|
⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
28-04-2021, 10:50 PM | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
مواعيد ريما
موعد دون موعد (موعد أول)
في سفري اﻷول، بينما كانت الشمس تسرع الخطى نحو المغيب، كنت منزويا في المقعد اﻷخير للحافلة، سابحا في دواخلي، و عبثا تحاول عيناي إلتقاط الصور ..إعترضت سيدة في اﻷربعين من عمرها الطريق و أوقفت الحافلة...إعتذر لها السائق و مساعده بألا مكان لها في الرحلة ..كانت تبكي خوفها من الليل و الوحدة في مكان قادتها له ظروف وحدها تعلمها...ربما حركني حب أمي ﻷتنازل لها عن تذكرتي و مقعدي، و آخذ ضياعها و انتظارها على قارعة الطريق...الشيء الذي صفق له الركاب الذين لا يجيدون إلا الهتاف للإنسانية، و لم أر من بطولة في اﻷمر ... الغريب الذي حصل أنه بعد إبتعاد الحافلة بأمتار قليلة، توقفت مرة أخرى لتنزل فتاة في عقدها الثاني، تحمل حقيبة صغيرة و كتاباً لم أميز عنوانه...غادرت الحافلة تشق طريقها نحو المجهول المنتظر، و قصدتني الفتاة ..صافحتني و قالت ما دفعك لفعل هذا ..ابتسمت لها و قلت لا أعرف....انتبهت لغرابة لهجتي و أمطرتني باﻷسئلة و التعجب، و كأنني من مدينة أفلاطون الفاضلة ... حينها أجبتها بسؤال...ما الذي أنزلك ؟!...قالت كنت ﻷعيش حيرة السؤال و الندم أني لم أعرف من تكون...فنزلت ﻷشق معك طريق المغامرة ...قلت اﻵن أنت تصعبين علي ثمن المقامرة...قالت كيف ؟ قلت ستحسبين علي، فكيف أحميك في وطنك، و كيف تأمنين على نفسك معي!! قالت خوفك على تلك المرأة قال ما لن تقله...و استغرقنا في الحديث و كأننا نعرف بعضنا منذ زمن بعيد... كنا نلوح لكل من يمر بنا ليأخذنا معه، و نحن نتمشى على جانب الطريق، و أخيرا جاء الفرج بتوقف سيارة يقودها شاب و يرافقه شيخ كبير ، علمت أثناء الطريق أنه والده ، أوصلانا إلى داخل المدينة و انصرفا ، كان اسم الفتاة "ريمة"، تبادلنا العناوين و كل ما يضمن لنا تواصلا مستقبليا، ودعتها و ملامح وجهها الملائكي قد نحتت على جدران ذاكرتي، كانت تشبه الحمامة البيضاء تماما الموعد الثاني مرت اﻷيام كمطر الشوق، لتملأ أودية التوق بطوفان من الرسائل و المكالمات، أوقدت نار الحنين، و جعلت الغاية رحلة للقاء يشبع فضول العين، أربعة أشهر من الغياب الجسدي كانت كفيلة بأن تقعد كل أولويات الحياة على كرسي اﻹنتظار، فليس أجمل من أن تمسك بيد من تحب، و تغردا معا كل تلك القصائد التي أثقلت حقيبة ساعي البريد طيلة أشهر، لم تكن من مناسبة رسمية للسفر، و للقلب مراسيمه الخاصة و مواعيده التي يرغمنا دائما على اﻹستجابة لها، إنها تجربة الحب اﻷولى و البوح البكر و العفوية المطلقة، ترددت كثيرا على السفارة، مختلقا للسفر أسبابا مزعومة، رحلة غير معتادة في شهر البرد و اﻷمطار، لم أكن أبالي بالمطبات و لا بالانتظار في المطارات، حتى أني نسيت رقم المقعد و نسيت كل تلك اﻹجراءات بين الشرطة و الجمارك، الغاية نبض ينتظر، و نبضي منقطع لذاك الانتظار، تركت حقيبتي و خرجت ﻷمد عنقي للبوابة ﻷنظر إن كانت هناك ... كانت هناك تقفز و هي تلوح لي بيديها و تصرخ باسمي، لم أعد أذكر ماذا فعلت لحظتها، عدت ﻵخذ حقيبتي و خرجت على عجل، نار و ماء عناق كعائد من الحرب أو من اﻷسر بعد عمر من الغياب ، كان الناس ينظرون بغرابة و تعجب و كنا أو لم نكن، إنها سكرة الشوق حين تشرب نخبها اﻷخير، خرجنا نجر الخطى يد على الظهر و أخرى على الكتف، إلى أين نمضي؟ سؤال الغريب العفوي حين يحاول إنكار البديهي، قالت إلى الفندق ترتاح و بعدها نلتقي قلت إلى الفندق أتخلص من حقيبتي و ها نحن في لقاء في طريقنا للفندق كانت نفس الكلمات تتكرر، و كأننا لم نصدق بعد أن لعنة اللقاء قد حلت بنا، و لا يتبع اللقاء إلا الغياب، وصلنا الفندق، حتى أني لم أدخل الغرفة، أعطيتهم الحقيبة و انطلقنا...تسكعنا طويلا و أرهقتنا الأعين التي تلاحق جنوننا ، فاشترينا تذاكر لزيارة الحصن الأثري، لا لنتحدث عن التاريخ أو لنقف على الأطلال، بل فقط لنسرق قبلة بعيدا عن ضجيج الشوارع، خرجنا و نحن نضحك على فعلتنا، كل هذه الحيل و هذا الجنون من أجل سرقة قبلة تؤجج نار القلب أكثر من أن تشبع فضول الشوق، قلت لها الآن فقط أشعر بالتعب ، سأذهب للفندق و غدا لنا لقاء موعد ثالث في موعدنا الثالث التقينا في العاشرة صباحا ، كانت تنتظرني في مطعم الفندق و قد طلبت فطورا لشخصين ، قالت كي لا نضيع مزيدا من الوقت تحت الإسمنت المسلح ، غافلتها من الخلف وأغمضت عينيها ، إرتجفت و عن غير قصد سكبت كأس الماء على ساقيها ، لم تتأفف بل كانت ضحكتها تملأ المكان ، قالت تمازحني هذا بلل فيه تهمة ، ... تناولنا فطورنا و نحن نتحدث عن ثقافة الطبخ في بلدينا ، كنت أحكي لها عن البطبوط المدهون زيتا و عسلا مع الشاي المنعنع الذي تعده أمي "رحمة" كل صباح ، كنت أسخر منها حين تخبرني أنها تعشق الجبن والمربى و كأس الحليب صباحا ، كان موعدا غريبا و سعيدا جدا ، قامت تسبقني ، اليوم أنا أدفع الحساب كي لا تتهمنا بالبخل ، أردفت أنا "اللهم أدمها نعمة و إحفظها من الزوال" ضربتني على كتفي و قالت ، زد غظني أيها المحتال ، خرجنا من الفندق ، كان اسمه "سوسن" على ما أذكر ، قالت اليوم لا سيارات أجرة و لاحافلات ، سنتمشى معا حتى إذا تعبت أحملك، و ما أملك من واجب الضيافة يحتم علي ذلك ،كنت أشعر أن قلبها ينبض ضحكا و سعادة ، عرجنا يومها على محلات الصناعات التقليدية و المآثر التاريخية ، كانت تشرح لي و تستفيض دون أن تقصي جانب المداعبة ، كنت سعيدا جدا و أنا الغريب في بلدها ، تناولنا الغذاء في موعد متأخر ، كان سمكا مشويا، أذكر أني أمسكت بحلقي و كأن شوكة تخنقني كانت ملامحها قد اختنقت قبل أن أنفجر ضاحكا لتصب على رأسي كأس ماء، في مشهد ملأ الحاضرين ضحكا و تبسما ، لم نكن نأبه و كأننا نسبح في عالمنا الخاص ، ألغيت فيه الأجساد و ترهات الآخر ، كانت العفوية ترسم خطانا و مواقفنا ، الساعات الخمس التي تلت وجبتنا كانت بين مشي وجلوس أمام البحر ، لا أذكر أننا أغفلنا موضوعا لم نشر إليه في حديثنا ، بدءا بالتاريخ مرورا بالسياسة و الاقتصاد و الاجتماع و النفس البشرية بين هذه التقاسيم و خارج حدودها ، كان آذان العشاء حين انتبهنا، وكأننا كنا في سبات عميق و حضور منقطع لما يلقيه الآخر منا ، قلت أستغادرين؟ و كأنني أنكر عليها حقها في العودة مبكرا، وأن أمامنا أسبوعا آخر من اللقاءات ، قالت لا عليك ساعة إضافية أخرى على أن تتمشى معي لآخذ سيارة أجرة ، ودعنا البحر ببضع حجيرات رميناه بها نقول فيها لا تتجسس مرة أخرى على أحاديثنا ، قبل أن نغادر ، فتحت حقيبتها و أخرجت خاتما فضيا بحجرة سوداء، قالت هدية مني إليك فاحتفظ به ، لبسته .. كان مناسبا ، قلت لها ، لن أشكرك ، إبتسمت و ترجلنا نقصد الشارع العام ، لما تبدت لنا محطة سيارات الأجرة وضعت كفها في كفي ولفت أصابعها بين أصابعي ، تثاقلت خطواتي و لم أرمقها بنظرة ، أظنها هي الأخرى لم تلتفت إلي ، لكن بين يدينا سرى دفء قال الكثير و بأكثر من لغة ،.... صعدت السيارة و نظرات التوق عاجزة عن تمني ليلة الخير ، قالت ، أغدا ألقاك؟ قلت مبتسما سأحفظ كلماتها الليلة لأغنيها لك غدا، و انطلقت سيارتها لأقفل راجعا الى فندقي، و دفء كفها لم يفارق كفي بعد ، في طريقي و على غير عادتي اشتريت علبة سجائر ،كانت تحترق بين أصابعي بنهم ، بعدها بلحظات جاء الخبر ، عليك أن تعود لوطنك الليلة موعد رابع حين هممت بترك الفندق ليلتها ، لم أستطع أن أكلمها في منتصف الليل، كان الأمن على المحك و حرب الملشيات قد دقت طبولها ، تركت لها رسالة في مكتب الاستقبال و عدت للمطار، عدت أدراجي أجر ملامح الذكرى و وميض اللحظات ، روح تنساب في عمق الروح ، نبض داخل نبض، كان الوعد أننا سنلتقي قريبا و لو في بلد آخر إن استمرت أحوال بلدها في سوء، حددنا البلد و الموعد، و تحدثنا عن تفاصيل اللقاء و أحداثه، بنينا قصورا لبناتها أحلام، أو بنينا الأحلام على ظهر الزمن بمعول القلب، و الشاهد سماعة هاتف، كان الموعد يقترب و كانت الفرحة تزداد، ذات مساء انتظرت موعدها المعتاد للاتصال، انتظرتها دون جدوى، و حين اتصلت بها كان يرن ... بعدها لم يعد أي مشترك في ذاك الرقم!!
|
||||
|
|
|