|
⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
16-02-2024, 01:56 PM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
ريش النعام
تنبه بعد غفوة إلى أن صديقه غائب، أصيب بذعر شديد، فهو ملاكه الحارس، كيف سمح لنفسه أن يغادر دون أن يخبره؟! صار العالم في عينيه مظلما، صار كائنا مرعبا يهدد حياته. نهض بسرعة يبحث عنه، فمنذ كان صغيرا وهو يصرخ ولا من مجيب لتوسلاته، ولا أحد تنبه لما تحمله آناته الضاجة من رعب، ولا أحد تنبه لما تحمله من رسالة، ونما خائفا حتى من ظله، كل أشياء العالم تشكل له تهديدا، أي حركة أو نأمة يشعر بها موجهة ضده، فيسارع إلى الاختباء. قلبه يخفق بشدة، وملاكه الحارس، لا أثر له. هو الوحيد الذي فك شيفرة خوفه، فبسط عليه سلطانه، ورضي بأن يكون له تابعا، تنازل له عن كل شيء، يفعل به ما يشاء، مقابل أن يشعره بالأمان. هل تخلى عنه بعد أن قضى منه مصلحته؟ هل انتهت مدة صلاحيتي فصرت خردة؟ هل مل منه وذهب ليبحث عن آخر يطلب مثله الأمان؟ كيف سيعيش من دونه في هذا العالم الوحش وهو القزم الذي ما نمت له لا أظافر ليدافع بها عن نفسه، ولا جناحان ليحلق بهما بعيدا عن مصادر الخوف..
ذهبت إلى مطبخي وأعددت فنجان قهوة أستمتع بدفئها، ثم عدت إلى نافذتي.. كان ما يزال يبحث وبكل إصرار، يلتفت يمنة ويسرة ولا وجود للصديق، كيف يكون صديقا والصداقة لا تكون إلا في المواقف الصعبة. ها هو يتركه يواجه العالم من دون أسلحة، عاريا إلا من خوفه. تكاد الدموع تطفر من عينيه وقلبه لا يتوقف عن الخفقان الشديد حتى لتكاد الدماء منه تنفجر. مرعوبا من صغره، وكأن الرعب خبزه اليومي، وعليه أن يتحمل مصيره الخائب بكل جلد، وأنى له بالجلد؟ من أين يأتي به؟ كله كتل خوف متراكبة على بعضها البعض في بنيان هش ينهد لأقل نسمة أو صيحة قد تأتي حتى من داخله هو الذي يرى العالم بعيني الضعف، فيراه عملاقا ويرى نفسه ذرة خفيفة في ميزان الصراع، ثم إنه لم يتعلم كيف يواجه المخاطر بل كيف يواجه خوفه ويصرعه، ضخم العالم حتى لم يعد يرى نفسه تماما. قريبا سيحل الليل بردائه الاسود الفاحم، وستخرج الغيلان من غيرانها لتنزل به الأذى، أو ستزق جسده الهزيل بسبب سوء التغذية وكثرة التفكير. أحدس أنه يتساءل: أين المفر؟ أين سأبيت الليلة؟ وأين الصدر الحنون الذي سيحتويني، لأنعم بأحلام لذيذة كما كنت أنعم بها صحبة حارسي الأمين؟ أرتشف قهوتي فيسري دفئها في جسدي، وأتابع المشاهدة والكتابة. أراه يعدو في كل الاتجاهات، ولا منفذ ضوء يأتيه بالفرج، أشعر بالضيق، ولأتخلص منه، أرسم له طريقا ليسلكه، لكنه من دون حدس، لا يمتلك الحاسة السادسة، يضيعه كما ضيع حياته، وهل هذه حيات ليفخر بها؟ أقفل نافذتي ونافذة الكتابة وأضطجع على فراشي منتشيا باللحظة الهاربة. |
|||
19-02-2024, 02:01 AM | رقم المشاركة : 2 | |||
|
رد: ريش النعام
سلام الله أديبنا الأستاذ عبد الرحيم،
قصة حكت الكثير في إيجاز. ففي طيات كلماتها معان عميقة. هي واقع مرور النفس في تضخيم الأمور ما يجعلها أسيرة الفكر والخوف. وهي ما جرى مع شخصية روايتك الهامة. فبمجرد مفارقة (صديقه) له انتابته كل الظنون السيئة مجددا ما دفعه للهروب من واقع. بالطبع، لا ننكر خيانة صديقه إذا جاز التعبير وهو أمر بالغ السوء، وله حساب عسير، لكن هي الحياة ومادياتها، والاتكال على الله عز وجل. بوركتم ودام عطاؤكم الفريد. |
|||
19-02-2024, 03:18 AM | رقم المشاركة : 3 | ||||
|
رد: ريش النعام
استمتعت بالقراءة هنا.. كانت القفلة رائعة ككل الحكاية..
رحلت عني.. فبقيت وحيداً ولكنه يوم عدت.. لم يجدني! . . كل الاحترام والتقدير لمبدعنا التدلاوي
|
||||
26-02-2024, 01:29 PM | رقم المشاركة : 4 | ||||
|
رد: ريش النعام
اقتباس:
شكرا لك على حضورك البهي. سعيد بقراءتك التي فتحت النص على أمداء جديدة. بوركت والمودة. |
||||
26-02-2024, 01:30 PM | رقم المشاركة : 5 | ||||
|
رد: ريش النعام
اقتباس:
سعيد بحضورك الجميل. شكرا لك على استحسانك. تقديري. |
||||
26-02-2024, 05:40 PM | رقم المشاركة : 6 | ||||
|
رد: ريش النعام
وكأنه الإلهام والقلم ..
القلم الذي يبيت بجانب الإلهام يشتم منه رائحة الأمان لا يخشى الضعف والهشاشة يسكنه يقين التحليق متى ما ضاقت عليه الأرض بما رحبت يغفو مطمئنا مستكنا القلم هزيل دون عملاق الإلهام .. القلم عار من النبض ما لم يسرِِ داخله دفء الإلهام .. سيبدو بدونه هزيلا خافت النبض.. لقد خلقا معا وقطعا العهد أن ينموا سويا إلا أن الإلهام فتي له دور الأبوة والأمومة والقلم تائه قد يستحيل خردة لا معنى له .. قد يشعر بالذعر دون ملاكه الحارس قد لا يستوعب مفردات العالم قد لا يستجيب العالم لصراخه ولا هو بالمستجيب للأنات التي يضج بها العالم حوله .. يبادل العالم ذعرا بذعر عجزا بعجز فلا أظافر له لينحت ولا جناحان له ليحلق وقد تخلى عنه إلهامه .. قص ماتع إن قرئ برمزيته أو كما هو بجمال طرحه أخي المكرم التدلاوي / عبد الرحيم
|
||||
15-03-2024, 08:43 PM | رقم المشاركة : 7 | ||||
|
رد: ريش النعام
" ريش نعام "
يتبين لنا هنا أنه مجرد أوهام .. الراحة/الأمان الدنيوي أمر مؤقّت إن لم نفقده بالخيانة سنفقده بشكل آخر .. لو أخذنا المعنى المباشرة نجد في التعلق من منطلق الضعف مصيبة تنال من المرء و تهلكه كما جاء في النص كثيرون مروا و يمرون بما عاشته الشخصية هنا و انتهى بهم الأمر إلى أسوأ الأحوال و إذا أخذنا المعنى المجازي كما ورد في قراءة الوارفة راحيل فإننا نحلق في فضاء التأوبل الرحب و في هذا ملمح جد مميز شكرا جزيلا أديبنا الفاضل عبد الرحيم التدلاوي على هذا النص الموغل في انفعالات النفس البشرية نص يحكي الواقع و يرصد عثرات الكثيرين نحياتي و كل التقدير |
||||
|
|
|