في المشهد الأول إذن صراع بين القوي( والد عربي وهو رجل قاس يضرب ابنه وزوجاته بحزام الجلد) والضعيف (القطة وهي ترمز للمستضعفين كعربي وأمه). هناك مفارقتان في المشهد هذا : الأولى أن الذبيحة كلها إلا قليلا ظلت موجودة ملكا للقوي الذي يملك الطعام والأرض والفرس والبندقية و الضعيف الذي يريد فقط أن يأكل ليعيش فيأخذ شيئا من القوي. والمفارقة الثانية أن الضعيف (القطة) لم يستأثر به بل أعطاه لإخوته وربما أبنائه. ( اللحم كله فوق الرز. ليس كله بل تنقصه قطعة الكتف. كيف أمكنها – قطة بذلك الحجم – أن تلتهم القطعة بأكملها؟ وما يدريك، فلعلها أطعمت إحدى أخواتها ، أو ربما أطفالها.) .
ونتيجة الصراع هي الموت وهي دلالة مبكرة تشير الى أن صراع القوي ( من مختلف المواقع أنظمة حكم أم أنظمة احتلال) ضد الضعيف محكوم بأنينتهي بالموت.

في المشهد الثاني: ( صباح اليوم التالي، كان رأسها مفصولا عن جسدها ومسلوخا، رآه عربي عندما فتح الباب..) . إذن ما بعد الموت تشويه وتمثيل وممن؟ من ذات النوع الذي بقي حيا ( لكن من الذي سلخ جلدها عن رأسها؟ إما الكلاب أو القطط الأخرى)، وهذه هي مفارقة المشهد الثاني وهو أن الصراع بين القطة التي لا حول ولا قوة ولا حياة وبين قطط أخرى قوية حية ، قطة ضحت بحياتها لتطعم إخوتها وأبنائها ولكن ذلك لا يشفع لها في حمأة الصراع الوجودي. فكانت النتيجة قطع الرأس والسلخ من جنسها. وربما يحمل هذا دلالة على أن من قطع رأس الأمة العربية - بعد أن قتلها الاستعمار والصهيونية- وفصله عن جسدها هم إخوتها وأبناؤها. وهو أيضا مشهد مبكر يخيل إلي انه يمهد للحديث عن الانقلابات وإعدام الزعيم الخ.
نقرأ في الرواية :" قال المذيع إن الشعوبيين وحوش دون خلق، وإنهم قد دفنوا الناس أحياء،أو سحلوهم ، وعلقوهم على أعمدة النور ومثلوا بهم...
وقال الرفيق الكبير إن المقصود بالناس هم أعضاء الحزب وشهداؤه الخالدون.
لم يهتم بكونهم شهداء الحزب. كان ممكنا ألا يصدق كل هذا، لولا أنه قرأ قصيدة لشاعر مشهور منهم تقول:
سنصنع من جماجمهم منافض للسجاير.
وقال عربي إن التفكير بمنافض من هذا القبيل، أسوأ كثيرا من سلخ رأس قطة."
ونقرأ أيضا:
" قيل إن الطلاب المؤمنين استعانوا بقوات مؤمنة من خارج حرم الجامعة." و " .. انتهت المعركة بأن أخرج المؤمنون أعداءهم وراء الأسوار."

لكن اختلافا يطرأ على دور القطة في المشهد الثالث : مشهد القطة والعصفور. القطة الضعيفة صارت في وضع أمكنها من افتراس العصفور وجرشه بين أسنانها. وهي دلالة قوية على أن الضعيف حين يمتلك السلطة على من هو أضعف منه يفترسه ويطحنه طحنا. ويجيء التعليق ليكشف خيبة الأمل في القطة التي يحمل في لاوعيه أنها مضطهدة ضعيفة فإذا بها تلعب لعبة القوي والضعيف "

" – قصة حدثت يا سيدي، ما الذي تعنيه بقولك "قد تحدث".
-نعم .. نعم. ولكن لا علاقة لها بالموضوع.
-لها، فقد أزعجتني بتصرفها..."

في المشهد الرابع نرى القطة مدهومة وتدور حول نفسها لا يبدو للراوي ماذا تريد ولا ما ترى والشيء نفسه بدا له من شعبه الذي كان مجروحا ويترنح ببطء في ذهول ليس أبعد منه ذهول آخر.
نقرأ: " رأيت مرة في عرض الطريق قطة مدهومة. الدم على أذنها، وجانب من وجهها، وهي تتحرك في دائرة لا يزيد قطرها عن متر، وعيناها في نفس الموضع، وتظل تدور. لم أدر ماذا كانت ترى، وماذا كانت تريد."

الصراع مع قوة داهمة. والقطة الضعيفة دهمت. صراع بين قوة مجهولة لكنها آلية على الأغلب تفتقر إلى العقلانية في الحركة فهي تدهم وتفاجئ القطة الضعيفة. والدلالة في هذا المشهد هو التمهيد لبيان حال شعب هزمته قوة داهمة دهمت الأرض فاحتلتها، ودهمت الدول فهزمتها، وتركت الشعب "دائخا":
" وبدا واضحا أن هذا الشعب قد استحال كائنا واحدا ضخما ومجروحا- يترنح ببطء. ولم يكن قط ذهول أبعد من هذا."

ورغم اختلاف الدور الذي تلعبه شخصية القطة في المواقع المختلفة إلا أنها في خاتمة المطاف تستحضر من قبل الراوي لتمثل أو لترمز ربما لجانب من جانبي الصراع بين قوي وضعيف ، وفي الغالب يمثل له لاوعيه أنها الجانب الضعيف وحامل القيم . فهي التي تختطف اللحم لتعطي إخوتها وصغارها وهي المعادل الموضوعي للشعب الجريح الذاهل وهي التي تموت رغم تضحيتها وهي التي تدفع الثمن حتى وهي ميتة. وفي المرة التي اختلف الدور لتأخذ جانب القوة لقيت الإدانة السريعة من الراوي بأنها فعلت فعلا مزعجا لا يسكت عليه.

لقد استطاع تيسير من خلال شخصية القطة أن يعرض للصراع في كل مرحلة من مراحل الرواية بحيث لو انتزعت القطة من السياق لعانت الرواية من خلل في بنيتها، وربما قد يجعلها تفقد الكثير من دلالالتها السياسية والتاريخية مما يجعلها مجرد تجربة روائية طليعية خرجت على مفهوم الرواية التقليدية.







الأديبة نفيسة التريكي / تونس
النص : وحيد / تيسير السبول
[/CENTER]
وحيد

الليل أغان تنتحب
اشواق تهدأ، تضطرب
تتضور روحي فأنادي:
لو أنت تمهلت الليلة
‏لو صدرك يحضنني الليلة
كنا ثرثرنا وكذبنا
‏وزعمنا خيط العتم شعاع
لو أنك ....
لكن وا أسفا
كلّ منا قال وداع
...وكان هذا النبض لتيسير من اختيارات عبيرمحمد وأنا أقول :

"وحيد" صفة مشبهة على وزن فعيل دلت على تفرد ووحدة وانزواء تحمل فجيعة ابتعاد عن "الإنسان مدني بالطبع" ولكنها تنتحي لها مكانا في الوجودوتعيش الأنا في وحدتها سكينة التأمل ،كرومنسين كفيلسوف ،كشاعر يصبو إلى قول مغاير، كإنسان يطلب صفاء في أحضان الكون ويسأل نفسه :ايتها النفس المتصارعة معي ومعك ومعنا
كيف أفهمك ؟ كيف أحبك ؟كيف اكرهك؟
وكانّ الشاعر يقول لكي تفهم نفسك قليلا وتكتشف أغوارها كن وحيدا ......
و..............كان ذلك ذات ليل

"الليل أغان تنتحب
اشواق تهدأ، تضطرب
تتضور روحي فأنادي: "

كان الليل هنا المبتدألغة وخبّر عنه ب"أغان تنتحب "ومعنى الغناء نجده هنا قد حدد الشاعر نغماته بالعويل .
فشخص هذا الليل ليصبح صداحا بأحزانه -أي احزان الشاعر- وكأني به أراد أن يحدد سبب الآلام، فكان الهيام و"اشواق تهدأ تظطرب"
مصورا حالة هزات النفس وصراعاتها بين الوصال والهجر/ واليقين والشك والوجد والنفور/ والحضور والغياب /والدمعة والبسمة والوعي والغيبوبة/واختفى ذلك وراء هذا الطباق بين الفعلين"تهدأ/تظطرب"
لكن...... سرعان ما يندهش القارئ حين يستعمل فعل "تضور" مع الروح وعادة نقول يتضور الإنسان جوعا ...
وقتها يبدأ الزلزال في المنعطف والسؤال :أ نحن في قصيدة شجن عاطفي أم في بكائية اجتماعية بين سهمين :
فيها تلميح لجهة القلب وتلميح آخر لدرب الجوع والضياع والوحدة لا التي يعيشها الشاعر كفرد وإنما كنحن .وكأنّّ العاطفة الذات لا تستريح حتى في هواها ونجواهاوندائها للحبيب بل يهب عليها في وعيها بالآخر ضمير الجمع وقد لمح الشاعر لذلك من خلال الاستعارة التي بينتها آنفا .
ثم يتخلص الشاعر من خلال فعل "أنادي "لمعان أخرى في القصيدة
يبدؤها ب"لو" وهي أداة في الشرط تدل على تحقيق فعل الجزاء بصعوبةأو استحالةويمكن أن تدل على الطلب والتمني بالتحديد
يكرر الشاعر هنا لو للتأكيد على معناها الخفي كما يكرر ضمير أنت
المفرد المخاطب المذكر قد يكون انت المخاطب للتأنيث وقد يكون .......
فلم وما غايته في ذلك مبنى ومعنى ؟
لو أنت تمهلت الليلة
‏لو صدرك يحضنني الليلة
كنا ثرثرنا وكذبنا
‏وزعمنا خيط العتم شعاع
لو أنك ....
لكن وا أسفا
كلّ منا قال وداع







وتهادت روحه في القصيد


--------------------------





قيس طه قوقزة


الاهداء: إلى روح الشاعر تيسير السبول في كل مكان غفت على كتفيه عيون القصيدة…. وإلى شاعر لم يولد بعد، بالرغم من كل تلك الطحالب التي تسلقت إلى شرفة القصيدة لتنهش خاصرة الورد هناك….

(1)
رمادٌ هو الشِّعرُ يزرعني بين جمــرِ الحياةِ
وموجِ الضياع ْ…
عروسٌ من الياسمينِ تزُفُّ مواسمَ أوجاعنا للبكاءِ،
وتزرعنا بين فكِّ اليتامى وفكِّ الجياعْ…

على أي لحن أغني وأوتار قافيتي تضمحلُُّ
وحبل انفعالي يشنق صوتي /
ويغلق نافذتي مارد الذكرياتِ…
وأعلم أن اللقاء استحالَ
فماذا سأفعل إن كان حظي أن يتحطم
قبل لقاء الأيادي الشــــراعْ؟!

ومن أي جرح ســـأنزف / والعظم يجرحه الاهتزاز على باب
بحرٍ من النارِ…
والقلب بارودةٌ تكتم الصوت في ضلع أغنيةٍ
تذبح الرُّوحَ في
عتبات المواجع والالتياعْ؟!

فهل يا ترى كان قبل الوداع لقاء القلوبِ؟!
أم أنه كان قبل لقاء القلوب الوداعْ؟!

(2)

تنام الجراحُ…
وتصحو الجراحْ…
تهدِّي الجراحُ …
تطير الجراحْ…
تغني سماوية الشفتين؛ وتزرع مع كل حرفٍ رصاصَ الهوى
في جميع مساحاتِ جرحي المباحْ…

وتسألني كل خمس مرايا تمر علينا…
متى؟؟!!
متى سوف يحضن وجه الندى كل هذي الورود ِ؟!

أجيب وصوت انهياري يئٍنُّ…
-: سأبذلُ جَهدي:-
، لأصنع من شمعتي شمس وقتٍ جديدٍ..
، لعلي أضيء الوجوه فيضحك ثغر الصباحْ…

رؤوسٌ تُهزُّ…
رؤوسٌ تُدقُّ…
كؤوسٌ تُهزُّ…
كؤوسٌ تُدقُّ…
وأنت كما أنت مثل الورود رقيقةُ لا بل أرقُّ
وأنت كما أنت تبكين حين يغني كماني المعلق بين مرايا
الجحيم ووجه الرياحْ…
أعود إليكِ…
أعود إليكِ / بلادي لماذا أعود إليك وليلك
يطفىء قنديل صوتي…
ويزرع ذاكرتي بين سطر الغياب وحبر الرماحْ؟؟!!
فكيف تطير العصافير حين
تكون بغير جنــاحْ؟؟!!
وكيف أواسي شواطىء روحي وأعبر باب الترقي
إلى اللامدى / والقصيدة يغتالها
صبيةٌ جائعون لموتي…
فهل يا ترى أعبر الجرح أم أنني سوف أبقى
نزيفاََ لجرح تباركه كل هذي الجراحْ…؟!

(3)

أصبُّ احتراقي …
تصبين نارك في شرخِ صبري
أصفُّ حروفي …
تصفين بعثرتي في يديكِ…
أغني / تغنينَ…
أصمتُ / يجتاحك الياسمينُ…
أصلِّي…
تصلين جائعةً للخطايا…
وتحترفين السجود على عتبات السفرْ…
فمن أي نافذة سوف أدخل كي ألتقيكِ أنا والقدرْ؟!

وفي أي درب سيمشي حصان السماءِ…
وجوع الرمال يحيط بخطواته نحو
درب الهلاكِ…
ويزرع صورته بين وجه النجوم…
وظل الشجرْ…

تقولين : كيف فقدت الحصانَ ؟!
ويمشي اتهامك نحوي….
،يجر الكوابيس من فتحةٍ في جدار المسافاتِ …
ثم يمر بذاكرتي حيث يستعرض الوقت كل الصورْ…
أنا لست أنت، ليجرحني صوت جرح يغني…
أنا لست أنت لاستبدل الياسمين وثغر المساء
بأيقونة من تراب الخطايا…
فكيف سأرضى بكل النجوم وقد
نمت يوماََ بحضن القمرْ…

(4)

تنام جراحي بعينيك حين يطل مساء انتظاري
من الشرفاتْ…
فمن أي جرح أطل عليك، لكي تبعث
الروح في الكلماتْ؟!
ومن أي باب سيدخل شوقي عليك / ليلمح رمشك
بين ضلوعي ؟!
وبين انهيار النهايات في الزفراتْ…

على وجنتيك تنام مواسم حزني…
، مواسم جوعي …
ارتجافات قلبي…
وترتاح آهات قيثارتي في يديك ِ/
، وأغفو على ساعديك كطفل يطل من الياسمين
على الأمنيــــاتْ…
لمن بعد عينيك سوف تدقُّ
القلوبُ…
وتعزف من كل هذا الضجيج صهيلَ
التمرُّد والأغنياتْ ؟!

فهل تعلمين بأنك كالبحرِ…
يزرعني في الحياةِ …
ولكنْ
بين المماتِ وبينَ
المماتْ…



سَكَنْتَني يا تَيْسير
سلطان الزيادنة / الأردن [/CENTER]

إلى روحه التي تَسكُنني
بِكُلِّ وَجَعِها ورُؤاها
إلى تَيسير سَبول

مَضى
مِلءُ حُروفِه نَدى
ونَشْرُ
روحِه في الدُّنى
دَفْقُ طيبٍ
ماجَ بِهِ المَدى
مَضى
لمَّا وَعاهُ أخيراً
ضَميرُ الثَّرى
نبياً غَريبَ المَلامِحِ
جاوزَ تُخومَ النهايةِ
و من خَبَرِ السّماءِ
ما ارتَوى
مَضى
لا شَمسُ الحَبيبةِ
وشَمتْهُ
بنَضارِ ذَهَبِها
يَوما
ولا صَدْرُها الدافئُ
لإرتعاشاتهِ الخَجلى
احتَوى
قَضى
وما فاهَ بَعْدُ بِآية
غَفا
فاعَدُّوا له مَسكَناً
في عُيوني
أُسقهِ من روحيَ
شَهيَّاتِ الرّؤى

قال تيسيرْ
سَقَطْتُ وَتَدري
مِثلي سَتذوي
عصافةً في بَيْدَرٍ
تُغَنّيها مَواسمُ الهَجيرْ
- لُحونَ وَداع
وأنتَ صَديقي
وتَدري
أنْ عبثاً نصفَ آية
أو قداساً يُرَتِّلُهُ
يَرَاعْ
فِملءُ البَسيطةِ
بُغَاثٌ استَنْسَرَت
وعبيداً تسيدوا
و رُعاعْ
وأنتَ صَديقي
وتدري
أنَّ خَيطَ العَتَمَةِ
أبداً ما كان
خَيطَ شُعاعْ
اشقياءٌ نحنُ
إسْتَحَلْنا
فرائساً للحقيقةِ المُرَّة
ولأيامٍ حُبلى بالضياعْ
طَيبونَ نحنُ
لكنَّهمُ الأحِبَّة
أشاحوا الوجوهَ عنّا
أمساخاً كأنَّا
أو ضِباعْ
حَنانيك صَديقي
لستَ بِمُسْمِعٍ
مَنِ استَطابَ مَقامَهُ في القَاعْ
فَجَعَتني اللَيالي صَديقي
ولا بدَّ أخيراً
من نِهايةٍ و وَداعْ
ما نحنُ وتدري
إلّا بعضُ إنسراحِ لَحظاتٍ سارحِة
تَنْسّلُّ كئيبة
في بَردِ الطُّرقات
تَبحَثُ عن حَفْنَةِ دفءٍ
في قَهوةِ فنجانْ
أبداً ما كانْ
هي اللاجَدوى صديقي
وجعٌ مقيمٌ
وحقيقةٌ جارحِة
فلا تبكِ عليَّ
فَجوفي ظَلامٌ
وأمواهي جِدُّ مالحِة
فإذا ما عنّ لك في الجَدْبِ
أغراسُ أملٍ فاعلم:
أنَّ اليومَ لغدٍ
ليس إلا.. البارِحَة
إلّا.. البارِحَة.





بشرى بدر / سورية [/CENTER]


يا أنت يا تيـسيرُ هات الـروح عـنـدي
مـنْ سـكنتـه .. لا أحـدْ
قـد رثّ ثـوبي .. إنـّني بالحـبّ أجـدرُ مـن أجـَـدّ
يا آآهُ .. لو تدري اشـتياقيَ للحيـاة على هـواكْ
خـذني .. و ألـق ِالكـلّ منـّي في مـداكْ
ها قـد نضجـْتُ على المـدافـن ها هنـا
و أنـاي تنـزعُ للتكـوّر في أنـاكْ
تيـسير إنـّي لـستُ أجهـلُ مـَن تكـون
فلقـد حللـْتَ سـحابـة ً.. تبكي البقـاء بـذي المكـانْ
يا قاتلي رحمـاكَ .. دعْ كلّ الحلـول على الـزمان ِ، إليـك صـدريَ و الـعيـونْ
اُحلـلْ بنبضيَ .. هـاكَ روحيَ مـسكنك
فلعـلـّني .. أفــديـه منـك بكـلّ أوردتي و أمـددها إليكْ
لا تحـسبَنـّي في اتـّقاد الـزهـد منـّي يـوم أدعـو كي تجيء
لا تحـسبنـّي صـوت أنثـى .. إذ أنادي
يا رمـادك اشـتعـلْ .. و كـن الـولادة رغـم أنـف المـلح في ظـامي الـرمـالْ
ما كنـت امـرأة العـزيز .. و لـستما مـن مثل يـوسـف في الجمـالْ
لكنـّني من روح يعقـوب الـّذي أدمـاه سـرٌّ في الغيـابْ
تيـسيرُ ، ردّ عليّ قمصـان الحـروف .. فإنـّنا
قـد أرهـق الطحـن النـوايا .. و اعتـرانا الارتيـابْ
هبـْه لنـا ... لقـسيم روح .. للمـواجع في العيـونْ
ثـمّ اعتصـرْ
مـنْ شــحّ أزمنـة المـسرّة ربـعَ كأس ٍمــن فـرحْ
و عليــه لا ... لا تنتصـرْ
أحـزانـه من مثـل شـهقـتنا إذا حـان اللقـاءْ
تيـسير .. كـم يحـلو .. و كـم يحـلو الـشهيقْ
دلـّلـني يا تيـسير عنـدك .. مثـل أمّ ٍ.. مثـل أخـتٍ أو صـديـقْ
و اتـركـْه سـلطاناً لحـزن ٍكـان فينـا ها هنـا
فـلـربـّما الـمـوت هنـا
و بغيـر حـزنـه ... غيـر حــرفـه لا يليــقْ



عدنان حماد / فلسطين [/CENTER]
أنودعك

رغم الأسى بقلوبنا وعقولنا
جئنا لنطلق زفرة
ومن الجنوب إلى الجنوب رسالة
بالحبّ يسكب حبرها
هِيَ بالوفاء معطرة

****
يا بن الضمير الحر يا معنى الرجولة
يا سيدالصحراء يا رمز البطولة
أوَ ترتحلْ
أين الرحيل
وَ لِم الرحيل
أي المواجع تسكنك
أيَحقّ للنسر المحلق في الشراة وفي الطفيلة والقمم
أن يرتحل
و لمن ستتركها الذرى
و لمن ستتركها الفضيلة
أ يحق للحزن المسافر في دمك
أن يهجرك
أنسيت أنا نحملك بين الضلوع وفي القلوبْ
أحسبت أنـّا نترككْ
هي ذي الطفيلة والشراة ومأدبا حتى الكرك
نصبت بيوت عزائها
لتؤبـّنك
***
ها قد أتينا نَسْمَعكْ
أو نُسْمِعكْ
همس الصحارى والجبال تؤبـّنك
بَكَت الرمال
بَكَت الجبال
وتساءل الوطن الحزين
أ يحق لك!!
أ نودعك؟!
يا أنت يا رئة الوطن
أنودعك!
أيحق للحزن المسافر في دمكْ
أن يقتلك
يا صاحب القلب المعبق بالوطن
بكت السما
هطل المطر
وبكى الشجر
وبكى الحجر
وبنات نعشٍ تندبك
كل الحرائر تثكلك
أ يحقّ لك!
أن ترتحل؟
انودعك !
يا صاحب القلب المضمخ بالوفاء
كلٌ يرى
في قلبه بين الضلوع منازلكْ
قل لي بربك كيف كيف نودعك
ها قد أتينا نُخبرك ونبشرك
الخلد لك ..الخلد لك ...والمجد لك

***
تيسيرمات ولم يَمُت
وقلوبنا خير الدليل
تيسير فينا مسكنك
رغم الرحيل
أذن الإله فخلدك
كل الديار ستذكرك
وتردد النغم الجميل
تيسير فينا مسكنك... تيسير فينا مسكنك
لم ترتحل
لن ترتحل ... لن ترتحل
تيسير فينا مسكنك




بشرى بدر / سورية[/CENTER]

أنت الصدق .. و حنـّا الكـذبـة
==================
يا بو عتبـة
ليتك تدري الـصايـر فينا
صعبة الغربة .. الغربة صعبة
حتّى الصحرا ضاقت بينـا
مـنْ دمـْنا أنهـار بتجري
و نتـسلـّى بحنـّة ايدينا
شرق يجينـا منـّو الريـح
و غرب بيدميـنا بتجريح
و مـوج الذلـّه اركبنـا يمـّه
و مات الطفل بيحضنْ حلمه
نـسينا الـ / لا .. و بقينا بكربل
كربـل .. كربـل
كلّ يوم بنذبح الحسين
و كلّ يوم بياخـذنا النـوم
و كلّ يوم بيذبحنا اللـوم
غرقنـا بالهـمّ و بالغمـّة .. و ضيـّعنا المـرفـا و المينـا

**
يا بو عتبـة
و عيونك صارت تعرفني
و بعيونك بحلـف .. صدّقني
كلّ صبح و في عنـّا يوسـف
و كلّ ظهر نفبركلـَه ذيــب
نتحيـّن نهـشْ عـْروبتنـا .. و دياب العالـم تصلينـا
يوم القالوا مات سبُول
ملـّينا الصفحاتْ شـعار
و عَلـّينـا شْـعارات النار
حلفنا : حـقّ روحـك ثارات
كنـّه نـسينا أنـّو سـبول
يدري الصمت و يدري القول
و يدري كلّ الـ/ بينا مـاتْ
و يدري كيـف نخـون الصحبة .. و كيف الطحـن الـ/ عنـّا صخبة
و كيف اليأس معشّـش فينا
لـو نادوا : للقـدس نمـوت .. نصرخ : خلـّينا ع النكبـة
بيكفينـا .. و الله .. بيكفينـا

***
يا بو عتبـة .. بقول الحقّ
أنت الصدق .. و لمـّا رحـت .. بقينـا كذبـة
لا لبـسنا ثار و لا نار .. و وحـدو العـار الثوب الـ/ لينا
طلقتنـا ... ماتت بالرجفة
نقول الزفــّة و حنـّا الوسـفة
رسـمنا الـشين الـ/ فينا عفـّة
و ماتت نخوتنا من النطفـة
بـس بالريـش بنكبـر .. نكبر .. ما عاد الأرض تهدّينا

***
كلمي و رح قولا تيسير :
عـشت كبير .. و غبـت كبير ..
و ح تضلـّك تكبـر بعيـون .. الـ/ ما غمضوا عن حـقّ جفـون
و نحنـا بقينـا .. نذوب و نصغر .. حـدّ النقطـة بجنب البحر
و حـدّ البذرة بملح الرمـل
و حـدّ المـوت بيوم نقيـسَه .. بالموت اللي عايـش فينا .




زياد السعودي / الأردن [/CENTER]
نسأل وينك ؟ ما رديت ...
الى روح تيسير السبول ( ابوعتبة )

تحميل الملف الصوتي :


انت بذاك اليوم
غبت وما عدت طليت ...
يوم صيّح زيتون بلادي
وتلعثم أطْير الشادي
نسأل وينك ؟ ما رديت ...
قالوا :
كان هون وراح
عكتافه هم وبقلبو جراح
صوت بكا ...صوت نواح
صاح صوت ...صوت صاح
الطلقة كانت اسرع
كن الطلقة كانت مدفع
صاح صوت ...صوت صاح
مات سبول
وما رح يرجع
عين بتبكي وعين بتدمع
وانت بعدك قاعد تسمع
روحك ترمش
مرة تنزل مرة تطلع
صاح صوت ...صوت صاح
مات سبول
وما رح يرجع
انت بذاك اليوم
غبت وما عدت طليت ...
يوم صيّح زيتون بلادي
وتلعثم أطْير الشادي
نسأل وينك ؟ ما رديت ...
يا تيسير
يا بو عتبة
يا وجع الهندي الاحمر
يا تيسير
الفرقة صعبة
وصحرا احزانك تصهر
هذي روحك ما بتغيب
تمشي تسري
تعلى وتكبر
واحنا بعتمة نفس العتمة
يا بو عتبة نفس العتمة
بس الضو
يصغر يصغر
وكل ما ضاقت نتخبى
الله ارحم الله اكبر
نكذب علينا ونتصبر
هذا بخت وهذا مقدر
يا بو عتبة
الف رحمة والف نور
يا ذكرى بند وبخور
ياللي بذاك اليوم
غبت وما عدت طليت ...
يوم صيّح زيتون بلادي
وتلعثم أطْير الشادي
نسأل وينك ؟ ما رديت ...




من قصائد تيسير السبول



----------------------




لحظات من خشب


----------------



أنا والمذياع


والليلة عيد


والمغّني يمضغ الفرحة في مط بليد ‏


ولفافاتي استقرت ‏جثثا بين الرماد .


‏كنت أشتاق لو أن التبغ في صدري


ذو طعم ولو كان مرير . ‏كنت أشتاق


لو أني ‏لي بهذا العيد أفراح صغير,


‏أو لو أني ‏لي به فجعان ماتم


كنت اعلم ‏أن عيدا بعد عيد بعد عيد


سوف تأتي ‏ثم تمضي ‏


وأنا أحرق تبغا ونفايا ذكريات ‏


وأنا أنظر من شاطئي الصخري في نهر الحياة .





ثلاث اغنيات للضياع


--------------------



1. ظلام ...


-------------



عيناك ظلام


‏عيناي ظلام


‏عبث أن نصنع ضحكتنا


ونحاول نرسم بسمتنا فوق


الشفتين


‏ما جدوى - ما جدوى


البسمة؟ ‏والقلب تغلفه الظلمة


‏مهما لفقنا وحذقنا


‏لابد ستفجعنا الأيام


‏إذ تجلو زيف حكايانا


‏صدئين سيظهر قلبانا


‏عيناك ظلام .


*****


(2)لحظة وداع


-------------


تدرين


فلسنا كالعشاق


يبكون إذا ما ان فراق


تدرين


وأدري قصتنا


جمعتنا الصدفة ذات مساء


الوحشة تفرش صدرينا


والخيبة تكسو وجهينا


ثرثرنا الليل


‏تواعدنا


‏وكذا عدنا فتلاقينا


والآن سئمت حكاياتي


كل منا سئم الآخر


فلنبحث عن لهو آخر


لن نسفح أدمعنا لفراق


ما كنا يوما كالعشاق.


******


( 3 ‏) وحيد


-------------


الليل أغان تنتحب


اشواق تهدأ، تضطرب


تتضور روحي فأنادي:


لو أنت تمهلت الليلة


‏لو صدرك يحضنني الليلة


كنا ثرثرنا وكذبنا


‏وزعمنا خيط العتم شعاع


لو أنك ....


لكن وا أسفا


كلّ منا قال وداع.






المستحيل


--------------


لا ‏وعمق السر في عينيك ما كان غراما


وانكفاءاتي ونزفي وأناشيدي اليتامى


‏لم تكن صرخة قيس خلف ليلى


ففؤادي لم يعد للحب أهلا،


‏إنما يسحق قلبي من قديم،


من قديم سعيه الدائب للوهم وشوق للسديم


قبل أن يسمع عن قيس وليلى


‏كان بعد هذا القلب طفلا


حينها انسلت إليه خلسة إحدى الليالي


رغبة غامضة ألقته في مد المحال


‏أن يطول القمرا


‏وبكى مذ شعرا


‏أن سيبقى أبدا في أسر صدري


بعدها لوّن بالمأساة عمري


فإذا هزتك مني يا صديقه


‏عبر صمت الليل صرخات غريقه


فاسمعيها وابك من أجلي ولكن لا تجيبي


فزهور الحب لن تنمو في روحي الجديب أنت


لو جئت سينساك فؤادي


‏تحت وقع السوط ينشق


ينادي يتمنى حب أخرى لا تطال


‏لن تخليه غوايات المحال


‏وكفاني أنني سمّرت


- لم أختر-


لآلالم الصليب فاسمعيني


وابك من أجلي ولكن لا تجيبي







شتاء لا يرحل


-------------



‏على أفقنا تتمطى الغيوم
تجوب ببط ء تخوم السماء
وتوشك تهمس أن الشتاء
تناهى
‏وودع أيامنا
‏وخلف في الأرض أحلامنا
وعودا بخصب
‏ثمارا لحب
‏وعاه ضمير الثرى والمطر .

تناهى الشتاء
‏تناهى الضجر
‏قريبا يطل علينا القمر
ينقل فوق التلال خطاه
ويسكب في عمقنا من ضياه

تناهى الشتاء
‏تناهى الضجر
وأعلم أني أحب الربيع
وأصبو إليه صبو اشتهاء
ولكن قلبي يعاني شتاء
‏يلوح بلا موسم منتظر
احس الدموع به تنهمر
واسمع فيه خواء الرياح
و رجع النواح , شتاء
شتاء

‏يلوح بلا موسم منتظر
وماذا لو أن القمر
تغيب عن أفقنا أو
خطر سواء
‏سواء
‏فعمري شتاء.







أحزان صحراوية
------------------


من زمــــــــانْ
من تجاويف كهوف الأزلية
كان ينساب على مدّ الصحارى العربية
ليّنا كالحــلم سحريا شجيا
كليــالي شهرزادْ
يتخطى قمم الكثبان
يجتاز الوهادْ .

من زمـــانْ
شربتْ حسرة ذاك الصوت
حبّات الرمـــــالْ
مزجتــــه في حناياها
أعادته إليّــــا
ليّنا كالحلم سحريا شجيــا
فكأني قد تنفّسْت شجونهْ
وكأن الصوت في طيّـــات صدري
رجّــــع اليوم حنيـــــنهْ
فأراهْ
بدويا خطّت الصحراء لا جدوى خطــــاهْ
موحشا يرقب آثار الطلـــول .

من زمــــــــانْ
غير أني
كلما استيقظ في قلبي اشتياقْ
لمزيد من تداني والتصاقْ
كلما ضجّ نداء البوح
في أرجـــــاء ذاتي
كلما بوغــتّ أني
أتناهى بانسراب اللحظات
كلما أحسست أني
بعض دفء الآخرين
خلتني عدْت أراه
بدويا خطّــت الصحراء لا جدوى خطاهْ
سار في عينيه وهج الشمس
والرمل وعود برمــــــــالْ
ومدى الصحراء صمت
وعذابات ارتحـــالْ ،
فتغنّـى
وسرى الصوت على مدّ الصحارى العربيةْ
مودعا في الرمل غصّات أغانيــــه الشجيـــةْ




مرثية القافلة الأولى
--------------------


طلع الصباح على العيون الطيبة
و مع الظهيره اطبقت
عشرون الفا مطفأة
عشرون الفا يد ممددة ولا
دفء يوسد امرأة
دع عنك قولك
في الغداة
النصرآت
لا.
‏الحزن ينقض
نسج قلبي
يمتد من قلبي
وحتى
‏لا نهاية
شحب الصباح
و الموت لاح
قدرا اخا
حط الرحال
و تجهم التاريخ للشعب
الضحوك
و دون جوله
ذبح الرجال
أدري بأني لو بكيت مصير شعبي
لو أعارتني ثكالى النوق حنجرة
سدى
أزجي لسيناء العجوز نحيب شعبي
أزجي لسيناء العجوز نحيب شعبي لا صدى.
‏عشرون ألف مقلة
نقر العقاب
‏لا تهذ بالنصر الملفق
إنني أنبيك
النور غاب
والليل أطبق
‏فليكن ليل - وكان.
‏الخيل ما صهلت على اليرموك
والقادسية قصة عجفاء
من هذر الفرات
‏فرس هناك , وليس غير
تسير مطرقة
‏تعثر في العنان
فرس الهزيمة , ليس غيره
عشية امتقع النهار بذل شعبي
والليل أطبق.
‏دع عنك ما يهذي الجهول
وما يلفقه المخاتل
‏الأمر في عيني ماثل ,
الريح مثقلة هوان
‏تمضي مع الأبناء والأحفاد
تسري في الزمان
‏باسم الذين تجندلوا
‏في أرض سيناء العجوز
زند سيبرق
‏كفّ جيل سوف تلتقف العنان
فرس الهزيمه تنثنى
وحوافر الحقد المورّث
تنقر الامس الميبس
بالهوان.
سيناء يا قلب اصم
عليك صلى الله يا جسد
العروبة
اسطرة ملاى بتاريخ
الجراح
تمددت فوق الرمال.
إنا منحناك الهزيمة
عز ما يهب الرجال
فليحترق تاريخ شعبي
إنا عبرنا الجسر
‏خلفنا ركام الورد والموّال
ذكرى من نفايات القرون
والطيبون المؤمنون
‏سيناء
عبروا ليغتسلوا بحمام الدماء.
سيناء يا للموعد الجهري
حيث حساب شعبي الذبح
هذي بعد أول قافلة
فلتحفظي شرف الريادة
‏في ضمير الرمل سرا.
‏حتى إذا شقت سجوف الليل فجرا
تدرين أن دماءنا
‏زيت يضيء على منارة
ويقال أن هزيمة
خطت الى الآتي فخاره
الأمر في عيني ماثل
وأرى البداية والنهاية
لكنما..
‏الحزن ينقض تسج قلبي
يمتد من قلبي وحتى
لا ‏نهاية.




نيسان و حكمه الجدار
-------------------[/CENTER]


ملقى هنا في غرفتي
و وجهك البريء يا صديقتي
يلوح عبر وحدتي
إشراقة
حنوه
‏ينساب في أوردتي
‏يعيدني إلى ضفاف البارحة،
البارحة
‏(نيسان وموسيقى الاعماق
وحنايا مبهمة الأشواق
وجنون اثنين إلى المطلق
قد ضاقت عنه الأ مواق
ألقته
ليته الاسطورة )
ابحرنا ننشد نجمينا
طوفنا دنيا من ألق
لا تعرف بعدا او حدا
ابحار ابدا ابحار
و يخّدر فينا الابصار
واخترنا عفوأ نجمين
وضحكنا ضحكة طفلين
وصمت لدن حانت نظرة
كانا ,
نجمين بعيدين
صديقتي
ملقى هنا في غرفتي
لربما يحفر الزمان جبهتي
وربما أحال عمري المضيعا
صحراء بلقعا
‏لكنني
‏فى عمق سر العظم في ضمير كل جارحه
قطرت ذكرى البارحة.
‏أظل يا صديقتي
‏يا نبعة سخية الحنان
أذكرها ما عادني نيسان.
لكنما
معذرة صديقتي
وددت لو ازوق الحروف
أهديكها
اغنية مسحورة الطيوف
‏واخترنا عفوأ نجمين
وضحكنا ضحكة طفلين
وصمت لدن حانت نظرة
كانا ,
نجمين بعيدين
صديقتي
‏حين الخيال موثق
على صليب غصتي.
فنحن يا صديقتي
‏نحن اللذين إذ نسير نطرق الجباه
خط لناء , من قبل أن نجيء للحياة
لسنا بفرسان الخيال , إن نشر نطاع.
حياتنا، لو تعلمين , مرة الصراع
‏من أجل عار لقمة
‏وسترة عن العيون
‏شعارنا ما زال من قرون
‏(مع الجدار سر
‏تكف قيلة عليك).
ونحن إذ نجوع
نصمت
‏لكي تكف شرها العيون
‏والبارحة
‏غفلت يا صديقتي
عن حكمة الجدار,
فمهجتي
‏أضحت لحين والهه
‏بحب نجم مبعد
يقال أن الآلهه
‏خصته لي رفيق
‏وكان أن أطعت ما تلفق الظنون.
وكان يا صديقتي
‏حلما قصيرا لاح وانطفأ
‏وعات للتراب
‏ممزقا،مضيعا
‏مشتت اللباب
‏صديقتي
‏وأنبأت خرافة النجوم
عن ألف سور بيننا
لأن لي شعار
‏خلقت
‏كي تصدق في
‏حكمة الجدار.



من المغترب
---------------

-1-

صديقتي
‏تحية من متعب حزين
تحية ترعش بالحنين
للمسة
‏لكلمتي عزاء
صديقتي
‏في المنتاى أغالب العياء
‏أنسج في الصباح من ذكراك أمنيه
أحلم بالمعاد
‏إذ يضمنا لقاء
‏أروع من توحدي سحابة النهار
لكنما يدركني المساء
‏إذ تخرج من الأحزان في مواكب
مواكب

نحيلة
شاحبة
‏هشيمة المناكب
تحاصر
الدروب
وتعرف الغريب
‏لتستقي من عينيه بقية الرواء
`أخاف يا صديقتي من أوبة المساء
غيومه تعبرني
‏مثقلة بالنشيج
مواكب الأحزان فيه تملأ الدروب
تحاصر الغريب
‏واحسرة الغريب

-2-

صديقتي
وجدفوا علي
ولوثت شفاهم اخر ما لدي
براءتي
وخيبة المسار
اللذباب – للذباب منتهى المطاف
يقتات ذوب مهجتي
وتسألين لما أنا حزين؟
معذرة - فأنت تسألين
قديسة لم تعرف الذباب
في وحشة اغتراب

-3-

صديقتي
‏كل العيون ها هنا حزينه فالحزن قد
غزا المدينه
‏جنوده الأقزام قد تسلقوا البيوت
وحط في آفاقنا سكوت
‏تشي الوجوه ها هنا
‏بأننا نشفقي . صديقتي
‏يقتاتنا السأم
‏برقة ودونما ألم.






المهجورون
--------------

يا بريق الحب عد ضوء دنانا
يا بريقا هو منا
‏نحن منه - تتشهاه رؤانا .
‏أنت حين انحسرت أمواجك البيضاء
عن شاطيء أحلام صبانا
‏وتلفتنا :
يباب الشط والصمت مرير
‏آه لارجة مجداف ولا إيماض بسمة ,
أه والعصر قصير
‏نحن أدركنا المصير,
فانتحبنا
‏وتعذبنا طويلا .
‏نظرات جمدت فوق جدار الليل
أعصاب مزيفة
‏أكبد تحرق في نار الحقيقة
نحن , نحن الأشقياء
‏مر أحباب بنا ألقوا بنظره
وأشاحوا الوجه عنا
فدعوناهم بذعر والتياع :

‏أبرياء نحن لكنا ضحايا الوحدة
الخرساء والخوف المردي والضياع.
يا أحبانا تعالوا
‏ليضم الواحد الآخر منا
بددوا الوحشة عنا .
‏ردت الدعوات في أعماقنا السفلى
وتاهت في مداها
‏آه ما أقسى صداها
‏ونكصنا نتمنى
‏ليتنا عدنا صغارأ
‏نبتني في الشاطىء الرملي بيت
ليت
‏لكن
‏ومتى تنفع ليت.



ملاح
----------

ربما غيري ملاحون طافوا كل بحر
قهروا الأمواج والأنواء ليلأ إثر ليل
وأذلوا كل هول
‏ثم عادوا مل ء أيديهم لآلي
ربما ...
‏لكنني وحدي و لا ملاح غيري .
من رمى في بحر عينيك شراعه
ضاع في عينيك .
‏لم يخش ضياعه
‏وليكن أني بددت بتطوافي عمري
بينما الشطآن تدعوني وتغري
‏أن أعود
‏كنت أدري
‏رحلة أمعن فيها خلف سر
‏هو في أعماق عينيك ولن يصطاد هذا السر غيري.







الشواطئ الأخيرة
---------------------

ولعينيك اللحون المتعبة
منهما جمعت معناي وفي
تيههما كان ضياعي .

‏لست أشكو فلقد شارفت شطآن السآمه
‏بردت لهفة شوقي والتياعي
‏ماتت الأضواء في عيني
‏لا ومض شعاع
‏لا غوى أخضر
‏لا لون سوى بعض قتامة
‏تتلاشى وأنا أعبر أيامي لشطان السامه.

ولعينيك اللحون المتعبة
‏ولعينيك ثمالات عطائي
‏سادر في حلم عينيك بقائي
‏وإذا ذللتا يوما إبائي
‏فعزائي
‏أن في عينيك أمطارا وألوان شتاء
وأنا قلبي يباب
‏وأنا والشمس تلغيني
فأغدو كالسراب

أتفيا بين عينيك
وأشتاق الضباب
‏ويؤدي اللحن في عظمى.

(هنا يحلو الزوال
‏ألق أبيض صاف لا يطال
يحضن الأسود
‏والأسود في الأعماق أرخى ثقله غير مبال
وبعيدا ترتمي الضوضاء
‏في كهف من العالم لا تعنى به عيناك
لا ‏أعنى به .. جد بعيد).

‏نظرة في أفق عينيك وتنهد الحدود
بارتخاءه،
‏عندما يسبل جفناك وتمتص أهداب الشرود
ينثني المد بصدري
‏وفياف تفتح الأبعاد
‏تقصيها .. وتقدي من جديد
وانتباهه ،
‏يومض البرق
‏يضج الموج
‏يرتج الوجود
‏مرفأ عينيك أنسى الموحش التائه
يوما تعبه
‏لهما منه عصارات اللحون المتعبة.

طالما غنى لعينيك
‏ولم يزعم عطاء
‏وهو يدري أنه من
‏فيض عينيك قد امتاح الغناء
موهن الساعد يمضي
‏عبر بحر من سخاء
‏سامحيه
‏واغفري إن عذاب الحرف
يلقي في الشرايين العياء .

واذكري أن اللحون المتعبة
آخر القطف قبيل الانتهاء .

‏أوشك الملاح أن يلقى لشطآن السآمة
أي شيطان .

‏هنا العمر لا شيء
‏سوى صمت انتظار وبلا
ماض ولا مستقبل محض
انتظار
‏كل حب
‏كل ذكرى
ترتمي حتى القرار
وهدوء في القرار
‏يعبر الملاح مخذولا لشطآن السآمه
فدعي يا أنت , يا أنت الملامة
‏لست أبكي لعذاب الصلب :مرحى لصليبيى أنا
أبكي محنة الوحشة في صدر الغريب حينما
لحت مع الجلاد
‏تلغيني إذن عيناك ؟
‏أغدو كالسراب ؟
‏في ضمير الكون شل البوح وانهد نشيج
سدت الدرب فلا حلم دخول أو خروج
آه , آه الجدب يقتات المروج .

‏ورمى الملاح لليم شراعه
‏كانت الخيبة ترتاد جبينه
‏ونأى.

‏رحلة نحو ضفاف دون حب أو ضغينة
وبلا ماض ولامستقبل: محض انتظار لا
تلومي
‏لا تلومي
‏أغلقت كل دروبي
فلتكن درب الفرار.





قطعة قلب للبراءة
-----------------

تخنقني أصابع الندم
‏تجتثنيء تحيلني شريحة من
الألم , لأنني بريء
‏وفوق ما تحمله
إرادتي أصحو:
‏أكون قد صلبت إخوتي
أحبتي
‏أضرع: يا ايزيس يا
ايزيس.. يامن فضضت
أرضنا
‏فتحت عن عطائها
الحبيس , لو جدت لي
بحفنتي دموع غسلت لي
خطيئتي
‏حملت عن ضميري
المعذب الامه وحمأة
التدنيس
‏لو جدت يا ايزيس.
‏لأنني أفجع بالصدى
‏يعود لي مرددا
‏دعائي الجريح
‏أحسني توترا يهفو إلى المسيح.

‏أخالني شربت جرتي حنان
ينصب من عينيه في كياني
وأنتشي لأنه افتداني،
‏وأنثني
‏أحس في فمي مرارة الدموع.
‏وظلمة كثيفة في ناظري تشيع.
لم يفدني المسيح
‏هيهات يستطيع.

‏يا إخوتي
‏انتم رواء
مقلتي صلبتكم
جرحتكم
‏جرحت قلبي قبلكم
‏وحينما ترد لي ايزيس دعواتي
لكم بسماتكم تهمي على روحي
مطر تروي بها عقم الصخر
‏لعل يوما تخصب
‏وعل يوما تهب.




رعب
----------

فجر صخبا
صخبا
صخبا
‏حاذر
‏في زاوية يقعي الصمت
الصمت نذير بالموت
فأسرع
فأسرع
‏أطلق صوت.

‏شدقاه انفتحا عن هوّه
بلعت أجيالا وعصورْ
عيناه لهاث مسعورْ
‏وأد الأحلام المرجوّه
‏في عيني عذراء صبيّة
كانت يوما‏
وتلاشت ذكرى مطويّة

صخبا
‏صخبا
‏ألحان زنوج نارية.

‏قهقهة عاهرة الاصداء
مرحى لعجوز شمطاء
للوحل اللزج على فمها
لرفاق الليلة
‏للبلهاء
ولتسحق
عذراء
صبية. .

كاس أخر
‏لحن آخر .

يا ليت الليل بدون نهار .
نخب الورعين مع الكفار .

فرغ الكأس.
‏وتداعت جدران في الرأس

خفت اللحن
‏ومشى في الأرصفة الموت

قدماه على شفتي طفلة
تطآن دعاء للقبلة
‏لم يبلغ أذن مناداه
‏والأن يمزق نسج الصمت
ينشق أمامي شدقاه
‏فأضيع وما حولي من صوت
لن تسمع حتى (أواه).


لـو
-----------


عذابات عمري
‏وبوحي إليك بما لا يباح
وغضبة كبرى
‏تغالب في دعاء انطراح.

يلحّ عليّ
ويصرخ أني
سأبقى وحيدا
‏أصالب ظني
يجفف روحي
لهاث التمني.

‏لو أنك يومأ شففت شففت شففت
‏وحرك فيك جمود الصنم ,
‏لو أنك أحسست طعم التناهي
فأحسست معنى صفاء النغم.

‏لو أنك - لو
‏لبلغت الألوهة
إذ فض قلبك
سر الألم.

وما زلت أسعى
‏وأشقى
احاول
قبض المحال
وأعنو
‏فينحل في الكلال،
‏يلف عروقي كالأخطبوط وأنت هناك
تحبين أن يشتهيك الرجال
‏وعيناك وحشيتان ترودان
‏أبعد مما يلبي الرجال
‏كأنهما تحملان رؤاك
‏جياع العروق لأدغال غاب
‏رؤاك!
‏ترى ولدت في الكهوف ؟
‏ترى رضعت من لبان الذئاب ؟
فأفرح فيك نداء الأمومة
‏هذا الحنين لضرب ناب
عذابات عمري
‏تحدّ، عناء وقبض سراب
ينابيع حب تجف سدى
وظمأى إلى الدم تهوي الذئاب.


الرحلة
------------

هو لايذكر شيئا عن عذابات الليالي الماضيه
تمت الرحلة
‏والوعد على القمة
‏والقمة لاحت دانية.
‏لحظة
‏طرفة عين
‏هي ذي القمة تبدو
ويرى
‏لم يكن ثمة شيء ليراه
لم يكن ثمة شيء ليمسه فإذا القمة جدا خاوية
لم يعد يحتاج إنسانا
‏و لاشيئا
‏و لايحتاج حسه.
‏واحدا يمثل، لايدري إذا كان وحيدا
واحدا يسمع لغط الريح
‏والصحراء في عينيه تمتد
وتمتد بعيدا ضجرا كان،
وما كان تعيسا أو سعيدا-
أو لعل الأمر لم يحدث

‏لعل الرحلة الموما إليها لم تكن
والمسألة
‏حلم مر طويلا وثقيلا وبليدا.
كان في القمة والقمة جدا باردة،
وإذا ما ارتجت أوصاله قد يتذكر
خبرا عن رحلة هابطة
‏أو صاعده.





غجرية
-------------

وحشة الليل على العينين تجثم
ونداء الغاب في البؤبؤ مبهم.
غجرية
‏كعمود النار قد يتلوى
وشفاه مترعات عنجهية.
‏يا جحيم الطبل والمزمار عد بي
لعشيات العصور الوثنية
‏عبر عيني غجرية
‏رحلتي خلف مسافات قصية
خلف ما يرتاد وهم أو خيال.
غجرية
‏قدم تضرب صدر الأرض , تعلو
وتدق الأرض دقا
‏زوبعات من غبار
و دوار
‏وعروق مجهدات.
تتلظى وقد نار.
أمطريني
أمطريني
من سديم الغيب زخات سخية
ألصقيني بالتراب
‏أنا من خلف ليل المدنية
‏ظامئا لم يسقني إلا السراب.
حين تكتظ النوادي بمساخر
بدمى آلية ترقص تانجو
يزحف الموت مع التانجو صموت
تتلاشى الحيوية
بخفوت
غجرية
جثث تهوي, تموت
‏مثلما ينتفض الطير الذبيح
مثلما تعصف بالأوراق ريح
يتهاوون إذا عربد جاز.
‏أيها البوق اللعين
‏أيها الناعق في ليل جموع الميتين
ليتني أصبحت أعمى
‏وأصما
‏قبل أن شهد ليل الميتين
غجرية
‏هارب يحملني مد الدروب
قدري الأسود مجهول رهيب
وتناهى بي مطافي
‏عند عينيين هما مقبرتا كل الخوافي.
غجرية
‏أنا إن أنحر لعينيك ضحيه
ففؤادي..
‏أمطريني
‏أمطريني
‏من سديم الغيب زخات سخية
أمطريني أنت ما زلت غنية
عبق الأعشاب في نهديك
والأرض الندية
‏لم يلطخ شفتيك الطين
بنيا وأحمر
‏لم تخوني منحة الشمس
فهذا الوجه أسمر
‏ما كسته حلل الوجه المزور.
غجرية
‏ما الذي تحمل عينيك من الأسرار
ألغاز الحكاية السرمديه
‏أنت لا ‏تدرين شيّا
ثورة الساقين تدري
عنفوان النهد يدري
و أنا أبحر في عينيك,
أشقى
غير اني لست ادري








عودة الرفاق المتعبين
--------------------

تسأل الغابية السمراء عما خلف صمتي
وتعريني بنظرة
‏فأحس الحرقة الحرى بحلقي
غاص نطقي
‏`أجلد الأحرف موجوعا أمزق.
أتحرق
‏وأرى عينا بعيني تحدق
‏أقبض الظلمة في كفي وأغرق.
غجرية

‏يا لهاث الرمل، يا إنساني الضائع
في أصداء موال حزين
الحكايات التي تروين
‏في خلجات أعصابي عادت تتململ
عن كليب وجراحات المهلهل
فأعيدي كل مل كان
‏ولا تقسي على جساس من أجل خيانة
كلنا كان يخون.
‏آه كلا
لا ‏تقولي!
ليس بي من جنون
واغفري لي
‏أترى تغفر ذنبا غجرية ؟
‏غجرية
‏كذب: من قال في عينيك أسرار خفية؟
‏مثلما تسعى على الأرض الديادين الغبية
أنت تسعين
‏خواء ملء عينيك بلاهة
‏وغباء مطبق يقعي وسقم وتفاهه
عنفوان النهد لا يغري
‏وجوع الساق لا يغري
‏وما في الكهف من مكنون ست
رحلتي كانت ضياعا
فوداعا
‏وإذا ما كان أمسي
تافهأ عافته نفسي
‏وإذا كان مصيري
شاطىء الصمت الكبير
‏حسر لا بسمة لا لوعة حسره.
يغرق النسيان ما ضج
‏بنبض العرق من شك وحيره
فأنا أطفأت في صدري إلحاح السؤال
حين أدركت المآل.
‏وعزائي
‏رفقة لم يصلبوا جساس من أجل خيانة
يسألون الحب يعطون محبة
يغفرون
كلنا كان يخون
يا غبية
لست الا غجرية





قصيدة كلمات ثقيلة
---------------------

دمعتان
‏طفتا فوق دخان
‏وعلى رأس لساني
‏صبتا طعم الألق
‏عندها أحسست قلبي
كنسيج من حرير يحترق.
(2)
باسم ماذا ؟
‏ابر الحزن على عينيك تنثال رذاذا
عمدوا في كأس سمّ
‏عظمك الصافي وعظمي
‏باسم ماذا ؟
‏نحن جسر للكوابيس الثقيلة
ترعد الأجيال فينا
‏ونعاني الموت غيله.
اعذريني
‏أنا لم أدفن جبيني
بعمامة
لا ولم ينحر يقيني
تحت كرسي اعتراف ,
غير أني
‏لي طقوسي وصلاتي
عندما تنزف روحي
في حنايا رعشاتي
اعذريني.. فالخطيئة
إن تمسيها استحالت
‏طفلة مشفقة القلب بريئة.
(4)
وتقذف الأمواج بي
وزورقي صغير
‏موله برغبة الإبحار فوق الأفق،
بوثبة يهم أن يطير
‏مغامرا
‏وينثني إلى المياه حائرأ
فموجة تشيله
وموجة تحطمه
ربّانه يصيح:
‏(أنا أحب أن أموت بارتعاش المطلق).
يرتج عظم زورقي
‏ينحل في أغنية
منسية
هناك..
خلف الشفق.
وأبعد- أبعد من كل ما قيل -
مالا بقال
فلصق ضميري تظل حروف
حروف ثقال
‏أشل عليها وليس تبوح
وتفعم صدري بطعم المحال
لماذا ؟
‏لأن طفرت دمعتان رأيت
بعينيك لون دخان
وأحسست ما لست أدري
و غفران عينيك
من اجل هذا الذي
لا يقال
تساقط , تهمي
دموع الرجال






العقد المفروط



--------------------



(وقالت:في أطلال القصر المهجور, لمحت عقدا مفروطا, رفعت منه خرزة زرقاء
وأحسست أنه كان لي في يوم ما).

‏(1) اللقاء
الغريبان إستفاقا
ولدا ذاك المساء
فجأة
و الوجه للوجه :
لقاء.
‏المسا يمطر حبا وأسى
والأسى حلو ومرّ
‏ورؤى مكدودة الخطو تمر.
(خرزة زرقاء أهدتك الخلود
صحوة في عيد ميلاد جديد
أي عقد فرطت حباته
‏بين يديك
‏في طلول القمر أغرى ناظريك
‏فانحنيت
‏بنت عشرين , استقمت
وعصور قبل روما
هرمت في مقلتيك)
( 2 ‏) نعيب البوم
‏المساء
رعشة العرق بتوق للبكاء
غصة في القلب،
‏`أثقال رصاص في الضمير
وتلو يائس خوف المصير
فاسمعيها يا صديقة.
‏(خرزة زرقاء لا تعطي حقيقة.
وكلانا رحلة مبهمة الأبعاد
لا ‏تؤدي لمرفأ
‏فاذا طيف من التاريخ أوما لا
مس القلب وأغرى بخلود أو
تباشير لميلاد جديد
صدقيني . أنت عيني .
‏إنه ومض الغوايات الكذوب).
( 3 ‏) طريق العودة
المساء أغنية أسيانة ترتاد قلبي
والمصابيح ترس الضوء محزونا بدربى
اى (باناورا) من المجهول جاءت
‏عبرت لاتفتدينى
تركتني
حائرا ما بين ظني ويقيني
فجاة والوجه للوجه، لقاء
فجأة لا شي حولي
غير ظلي
يتهادى موحش الوجه بدربي
والمساء أغنية أسيانة ترتاد قلبي



عصفورة قلبي
------------------

عصفورة قلبي يا حلوة يا
لون ونكهة أيامي
‏ضجر في لحمي وعظامي
مذ بعدت عينيك عن عيني
‏ضجر ضجر ضجر مضن
ولدن يتطافر بي نزقي
وأحس اللحظة من فرقي
تتطاول تطغى كالأبد.
أشقى وأصيح بها: هيا
قلبي منحدر فانزلقي
ودعيني يأكلني قلقي
لا بد ستظهر في الأفق
عصفورة قلبي تأتيني
بجناح حان تحضنني
وسأسمع همهمة الزمن
تنجاب بعيدا عن أذني
تنجاب
بعيدا عن أذني.
عصفورة قلبي يا حلوة
مدي أغنية تواقه
‏من آخر منفاك النائي
تتسلق تيه الأجواء
(عصفوري, مثلك مشتاقة
‏يا لون ونكهة أيامي
وبلحمي ضجروعظامي
حتى تلقاني
‏عصفوري).
‏طوفي كل الدنيا دوري
أرجاء الكون المعمور
تتناهى يوما غربتنا
يوما سيكون بميسوري
إذ أهتف:
عصفورة قلبي
أن أسمع صوتك:
عصفوري.




على أفقنا
-------------------

على أفقنا تتمطى الغيوم
تجوب ببط ء تخوم السماء
وتوشك تهمس أن الشتاء تناهى
‏وودع أيامنا
‏وخلف في الأرض أحلامنا
وعودا بخصب
‏ثمارا لحب
‏وعاه ضمير الثرى والمطر .
تناهى الشتاء
‏تناهى الضجر
‏قريبا يطل علينا القمر
ينقل فوق التلال خطاه
ويسكب في عمقنا من ضياه
تناهى الشتاء
تناهى الضجر
وأعلم أني أحب الربيع
وأصبو إليه صبو اشتهاء
ولكن قلبي يعاني شتاء
تناهى الشتاء
‏تناهى الضجر
‏قريبا يطل علينا القمر
ينقل فوق التلال خطاه
ويسكب في عمقنا من ضياه
تناهى الشتاء
تناهى الضجر
وأعلم أني أحب الربيع
وأصبو إليه صبو اشتهاء
ولكن قلبي يعاني



العجاج
--------------

‏مدلجا اسلم للريبة قلبه
ممعنا خلف يقين
مدعى
ضيع ربه
كنت امضي
ارفع الساق أحث الخطو لكن
عبثا تعبر ساق دون ارض.
ماثلا في حدقة التسآل شاهدت
قطارا من سنين
يتعدى حاملا ما لست ادري
لسواي
و رؤاي
ضجر خددت الريح جبينه
سطرات فيه احاجي
كحلته بذريرات عجاج
اي وهم
جمّد التاريخ في عروقي و عرى
للرياح الهوج ونهرا
تسبح الاجيال في خفقته
و هي لا تسأل إن كانت
ستلقى مستقرا.
أي وهم كان تضليل وحيره
‏خلجة من دون أعصاب
‏وخفق في الرماد وأحاجي
تتهادى في شرايينى طوفان عجاج
حين ساومت على الله نداءه:
‏‏(عد الى الصمت فرحم الصمت مأوى
لعيون حدّقت من دون جدوى).
وترددت
‏وكدت
حينها انشق ضباب التيه فجرا
وروت عيناك في رفة نظره
المكانين التي حيرة المصلوب حيره
حدثتني
‏(قطرة الماء التي تنأى إلى الشاطيء
لا ‏تفتح بحرا)
‏عبثا تشهق تهوي
‏في حضيض الأرض سرا
ويظل البحر غدارا بإذن
الأبدية.
‏أبدا يعبرني هذا القطار
حاملا لي
‏شجنا . مجدا
‏رعيلا من صغار
‏يرثون الأرض والتاريخ من بع
و لا إدلاج.. و لا وهم غبار.
ما لم يقل عن شهرزاد
شهرزاد
‏لم أسرت بي حكاياك إلى أمس دفيين؟
عبر سرداب من الأوهام يفضي ليقين
فإذا بي مثقل أحمل في جنبي سرا
ليس يدري
‏عن خفيات لياليك الطويلة.
(الف ليلة
‏كل ليلة
حلمك الأوحد أن تبقي لليلة).
قصة تروى ومذ كنا صغارا
حملتنا لأراضي الجن
‏عبر الريح والأنواء في عرض البحار.
وحببناك
‏حببناك كثيرا
وسهرنا ليلة في إثر أخرى
لهفة تسأل عما
‏كان من أمر أخيرا
‏وعفا من بعد الف شهريار
ففرحنا.
في بلادي، حيث عين الطفل والشيخ سواء
دعوة تحيا على وعد انتصار.
‏شهرزادي
‏شهرزادي يا صديقه
قيل ما قيل ووحدي
‏أنت أسررت إليه بالحقيه ألف ليلة
كل ليلة
‏حلمك الأوحد أن تبقي لليلة.
فإذا ما الديك صاح
‏معلنا للكون ميلاد صباح
نمت والموت سويا في فراش
ألف ليله
غاض في عينيك إيماض التصبّي
واستوت كل المذاقات
‏فمر مثل عذب.
‏بعدها كان وما كان . صباح
أنت فيه بعض ذكرى عن صبية
أين منها شهرزاد.
‏فشهرزادي
‏خدعة ضللت الآذان عمرا
ورست في خاطر التاريخ دهرا.
أن عفا من بعد الف شهريار
وسنبقى
‏في بلادي - حيث عين الطفل والشيخ سواء
دعوة تحيا على وعد انتصار
‏كلما دق على الأفق شتاء
‏نتسلى بحكاياك الشجيه
‏ونغني لانتصار
‏لم يكن يوما ولا يرجى انتصار
تحت عيني شهريار






عودة الشيخ‏

هوذا شيخ الشتاء
أغلق الأفق وجاء
‏هو ذا ينقل في الشارع نقرات عصاه
قادم يحمل في سر اهابه
‏أدوات من فنون السحره
‏ريشة ترسم أقواسا على عرض السماء
وزنادا يشعل البرق وغليونا لتصعيد الغمام
فقفوا
‏ودعوا لغو الكلام
‏واهتفوا
‏مرحبا، شيخ الشتاء.



شهوة التراب
----------------‏

(قال آدم: هذه الآن عظم من عظامي ولحم من
لحمي, هذه تدعى امرأة لأنها من امريء أخذت
, لذلك يترك الرجل آباه وآمه ويلتصق بامرآته
ويكونان جسدا واحدأ).
‏(الاصحاح الثاني: سفر التكوين)
هنا معي
‏ياضلعي المقدود بين أضلعي
مفقودتي
‏كنا نجوس رفة
صدى لوقع رفة
‏تهويمة في خاطر الاشياء،
أنفاسنا
‏أفكارنا
‏أبرا من سكينة الاشياء
في مطلق العراء.
‏هنا معي
‏هنا معي
‏يا ضلعي المقدود بين أضلعي
تأتيني
عيناك تندى لهفة شهية السؤال
مدى أحاسيسي إليك فأسألي
‏ما لم يطف ببال.
‏و تسألين
‏تسألين بينما
‏تموج في عينيك وقع رفة
صدى انفلات رفة
‏نجوس في سكينة الاشياء
ثانية ننسل عائدين
‏نمج الاله في عذرية العراء
لكننا
‏- ما أوغل الحنين - ها هنا
وجها لوجه ها هنا
‏من أجل عينيك أحب سقطتي
أحب أرضي التراب هذه
وخبزي المجبول بالعناء
‏أرضي التي ورثتها
‏من شهوة السؤال في عينيك للمحرم،
ملعونة أحبها
‏يدفق حبا قلبها
أغنية لا ‏تنتهي
‏لا تنتهي
هنا معي
‏يا ضلعي الأحب بين أضلعي.



بلا عنوان
---------

ا . حقله النائم في صمت الظهيره
سادرعن ذكره
‏ترقص الاشواك والأرياح فيه
والجنادب
‏لا تبالي أن ظل الشيخ غائب.
ملكه عاد سبيه
هي ذي الصيفية الأولى عليه
ما تبقى منها إلا
‏نقلة في خاطري
‏جد خفية
2 ‏. لست أرثيه وإني
خاطري مر
‏ويعصاه الكلام إنما...
‏أعرفه حقا كريح الفجر يقظه.
وارى
‏الآن الختاما
‏أطبق الجفن ونام
ا سفا
‏وا أسفاه
ا‏الفتى الطائش قلبي
بات يشتاق السلام.



مرحبا
-------

‏رغم أن الحب مات
رغم أن الذكريات لم
تعد شيئا ثمينا
‏مالذي نخسر إن نحن التقينا
ابتسمنا وانحنينا
‏وهمسنا:
‏مرحبا
‏ومضينا .
‏ليس يدرى ما الذي نضمره في خافقينا
‏مرحبأ كاذبة نسكت فيها الناس حتى لا يقال
‏(آه يا عيني على الأحباب
‏عشاق الخيال ) الخيال<<.
وحدنا نعلم أنا
افترقنا
توتنتهى ما كان من حب قديم يوم
يوم قلناها معا:
\"حبنا كان خرافة\"
نحن كفّناه بالصمت ضننا أن نريق الأدمعا
‏وافترقنا
‏غير أن الأخرين
‏أعين مفتوحة دومأ علينا فدعينا
‏نمنع الالسن أن تمضغنا، واذا نحن التقينا
‏ابتسمنا
‏وانحنيا
‏وهمسنا:
‏مرحبا



السؤال
------------

قبل هذا اليوم كان كان طفلا
‏ملء عينيه سؤال ولذا غذّ خطاه
‏مسرعا خلف رؤاه
‏يستطيب الإرتحال،
وهنا باغته الصوت وقال:
(حيثما وجهت لا \"أين\"
‏فقف
‏هذه أرض المحال).
قبل هذا اليوم كان
كان طفلا
‏وهو طفلا ما يزال.
ولقد يعبر حينا
‏سالكا أي اتجاه ,
‏ولقد يذكر طيفا
‏من قديمات رؤاه
‏ولقد يضحك أو يبكي
‏فطفلا ما يزال
‏هو يحيا
‏والذي مات السؤال...



لكم انت تنسى
--------------

أنا يا صديقي
‏أسير- مع الوهم أدري
أيمّم . نحو تخوم النهاية
نبيا غريب الملامح أمضي
إلى غير غاية.
‏سأسقط، للابد، يملأ جوفي الظلام
نبيأ، قتيلأ وما فاه بعد بآيه
‏وأنت صديقي،
‏وأعلم، لكن قد اختلفت بي طريقي
عذيرك، بعد
‏إذا ما التقينا بذات منام
تفيق الغداة وتنسى
لكم أنت تنسى
‏عليك السلام.




حلولية
-----------

كان المساء
‏نهنهة طرية تنسل في مجاهل السماء
وواحدا مثلت فوق ضجعة الخليج
للحظة منسية بغير ما يقين
‏تراشقت في خاطري أصداء
‏كأنما نشيج
أنا الحزين أم هي
الاشياء؟ ‏خطوت خطوتين
‏أسفت أن وطئت فوق مهجة السكينه
طننت أنني
أعود والزمان للوراء
من قبل ألف دورة وقفت والمساء
نهنهة طرية تنسل في مجاهل السماء
(عيناي أين كانتا )‏؟
غيبني السؤال
‏أنا أكون
‏لم أكن
‏وحين لاأكون
‏من الذي يرى الخليج والصخور والفضاء
لعلها،
‏لعلها الأشياء
ترى الا‏شياء





موشح اندلسي
--------------


ها قبة خضراء
‏ها قوس كباب دمشق ساحات ,
‏ورود من مشاتل سوريا
لكنّما
‏اشيبليا اشيبليا
‏في قاعة أموية الأجواء
ترفل بالحرير
‏واللحن موجوع أسير
يتسلق العمدان ملهوف الحنين
و يشف
يقطر
والها
عذبا
حزين.
وعلى العيون
‏خلف المحاجر، في اختلاجات الجفون
الشام تولد تارة
‏الشام ثانية تموت.
اشيبليا
‏كتفاك عاريتان
‏ما ارتضتا عباءات يوشّيها القصب ,
وسدى أربت وجنتيك
‏بكف آت مغترب ,
هجر الديار معللا
أن قد ستولد سوريا
أخرى على إشيبليا
وثنية
عيناك قاسيتان , ذكرى عن مجامر بربرية.
جئنا لمعبدك الشموخ بحبنا
‏فعزفت عن قرباننا
‏صماء في وجه المحب , أما تدغدغك الهديه
يأتيك حاملها يغنيك الرجاء
وأنت صامتة عصيه ؟
‏ترقص الشام على قلبي نسيمات خفايا
- أه ما أحنى - فحتى الميت تعطيه شغافا.
كل مرج عاشق بين يديها
‏كل عين رأت النور عليها
‏مستهامه
‏وتناغى كل صب في هواها
أبدا لم تنكر الشام فتاها
لم تقابله بعين حجرية
‏تتصبى الأمس جمرا وطقوسا بربريه.
ويطوف ساقينا
‏كأسا تلي كأسا
‏بالوهم تغرينا
‏وتراوغ الحسا
‏فلعلنا ننسى
‏إن كان ينسينا
وهم ولو حينا.
بردى في العين صبحا ومساء
يتراءى
‏كل أحبابي على صفحته
(ونديم همت في رفقته
‏وبشرب الراح من راحته)
‏(كلما استيقظ من غفوته
‏جأب الزق اليه واتكا)
فبعيد الدار في غربته
‏إن صحا غنى وإن غنى بكى.




شهرزاد
-----------[/CENTER]

لم أسرت بي حكاياك الى أمس دفين؟
عبر سرداب من الاوهام يفضي ليقين
فاذا بي مثقل احمل في جنبي سرا
ليس يدري
عن خفيات لياليك الطويله.
(الف ليله
كل ليله
حلمك الاوحد ان تبقى لليله)
قصة تروى ومذ كنا صغارا
حملتنا لاراضي الجن
عبر الريح والانواء في عرض البحار
وحببناك
حببناك كثيرا
وسهرنا ليلة في اثر اخرى
لهفة تسأل عما
كان من أمر اخيرا
وعفا من بعد الف شهريار
ففرحنا.
في بلادي، حيث عين الطفل والشيخ سواء
دعوة تحيا على وعد انتصار.
شهرزادي
شهرزادي يا صديقه
قيل ما قيل ووحدي
انت اسررت اليه بالحقيقه
الف ليله
كل ليله
حلمكِ الاوحد ان تبقي لليله
فاذا مالديك صاح
معلنا للكون ميلاد صباح
نمت والموت سويا في فراش
الف ليله
غاض في عينيك ايماض التصبّي
واستوت كل المذاقات
فمرٌّ مثل عذب.
بعدها كان وما كان-صباح
كنت فيه بعض ذكرى عن صبيه
اين منها شهرزاد؟
شهرزادي
خدعة ضللت الاذان عكرا
ورست في خاطر التاريخ دهرا
ان عفا من بعد الف شهريا
وسنبقى
في بلادي- حيث عين الطفل والشيخ سواء
دعوة تحيا على وعد انتصار
كلما دقّ على الافق شتاء
نتسلى بحكاياك الشجيه
ونغني لانتصار
لم يكن يوما ولا يرجى انتصار
تحت عيني شهريار


[RIGHT]فهرس القصائد [/CENTER]

1. لحظات من خشب

2. ثلاث اغنيات للضياع
3. المستحيل
4. شتاء لا يرحل
5. أحزان صحراوية
6. مرثية القافلة الأولى
7. نيسان و حكمه الجدار
8. من المغترب
9. المهجورون
10. ملاح
11. الشواطئ الأخيرة
12. قطعة قلب للبراءة
13. رعب
14. لـو
15. الرحلة
16. غجرية
17. عودة الرفاق المتعبين
18. قصيدة كلمات ثقيلة
19. العقد المفروط
20 . عصفورة قلبي
21.على افقنا
22. العجاج
23. عودة الشيخ
24. شهوة
25. التراب
26. بلا عنوان
27. مرحبا
28. السؤال
29. لكم انت تنسى
30. حلولية
31. موشح اندلسي
32. شهرزاد





اعداد :
----------------

الاديبة سلام الباسل / فلسطين .....الأديب عدنان حماد / فلسطين
الاديبة عبير محمد / مصر .....الاديب د لقمان شطناوي /الأردن
الاعلامية عائشة منافع / المغرب .......الأديبة نفيسة التريكي / تونس
الأديب نعيم الغول / الأردن ....... الفنان محمد الناسك / الأردن
الاديبة بشرى بدر/ سورية ....... الاديب زياد السعودي / الاردن






 
/
موضوع مغلق


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:30 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط